عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قوانين مصيرية فى الدورة البرلمانية

انطلقت منذ يرمين الدورة البرلمانية الأولى لمجلس النواب الجديد الذى انتخبه الشعب المصرى وينتظر منه إصدار تشريعات مهمة ومصيرية كان من المنتظر إقرارها فى البرلمان الماضى وأهمها قانون الإدارة المحلية والإيجار القديم والأحوال الشخصية.

وعلى مدار ما يقرب من مائتى عام شهدت مصر حياة برلمانية نشطة، بداية من أول مجلس مارس فيه المصريون الحياة البرلمانية فى القرن التاسع عشر وحتى الآن، حيث مرت الحياة النيابية بفترات من الازدهار والقوة وفترات من الضعف.

كما أن مصر هى الدولة الرائدة فى ممارسة الحياة البرلمانية فى العالم العربى، وبدأتها قبل نحو مائتى عام، منذ عهد محمد على باشا والخديو إسماعيل اللذين وضعا اللبنة الأولى للمجالس النيابية، ثم ترسخت هذه التجربة عقب صدور دستور 1923 الذى أكد أن الأمة هى مصدر السلطات.

ومثلت الحياة النيابية صوت الشعب المصرى، ومن خلالها حصل على حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فلولاها لما صدرت قوانين العمال والتأمينات والحقوق الوظيفية، إضافة إلى إلغاء نظام السخرة والضرائب الباهظة، فضلاً عن استقلال القضاء ومجانية التعليم وغيرها الكثير.

فى هذا الملف ومع بداية دورة برلمانية جديدة، نرصد تاريخ الحياة النيابية فى مصر والممتد لمائتى عام، ودور حزب الوفد فيها، إضافة إلى رصد أبرز القوانين المصيرية المنتظر إقرارها فى البرلمان الجديد وتقييم الحياة النيابية بشكل عام..

 

200 عام من مشاركة الشعب فى السلطة

منذ ما يقرب من مائتى عام، عرفت مصر الحياة النيابية فى الوقت الذى لم يكن أى بلد فى الوطن العربى ومنطقة الشرق الأوسط بدأت به المجالس النيابية، ما يجعل مصر رائدة فى تأسيس وممارسة الديمقراطية وحكم الشعب وجعل الأمة مصدر السلطات.

ويعد تولى محمد على باشا حكم مصر فى 1805 أول مظهر من مظاهر الإرادة الشعبية المصرية، عندما قام علماء الأزهر وفئات الشعب بتنصيبه واليا على مصر دون انتظار فرمان السلطان العثمانى، كما جرت العادة، ولذلك يعتبر هذا الأمر أول استخدام لفكرة أن «الأمة هى مصدر السلطات».

وبعد زيادة أعباء الحكم الداخلية على محمد على وانفراده بالسلطة، بدأ يفكر فى إنشاء مجلس يساعده فى الإدارة ومناقشة الأمور التى يرسلها إليه ويعيد المجلس مقترحاته بشأنها إليه، وبالفعل تم تكوين «المجلس العالى» عام 1824، الذى يعد بداية الحياة النيابية فى مصر، وإن كان رأيه استشاريًا فقط.

وكان يتم اختيار بعض أعضائه بالانتخاب ويراعى فيه تمثيل فئات الشعب المختلفة، حيث تكون المجلس من 24 عضوًا فى البداية، ثم صار 48 عضوًا بعد إضافة 24 شيخًا وعالمًا إليه، وبذلك أصبح يتألف من نظار الدواوين، ورؤساء المصالح، واثنين من العلماء يختارهما شيخ الأزهر، واثنين من التجار يختارهما كبير تجار العاصمة، واثنين من ذوى المعرفة بالحسابات، واثنين من الأعيان عن كل مديرية من مديريات القطر المصرى ينتخبهما الأهالى.

وفى يناير 1825 صدرت اللائحة الأساسية للمجلس العالى وحددت اختصاصاته بأنها مناقشة ما يراه أو يقترحه محمد على فيما يتعلق بسياسته الداخلية، وتضمنت كذلك مواعيد انعقاد المجلس وأسلوب العمل فيه.

وشهد عام 1866 الخطوة الأهم فى تطور الحياة النيابية فى مصر بإنشاء «مجلس شورى النواب» فى عهد الخديو إسماعيل، الذى يعد أول برلمان يمتلك اختصاصات نيابية، وليس مجرد مجلس استشارى تغلب عليه الصفة الإدارية.

وأصدر الخديو مرسومًا بإنشائه يتضمن اللائحة الأساسية والنظامية للمجلس، التى تكونت من 18 مادة اشتملت على نظام الانتخابات، والشروط القانونية الواجبة للياقة العضو المرشح، وفترات انعقاد المجلس، وسلطات المجلس وأبرزها التداول فى الشئون الداخلية، ورفع نصائح للخديو، وقد تأثرت لوائح المجلس بشدة بالنظم البرلمانية التى كان معمولا بها فى أوروبا فى ذلك الوقت، خاصة الهيئة التشريعية الفرنسية.

وكان عدد أعضاء المجلس 75 عضوًا منتخبين من قبل الأعيان فى القاهرة والإسكندرية ودمياط وعمد البلاد ومشايخها فى باقى المديريات الذين أصبحوا بدورهم منتخبين لأول مرة فى عهد الخديو إسماعيل، إضافة إلى رئيس المجلس الذى كان يعين بأمر من الخديو.

وكانت مدة انعقاد المجلس 3 سنوات لمدة شهرين كل سنة، وقد انعقد مجلس شورى النواب فى تسعة أدوار على مدى ثلاث هيئات نيابية، فى الفترة من نوفمبر 1866 حتى يوليو 1879.

ومع مرور الوقت اتسعت صلاحيات المجلس تدريجيًا، وبدأت تظهر نواة الاتجاهات المعارضة، وقد ساعد على هذا التطور انتشار أفكار التنوير على يد مجموعة من كبار المفكرين والكتاب، إضافة إلى ظهور الصحف فى ذلك الوقت ما عزز المطالب الشعبية بإنشاء مجلس نيابى له صلاحيات تشريعية ورقابية أوسع، وانعكست هذه المطالبة فى عام 1879 بإعداد اللائحة الأساسية الجديدة لمجلس شورى النواب تمهيدًا لعرضها على الخديو لإصدارها، وهى اللائحة التى جعلت عدد النواب 120 نائبًا عن مصر والسودان.

وكان أهم ما تضمنته اللائحة تقرير المسئولية الوزارية، ومنح سلطات أكبر للمجلس فى النواحى المالية، غير أن الخديو توفيق الذى تم تعيينه فى يونيه 1879 بعد عزل الخديو إسماعيل رفض اللائحة وأصدر أمرًا بفض المجلس.

وعقب الاحتلال البريطانى لمصر 1882، صدر القانون النظامى فى عام 1883، وتضمن وقتها تكوين البرلمان من مجلسين هما «مجلس شورى القوانين» و«الجمعية العمومية»، كما أنشأ هذا القانون مجالس المديريات التى كانت وظيفتها إدارية وليس تشريعية، ولكنها كانت تختص بانتخاب أعضاء مجلس شورى القوانين.

وكان عدد أعضاء مجلس شورى القوانين 30 عضوًا منهم 14 معينون، بينهم رئيس المجلس وأحد الوكيلين، و16عضوًا منتخبًا منهم الوكيل الثانى للمجلس، وكانت مدته 6 سنوات.

أما الجمعية العمومية فكانت تتألف من 83 عضوًا منهم 46 منتخبًا، والباقى أعضاء بحكم مناصبهم، وهم أعضاء مجلس شورى القوانين، وسبعة وزراء، ويرأس الجمعية العمومية رئيس مجلس شورى القوانين.

وقد انعقد مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية فى الفترة من عام 1883 حتى عام 1913، فى 31 دور انعقاد على مدى خمس هيئات نيابية.

وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وقيام ثورة 1919 واستقلال مصر وصدور دستور 1923، أخذ الدستور بالنظام النيابى البرلمانى القائم على أساس الفصل والتعاون بين السلطات، ونظمت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على أساس مبدأ الرقابة والتوازن، فجعل الوزارة مسئولة أمام البرلمان الذى يملك حق طرح الثقة فيها، بينما منح الملك الحق فى حل البرلمان ودعوته إلى الانعقاد، ولكنه أعطى للبرلمان حق الاجتماع بحكم الدستور إذا لم يُدع فى الموعد المحدد.

كما أخذ دستور 1923 بنظام المجلسين، الشيوخ والنواب، وبالنسبة لمجلس النواب نص على أن جميع أعضائه منتخبون، ومدته خمس سنوات، أما مجلس الشيوخ فكان ثلاثة أخماس أعضائه منتخبين، والخمسون معينين، وأخذ الدستور بمبدأ المساواة فى الاختصاص بين المجلسين كأصل عام، مع بعض الاستثناءات.

ونستطيع القول إن الحياة النيابية المصرية الحقيقية بالفعل بدأت منذ ذلك الحين، وقد تزايد عدد أعضاء المجلسين من فترة لأخرى طبقًا لعدد السكان، فكان أعضاء مجلس النواب 214 عضوًا منذ 1924 وحتى 1930، واستمر فى الزيادة حتى وصل إلى 319 عضوًا فى 1952.

وكان البرلمان الذى نص عليه دستور 1923 خطوة متقدمة فى طريق الحياة البرلمانية والنيابية، إلا أن الممارسة على أرض الواقع شهدت بعض السلبيات أثناء تدخل سلطات الاحتلال والملك ما أدى إلى حل البرلمان نحو عشر مرات، فضلًا عن صدور دستور 1930 الذى استمر العمل به لمدة خمس سنوات وهو ما كان بمثابة نكسة للحياة الديمقراطية.

وعقب ثورة 1952 وانتهاء الملكية وبداية الجمهورية، مرت الحياة النيابية بفترات من عدم الاستقرار، وصدر دستور جديد للبلاد فى 1956، تم بمقتضاه تشكيل مجلس الأمة فى يوليو 1957 من 350 عضوًا منتخبًا، وقد فض هذا المجلس دور انعقاده العادى الأول فى 10 فبراير سنة 1958.

وفى فبراير 1958 ونظرًا لقيام الوحدة بين مصر وسوريا ألغى دستور 1956، وصدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة فى مارس سنة 1958، وعلى أساسه تم تشكيل مجلس أمة مشترك من المعينين (400 عضو من مصر و200 عضو من سوريا)، وعقد أول اجتماع فى يوليو 1960 واستمر حتى يونيه 1961، ثم وقع الانفصال فى سبتمبر 1961.

ثم صدر دستور مؤقت آخر للبلاد فى مارس 1964، تم على أساسه إنشاء مجلس الأمة من 350 عضوًا منتخبًا، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، انعكاسًا لصدور قوانين يوليو 1961 الاشتراكية عام 1961، إضافة إلى عشرة نواب يعينهم رئيس الجمهورية.

واستمر هذا المجلس من مارس 1964 إلى نوفمبر 1968، وأجريت انتخابات المجلس الجديد فى يناير 1969 الذى ظل قائمًا بدوره حتى أغسطس 1971، حيث مارس مجلس الأمة طوال هذه الدورات سلطاته الدستورية.

ثم صدر دستور جديد للبلاد فى سبتمبر 1971 ظل ساريًا إلى أن صدر إعلان دستورى فى فبراير 2011 عقب ثورة 25 يناير 2011، يتضمن قرارًا بتعطيل العمل بأحكامه.

وفى عام 1976 أجريت الانتخابات التشريعية على أساس تعدد المنابر داخل الاتحاد الاشتراكى العربى، وهو التنظيم السياسى الوحيد الذى كان قائمًا فى ذلك الوقت.

ولأول مرة منذ إلغاء الأحزاب السياسية عقب ثورة يوليو 1952، تجرى أول انتخابات تشريعية فى مصر على أساس حزبى فى 1979، شاركت فيها عدة أحزاب سياسية تكونت بعد صدور قانون الأحزاب السياسية فى عام 1977.

إلا أن التطوير ظل سمة من سمات الحياة النيابية المصرية ليأتى عام 1980 إيذانًا بعودة نظام الغرفتين مرة أخرى من خلال مجلسى الشعب والشورى بموجب استفتاء شعبى عام ليستمر العمل بنظام الغرفتين، وحتى قيام ثورة 25 يناير.

وشهدت الحياة السياسية المصرية طفرة من الحراك الشعبى باندلاع ثورتى 25 يناير و30 يونيو أعقبها عدة انتخابات تشريعية تمخضت عن إنشاء برلمان 2015 بموجب دستور 2014 الذى استفتى علية الشعب فى يناير 2014، والذى أعاد نظام الغرفة الواحدة ليصبح البرلمان المصرى تحت مسمى مجلس النواب.

 

ارقام * عنوان

200 عام هى تاريخ الحياة النيابية فى مصر

1824 تكوين المجلس العالى أول المجالس النيابية

 1866 إنشاء مجلس شورى النواب

1883 تكوين البرلمان من مجلسين «شورى القوانين» و«الجمعية العمومية»

1923 بداية الحياة البرلمانية الحقيقية بعد صدور الدستور

214 عضو عدد النواب منذ 1924 وحتى 1930

319 عضو عدد النواب فى 1952

1956 تشكيل مجلس الأمة

1979 إجراء أول انتخابات تشريعية فى مصر على أساس حزبى منذ إلغاء الأحزاب

1980 عودة نظام الغرفتين من خلال مجلسى الشعب والشورى

 

«الإدارة المحلية» و«الإيجار القديم».. على رأس القوانين 

تنتظر البرلمان الجديد أجندة تشريعية مزدحمة منذ البداية، خاصة أنها تحتوى على عدد من القوانين المصيرية والهامة للمجتمع المصرى أبرزها، قانون الإدارة المحلية، والأحوال الشخصية، والإيجار القديم.

البداية من قانون الإدارة المحلية الذى يعد من أهم القوانين المتوقع صدورها فى البرلمان الجديد، وكان من المنتظر إقراره فى البرلمان الماضى، لأنه استحقاق دستورى نص عليه الدستور.

وقد شهد البرلمان مناقشة مشروع القانون فى عدد كبير من الجلسات طوال الخمس سنوات السابقة، إلا أن مناقشاته كانت تتعثر بسبب إعلان رؤساء هيئات برلمانية عدة رفضه من حيث المبدأ، ومطالبتهم بإعادة صياغته من جديد، الأمر الذى دفع رئيس المجلس على عبدالعال وقتها بإعلان تأجيل المناقشة لموعد لاحق، حتى لا يصطدم المجلس بنص لائحى يمنع مناقشة مشروع القانون مرة ثانية فى نفس دور الانعقاد فى حالة رفضه من حيث المبدأ، ومنذ إعلان عبدالعال تأجيل المناقشة، لم يعلن عن موعد جديد.

من جانبه، قال أحمد السجينى، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، إن قانون الإدارة المحلية قانون دولة، لأنه يحدث أثراً فى مفاصل الدولة، سواء فى الاقتصاد أو الإدارة أو الاستقرار المجتمعى والعمل السياسى.

وأضاف السجينى أنه تم الانتهاء من القانون الذى يتكون من 156 مادة، وكان من المنتظر الموافقة عليه من قبل كافة الأطياف لتمريره إلا أن الأمر توقف، موضحا أن القانون معقد واللائحة التنفيذية الخاصة به تحتاج 6 أشهر، كما أن الجزء الخاص بالانتخابات لا يمثل أكثر من 15% من إجمالى القانون.

ولفت إلى أن الخلافات كانت ترتبط بجزء يخص الانتخابات وجزء يتعلق بتعريف العمال والفلاحين وحوكمة مدن المجتمعات العمرانية الجديدة، متابعاً: «البعض تحدث أن عددا من مواد مشروع القانون ومواد الانتخابات غير دستورية، لكن هذا غير صحيح، وتم إجراء مراجعات كثيرة على المواد».

وبعد الإدارة المحلية يأتى قانون الأحوال الشخصية، أحد القوانين المفصيلة والهامة جدا فى المجتمع، لأنه يحافظ على كيان الأسرة، وإذا خرج بشكل جيد دون عيوب أو انتقادات فإنه يحقق الاستقرار المجتمعى المنشود.

ولذلك فهذا القانون يحتاج إلى مناقشات موسعة ومستفيضة داخل البرلمان وخارجه من المؤسسات المعنية، وهو ما أدى إلى تأخر إصدار التعديلات الخاصة به طوال البرلمان الماضى.

ولأهمية هذا القانون تقدم أكثر من نائب سواء بمشروع قانون جديد للأحوال الشخصية أو تعديلات للقانون الحالى الذى مر عليه نحو 100 عام، حيث إن أول قانون لها صدر فى 1920.

ووفقا لعدد من نواب لجنة التضامن بمجلس النواب، فإن أبرز أسباب تأخر إصدار هذا القانون تتمثل فى أن البرلمان كان يراعى فى مناقشاته استطلاع رأى الجهات المعنية التى لم تحسم موقفها منه، وتباين وجهات النظر ووجود مؤسسات كانت متمسكة بأن تقدم هى القانون، وحينما ذهبت لها الاقتراحات المقدمة من النواب لم ترسل ردها وهو ما عطل مناقشة اقتراحات النواب، بجانب أهمية وحساسية القانون الذى يتطلب مناقشة واسعة له داخل البرلمان، وتعد مواد الحضانة والرؤية أبرز المواد الخلافية فى القانون.

أما قانون الإيجار القديم، فهو من القوانين المصيرية التى تخص ملايين المواطنين، نظرا لأهميته الكبيرة فى المجتمع وباستمرار يشهد خلافات بين مختلف الأطياف، ولذلك فهو يحتاج لحوار مجتمعى موسع وتوافق كبير حوله حتى يتم تعديله وإصداره، بما يحقق الصالح العام للوطن والمواطن.

وأكد عدد من نواب البرلمان أن هذا القانون شائك ويحتاج لدراسة مستفيضة وموسعة، ودراسة تبعات وتداعيات إقراره، مشيرين إلى أن أكثر من نائب تقدم بمشروع قانون جديد فى هذا الشأن، ولكن ضيق الوقت وازدحام الأجندة التشريعية وإصدار قانون التصالح فى مخالفات البناء أثر بشكل كبير على تأخر إصداره، ومن المتوقع مناقشته والموافقة عليه فى البرلمان الجديد.

 

«الوفد».. فارس الأحزاب تحت قبة البرلمان

 

تاريخ حزب الوفد تحت قبة البرلمان حافل بالمواقف الوطنية والمعارضة من أجل البناء، بداية من أول انتخابات شارك فيها الحزب عام 1924 وفاز بالأغلبية باكتساح، وتأليف سعد باشا زغلول للوزارة، مرورا بالعديد من المواقف التاريخية فى المجالس النيابية فى عهد الملك فاروق ومصطفى النحاس باشا، وحتى عقب انتهاء الملكية وإلغاء الأحزاب وعودتها من جديد عام 1978 وللحزب دور وطنى بارز يمارسه من خلال فرسانه داخل البرلمان.

فقد شهد 1924 أول انتخابات شارك فيها حزب الوفد عقب صدور دستور 1923 وإقرار النظام البرلمانى والفصل بين السلطات، تتويجا لكفاح الشعب المصرى ضد الاحتلال الإنجليزى، وحصول مصر على استقلالها بعد صدور تصريح فبراير 1922.

وجرت الانتخابات وتقدمت الأحزاب التى كانت متواجدة فى الساحة هذه الفترة، وهى «الوفد والأحرار الدستوريين والحزب الوطنى»، وقد حقق فيها الوفد نجاحا ساحقا وفاز بالأغلبية، وشكل رئيسه سعد باشا زغلول الوزارة، وتم افتتاح البرلمان فى 15 مارس 1924، وألقى سعد باشا خطاب العرش نيابة عن الملك، وسميت بـ«وزارة الشعب»، وعرض برنامج وزارته وكان يهدف إلى التخلص من التحفظات الأربعة فى تصريح 28 فبراير 1922 التى كانت تعوق الاستقلال التام لمصر، فطرح مطالب وزارته التى تمثلت فى الاستقلال التام بجلاء القوات الإنجليزية عن البلاد، وقيام مصر بمسئولياتها فى حماية قناة السويس، وحرية الحكومة المصرية فى وضع سياستها الخارجية، وأن تتولى الحكومة شئون الأقليات

والأجانب.

ولكن الحكومة البريطانية رفضت هذه المطالب وناصبت وزارة سعد العداء، وجاءتها الفرصة عندما قام أحد المصريين بدافع الوطنية باغتيال سردار الجيش المصرى فى السودان سير لى ستاك وهو فى القاهرة، فاستغلت الحكومة البريطانية هذا الحادث ووجه لورد اللنبى إنذارا لوزارة سعد باشا يطالب فيه بأن تقدم الحكومة المصرية اعتذارا عن هذه الجريمة، وأن تقدم مرتكبى هذه الجريمة والمحرضين عليها للمحاكمة والعقاب، وتعويض مقداره نصف مليون جنيه استرلينى للحكومة البريطانية، وأن تسحب القوات المصرية من السودان.

وكان الإنجليز يهدفون من هذا الإنذار إبعاد مصر عن السودان لتنفرد به بريطانيا، ووضع السودان ومصر فى تنافس اقتصادى حول محصول القطن وظهور إنجلترا بمظهر المدافع عن مصالح السودان إزاء مصر.

وافق سعد زغلول على النقاط الثلاث الأولى ورفض الرابعة، فقامت القوات الإنجليزية بإجلاء وحدات الجيش المصرى بالقوة من السودان، فتقدم سعد باستقالته.

بعد الاستقالة كلف الملك فؤاد، أحمد زيور باشا برئاسة الوزارة وحل البرلمان، ولكن نواب البرلمان اجتمعوا خارج البرلمان وقرروا التمسك بسعد زغلول فى رئاسة الوزراء، فقامت الحكومة البريطانية بإرسال قطع بحرية عسكرية قبالة شواطئ الإسكندرية فى مظاهرة تهديدية، لذلك قرر سعد زغلول التخلى عن فكرة رئاسة الوزراء حتى لا يعرض مصر لنكبة أخرى مثلما حدث عام 1882 واحتلال الإنجليز مصر.

وقد لجأ الملك إلى تزوير الانتخابات المتتالية بشتى الطرق ليمنع وصول الوفد إلى السلطة، ولكن الشعب دائما ما كان يمنح الأغلبية لـ«الوفد»، وشكل مصطفى النحاس باشا الحكومة عقب وفاة سعد زغلول، ورغم ذلك دائما ما كان الملك لا يترك لوزارة الوفد فرصة استمرارها فى الحكم لآخر مدتها الدستورية، فلجأ بعد أشهر معدودة إلى إقصاء النحاس عن الحكم بالإقالة مسيئا استعمال نص دستورى، قاصدا عدم استمرار الوزارة واستقرارها حتى لا تتمكن من تقديم مزيد من الخدمات والإصلاحات والتشريعات التى تعود بالخير على الشعب.

ومن أهم ما حققه حزب الوفد، الجمع بنجاح بين المسلمين والأقباط فى حزب واحد يسوده التفاهم والوفاق، واستطاع فى كل الانتخابات التى اشترك فيها أن يكتسح الأحزاب التى وقفت ضده، ونجح فى تشكيل عدة وزارات بداية من 1924 ثم 1926- 1928 وفى 1930 ثم فى 1936 - 1937، ثم فى 1942 - 1944، ثم فى 1950 - 1952، وكانت وزارته تأتى بعد الفوز فى انتخابات حرة، وتنتهى بأزمة مع الملك.

فى عهد برلمانات وحكومات الوفد، شهدت البلاد العديد من الإنجازات على الصعيد الاجتماعى والاقتصادى والسياسى، أبرزها إلغاء سخرة النيل عام 1936، والتى كان بمقتضاها يسوق عمد القرى ومشايخها خيرة شباب القرية ورجالها الفقراء دون الأغنياء والوجهاء دون مقابل، لحراسة جسور النيل أيام الفيضان، كما ألغيت ضريبة الخفر عام 1936، وبمقتضاها كان عمد القرى ومشايخها يقومون بتوزيع أعباء هذه الضريبة على فقراء القرية دون أغنيائها، وإعفاء الأهل والأقرباء والأصهار على حساب الفقراء، وكثيرا ما تسببت هذه الضريبة فى خراب بيوت أهل القرى وبيع مواشيهم وحليهم وأثاث بيوتهم لسدادها.

وفى ظل حكومات وبرلمانات الوفد ألغيت الامتيازات الأجنبية عام 1937، وكان لمصطفى النحاس باشا الفضل فى إلغائها بمؤتمر مونتريه بموافقة الدول صاحبة الامتيازات ورضائها، دون إحداث هزات تعرض البلاد للمخاطر، وأصبح الأجنبى وأمواله خاضعا للقوانين والمحاكم المصرية بعد أن كان يحاكم أمام محاكم أجنبية تعقد على أرض مصرية امتهانا لقضائنا وإنكارا لقوانينا.

إضافة إلى إصدار قانون استقلال القضاء عام 1943، وبمقتضى هذا القانون أصبح القضاء سلطة مستقلة بذاتها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وقد نظم القانون طريقة تعيين القضاة وترقيتهم ونقلهم وندبهم وعدم قابليتهم للعزل، وتحديد واجباتهم وحقوقهم وطريقة محاكمتهم وتأديبهم وتنظيم كل ما يتعلق بأمورهم.

وبجانب ذلك صدرت العديد من القوانين الهامة فى تاريخ مصر خلال حكومات وبرلمانات الوفد، منها قوانين العمال وقانون الضمان الاجتماعى، تنظيم مزاولة مهنة الطب، إنشاء بنك التسليف الزراعى، مجانية التعليم الابتدائى والثانوى والفنى، تغذية الأطفال بالمدارس الأولية وقانون حرية الصحافة والمطبوعات.

إضافة إلى قوانين تنظيم تشغيل الأجانب، تمصير البنوك وإلزامها بتشغيل نسبة معينة من المصريين، تنظيم الأزهر الشريف، تمصير الدين المصرى وإلغاء صندوق الدين، إلغاء الضرائب على صغار الملاك وفرض ضريبة تصاعدية على الملكيات الكبيرة، إنشاء الجمعيات التعاونية، تشجيع المقاومة المسلحة لقوات الاحتلال بمنطقة القناة وحمايتها، إنشاء ديوان الموظفين (الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة حالياً)، الكسب غير المشروع، وقانون تمصير البنك الأهلى.

وقد شهدت البرلمانات المتعاقبة منذ صدور دستور 1923 وبعد قيام الجمهورية وإلغاء الملكية العديد من النواب الأقوياء التابعين لحزب الوفد، منهم المستشار ممتاز نصار، اللواء عبدالمنعم حسين، النائب على سلامة، النائب علوى حافظ، النائب طلعت رسلان، النائب حافظ شيحة، النائب إبراهيم عوارة، النائب طاهر حزين، النائب يس سراج الدين، الدكتور عزيز فهمى، والنائب أحمد أبوالفتح، وغيرهم الكثيرون.

 

خبراء: من 1923 إلى 1952 أهم فترات الحياة النيابية

 

قال خبراء سياسيون، إن الحياة النيابية فى مصر مرت بالعديد من المراحل واتسمت بعدة سمات أساسية تفاوتت فى درجتها حسب طبيعة ظروف البلاد، مؤكدين أن وجود الحياة النيابية فى مصر يعد ترسيخًا وتأصيلًا للعمل الديمقراطى، وأن فترة الملكية شهدت أداء قوى للبرلمان مقارنة بالفترات التى تلتها.

يرى النائب طارق تهامى، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، وعضو مجلس الشيوخ، أن وجود حياة نيابية فى أى بلد يعد ترسيخًا وتأصيلًا للعمل الديمقراطى، ووجود البرلمان قمة الإيجابية للنظام الديمقراطى.

وأضاف «تهامى»، أن أبرز مظاهر الحياة النيابية المصرية فى العهد الملكى كانت متمثلة فى وجود برلمان قوى ونواب أقوياء جدًا، مشيرًا إلى أن الفترة ما بين عامى 1923 و1952 تعتبر أهم المراحل النيابية فى تاريخ مصر.

وأوضح عضو مجلس الشيوخ، أن دستور 1923 وثق المرحلة الليبرالية فى مصر التى كان يوجد فيها نواب غاية فى القوة، منتخبين على أسس وعوامل سياسية فقط، دفاعًا عن تراب الوطن وطرد المحتل، ولذلك فقد كانت غاية فى القوة ونواب حزب الوفد كانوا على رأس نواب كل المجالس النيابية فى تلك الفترة، لأن الوفد كان يحصل دائمًا على الأغلبية فى أى انتخابات.

ولفت «تهامى»، إلى أنه منذ عام 1952 وحتى 1971 لم تكن هناك حياة نيابية بالمعنى المفهوم أو منافسة بين الأحزاب بسبب إلغائها واستبدالها بمنظمة التحرير ثم الاتحاد الاشتراكى.

وتابع، «بعد عام 1971 عادت الحياة النيابية وكان البرلمان الذى سبق اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981 أقوى البرلمانات فى هذه المرحلة، فى ظل وجود المنابر السياسية الثلاثة «اليمين واليسار والوسط».

وأشار عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، إلى أن فترة الرئيس الراحل حسنى مبارك وحتى ثورة يناير 2011، كانت الحياة النيابية استمرارًا للمرحلة السابقة لها، ومع تكرار شكل البرلمان طوال 30 عامًا أصبح هناك رتابة فى الطرح والمناقشات داخل البرلمان، وهو ما أدى فى النهاية إلى قيام ثورة يناير عقب تزوير الانتخابات فى 2010.

وأكد «تهامى» أن مرحلة جماعة الإخوان الإرهابية يمكن تسميتها بمرحلة العبث البرلمانى، فهى شديدة الغرابة لأن المعبرين عن كافة التيارات لم يكونوا معبرين عن تياراتهم بشكل كبير، لأن الإخوان والسلفيين كانوا مسيطرين على البرلمان فى كل شىء، ولذلك فهى مرحلة لم تعبر عن حياة حزبية أو نيابية.

وأضاف، «أما آخر برلمان وهو برلمان 2015 فقد ظُلم، لأنه جاء فى توقيت خطير والوطن فى مرحلة دفاع عن نفسه ضد الإرهاب والمؤامرات الخارجية، وبالتالى دوره الأكبر كان فى الدفاع عن الوطن»، موضحًا أنه مع انتخاب مجلسى الشيوخ والنواب حاليًا سيكون هناك نوع من التوازن فى طرح أفكار كل تيار، فمثلًا حزب الوفد سيطرح أفكاره الخاصة بالسوق الحر مع تطبيق العدالة الاجتماعية، وحزب التجمع سيطرح أفكاره الخاصة بالعدالة الاجتماعية وهكذا باقى التيارات السياسية.

 

هيمنة السلطة التنفيذية

من جانبه، قال الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الحياة النيابية فى مصر اتسمت بالعديد من السمات خلال السنوات الطويلة الماضية منذ العهد الملكى مرورًا بثورة يوليو 1952 وحتى ثورة يناير 2011 وآخر برلمان فى 2015.

وأوضح «ربيع»، أن السمة العامة للحياة النيابية مع اختلاف الدرجة هى هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية ووجود حالة من الخلل فى التوازن بين السلطتين بدرجة متفاوتة، قد تكون محدودة فى العهد الملكى وشديدة الوطأة بعد عام 1952.

وأضاف نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن من أهم السمات أيضاً وجود تعددية مقيدة داخل المجلس النيابى تختلف درجة تقيدها حسب طبيعة النظام القائم، فقد كانت الأحزاب فى النظام الملكى كبيرة ومتعددة التوجهات منها ما هو موالى للملك والاستعمار ومنها ما هو شعبى كحزب الوفد ومنها ما كان مرتبطا بالتيار الدينى بشكل ما مثل حزب مصر الفتاة، ثم بعد ذلك ما كان مرتبطًا بالتعددية داخل التنظيم الواحد مثل الناصرية ومنها ما كان مرتبطًا بتعددية حزبية مقيدة ترتبط بوجود تنظيم مهيمن على الحياة الحزبية والسياسية فى الدولة مثل الحزب الوطنى.

وأشار «ربيع» إلى أن هذه السمات كانت مؤثرة بشكل كبير على مخرجات البرلمان، فكانت جديتها تختلف من نظام لآخر، ففى الحقبة شبه الليبرالية فى العهد الملكى كانت مناقشات البرلمان تتميز بالجدية والجرأة ولذلك كانت المخرجات تعكس ذلك، أما فى الحقبة الناصرية فاختلف الأمر وكانت المعارضة داخل إطار التنظيم الواحد وكان من الصعب عليها أن تتخذ إجراءات مختلفة عما اتخذ داخل المؤسسة التشريعية.

وتابع، «منذ عام 1971 كان عمل البرلمان «تمريري» إلى حد ما، وكانت المبادرات تأتى من خارجه ثم يوافق عليها، فالنظام السياسى للدولة قبل 1952 كان برلمانيًا والبرلمان له قوة كبيرة، ولكن هذه القوة انخفضت بعد تحول النظام إلى الرئاسى بعد 1952».

وأوضح نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن ما دعم حالة الخلل الموجودة حاليًا هو النظام الانتخابى الفردى الذى كانت تتسم به الانتخابات طوال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن النظام الفردى له سلبيات متعددة أبرزها التمييز الطبقى والطائفى وظهور العصبيات، فقد أصبح عضو البرلمان مهتمًا أكثر بتقديم الخدمات لدائرته الانتخابية بدلًا من الاهتمام بالسياسات العامة، ما أدى فى النهاية إلى التأثير السلبى على مراقبة الجهات التنفيذية الحكومية، لأن النائب البرلمانى أصبح محتاجًا إليها ولا يستطيع انتقادها أو مراقبتها بشكل كاف.