رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

معديات النيل.. الموت «رايح جاى»!

بوابة الوفد الإلكترونية

الوسيلة الوحيدة لنقل آلاف المواطنين وسط مخاطر الغرق

 

أدوات السلامة غائبة.. وقائدو المراكب بدون خبرة

 

خبراء: يجب تغليظ العقوبات وتوحيد جهة إصدار التراخيص

 

مع كل طلعة شمس تبدأ أكثر من 9500 معدية نيلية على مستوى الجمهورية فى نقل آلاف السكان من 144 جزيرة تقع على طول نهر النيل إلى المدن، موظفون وعمال وطلاب يبدأون يومهم بمواجهة الموت لا يشغلهم توافر شروط السلامة أو وجود معدات انقاذ، وإنما يشغلهم الوصول للبر الثانى.

فى قلب العاصمة يعيش العديد من السكان داخل جزر نيلية بعضها امتدت لها يد التطوير وأصبحت من أجمل بقاع المحروسة كحى الزمالك، وهناك آخرون لا يزالون يعيشون فى العصور المظلمة ينتظرون مركب متهالك يلقى بهم إلى منازلهم من الجنوب للشمال بعد مشقة يوم طويل كسكان «جزيرة الدهب» البالغ عددهم 117 ألف نسمة أو كمعدية المعصرة – الحوامدية ومعظم ركابها من الطلاب والعاملين فى جامعة حلوان اختصاراً للمسافة والوقت.. حوادث غرق المعديات لا تنتهى ليلًا أو نهارًا، خاصة أن تلك المراكب سواء كانت صغيرة أو كبيرة لا تخضع للتفتيش الدورى أو الصيانة ويقودها أشخاص يفتقرون إلى قواعد الملاحة النهرية أو أطفال صغار بلا مسئولية، فهم يراهنون بحياة ركابها سعيًا وراء مضاعفة الأرباح, دون النظر إلى مخاطر الحمولة الزائدة التى تحصد أرواح الكثيرين يوميًا.

فى يوليو 2015، وافق مجلس الوزراء برئاسة رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الملاحة الداخلية وحركة الملاحة النهرية، ورأى مجلس الوزراء، أن العقوبات المنصوص عليها فى القانون رقم 10 لسنة 1956 والمعدل بقانون رقم 57 لسنة 1962 فى شأن الملاحة الداخلية، لا تلبى الاحتياجات الحالية، مما استدعى تغليظها مع استحداث عقوبات جديدة، لتجريم بعض الأفعال، التى لم يرد النص عليها مسبقًا فى القانون المشار إليه.

الرئيس عبدالفتاح السيسى وجه بسرعة استبدال معديات الموت بكبارى خرسانية، حفاظاً على أرواح المواطنين ويعد هذا المشروع من أهم المشروعات التى تنفذها وزارة النقل، ووفقًا لخطة هذا المشروع خلال العام المالى 2020 / 2021، يتم إنشاء 15 كوبرى علويًا بتكلفة تقدر بـ1.5 مليار جنيه، على أن يكون كل كوبرى عبارة عن حارتين لكل اتجاه، إضافة إلى أرصفة مشاة، وتكون الأولوية فى إقامة الكبارى الخرسانية الجديدة، للقرى التى يزيد عدد سكانها على 10 آلاف نسمة، وصاحبة الكثافة السكانية الأعلى، وستخضع لاختيارات المحافظين بالاشتراك مع وزارة النقل، ومن المنتظر أن تنتهى المرحلة الأولى خلال 8 أشهر، على أن يتم إنشاء نحو 60 محورًا وكوبرى بحلول عام 2024، لخدمة كل القرى والمراكز، على نهر النيل.

تقع مسئولية النقل النهرى على عاتق عدة جهات أهمها هيئة النقل النهرى التى تتبع مباشرة وزارة النقل والمواصلات، ويكتمل دورها فى إعطاء التراخيص لأصحاب المراكب، وفحص مراكبهم والتأكد من وجود اشتراطات الأمان والسلامة بداخلها، إضافة إلى شرطة المسطحات المائية التى تتبع وزارة الداخلية، ودورها يقتصر على رصد مخالفات وعمل المحاضر بها.

تتراوح تكلفة استصدار ترخيص المعدية لأول مرة من ألفين إلى ثلاثة آلاف جنيه، حسب الحمولة وطول الهيكل ونوع المحرك. ويتم تصنيع المعدية بورش التصنيع تحت إشراف هيئة النقل النهرى التابعة لوزارة النقل والمكتب الاستشارى، الذى أصدر الرسومات الهندسية والتأكد من تركيب أدوات السلامة، ويحصل صاحب المعدية على موافقة بإنزالها فى المياه، حيث تشرف على معاينتها لجنة فنية من هيئة النقل النهرى، وتعاين كذلك أدوات السلامة والأمان التى تشمل سترات وأطواق النجاة وطفايات الحريق.

وينص القانون على ضرورة تجديد رخصة المعدية كل عامين بتكلفة تتراوح من ٣٠ و٥٠ ألف جنيه، حين يتقدم صاحب المعدية بطلب معاينة قبل انتهاء موعد الترخيص بثلاثة أشهر، لكن ذلك لا يحدث فى معظم الوقت.

صبحية محمد تبدأ يومها الساعة الخامسة فجرًا فى جمع الخضراوات لبيعها فى حى دار السلام.. الوسيلة الوحيدة لوصولها للبر الثانى هى المعدية بأجرة قيمتها أربعة جنيهات. تقول: «إحنا عايشين فى الجزيرة من سنين ومفيش طريقة تانيه نعدى بيها البحر إلا المعدية وساعات بتكون فلوكة صغيرة، فى الحقيقة إحنا سكان الجزيرة تعودنا على ركوب المعديات ومع الوقت الصغير قلبة بيقوى ومش بيخاف والعمر بايد ربنا».

أما نعيمة سلطان التى حرصت على الأمساك بيد طفلها ذى العشر سنوات الذى يدرس بإحدى مدارس حى دار السلام فتقول: «يوميًا بنركب المعدية وبصراحة ماشية كويس واتعودنا عليها لكن فى الشتاء الوضع بيكون صعب وركوب المعدية مع الرياح القوية بيكون خطر، خاصة أن معظم المراكبية بيعتمدوا على مراكب بدون مواتير وبيكون الهواء هو الدافع الوحيد للمركب ودا بيكون خطر لأن ساعات التيار بيلقى بالمركب بعيد عن المرسى».

وتكمل نعيمة قائلة: «رغم إننى يوميا بركب المعدية بس كل مرة بحس أنها هتغرق بيه، وإحساس الخوف ده مسيطر على ناس كتير، وفى بعض الأحيان بتحصل مشكلات لأننا بنصادف ناس مش فارق معاها الحمولة الزيادة فى بعض الأحيان ناس بتحمل موتسيكل وساعات مواشى على معدية صغيرة وطبعًا صاحب المعدية المهم ياخد فلوس».

عزت مصطفى يعمل «شيف» بأحد الفنادق ويسكن بجزيرة الدهب يقول: «عايشين من سنين على المعدية وكل سنة بنسمع أن الدولة هتعمل كبارى لسكان الجزر ومفيش جديد، يوميًا أعانى من انتظار قدوم المعدية من البر لأن صاحبها لن يتحرك من البر التانى إلا بعد اكتمال العدد، وبالرغم من ذلك لا تمثل أزمة كبيرة لنا رغم ارتفاع ثمنها ولكن الأخطر هو أن المعديات يقودها شباب صغار ليس لديهم أى معرفة بقواعد الملاحة، خاصة أن تلك التجازوات تزداد ليلا».

سارة مصطفى طالبة بجامعة حلوان تأتى يوميًا من الحوامدية قاطعة مسافة قصيرة بالمعدية اختصارًا للوقت والمسافة التى تتجاوز 40 كيلو بالسيارة تقول: «أدرس بكلية العلوم ومع بدء الدراسة مضطرة كل يوم

أكون متواجدة بالجامعة والمسافة من الحوامدية كبيرة، دا غير إن المواصلات أسعارها مرتفعة لأنى مضطرة أركب 3 مواصلات فى حين أن المعدية سعرها 3 جنيهات بخلاف أن المسافة إلى المعدية المقابلة للحوامدية تقطع المسافة فى 7 دقائق كحد أقصى ورغم أن الأمان فى المعدية كبير وفى صيانة دورية لكن هناك خطورة واللى مكتوبله شىء هيشوفه سوا هيموت غريق أو على الطريق».

ناقش مجلس النواب قبل أشهر استبدال عدد من المعديات بكبارى مشاة على فروع نهر النيل، كما ناقش مشروع قانون الملاحة الداخلية الذى يتعرض لمثل هذه الظواهر، كما وضع اشتراطات خاصة لتوفير الأمان الكامل للمعديات والصيانة والتفتيش الدورى على سلامتها، خاصة مع صعوبة استبدالها بشكل كامل بكبارى وجسور لتكاليفها الباهظة.

مصطفى عبدالرؤوف، خبير النقل النهرى أكد أن نهر نهر النيل يعانى من الإهمال والعشوائية، ومؤكدًا أن منظومة النقل النهرى فى مصر تحتاج إلى تصحيح، فمعظم المعديات تتبع الأهالى وغير مرخصة ولا علاقة لها باشتراطات السلامة والأمان المطلوبة، وأصحابها لا يفقهون شيئاً فى أسس الملاحة النهرية، ولا تخضع لأى رقابة، أو متابعة من التنفيذيين على المعديات بنهر النيل، مما يتسبب فى إلحاق الضرر بآلاف المواطنين، وتزداد حوادث الغرق عبر المعديات.

وأشار الخبير النهرى إلى أن هذه المشكلات هى مسئولية الدولة فى المقام الأول، لتركها الوضع بهذا السوء، الأمر الذى يتطلب توحيد جهة منح التراخيص للمعديات النيلية مما يمثل الخطوة الأولى على طريق الإصلاح، إضافة إلى إقرار الجزاءات الرادعة المتعلقة بجرائم النقل، وتشجيع القطاع الخاص على عمل مشاريع معديات جديدة، ومحطات لانتظار الركاب، ووحدات لتنظيم مرور مركبات النقل.

وأضاف أن تكلفة المعديات ما بين مليونين وثلاثة ملايين جنيه، حسب حجمها وحمولتها والتجهيزات الداخلية، ويتكلف استصدار ترخيص المعدية لأول مرة ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف جنيه، والتجديد كل عامين بتكلفة تتراوح من 30 إلى 50 ألف جنيه، وذلك بعد مراجعة توافر وسائل الأمان، وغرامة المعديات المخالفة لا تتعدى 100 جنيه، وفقاً للقانون رقم 10 لسنة 1956 والمعدل بقانون رقم 57 لسنة 1962 فى شأن الملاحة الداخلية، وهو بحاجة إلى تغيير جذرى، مضيفاً أن حجم البضائع المتداولة بواسطة النقل النهرى فى مصر تقدر بـ500 مليون طن سنوياً، ونصيب النقل النهرى منها 1٪، وهى نسبة ضئيلة، فى ظل مرور نهر النيل من أقصى الجنوب للشمال.

من جانبه قال اللواء سعيد طعيمة، رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، إن المعديات تتبع المحليات، أما التراخيص فيتنازع عليها أكثر من جهة، موضحًا أن هيئة النقل النهرى ليس لها دور فى مراقبة المعديات، حيث لا تهتم بمراجعة التراخيص ولا توجد سيطرة على المعديات، ولا تقوم بدورها المنوط به طبقًا للقانون، أما فيما يتعلق بالمعديات المتواجدة بصورة كبيرة التى تتبع الأهالى فلا تعتبر معديات بالمعنى الحقيقى فليس لها سند قانونى أو ترخيص، ومع ذلك فمنعها يسبب أزمة للمواطنين خاصة ساكنى الجزر النيلية لأنها الوسيلة الوحيدة لتنقلهم.

وأضاف أن هيئة النقل لا بد أن تقوم بدورها، وتسهم فى إجراءات التراخيص، حيث إن المواطنين يواجهون صعوبات كثيرة أثناء إجراءات استخراج التراخيص، مضيفًا أنه يجب أن تسيطر الدولة على جميع مجريات الأمور طبقًا للقانون فهناك تجاوزات تحدث باستمرار من قبل قائدى المعديات، حيث سقطت منذ سنوات معدية تنقل مواطنين خلال تشييع جنازة أحد أقاربهم وحينها غرقت المعدية بالمتوفى واقترحت فى ذلك التوقيت نقل المقابر بجوار الأهالى حتى لا يتكرر ما حدث.

وأشار «طعيمة» إلى أن إقامة كبارى لن تكون الحل، لأن إنشاء كبارى بكثرة على نهر النيل سيعيق حركة النهر، ولكن يمكن استبدال الكبارى بتوفير الخدمات للأهالى بالقرب منهم أو إنشاء معديات يتم الإشراف عليها من الدولة وتكون أسعارها مناسبة خاصة أن معظم المعديات يحدد أصحابها الأسعار حسب أهوائهم.