عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ابن مين فى مصر

بوابة الوفد الإلكترونية

البعض يجلبون العار لآبائهم.. وآخرون يصنعون المجد من العدم

 

«هبة».. من البدروم إلى كلية الطب.. و«حامد»..صنع مجده على لمبة جاز.. وبائعة التين الشوكى طالبة بأكاديمية الطيران

 

أستاذ فلسفة: سلوك «طفل المرور» حالة فردية مخجلة

 

خبيرة تنمية بشرية: لا بد من تأهيل الأطفال سلوكيًا

 

«أنت متعرفش أنا مين»، عبارة كنا نظن أنها دخلت متحف التاريخ بعد ميلاد مصر الجديدة عقب ثورتين فجرهما المصريون عامى 2011 و2013، ولكن الأسابيع الأخيرة شهدت واقعتين استدعتا ذات العبارة من جديد.. الأولى كانت بطلتها قاضية تطاولت على ضابط شرطة داخل إحدى المحاكم، لمجرد أنه طلب منها ارتداء الكمامة وإظهار تحقيق شخصيتها قبل السماح لها بدخول المحكمة، وعندها، أقامت الدنيا، وصوبت للضابط وابلاً من السباب، بدأتها بعبارة «أنت متعرفش أنا مين».

والواقعة الثانية بطلها طفل لا يتجاوز عمره الـ15 عامًا كان يقود سيارة بصحبة أصدقائه، ولما شاهده رجل مرور وذهب مسرعًا إليهم لسؤاله عن الرخصة، وما إن وصل للسيارة حتى انهال الطفل عليه بوابل من عبارات السخرية والتنمر، بدأها بعبارة «إنت مش عارف انا ابن مين؟»

وهكذا عادت من جديد، عبارة كانت دائمة التكرار قبل ثورة يناير..عبارة كانت تجسد الواسطة والمحسوبية فى ابشع صورها.. فالتعيينات والترقيات كانت حكرا على كل من له «ظهر» وواسطة، وكان كل صاحب منصب أو مركز اجتماعى، هو وكل أسرته، فوق القانون، فلا يحاسب مهما فعل من جرائم.

وإذا كانت العبارة البغيضة قد عادت من جديد، ولكن رد فعل الأجهزة الرسمية علىها، كان معبرا عن أن الماضى لن يعود، فالقاضية تمت إحالتها للقضاء لمحاكمتها، أما الطفل فتم القبض عليه مع أصدقائه، ثم أطلق سراحه، ثم تم القبض عليه مجددا، على خلفية فيديوهات تنمر جديدة، فى أحدها يهدد شرطى بالتعدى عليه بالضرب ليخرج النائب العام المستشار حمادة الصاوى، ويأمر بإيداع نجل القاضى المعروف إعلامياً بـ«طفل المرور»، لإحدى دور الملاحظة التابعة لوزارة التضامن المصرية لمدة أسبوع، لتقديم جلسات دعم وتأهيل نفسى له، وحبس من كانوا فى صحبته احتياطيًّا على ذمة التحقيقات.

وهكذا أكدت الأجهزة الرسمية أنه «لا أحد فوق القانون»، وهى العبارة التى كررها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى العديد من اللقاءات.

حالات فردية مخجلة

الدكتور وائل أحمد عبدالله، مدرس الفلسفة والتفكير العلمى بجامعة سوهاج، يقول إن ما فعله الطفل المتنمر على شرطى المرور هو حالة فردية مخجلة، ولا يمثل سوى نفسه، ولا يعبر عن فئة بعينها، ويجب ألا ننعته بـ«ابن المستشار».

وأضاف: لا شك أنَّ هناك كثيراً من الحالات التى نسمع عنها هذه الأيام شبيهة بما فعله هذا الطفل المتهور، نراها تصدر من أطفال ومن كبار أيضًا، وعلى الرغم من تعدد الحالات، فإننى أراها حالات فردية تعبر عن نفسها تارة، وتعبر عن ثقافة مجتمع بأكمله تارة أخرى، ولا تعبر بالضرورة عن انحرافات لأهالى فئات بعينها، ولا استغلال لنفوذ وظيفي؛ بل ما فعله هذا الطفل هو سلوك غير سوى من طفل مراهق، لا يعى جيدًا عواقب سلوكياته، مدفوع من رفاق سوء يشجعونه ويحرضونه على ما يفعله، وهذا قد يحدث من ابن وزير أو مستشار، كما يمكن أن يحدث من ابن رجل فقير؛ وعلى الرغم من تكرار هذه الحالات من أبناء الطبقة المترفة؛ فإن هذه الحالات لا تعبر عن فئة برمتها بل قد تكون حالة فردية شاذة انحرفت عن الطريق.

وتابع: عبارة «ابن مين فى مصر» لابد أنْ تختفى من الشارع المصرى، حيث إن الجميع أمام القانون سواء، فالقانون الذى يطبق على ابن المستشار نفس القانون الذى يطبق على ابن العامل البسيط، فكلاهما مواطن فى دولة يحكمها قانون وتديرها مؤسسات، وجميعنا أفراد فى هذه المؤسسات على اختلاف درجاتنا ووظائفنا. فلابد أن ننتقل من عبارة «إنت ابن مين فى مصر» إلى عبارة «انت قدمت إيه لمصر»، فليفاخر كل منا بما قدمه من جهود وإنجازات وتضحيات أسهمت فى تقدم مصر ولو بشيء يسير فى مجال من المجالات التى نعمل فيها.

ويستطرد: إذا أردنا ألا يتكرر ما فعله هذا الطفل ثانية فى ربوع مصر، فعلى الدولة أن تتبنى منظومة قيمية وأخلاقية مجتمعية كبيرة تتكاتف فى تنفيذها جميع مؤسسات الدولة، مع المساندة والدعم من جميع أفراد المجتمع المدنى، بجميع طبقاته وفئاته وفصائله، منظومة لرفع القيم العامة، والأخلاقيات، واحترام القوانين، نحيط بها أطفالنا وأنفسنا من جميع الجهات، بحيث يجد المواطن، كبيرًا كان أم صغيرًا، ما يدعم هذه المنظومة الأخلاقية والقيمية فى المدارس والجامعات، وفى الكتب التعليمية، وفى النوادى والشوارع وفى المنازل، وفى وسائل التواصل الاجتماعى، وفى التليفزيون والراديو، وجميع المجلات والجرائد، منظومة تحيط الفرد من جميع الجهات، ولا يستطيع أن يحيد عنها أبدا، فوجود القانون وحده لا يكفى، فالقيم والأخلاقيات واحترام القوانين العامة يتم تعلمها جيدا بالمحاكاة أكثر من التلقين، وتترسخ بالمداومة والاستمرارية، لكى تصبح عادة سلوكية مجتمعية وليست حالات فردية.

قالت نهلة عبدالسلام، خبيرة التنمية البشرية، إن ما فعله ابن المستشار تجاه رجل المرور سلوك فردى وكان قد تكرر سلوكيات سابقة ولكن لم تصل للظاهرة.

وأشارت «عبدالسلام» إلى أن القصة ليست تكمن فى ابن المستشار فقط وإنه يحتاج لتأهيل سلوكياته، ولكن جميعنا مخطئون تجاه أبنائها، فالكمال لله وحده وكلنا مخطئون ونحتاج إلى وقفة حقيقية تجاه كيفية تربية أبنائنا سواء من الطبقة المرفهة أو الطبقات المتوسطة أو محدودى الدخل.

ونوهت إلى أن كثيرًا من الأطفال ما يقدمون صورة لمجتمع انحدرت لمستوى أدنى ما كنا نتصوره، فمع تكرار جرائم الآباء والأمهات خلال الفترة الماضية تشكلت سلوكيات الأطفال وأصبح البعض منهم عدوانيًا، فابن الطبقات المتوسطة والفقيرة مرتبط بأفلام هابطة بها مشاهد عدوانية وسلوكيات دخيلة على مجتمعنا، وأغان شعبية هابطة، جعلهم يلهثون وراء الغريزة، أما أبناء الطبقات المرفهة فهم من يتسلطون على غيرهم تحت غطاء سلطة والدهم.

ليس الفتى من قال كان أبى

واذا كان فى مصر من يفتخر ويتفاخر ويتعالى على خلق الله، لأنه « ابن فلان» صاحب المنصب المرموق، أو صاحب الغنى الفاحش، فإن التراث العربى مليء بحكايات ومواعظ تدلل على أن التفاخر بمثل هذه الأمور تكشف عن خلل نفسى وعقلى فيمن يقولها، ولهذا قال الأقدمون «ليس الفتى من يقول كان أبى.. ولكن الفتى من قال هأنذا»..

وفى مقابل هؤلاء يزخر المجتمع المصرى بشباب خرجوا من أسر بسيطة، وجعلوا من صبرهم وعملهم وتعلمهم سلما

للوصول إلى أعلى الدرجات الوظيفية والعلمية

الشاب حامد فيزى، واحد من هذه النماذج المشرفة.. وبطل قصة من نوع خاص.. ولد فى أسرة بالكاد مستورة، وكان يستذكر دروسه على لمبة جاز..منذ نعومة أظافره وهو يعيش ظروفا قهرية ولكنه تحدى نفسه، وانتقل من نقطة الصفر إلى أعلى درجات النجاح بإرادة وعزيمة قوية.

عندما نجح بتفوق فى الشهادة الإعدادية أصر والده على التحاقه بالثانوى الصناعى بسبب الظروف المادية الصعبة ولكن «حامد» اصر على التمسك بحلمه، وأقنع والده على إلحاقة بالثانوية العامة، مع وعد بأن يعمل شهور الصيف عن آخرها حتة يوفى لنفسه مصروفات الدراسة، وبالفعل كان حريصاً على العمل فى فترة الإجازة ليسد احتاجاته من المصروفات الدراسية حتى لا يكون عبئًا على والده، وحصل على مجموع كبير والتحق بكلية الآداب قسم الإعلام ليصبح معيداً بها، وحالياً يقوم بتحضير ماجستير فى الإعلام وماجستير فى إدارة الأعمال.

ويحكى الدكتور حامد قصته للوفد فيقول « إنه من مواليد قرية بنى حرب مركز طهطا بمحافظة سوهاج، لأب يعمل مزارعًا له 9 أبناء، كانوا جميعاً يعيشون فى منزل متواضع مبنى من الطين وكان والده يكافح كثيرا لتعليم أبنائه وبعد حصوله على الإعدادية تأزمت الأمور بالنسبة له.

وتابع: «وافقت على طلب والدى والتحقت بالثانوية الصناعية حتى لا أكسر كلمته، وبعد 20 يوما لم أجد نفسى مطلقا وعدت إلى منزلى وجلست أبكى وفى النهاية قررت تحويل ملفى إلى الثانوى العام».

وخلال شهور الصيف عمل «حامد» فى العديد من الحرف..عمل فى شركة مفروشات وسوبر ماركت وغيرها، وحينها قال لنفسه: «هرمى نفسى فى جهنم وهعرف أطلع منها»، وتابع: «انتهيت من دراسة الثانوى بدون الحصول على دروس خصوصية وفى الثانوية العامة حصلت على مجموع كبير 93.5% وقررت الالتحاق بكلية الأداب وسط فرحة أسرتى، التى تفوقت فيها وتم تعيينى معيدا بها».

حكاية الدكتورة هبة

دفاتر أحوال المجتمع المصرى يحوى ملايين النماذج الناجحة التى حققت لنفسها مكانة مرموقة بصنع أيديهم،«هبة حامد» واحدة من تلك النماذج.. «هبة» التى تقيم فى محافظة الإسكندرية لأب يعمل حارس عقار، قررت أن يكون لها مركز خاص بها يعوضها عن أيام اليأس والمرارة التى عاشتها هى ووالدها، ورغم ما كانت تعانيه من ظروف مادية صعبة حصلت على 99.1% فى الثانوية العامة، ورغم الظروف الخاصة لوالدها الذى شجعها ووفر كافة احتياجاتها الا أنها صبرت واجتهدت حتى تحصل على مجموع كبير واستطاعت تحقيق حلمها.

كانت هبة تستذكر دروسها فى حجرة صغيرة تحت بير السلم تعيش فيها مع أسرتها، فكانت تلك الظروف دافع لها للنجاح وتحدت كافة الظروف، خاصة أن راتب والدها لا يتجاوز 1000 جنيه.

بائعة التين

فى مدينة الشروق تجدها مساء تبيع التين الشوكى، وفى الصباح تتوجه لأكاديمية الطيران لاستكمال دراستها..هبة عبدالحميد، طالبة فى السنة الثانية بأكاديمية لضيافة الطيران، اشتهرت بعدما دشن ملايين الشباب هاشتاج على «فيس بوك»،«هبة_أكاديمية_الطيران» ومنها علم الجميع قصة كفاح «هبة» التى تحتاج 12 ألف جنيه سنويًا مصاريف الدراسة فى الأكاديمية.

«الشغل الحلال مش عيب سواء بيع تين شوكى أو غيره، وأسرتى دايمًا بتشجعنى وواقفة جنبى، وفخورين بيا».. تكمل البائعة البطلة هبة حديثها وقالت إنها اجتهدت كثيرًا لكى تدبر مصاريف السنة الأولى من الأكاديمية، حتى اشتهرت ومنحتها الحكومة مجانية السنة الثانية فى الأكاديمية، وقالت: «بشتغل خلال السنة الدراسية فى عيادة طبية وكنت باحوش مرتبى، عشان أدوات بيع التين الشوكى زى الترابيزة وسكاكين والأطباق والبضاعة من التجار».

وعما إذا تعرضت لمضايقات من قبل المارة لكونها فتاة فى العقد الثانى من عمرها وتقف على الأرصفة ردت بفخر شديد قائلة: «بالعكس الناس كانوا بيدعمونى والأمهات كن يشجعن بناتهن باعتبارى قدوة للشباب المكافح».

ابن الأكرمين

محمد عبدالعال، إمام مسجد، روى قصة ابن الأكرمين وعمرو بن العاص، وقال: «حدّثنا عن أبى عبدة، عن ثابت البنانى، وحميد، عن أنس، إلى عمر بن الخطّاب، فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذًا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص، فسبقته، فجعل يضربنى بالسّوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين.

وتابع: «كتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه، ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصرى؟ خذ السوط، فاضرب، فجعل يضربه بالسوط، ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين».