رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق الورد.. تتألم

أطفالنا فلذات أكبادنا يتعرضون للعنف فى كل مكان، لكن أقسى أنواع العنف هو ما يتعرضون له من أسرهم، فهذه الظاهرة الغريبة بدأت تنتشر فى مصر بصورة مبالغ فيها، حتى إن بعض الأطفال يفقدون أرواحهم بسبب العنف من ذويهم.

هؤلاء الأطفال ضحية خلافات زوجية أو عائلية أو ضحية لأم فقدت قلبها أو أب فقد مشاعره، وأحياناً يتحول أعز الولد إلى وسيلة لتخليص خلافات الأجداد مع أزواج أبنائهم.

هذه الظواهر الغريبة على مجتمعنا أصبحت تستحق أن يتوقف أمامها الجميع، ويواجهها قانون حاسم يوفر حماية لأوراق الورد التى تعيش فى ألم دائم، بسبب العنف الذى يتعرضون له فخلال الفترة من يناير 2018 وحتى يوليو 2019  تلقى خط نجدة الطفل 363 ألف استغاثة بحسب تصريحات الدكتورة عزة العشماوى، الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة، منها 26 ألفاً و932 استغاثة من الأطفال المعرضين للخطر والناجين من العنف، وتم تقديم خدمات إحالة للجهات المختصة ودعم نفسى لهؤلاء الأطفال.

وأشارت إحصاءات المجلس القومى للأمومة والطفولة أن العنف الجسدى تصدر المرتبة الأولى بين إجمالى عدد بلاغات الخط الساخن لنجدة الطفل، فيما جاء العنف الجنسى، الذى يتضمن وقائع التحرش والاغتصاب واستخدام الأطفال فى الأمور الإباحية فى المرتبة الثانية.

 

الطلاق والزواج المبكر والفقر.. من هنا يبدأ العذاب

 

خلال السنوات الأخيرة شهد المجتمع المصرى وقائع عنف غريبة ضد الأطفال اقشعرت لها الأبدان، وصلت فى بعض الأحيان إلى القتل، ولعلنا جميعا لم ننس واقعة مقتل الطفلة جنى التى لم يتجاوز عمرها 5 سنوات، وكانت تعيش مع خالها وجدتها بعد انفصال والديها، وراحت ضحية التعذيب على يد جدتها، بحجة تبولها لا إرادياً.

وبدلا من أن تصبح الأسرة هى حصن الأمان للأطفال، تحولت بعض الأسر إلى جحيم يهدد حياة الطفل، وهو ما حدث فى محافظة الدقهلية، حينما قام أب بإلقاء أبنائه فى الترعة أول أيام عيد الأضحى لمروره بضائقة مالية.

وهو نفس ما قامت به إحدى السيدات بالمنيا حيث ألقت بطفليها فى ترعة بإحدى قرى محافظة المنيا، نتيجة لخلافات بينها وبين زوجها، ولكن أهالى القرية شاهدوها، وتمكنوا من إنقاذ أحد الطفلين، إلا أن الآخر لقى حتفه.

ووقائع تعذيب الأطفال على يد أسرهم كثيرة أكدتها دراسة لمنظمة اليونيسيف أشارت لتعرض ¾ الأطفال فى مصر للعنف الجسدى، كما كان 87% منهم ضحايا للعنف النفسى.

وكشفت الدراسة عن أن الأطفال والبالغين - بشكل عام - يعتبرون العنف ضد الأطفال وسيلة مقبولة من وسائل التأديب، وأكدت الدراسة أن الفتيات يتعرضن للعنف أكثر من الأولاد.

وناشدت الدراسة كافة الجهات المعنية فى مصر، بالإعراب عن الرفض التام للعنف ضد الأطفال، وتوفير السبل، والأدوات لمساعدة الآباء، والأمهات، ومقدمى الرعاية، والعاملين فى المدارس لاستخدام وسائل تأديبية إيجابية مع الأطفال.

وفى الوقت الذى يدعو فيه دستور 2014، واتفاقية حقوق الطفل، والميثاق الأفريقى لحقوق ورفاهية الطفل، وقانون الطفل المصرى، إلى أن يحيا الأطفال حياة خالية من العنف فى المنزل، والمدرسة، وبين أقرانهم، نجد أطفال مصر يعانون من العنف فى كل مكان، حتى داخل جدران أسرهم التى كانت يجب أن تكون هى مصدر الحماية لهم.

وقد كشفت الدراسات أن أسباب زيادة حالات العنف الأسرى ضد الأطفال، هى ارتفاع نسبة الطلاق التى شهدت تزايدًا مستمرًا، وأضافت الدكتورة اجلال حلمى أستاذ الاجتماع العائلى بجامعة عين شمس أن هناك عدة أسباب تجعل الطفل عرضة للعنف داخل الأسرة بالإضافة إلى الطلاق، الذى يكون الطفل فيه هو الضحية أولا وأخيرا وهو وسيلة الانتقام من الطرف الآخر، وأهم هذه الأسباب: عدم جاهزية الأبوين للإنجاب، وعدم خضوعهما لدورات تدريبية نفسية لاستقبال الطفل، بالإضافة للظروف الاقتصادية التى تدفع الأبوين لتفريغ ضيقهم فى الأطفال، أو تدفع الطفل للعمل فى ظروف سيئة تعرضه العنف أكثر.

وعن تأثير العنف على الأطفال، قالت إن الإيذاء الذى يتعرض له الطفل يكون سببا فى زيادة الميول الإجرامية لديه، كما أنه يخلق جيلا مشوها نفسيا واجتماعيا، وقد يصب الطفل غضبه على المجتمع بسبب العنف الذى تعرض له فى صغره.

 

مبادرات وحملات

ونتيجة لزيادة معدلات العنف ضد الأطفال فى مصر دشن الأزهر الشريف مبادرة «أولو الأرحام» التى استهدفت التوعية بخطورة العنف الأسرى، ومعالجة أهم أسبابه، وكيفية نشر قيم الود والمحبة بين أفراد الأسرة، أكد الأزهر فى أسباب إطلاقه للمبادرة على أن ترابط الأسرة هو «صمام الأمان» للمجتمع وأداة تطوره.

كما أطلق الأزهر الشريف حملة توعوية تحت عنوان «إنها رحمة» بعد وفاة الطفلة جنى بأيام قليلة، تدعو إلى نبذ مظاهر العنف والقسوة فى التعامل مع الأطفال، والعطف عليهم ورعايتهم.

وكانت منظمة اليونيسيف مصر قد أطلقت حملة فى ديسمبر 2016 المرحلة الأولى من حملة «أولادنا» وكان شعارها «بالهداوة نكبرهم وبالقساوة نكسرهم» للحد من العنف ضد الأطفال، تحت رعاية المجلس القومى للطفولة والأمومة، بهدف نشر مفهوم التربية الإيجابية فى مصر، وفى أكتوبر 2018 أطلقت المنظمة المرحلة الثانية من «أولادنا» تحت عنوان «ضد التنمر»، وكان إطلاق المرحلة الثالثة من حملة «أولادنا» يوم 29 سبتمبر الماضى وتهدف كل هذه الحملات للتوعية بخطورة العنف ضد الأطفال داخل وخارج الأسرة، إلا أن العنف ما زال جريمة تمارس ضد الأطفال فى كل مكان.

ولهذا تقدم النائب محمد فرج عامر، عضو مجلس النواب بطلب إبداء اقتراح برغبة، موجه لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، لاستحداث الشرطة الأسرية لحماية الأسرة والطفل من العنف الأسرى.

وقال عامر إن الأسرة تساهم مساهمة فعالة فى تحقيق الأمن للمجتمع خاصة إذا كانت قائمة على أسس متينة فإنها ستؤثر تأثيرا فاعلاً فى ترسيخ مقومات الأمن الاجتماعى، ومن ثم استقرار الحياة الاجتماعية وازدهارها، وهى خط الدفاع الأول وصمام الأمان للمجتمعات المتحضرة.

وأكد أن العنف الأسرى يعد أشهر أنواع العنف البشرى انتشاراً، لذلك طالب باستحداث «شرطة حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري» لتمارس دورها الإنسانى والاجتماعى للحد من العنف الأسرى من خلال تشخيص المشكلة بشكل علمى، وإيجاد الحلول المناسبة لها، واتخاذ الإجراءات القانونية وفق القانون.

ولكن الدكتور إجلال حلمى ترى أن العنف الأسرى ضد الأطفال يبدأ من إعداد الأبوين جيدا، وتأهيلهم وتعليمهم أن الأطفال هم أكبادهم تمشى على الأرض، وليسوا وسيلة لتفريغ الغضب أو القهر أو الانتقام من أحد.

 

خطة وطنية لدعم الأسرة حتى 2025

 

دعت دعوة العديد من المؤسسات والهيئات الحقوقية تعزيز وحماية حقوق الطفل, وتنفيذ مجموعة من الخطط الوطنية لإيجاد حلول جذرية ودائمة للقضايا التى تواجه الوفاء بحقوق الطفل والأسرة.

وأطلقت الدولة الخطة الوطنية لمكافحة أشكال عمل الأطفال فى مصر ودعم الأسرة(2018-2025)، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية. وفقًا لاتفاقيتى منظمة العمل الدولية رقم 138 لسنة 1973 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام ورقم 182 لسنة 1999 بشأن أسوأ أشكال العنف، ويحسب الاتفاقية فإن العمل الخطر هو يشمل خطرًا وضررًا على الأطفال من الناحية العقلية والبدنية والاجتماعية أو الأخلاقية، وأى عمل يتعارض مع دراستهم ويؤثر عليها حيث يحرمهم من الالتحاق بالمدارس ويجبرهم على ترك المدرسة.

وحددت الخطة أسوأ أشكال عمل الأطفال بصرف النظر عن الوضع الاقتصادى للبلد فى أربعة أشكال وهى كافة أشكال الرق والممارسات الشبيهة بالرق كبيع الأطفال والعمل القسرى أو الإجبارى، واستخدام أو تشغيل أو عرض طفل لأغراض الدعارة أو إنتاج أعمال إباحية أو أداء عروض إباحية، استخدام أو تشغيل طفل لمزاولة أنشطة غير مشروعة كإنتاج المخدرات، فضلاً عن الأعمال التى تسبب الأضرار بصحة الأطفال ونفسيتهم.

وشجعت الدولة الأطفال على مواظبة الحضور بالمدارس من خلال برنامج تكافل وكرامة للحماية الاجتماعية، والذى يقدم الدعم النقدى للفئات الأكثر فقراً والذين لديهم أطفال يحتاجون للرعاية والمتابعة الصحية أو بمراحل التعليم من الابتدائى حتى الثانوية.

وبالإضافة إلى كل ذلك، نص قانون العمل المصرى على بعض المواد التى تنظم عمالة الأطفال وهي:

- المادة (98) التى عرفت الطفل العامل وأكدت على أنه يعتبر طفلاً - فى تطبيق أحكام القانون – كل من بلغ الرابعة عشرة سنة أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسى ولم يبلغ سبع عشرة سنة كاملة. ويلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلًا دون سن السادسة عشرة بمنحه بطاقة تثبت أنه يعمل لديه وتلصق عليها صورة الطفل وتعتمد من مكتب القوى العاملة المختص.

- المادة (100) والتى أعطت للوزير المختص صلاحية إصدار قرار بتحديد نظام تشغيل الأطفال والظروف والشروط والأحوال التى يتم فيها التشغيل وكذلك العمال والمهن والصناعات التى يحظر تشغيلهم فيها وفقًا لمراحل السن المختلفة.

المادة 101 والتى حظرت تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات يوميا، وأوجبت أن تخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل فى مجموعها عن ساعة واحدة، وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث ألا يشتغل الطفل أكثر من أربع ساعات متصلة، ويحظر تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو تشغيله فى أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية. وفى جميع الأحوال يحظر تشغيل الطفل فيما بين الساعة الثامنة مساء والسابعة صباحًا.

- المادة (102) والتى ألزمت أصحاب العمل ممن يقومون بتشغيل طفل أو أكثر بضرورة تعليق كشف ظاهر بمكان العمل، يحتوى على نسخة بأحكام فصل القانون، وكشف بساعات العمل وفترات الراحة. وتصل عقوبات للمادة مخالفة مواد قانون العمل المتعلقة بالأطفال وفقا 248 من ذات القانون، إلى غرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تتجاوز ألف جنيه.

كما نص قانون الطفل، رقم 12 لسنة 1996، والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 ،على كفالة جميع حقوق الطفل المصرى، وجعل القانون الباب الخامس لرعاية الطفل العامل والأم العاملة، وحظر تشغيل الطفل فى أى عمل قد يؤدى إلى تعرض صحته أو سلامته أو أخلاقه ل لخطر.

.

آلاف الأطفال.. فى أثواب الرجال

 

« ألقوا بطفولتهم فى أعماق الحياة.. وارتدوا زى الرجولة للعيش والنجاة».. بعضهم ساقه القدر للعمل فى مهن تصنف تحت بند «خطر للغاية»، وأرغمتهم لقمة العيش على ألا يعبأوا بالموت الوشيك الذى يُحدق بهم كل يوم.

فطبقاً للإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، يوجد أكثر من 1.6 مليون طفل أعمارهم تترواح بين 12-17 عاماً، ويمثلون 9.3% من الأطفال يعملون فى مهن وحرف تأتى فى مقدمتها الزراعة بنسبة 63%.

على جانب آخر, ترتفع نسب تسرب الأطفال من التعليم خاصة فى المناطق الريفية والأكثر فقرًا لتبلغ معدلات قياسية بسبب انخراط الأطفال فى سوق العمل, ارتفاع معدلات الفقر, نقص وسائل النقل الآدمية من وإلى المدارس, والزواج المبكر.

ورغم جهود الدولة للحد من الظاهرة من خلال مجموعة من التشريعات التى تجرم وتدين هذا العمل وتغلظ العقوبة على المخالفين أو من يتعامل بسوء مع الطفل سواء بالغرامة أو الحبس، إلا أنه لاتزال هناك العديد من التحديات تجعل هذه الظاهرة عالقة دون حل.

تعج هذه الظاهرة بالآلاف الحكايات الموجعة التى يرويها أصحابها تخلوا عن طفولتهم فى سن مبكر للغاية وخرجوا لسوق العمل والشقاء حتى يستطيع الإنفاق على أنفسهم وأسرهم الفقيرة.

لا تزال مصر فى مقدمة الدول التى ترتفع فيها معدلات عمالة الأطفال، خاصة فى المناطق الريفية، فالحياة فى الريف، لذة وتعب فى أن واحد، الطبيعة والهواء النقى يشعرك كأنك فى الجنة ولا تريد الخروج منها، ولكن من يتمتع بهذه اللذة بالتأكيد أصحابها وليس العاملون بها، فهناك قطاع كبير من المقيمين بقرى ريفية يعملون فى الحقول لكسب قوت يومهم، ولتلبية احتياجاتهم المختلفة، نسبة لا يستهان بها منهم أطفال لا يعرفون فى حياتهم غير الخضرة والزرع وطريق منزلهم، حيث يذهبون فى الصباح إلى الحقل ويعودن فى المساء من أجل 40 جنيهًا فى اليوم الواحد.

«عامر» طفل لا يتعدى عمره 11 عاماً حكم عليه القدر أن ينشأ فى أسرة فقيرة بإحدى القرى بالجيزة، فضل العمل فى سن صغيرة للمساعدة فى الإنفاق وتلبية احتياجات عائلته، فكانت الزراعة الحرفة الأمثل بالنسبة له خاصةً أنه ترعرع فى بيئة ريفية، ما جعل هذه المهنة الأقرب لمنزله والأكثر ملاءمة لظروف حياته.

يقول إنه اعتاد على العمل فى هذه الحرفة بعد أن وصل لسن التعليم والتحق بالصف الأول الابتدائى، حيث كان يعمل فى الحقول فى أجازة منتصف ونهاية كل عام مدرسى، وما جعله يحب هذه المهنة أنه يعود كل يوم لأسرته بمال وكمية من الخضار الطازج على حد تعبيره.

وزعم «أن هذه المهنة ليس فيها خطر على الإطلاق، حيث يشاهد كل يوم الأطفال والكبار يعملون بها دون أن يصيبهم مكروه، مؤكداً أن ما يتعبه حقاً فى هذه الحرفة الألم الذى يشعر به فى يديه كل يوم نتيجة زيادة نسبة التشققات والتى يعلاجها أحياناً بوضع عسل نحل عليها.

وأوضح أنه لولا هذه المهنة لكانت أسرته اضطرت إلى التسول وهو ما لا يحبه، لذلك فضل العمل والإنفاق على أخواته الصغار ومساعدة أسرته عن اهتمامه بالتعليم، مشيراً إلى أنه يهمل فى كثير من الأحيان أداء الواجب المدرسى أو المذاكرة نظراً لانشغاله بالعمل وكسب لقمة العيش.

وأشار إلى أنه «يحش كافة أنواع الزرع» منها الكزبرة والبقدونس والملوخية والكرنب وغيرها، ويحاسب على عمله بعدد «الحزم» الذى يقوم بربطها يومياً فكلما كانت عددها كبيرا أكثر من 100 حزمة خضار، كان أجره مرتفعاً والعكس.

«امل» طفلة لا يتعدى عمرها 12 عاماً تعمل فى نفس الحقل الذى يتردد عليه «عامر»، ولا تختلف ظروفها المعيشية عنه كثيراً إلا فى شىء واحد، حيث من عادات بعض المناطق الريفية أن البنات تخرج للعمل سواء فى الحقول أو بشكل عام لكى تستطيع أن «تجهز نفسها» أى تقوم بشراء كافة المستلزمات التى ستحتاجها مستقبلنا فى حال اقتراب موعد زفافها.

والذى يعزز هذه الرؤية التى لاتزال حاضرة فى الريف عن الحضر، وجود بعض القناعات الوهمية بأن «البنت ليس لها غير بيت زوجها» والزواج سوف يعفيها وهو أفضل خيار لها عن التعليم وغيره»، لذلك بعض الفتيات يخرجن للعمل فى سن مبكر ويهملن التعليم من أجل أن يقمن بتجهيز أنفسهن خاصةً أن أسرهن فقيرة ولا يمكن

أن تتحمل عبأ تجهيز فتاة بمفردها خاصةً أنه فى ظل عدد الأولاد الكبير فى الأسرة الواحدة.

تقول«أمل» أنها اعتادت على هذه الحرفة، وفضلت أن تحترفها بدلاً من الاهتمام بالتعليم، مشيراً أنه عندما كانت فى المدرسة وقبل أن تتركها لم تستفد شيئاً من التعلم غير انها تعرف تكتب اسمها، مشيراً أن المدرسين لا يهتمون بالطلبة كثيراً ولا بتعليمهم أو إفادتهم بشىء بل لابد أن ينضم الطالب لإحدى المجموعات المدرسية أو الدروس الخصوصية لكى يستطيع استكمال دراسته وهو ما تعجز أسرتها عليه، لذلك كان خيارها الأمثل أن تعمل وتكسب قوت يومها بدلاً من إضاعة الوقت فى مدرسة لم يستفيدوا منها بشيء.

وأوضحت أنها كانت ترغب فى أن يكون معها شهادة جامعية وتصبح أستاذة فى إحدى المدارس الحكومية، لكن ظروفها المعيشة كانت سبب عرقلتها عن هذا الحلم، خاصةً فى ظل اقتناع أهلها أن التعليم لن يجدى نفعاً للبنت وأن الانفع هو الزواج وأن تنجب أطفالا صغار.

 بجانب هذه القصص، هناك قصة أخرى خرجت من رحم جبل يشكل لغزا كبيرا للمقيمين به، فرغم خطورة وسقوط الصخور من عليه أكثر من مرة إلإ أن الأهالى تأقلموا على الوضع بطريقة غريبة، أثناء طلوعى إلى هذا الجبل استغربت من وجود سكان تقيم فى قلبه خاصةً أنهم لديهم أطفال، ومعرضون فى اى وقت للسقوط من هذا الارتفاع، حيث لا ينجو منه أحد إذ سقط.

تأقلمنا على الوضع وبندعى كل يوم أنه ربنا يرحمنا ونعزل من هنا، هكذا تحدث «محمد» من سكان منطقة الدويقة عمره 13 عاماً، يعيش فى منزل أعلى الجبل مع أسرته واخواته الثلاثة أطفال، مشيراً إلى أن ذراعه اتكسر أكثر من مرة بعد سقوطه من على الجبل، ولولا الأهالى له لكان فى عداد الموتي.

وأكد أن الحياة تبدو فوق الجبال غريبة بعض الشيء إلا أنهم اعتادوا على العيش فى هذه المناطق، مشيراً إلى أنه يبيع غزل البنات لأطفال المنطقة من أجل أن يساعد أسرته فى المعيشة والإنفاق اليومى، مؤكداً أن اخواته الثلاثة يساعدونه فى عمله ويوفرون له كل سبل المساعدة والدعم من أجل كسب قوتهم اليومي.

واشار إلى أنه لجأ للعمل فى هذه المهنة هرباً من بعض المهن الخطرة المنتشرة فى المنطقة والتى يخشى الاقتراب منها مثل مهنة النجارة والحدادة وغيرها والتى تسببت فى بعض الإعاقات للأطفال، لذلك كانت هذه المهنة الحل الأمثل له ولأسرته نظراً لعدم خطورتها ومكسبها الوفير، علاوةً أنه يكون بجانب أسرته الـ 24 ساعة ولا يبتعد عن اخواته,

 

40 مليون طفل.. فى حماية النائب العام

 

أصدر المستشار حمادة الصاوى النائب العام قراراً بإنشاء مكتب لحماية الطفل بمكتب التفتيش القضائى التابع للنيابة العامة، وبهذا القرار تكتمل منظومة حماية الطفل المصرى، ليبقى تفعيل هذه القرارات والجهات الحمائية وقيامها بدورها هو الأهم لتحقيق الحماية الفعلية لأطفال مصر.

وإذا كانت إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء تؤكد أن أطفال مصر يقدر عددهم بـ40.1 مليون طفل تحت سن الـ18، بنسبة 38.9% من عدد السكان، فهذا يعنى أن ما يزيد على ثلث سكان مصر أطفال، وبما أن الأطفال هم الطرف الأضعف فى العلاقات فى أى مكان فى العالم، لذا أصبح توفير أكبر قدر من الحماية لهم أمراً واجباً.

ومن هنا تأتى أهمية قرار النائب العام الذى رحبت به منظمات حماية حقوق الطفل والمجلس القومى للأمومة والطفولة، واعتبروه حلقة هامة فى سلسلة حماية الطفل المصرى.

وكان المستشار حمادة الصاوى، النائب العام قد أصدر قرارا بإنشاء مكتب لحماية الطفل بإدارة التفتيش القضائى بمكتب النائب العام، ومنح القرار هذا المكتب الجديد عدة اختصاصات أهمها: الإشراف على نيابات الطفل ومتابعة أعمالها، ورصد المشكلات العملية التى تعترضها لوضع مقترحات حلها، ومراجعة القضايا والأحكام القضائية المتعلقة بالأطفال، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الطفل فى الحالات التى يتعرض فيها الطفل للعنف أو الإهمال أو الاستغلال.

ونص القرار أيضاً على اختصاص المكتب بمتابعة قضايا اختفاء الأطفال أو العثور عليهم وإعداد سجل لقيدها، وتكليف الشرطة بالبحث والتحرى عن ذويهم؛ ويهدف هذا الاختصاص إلى القضاء على ظاهرة اختفاء الأطفال عن ذويهم.

كما تضمن القرار النص على اختصاص أكثر أهمية للمكتب الجديد؛ وهو ما يتعلق بالتفتيش على دور الملاحظة ومراكز التدريب والتأهيل، ومؤسسات ودور الرعاية الاجتماعية والمستشفيات المتخصصة والمؤسسات العقابية وغيرها من أماكن احتجاز الأطفال.

كما منح القرار للمكتب أيضاً حق اقتراح قيام النيابات المختصة بتفتيش هذه الدور، وذلك لتحقيق رقابة فعالة للتأكد بصورة دورية من مطابقة ما يتم اتخاذه من إجراءات بشأن الأطفال للقانون، ومن ذلك التأكد من عدم احتجازهم مع البالغين.

كانت هذه المشكلة تعتبر من أهم الانتقادات الموجهة لأوضاع الطفولة فى مصر، حيث أن الأطفال المتهمين فى القضايا كان أحياناً يتم احتجازهم فى نفس أماكن الحجز المخصصة للكبار، وهو ما يؤدى لعرضهم لكثير من المخاطر والانتهاكات لحقوقهم التى كفلها لهم الدستور وقانون الطفل، ويأتى القرار الجديد لتوفير حماية أكبر للأطفال، ورعايتهم وإنفاذ القوانين والمواد الدستورية التى نصت على حمايتهم.

وأكد القرار كذلك على سلطة المكتب فى التنسيق والمتابعة مع خط نجدة الطفل والجهات الوطنية المختصة بحماية الطفل، وذلك لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز ودعم حماية الأطفال، كما أوجب القرار على النيابات إخطار المكتب بكل الوقائع المتعلقة بالأطفال التى تنطوى على عنف ضدهم أو على استغلالهم أو تعرضهم للخطر أو فقدهم أو العثور عليهم.

وحرص القرار على النص على دور المكتب فى عمل إحصاء لحجم ونوع ظاهرة إجرام الأطفال ودراستها لتطوير منظومة عدالة الأطفال، وألزمه بإعداد تقرير ربع سنوى بأعماله يعرض على النائب العام.

هذا القرار يعد خطوة هامة فى مجال حماية الطفل المصرى الذى يتعرض لانتهاكات شديدة سواء فى المجتمع أو فى دور الرعاية أو أماكن الاحتجاز الخاصة بهم.

ويكفى أن نشير إلى تقرير مؤسسة حياة للدمج المجتمعى، الذى أشار إلى أن مصر بها 24 مؤسسة عقابيّة منها 18 مؤسسة مُخصصة للأطفال الذكور، و6 مؤسسات للفتيات، ويَبلُغُ عدد الحالات التى تَستفيدُ من خدمة المؤسسات سنويًا 32231 حالة فى العام الواحد.

 كما تَرعى وزارة الشّئون الاجتماعيّة مُؤسسات للإيواء يصل عددها إلى 161 مؤسسة، وقام المركز برصد العديد من الانتهاكات داخل مؤسسات رعاية الأحداث ودور الرعاية، وأكد المركز من خلال الزيارات الميدانيّة التى قامت بها وحدة البحث الميدانى للمركز، فشل تلك المؤسسات فى أداء دورها الإصلاحى والتهذيبى والعلاجى للأطفال المودعين بها، بالإضافة إلى سوء الأوضاع المعيشيّة والصحيّة والتّعليميّة، واتضح أيضاً انعدام دور مكاتب التصنيف والتوجيه الذى لم يكن لهما أى دور على الإطلاق، وكذلك فقدان النظام العقابى للأحداث للبرامج العلميّة فى كافة النواحى.

وأكد التقرير أن تلك المؤسسات بوصفها أماكن للاحتجاز لتمضية فترة تقييد الحريّة يتمُّ استخدامها بمفهوم السجون، وليس النظر إليها كمؤسسات علاجيّة وتهذيبيّة، وكذلك تستمرُّ الظروف السيئة داخل المؤسسات باعتبارها عقوبة إضافيّة إلى جانب تقييد الحريّة.

وأرجع التقرير هذا النقص إلى ضعف الإمكانيات الماديّة، والبشريّة، والفنيّة بالإضافة إلى انعدام الوعى العقابى والإصلاحى لدى أغلب العاملين بمؤسسات الأحداث.

هذا التقرير وما يتعرض له أطفال مصر من انتهاكات فى مجالات عديدة، وتعرضهم للتعذيب داخل دور الايواء وخارجها جعل لقرار النائب العام أهمية كبيرة، حيث أكد هانى هلال رئيس الائتلاف المصرى لحماية حقوق الطفل أن هذا القرار طال انتظاره فهو واحد من المطالب القديمة التى طالبت بها المنظمات الحقوقية منذ سنوات عديدة، والاستجابة له الآن تدل على وعى كبير من النائب العام المستشار حمادة الصاوى، وهى دليل على التطورات داخل النيابة العامة، والتى بدأت بتدريب وكلاء نيابات الطفل على مستوى الجمهورية، بالتعاون مع هيئة اليونيسيف، وإصدار الكتاب رقم 7 الخاص بقضايا الطفل، بالإضافة إلى نظر كافة القضايا المتعلقة بالأطفال بسرعة، وتوفير رقم واتساب لتقديم البلاغات الخاصة بالأطفال سواء الخاصة بالتعذيب أو الانتهاكات التى قد يتعرض لها الأطفال، والتى يتم التجاوب معها خلال 24 ساعة من تلقيها، وهو ما تأكدنا منه بأنفسنا من خلال التجربة العملية.

وأكد هلال أن المكتب الجديد سيساهم فى سرعة إقامة العدل فى قضايا الطفل، وهذه كانت اشكالية كبيرة، فدائما ما كانت قضايا الأطفال تحتاج لوقت طويل لحين نظرها والبت فيها.

وأضاف أن المكتب الجديد سيؤدى إلى تقليل فترة انتظار الأطفال لحين نظر قضاياهم، وتقليل فترة الحبس الاحتياطى التى كانت دائما من الانتقادات التى تأخذ ضد مصر.

كما سيوفر المكتب للطفل حماية أثناء التحقيقات، بالإضافة إلى دوره فى التفتيش على الدور والنيابات، وهو ما يضمن حفظ الكرامة الإنسانية للطفل، كما أنه سيكون هناك تواصل بين المكتب وخط نجدة الطفل والهيئات الوطنية وجمعيات حماية الطفل، لتوفير قدر أكبر من الحماية للأطفال.

وأكد هانى هلال أن هذا المكتب دليل على الأخذ بمقترحات التطوير لتطوير منظومة العدالة، والتوسع فى تطبيق نظام العدالة التصالحية للأطفال، والذى تم تطبيقه فى الإسكندرية على سبيل التجربة، والآن سيتم تطبيقه على مستوى محافظات الجمهورية.

ويقضى تطبيق نظام العدالة التصالحية بإبعاد الأطفال قدر المستطاع عن إجراءات التقاضى، على أن يتم التصالح فى القضايا التى يكون الأطفال طرفا فيها، ولذلك يرى هلال أن هذا المكتب يعتبر إضافة وليس بديلا عن لجان الحماية، وإنما هو تدعيم وانعكاس لاهتمام الدولة بملف الطفولة.