رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: حل هيئة المفاوضة

بوابة الوفد الإلكترونية

مرسوم ملكى بإنهاء المفاوضات مع الإنجليز

 

الأمة تطالب بالجلاء ووحدة وادى النيل

 

أبواق الاحتلال يحاولون بث الفتنة بين مصر والسودان

 

استقر إسماعيل صدقى على كرسيه، وبعد هذه الثقة الملكية الغالية كان من حقه أن يفخر فصرح علانية للصحف ليعرف الرأى العام عن طريقها طرفا من أسرار الموقف، فقال فى بيانه لقد رفعت استقالتى إلى حضرة صاحب الجلالة الملك، وأبديت فيها السبب الذى حملنى على تقديمها فتفضل جلالته فلم يقبل هذه الاستقالة لأنه حفظه الله لا يزال يشرفنى بكامل ثقته فكنت أرى والحالة هذه داعيا إلى العودة لهذا الموضوع!

وأضاف «صدقى»: غير أنى واضعا للأمور فى نصابها أحب أن يكون مفهوما لدى الجميع أنه لا يوجد أى خلاف بين أعضاء هيئة المفاوضة المصرية وأنا منهم، فيما يختص بالمقترحات البريطانية الأخيرة، فقد رفضناها بالإجماع، والخلاف كله محصور فى أن أحد الأعضاء يريد قطع المفاوضات فورا، وثلاثة منهم يرون أن يكون إنذارا منا إلى الجانب البريطانى ننبه عليه بأن هيئة المفاوضات تتمسك حتى بحرفية النصوص لمشروع المعاهدة فلا تغيير فى أى كلمة فيها.

وأما أنا وباقى حضرات الأعضاء فلم نر هذين الرأيين، وأنه من دواعى الأمل أنه قد ظهر صريحا من أقوال الجانب البريطانى فى جلسة المفاوضات الأخيرة أنه على استعداد لمعاودة النظر فى موقفه واقتراحاته.

هذه هى الحقيقة، وما عداها تحوير لها وتشويه ليس المقصود منه إلا بلبلة الأفكار بالباطل وخدمة الأهواء الذاتية على حساب العامة.

ومن دواعى غبطتى أن يصدر الأمر الملكى الكريم بتكليفى بالاستقرار فى العمل على تحقيق أهداف البلاد. والبيان على النحو السالف فيه كشف لسطور بعض خصوصيات المفاوضة فى ثورية رقيقة لا تتشابه بينها وبين تلك الطرائق العلنية التى خرج بها بعض الأعضاء وأدلوا بها إلى الصحافة والرأى العام!

وكان طبيعيا أن يثير هذا البيان فى الجو السياسى غبارا وعواصف، فظهر فى الصحف بيان موقع من شريف صبرى وحسين سرى وعلى الشمس، وفى البيان إشارات إلى أسرار سياسية لها خطورتها.

ورد مكرم عبيد بدوره ردا من ردوده المعهودة المتسمة بالبلاغة وسحر اللفظ، وكشف هو الآخر بعض الأسرار!

وخيل لمن يهمهم استفحال الأمر، واتساع دائرة الأخذ والرد أن الحلبة سوف تتسع، والمحاورة سيطول مداها، والجدل ستعلو رايته، ولكن إسماعيل صدقى اتبع سياسة الصمت، وعدم حمل عناء الرد فهدأت العاصفة!

 

الجو السياسى!

 

كان وفد المفاوضة البريطانى قد اعتزم السفر عائدا إلى بلاده بعد أن تدفقت المفاوضات، وتسلم الإنجليز رد المصريين، فسارع رئيس الوزراء إلى مقابلته، ودام اللقاء ساعة كاملة تبادلا خلالها الآراء، وبدأ الجو السياسى الراكد الأهوية ينتعش قليلا، وترددت فى جنباته أن «صدقى» سيسافر إلى لندن ليحادث «بيفن» شخصيا، ومن هنا عادت الأحزاب المعارضة تعترض على السفر، وقال فيه الحزب الوطنى إنه سفر للاستجداء، وعاد الجدل إلى الظهور مرة أخرى!

ووقف إسماعيل صدقى يتكلم فى حشود من الشعب فى مدينة طنطا، وراح يهاجم ويحمل على معارضيه حملات قاسية فيها سخرية منهم وتعريض بماضيهم وحاضرهم، وما يهدفون إليه من إثارة القلاقل والعبث بعقول السذج!

واستمر «صدقى» فى هجومه، وفند الحجج الواهية، والدعايات المغرضة، وأشار إلى قرب سفره إلى لندن لإكمال بحث القضية، وحفزت مسألة تقرير السفر أجواء من الشائعات، أحبت الصحافة أن تكشف النقاب عنها.

وانبرت جريدة المصرى فقامت باستفتاء له خطورته بين الساسة المصريين عن هذه الرحلة وكان فؤاد سراج الدين أول من تكلم، فقال عن سفر الرجل فى الوقت الحاضر إنه ضار بالقضية المصرية أبلغ حذر، سواء سافر بمفرده أو مع بعض زملائه.

وقال طه السباعى: إن من اللازم أن تلجأ مصر إلى هيئة الأمم لتعرض قضيتها، وذكر محمود سليمان غنام: أن انفراد «صدقى» بالسفر وتجاهله لهيئة المفاوضة يجب أن يكون له أساس، وهذا الأساس هو ثقة الشعب، وهذه الثقة معدومة، ولا يمكن لإسماعيل صدقى أن يمارى فى هذا وأن يدعى أن الشعب قد أودع ثقته فيه!

وقال مصطفى الشوربجى إن «صدقى» بطلبه السفر إلى لندن يخطو هذه الخطوة، وهى خطوة عاثرة تضر بالقضية، وأن مركز المفاوضين بات فى منتهى الحرج، وليس عندهم من وسيلة إلى إظهار أن هذا الخطر يتعارض مع مصلحة البلاد، وهم فى حل الآن وعليهم أن يكشفوا للناس كل ما جرى فى المفاوضات ليتضح للرأى العام موقف صدقى باشا عاريا!!

وقال محمد علوبة إذا كان رئيس الحكومة سيسافر بمفرده فهذا معناه أنه يذهب كرئيس حكومة، وأنه سيكون مكلفا بتحقيق المطالب التى أجمع أعضاء هيئة المفاوضة عليها.

تلك كانت هى الآراء، مادحة وفادحة، وعلى هذا فقد سافر إسماعيل صدقى إلى لندن للمفاوضة!

سافر إسماعيل صدقى إلى لندن ومعه إبراهيم عبدالهادى وزير خارجيته،وحرص الإنجليز على الترحيب بهما، وأحسنوا استقبالهما، بل بالغوا فى تجميل أسباب ذلك الاستقبال، وذلك بأن ضمنوا إلى جانب وجود «صدقى» و«عبدالهادى» وجود هيئة معارضة لهما!!

لقد كان غريبا حقا أن يلجأ الإنجليز إلى مجموعة من الانفصاليين ليكونوا فى العاصمة كى يهاجموا مطالب الوحدة الشاملة، وأن تفسح الصحافة البريطانية صدرها لهم.

كانت المشكلة المطروحة هى مشكلة السودان، كان «صدقى» يرى أنه من الخير أن تكون تسوية هذه المشكلة على رحلتين، الأولى: يتقرر فيها المبدأ والثانية: تشمل التحقيق الذى يقوم به الجانبان للتفاهم على الأوضاع التى تهيئ للسودان أكبر قسط من الرفاهية والرقى.

لكن أثناء تواجد «صدقى» فى العاصمة البريطانية أعلن أحد دعاة الانفصال لمراسل «رويتر» أنه يطالب بإجراء استفتاء يشرف عليه مراقبون مستقلون، وليس هناك من شك بأنه سيسفر عن وجود أغلبية ساحقة تؤيد انفصال السودان، وأننا نطالب بحق تقرير مصيرنا.

 

سيادة السودان

 

ومن غرائب الصدف المرتبة، وبدائع الاستقبالات التى نظمت لاستقبال «صدقى» أن بعث السيد عبدالرحمن المهدى برقية إلى مستر «بيفين» يقول فيها: بما أن الحكومات البريطانية المتعاقبة أكدت أنه لن يصدر أى قرار بشأن السودان ومستقبله السياسى، دون أخذ رأى أهلية، فنود الحصول منكم على تأكيد أن سيادة السودان تكون لأهله.

ولم تفوت الصحافة البريطانية بدورها فرصة استغلال الموقف، ووجود الوفد المصرى فى عاصمتهم فراحت بدورها تحرك المسألة السودانية!

واجتمع «صدقى» و«بيفين»، وافترقا إلى عودة فى موعد حدداه بعد نهاية الأسبوع، ولكن لضعف بنية «إسماعيل» وللبرد الشديد الذى أصابه سقط فريسة المرض، كان المرض قاسيا، وأعلن الطبيب الذى يعالجه أن حالته تنذر بخوف وأنه قد يموت قبل مطلع الصباح.

كان الموقف رهيبا ومربكا لمن كانوا حول «صدقى» ويحكى مصطفى أمين الذى كان يرافقه فى ذلك الوقت واصفا تلك الليلة وصفا بارعا فيقول:

«اجتمعنا فى غرفة إبراهيم عبدالهادى وكان معنا عمرو باشا، وكان الوقت بعد منتصف الليل وانتظرنا أن يدق التليفون من الغرفة المجاورة ينعى صدقى باشا، وقال إبراهيم باشا كل ما أتمناه أن يعيش أسبوعا حتى يموت بين أهله فى مصر».

ويضيف مصطفى أمين: اجتمعنا فى صباح اليوم التالى، وكانت مهمة شاقة أن يمسك أحدنا بالتليفون ويسأل عن الأخبار، فردت الممرضة ودعتنا إلى غرفة صدقى باشا، تصورت أنى سأشهد صدقى باشا يسلم الروح، وأنى سأسمع وصيته، ولكننا وجدناه جالسًا فى سريره وعلى رأسه الطاقية وعلى عينيه نظارته، وأمامه بعض الأوراق!

وسأل عمرو باشا صدقى: أخبار صحتك يا باشا، فرد صدقى الحمد لله أحسن، لقد شعرت بتحسن ليلة أمس فجلست وكتبت هذه المذكرة، وناول صدقى المذكرة إلى إبراهيم باشا عبدالهادى، ومنع المرض صدقى من الاجتماع «ببيفين»، وكم أحب صدقى أن يشهد اجتماع مجلس العموم فى جلسته التاريخية ليسمع بيان بيفين، ولكن حال المرض دون ذهابه، وألقى «بيفين» بيانه، وتناول فيه المسألة المصرية.

وقيل إن هذا البيان وما استنفذه من جهد قد يحول بين «بيفين» ومقابلة إسماعيل صدقى، ولكن الذى حدث كان العكس، إذ لم يكن يشرق صباح اليوم التالى حتى اتصل «بيفين» بصدقى طالبا موعدًا للمفاوضة فى ذلك الصباح.

وحضر «بيفين» «ورونالد كامبل» إلى الفندق للاجتماع بإسماعيل صدقى وإبراهيم عبدالهادى، وطال الحديث وتشعب، وتناول مسألة السودان والجلاء، ولم يجد المفاوض البريطانى إلا أن يعترف بمطالب مصر فى تقرير وحدتها الشاملة للشمال والجنوب، وبانتهاء جلاء القوات البريطانية عن المدن والموانئ المصرية فى خلال ستة شهور ابتداء من سبتمبر سنة 1949.

وكان طبيعيًا أن تهب المعارضة، وأن تثور، ودعا إسماعيل صدقى هيئة المفاوضة إلى الاجتماع وعرض سياسته، فتعددت المناقشات، وكثر الجدل، وحاول صدقى أن يقنع المفاوضين بقبول عروضه التى جاء بها ودون جدوى، بينما هو يحاول معالجة الأمر إذ بغالبية أعضاء الهيئة يخرجون على الشعب ببيان زاد الأفكار بلبلة، ووسع هوة سوء الفهم حتى

خال الناس مشروع «صدقى - بيفين» نكبة وطنية، واحتلالا مشروعا فى لباس جديد!.

أوضح البيان الذى وقعه شريف صبري وعلى ماهر وعبدالفتاح يحيى وحسين سرى وعلى الشمسى وأحمد لطفى السيد ومكرم عبيد: أنه بتاريخ 17 سبتمبر سنة 1946 تقدم الجانب البريطانى بمشروع اتفاق، نص فى الفقرة الثانية من المادة الثانية منه على أنه: فى حالة تهديد سلامة أى دولة من الدول المجاورة لمصر اتفق الطرفان على أن يتشاورا معا لأجل القيام بالعمل الذى تبين ضرورته، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لإعادة السلم إلى نصابه، ولكن الهيئة رفضته فى مذكرتها التى أقرتها بجلسة 23 سبتمبر سنة 1946 لما تبين لها من أن الارتباط قد يؤدى إلى اتخاذ مصر قاعدة لأعمال حربية، وما يستتبع ذلك من احتمال عودة القوات البريطانية إلى احتلال أراضيها، فضلا عن أن عبارة تهديد السلامة عبارة مطاطة تحتمل تأويلات متباينة.

وبمراجعة مشروع صدقى - بيفين تبين أن هذا النص وإن كان قد حذف من المادة الثانية إلا أنه أضيف بما يحقق كل معناه، ولم يكن من المستطاع أن نقبل ما سبق أن تقرر رفضه بالإجماع.

وأما عن مطلبى الأمة الأساسيين: الجلاء ووحدة وادى النيل، فقد وقع إجماع الهيئة فيما يختص بالجلاء على تقدير ثلاث سنوات أجلاً لإتمامه تقديرًا مبالغًا فيه، وأن الجلاء مستطاع فى أقل من هذا الأجل بكثير من الناحية المادية.

وقد كان البروتوكول الخاص بالسودان طبقاً للنص الذى اقترحته الهيئة يتضمن تعهد الطرفين بالدخول فوراً فى مفاوضات بقصد تحديد نظام الحكم فى السودان فى نطاق مصالح السودانيين على أساس وحدة وادى النيل تحت تاج مصر.

وجاء النص فى مشروع الاتفاق الأخير على خلاف ذلك، فبينما يشير مشروع «صدقى - بيفين» فى الفقرة الأولى إلى السياسة التى يتعهد الطرفان باتباعها فى السودان فى نطاق وحدة مصر والسودان تحت تاج مصر فإن الفقرات التى تلتها تجرد الوحدة من كل خصائصها.

وأن النص المشار إليه يحتفظ بالحالة الراهنة فى السودان دون أن يعد بإجراء أية مفاوضات لتعديلها، كما أن النص على تخويل السودان حق اختيار نظامه فى المستقبل يمهد لفصل السودان عن مصر، ويلزمنا منذ الآن بقبول مبدأ الفصل.

وإن حرصنا على وحدة وادى النيل كوحدة فعلية لا ينطوى على أية نوايا من نوايا التوسع أو الاستعمار، ولكنه حرص جاء محققاً لما تجلى من رغبة شعب وادى النيل فى تأليف وحدة تؤكدها الروابط التاريخية.

لهذه الأسباب رفضنا المشروع بوضعه الحالى، ورأينا إصدار هذا البيان توضيحاً للموقف.

 

ثورة فكرية!

 

وكان طبيعياً أن يحدث نشر هذا البيان ثورة عاصفة، وكان طبيعياً أيضاً أن يذهب فيه الشعب شتى المذاهب، وأن تدور حوله الأقاويل فيشغل الناس جميعاً، ويقولون فيه ما يقولون!

كان البيان ضربة قاصمة أصابت الهيئة نفسها، وقضت عليها، إذ دلل نشره أولاً على وجود فرقة فى الرأى، وثانياً على استحالة قيام التعاون مرة ثانية بين هؤلاء الأعضاء.

وبدأت الآثار التى كان يرجوها المعارضون من نشر البيان تظهر واضحة وانقسم فيه الناس إلى فرق وشيع، ووجد إسماعيل صدقى أنه وبعد أن نشر هذا البيان فى موقف فى البقاء فيه حرج دستورى فكان أن أسرع بطرح الثقة بوزارته على البرلمان!

وعقد المجلس جلسة سرية وخطيرة، ثم فازت الحكومة بالثقة التامة، وقرر مجلس النواب بالإجماع مطالبة الحكومة باستئناف المفاوضات لتحقيق أمانى مصر القومية.

ولكن هيئة المفاوضة أصرت على الرفض، وارتأى إسماعيل صدقى أن استمرار وجود الهيئة بعد أن أعلنت رأيها جهاراً فى المفاوضات الجارية، بما يفسر بأن مهمتها أصبحت غير ذات موضوع أن يتصدر مرسوم ملكي بحلها، وهكذا صدر مرسوم ملكى بحل هيئة المفاوضات!

وبقى إسماعيل صدقى وحده، فتقدم الرجل بمشروعه إلى البرلمان لمناقشته وإبداء الرأى فيه بالموافقة والواقع أن العقلية الإنجليزية لم تحسب لهذا الأمر حسابه إذ اعتقدوا فى تقديرهم القائم على سوء النية أموراً كانت الخطوات التى حدثت من الجانب المصرى مضادة لها تمام التضاد.

كان الإنجليز يعرفون أن هيئة المفاوضة ستقف فى وجه أى اتفاق يناله صدقى، وأنها سوف تتجاهل أى اتفاق يبرمه، وكانوا يؤمنون أن الحزب المصرى الكبير - حزب الوفد - لن يبارك بحال من الأحوال معاهدة يكون إسماعيل صدقى بطلها، وكانوا يعرفون بعد هذا وذاك أن الشعب بدوره لن يهلل للمعاهدة ولن ينادى بإبرامها، ولهذا أسرفوا فى وعودهم وأحبوا أن يظهروا بمظهر المسلم بكل مطالب المصريين!

فما إن صدر مرسوم حل هيئة المفاوضة، ثم قيام مجلس الوزراء بعد ذلك بدراسة بنود المشروع، وحديث محمود فهمى النقراشى رئيس السعديين عن المشروع فى جلسة البرلمان السرية ما إن حدث هذا كله حتى بدأت جهودهم إلى ناحية أخرى!

ارتدى الإنجليز أقنعتهم التقليدية، وراحوا يعملون فى الظلام، وهبت العاصفة من ناحية السودان، بدأت الأيدى الخفية تلعب، وبدأت ألعابها بنمرة خطيرة جاءت فى صورة رسالة حملها حاكم السودان «هدلستون» إلى اتلى رئيس الوزارة من المهدى وفيها يقول: إنه من اللازم على الحكومة البريطانية أن تعرف أن سبب قيام الثورة المهدية فى السودان هو النفور من الحكم المصرى المطلق، وأن هذه الثورة قد تعود إلى مسرح الحوادث مرة أخرى فى حالة ما إذا عاد المصريون إلى السودان!

ولكى يقوى «هدلستون» ادعاءاته أوعز إلى أبواقه بالانطلاق، وإحداث الضجيج والقول بأن أهل السودان يتساءلون عن مصيرهم فى قلق، بعد إمضاء المعاهدة المصرية الإنجليزية، وعلى أى وضع سيكونون إدارياً، وهل ستنفرد بحكمهم مصر وحدها ويرحل الإنجليز، وهذا أمر لا يريدونه، ويأبون حدوثه بحال من الأحوال!

وانطلقت الأبواق المعارضة، وتناقلت وكالات الأنباء دعاياتها، وراحت تحملها هنا وهناك وفى كل مكان.. وإلى لقاء!