عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وعى المواطن.. السلاح الغائب فى معركة كورونا

تكدس المصريين فى
تكدس المصريين فى المواصلات

ملايين المواطنين يضربون بالإجراءات الوقائية عرض الحائط ويرفعون شعار «المكتوب ع الجبين»!

رجال دين واجتماع: مطلوب حملات توعية تناسب كل الفئات والثقافات

الوعى لا يقضى على المحنة فقط بل يرسم شكل المستقبل بعد الفيروس

التداوى والتباعد فى زمن الأوبئة من آداب الإسلام.. وعلى المصاب ترك الجُمع والأعياد فلا ضرر ولا ضرار

زحام فى الشوارع.. تكدس بالأسواق.. مناسبات وعزومات.. وجوه بلا كمامات، هذه المشاهد المؤسفة تنتشر فى وقت يتجه فيه منحنى الإصابات بكورونا إلى الأعلى.. رغم الإجراءات الاحترازية والتحذيرات من التقارب الاجتماعى.. والدعوات التى توجهها الجهات المسئولة عبر كل الوسائل لتوخى الحذر والتزام البيوت قدر المستطاع.. إلا أن أعدادًا كبيرة من المواطنين تتعامل بكثير من التهاون فى قضية فيروس أطلق عليه عدو البشرية.. يفتك بالآلاف فى جميع أنحاء الكرة الأرضية ولا يرحم صغيرًا أو كبيرًا غنيا أو فقيرًا.

هذه المشاهد تضع المجتمع كله فى مرمى الخطر.. الدولة من جهتها فرضت حظرًا فاستباحت أعداد غفيرة من المواطنين الساعات المتاحة لفعل كل ما هو خطر، زحام.. تلاحم.. الضرب بكل التعليمات الصحية عرض الحائط.

وأصبحت قضية الوعى هى السلاح الأهم فى مواجهة كورونا حتى يعثر علماء العالم على المصل الواقى وتعود الحياة لطبيعتها.

«راهنا على وعى الشعب وللأسف لم نكسب الرهان، ولكن عندنا أمل أن يعود الوعى للشعب المصرى ويلتزم بالإجراءات الاحترازية.. قلة الوعى أرهقت النظام الطبى فى مصر»، بهذه العبارة لخص دكتور حسام حسنى رئيس اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا بوزارة الصحة، تفاعل المصريين مع التحذيرات المستمرة من خطورة كورونا وضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية لمنع تفشى الفيروس.

فتعامل معظم طوائف الشعب مع الوباء العالمى لم يكن جاداً بشكل يتناسب مع خطورة المرض الذى ينتقل بسهولة من شخص لآخر، وكان الأمر موضع سخرية من قبل البعض عبر بوستات ومقاطع فيديو ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، علاوة على عدم الالتزام بإجراءات الوقائية التى طالبت بها وزارة الصحة والتى كان أهمها الحفاظ على مسافة من التباعد مناسبة بين الأفراد وارتداء الكمامات.

أسفرت حالة التساهل والاستهانة بالعدوى وعدم اتباع الإجراءات الاحترازية من قبل المواطنين إلى استمرار تزايد أعداد المصابين يومًا بعد يوم، واتجاه منحنى الإصابات إلى الأعلى.

ورغم تأكيدات ممثلى منظمة الصحة العالمية أن مصر لا تزال فى المستوى الثانى من مراحل انتشار فيروس كورونا وهو المستوى المحلى، بحيث تستطيع الدولة معرفة مصدر كل إصابة وتتبع المخالطين ومخالطى المخالطين، إلا أنه تتزايد المخاوف من الانتقال إلى المستوى الثالث من انتشار المرض وهى مرحلة الانتشار المجتمعى بسبب عدم جدية أغلبية أفراد المجتمع فى التعامل مع العدوى واتباع الإجراءات الوقائية.

ومع أننا لم نصل بعد إلى مرحلة الخطورة مقارنة بدول أخرى، إلا أنه لا يزال السيناريو الأكثر رعباً يحوم فى الأفق بسبب عدم الوعى المجتمعى بخطورة تداعيات تفشى هذا الوباء بصورة كبيرة على كافة النواحى بالبلاد، وفى السياق ذاته اعتبر العديد من الخبراء والمتخصصين أن هذه الحالة تتولد نتيجة الخوف أو بعض المنطلقات الدينية السائدة التى يستعين بها المواطن لمواجهة الأمراض أو الكوارث والتى تتلخص فى عبارة «لنا الله»، أو «اللى مكتوب مكتوب».

 

إجراءات احترازية

استعدت البلاد منذ البداية لكل سيناريوهات انتشار الفيروس، حيث أعلنت حالة الطوارئ فى المستشفيات وجهزت أكثر من 1200 سرير بـ6 مستشفيات للعزل والتعامل مع الوباء منها 600 سرير للتنفس الصناعى والعناية المركزة.

وأعلنت الحكومة المصرية إغلاق المطاعم والمتنزهات والملاهى والنوادى بداية من 7 مساء وحتى 6 صباحا بتوقيت القاهرة، ثم إلى التاسعة مساءً خوفاً من انتشار الفيروس. علاوةً على ذلك، تم وقف حركة الطيران وحدوث حالة شلل فى المطارات للمسافرين العالقين مع رحلات تلغى أو تأجيل مواعيدها، وعدم استطاعة العديد من المسافرين العودة إلى بلادهم، ظهرت مبادرات فردية من قبل المصريين فى الخارج لمساعدة أى شخص لا يستطيع العودة إلى مصر.

وبدورها قامت وزارة الصحة بتنويع مصادرها للتوعية حيث أرسلت رسائل نصية توعوية عبر التليفونات المحمولة بشكل مجانى إلى المواطنين للتوعية والوقاية من عدوى فيروس كورونا وتضمنت: «احرص على النظافة واستعمل المنظفات» و«احذروا الشيشة والازدحام»، و«استخدم المناديل عند العطس والسعال تجنبا لفيروس كورونا».

وناشدت وزارة الصحة أنه فى حال الاستفسار عن أى معلومات تخص فيروس كورونا يجب الاتصال على الخط الساخن 105 و15335 على مدار 24 ساعة.

وتم إطلاق منصة معلومات فيروس كورونا، ليقدم التطبيق إرشادات ممكنة للعاملين فى مجالات الصحة، والتعليم، وقادة المجتمع، والمؤسسات الأهلية، والحكومات المحلية، والشركات المحلية التى تعتمد على واتساب فى التواصل.

كما نشرت الوزارة بعض المعلومات الصحية الواجب اتباعها وردت على استفسارات العديد من المواطنين، حيث أكدت أن مجففات اليد المتوفرة فى المطاعم والمولات الكبرى والمحال لا تقضى على فيروس كورونا فى 30 ثانية كما يدعى البعض، وإنما تستخدم فقط فى تجفيف اليد جيدا.

 

تحدى الفيروس

رغم الإجراءات المشددة التى اتخذتها الحكومة لمنع انتشار العدوى بين عدد كبير من الأشخاص وذلك من خلال قرارات تعطيل الدراسة فى المدارس والجامعات وتقليل عدد العاملين فى القطاع العام والخاص، إلا أنه ظلت هذه التدابير تتردد على ألسنة العامة فى المواصلات وكافة التجمعات دون أخذ الاحتياطات اللازمة لسلامتهم والحفاظ على صحة من حولهم.

ومع أن شريحة كبيرة من الموظفين فى القطاع العام والخاص لا تذهب بشكل يومى كالمعتاد للعمل بعد إجراءات تخفيض العمالة لمنع تفشى المرض، لكن لا يزال قطاع كبير من العمالة غير المنتظمة والذى تندرج فيه «العمال باليومية» والذين قدر عددهم بـأكثر من 15 مليون عامل، يرفعون شعار «لا للجلوس فى المنزل» حتى بعد المنحة المقدمة من وزارة القوى العاملة والتى تقدر بحوالى 500 جنيه، واستفاد منها حوالى مليون ونصف مواطن.

وهو ما تسبب فى ظهور على فيسبوك صور لملايين المصريين فى المواصلات العامة دون كمامات أو مسافات فاصلة بينهم، فى ظل أجواء خصبة لنشر الفيروس بسرعة وسلاسة، لكنهم لا يملكون حلًا سوى الخروج للعمل.

«هالة الحفناوى» باحثة فى مجال العلوم الاجتماعية فى مركز المستقبل للدراسات السياسية والاستراتيجية، أكدت أن سلاح الإيمان بالقدر والمكتوب والتقرب من الله يزداد لدى بعض الفئات بفترات انتشار الأمراض والأوبئة الأكثر خطورة، حيث يظل الفرد متمسكًا بمنظومة القيم التى تُفسر ما يحدث، وترشده نحو سلوكيات بعينها، مثل الطقوس الدينية أو الخيرية أو غيرها والتى من شأنها تخفيف معاناته بحسب معتقداته وإيمانه، وهو ما يبعث فى قلبه الاطمئنان ويجعله يتكيف مع الوضع.

وأشارت إلى أن النزعة الدينية لدى الأفراد تجعلهم أحياناً يتساهلون مع الكوارث ويتعاملون معها بشكل إسلامى أكثر من اللازم، مؤكدة أن هذا الاعتقاد يحمى الأفراد من النزعة الانتحارية، ويمنح شعورًا بالأمان والتسليم بالقدر، كما أنها تمنح قدرات للأفراد والمجتمعات فى مواجهة المخاطر، وتزيد من الوعى بأن الكارثة يمكن أن تحدث فى أى وقت، وتجعل إدارة الكوارث أكثر توافقية اجتماعيًا وثقافيًا مع المجتمعات المحلية، خاصة التى يمثل الدين ركنا ركينًا فى حياتها العامة، لكن من المهم أيضاً أن نأخذ بالأسباب العلمية لأن الدين أيضاً يحثنا على الحفاظ على أنفسنا وعدم الإلقاء بها فى التهلكة.

ومن جانبه، أكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، أن المجتمع يعانى من بعض السلوكيات والعادات الخاطئة والتى يجب التخلص منها حتى لا تؤثر على الصحة العامة، مشيراً إلى أن مسألة عدم تعامل المصريين مع الوباء بشكل جدى لا يرجع إلى مسألة الوعى بالعكس فالجميع لديه علم بخطورة المرض والحالات المصابة به، لكن الأمر متعلق أكثر بطبيعة الشعب المصرى البسيطة، حيث فئات كثيرة

من المجتمع لا تستطيع أن توقف حياتها مهما كلفها ذلك، علاوةً على النزعة الدينية التى تترك كل شىء على الله وما يفعله بهم القدر.

ونوه «صادق» إلى ضرورة زيادة حملات التوعية فى القرى والمناطق الشعبية والحث على ضرورة التعاون بين الشعب المصرى والحكومة، مشيراً إلى أنه بالوعى المجتمعى والصحى العالى نستطيع كبح جماح الفيروس الفتاك وتنتهى تلك المحنة على خير وسلام، لأن هذا الوعى ليس فقط وسيلتنا الهامة لعبور هذه الأزمة لكنه الإطار الذى سيحدد شكل المستقبل أيضاً. وليس هناك خلاف على أنه إذا أردت أن تغيب الوعى فليس عليك سوى أن تضرب جذور المعرفة والثقافة فيفسد العقل الجمعى.

وأوضح أنه لابد من وجود حملات توعوية عن الفيروس بطريقة تلائم جميع الشرائح عبر فيديوهات مُصورة جذابة بتنسيق مشترك بين وسائل الإعلام ووزارات الصحة ومؤسسات المجتمع المدنى تركز على خطورة المرض، ويتم بثها بشكل مستمر على القنوات الإخبارية والترفيهية والرياضية إلى جانب منصات التواصل الاجتماعى.

من جانبه، قال محمد البسطويسى الداعية الإسلامى وإمام وخطيب أحد المساجد، إنه لابد من التقرب لله فى مثل هذه المحنة والالتزام بكل التعاليم الصحية، فإذا ظهر المرض وانتشر، فالوقاية فى البعد وعدم الاختلاط حتى لا تنتقل العدوى، وهو ما يسميه أهل الطب بالحجر اتقاءً لانتقال العدوى وانتشار المرض.

وأشار إلى أنه من الآداب الإسلامية أن المريض ينبغى أن يسعى للتداوى كما أمره الإسلام ورسوله فقال: «تداووا عباد الله»، وليس فى هذا طعن فى التوكل فقد تداوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأخذ بالأسباب، ومعلوم أنه كما أن الاعتماد الكلى على الأسباب طعن فى التوحيد، فكذلك نفى الأسباب طعن فى التشريع.

وأوضح «البسطويسى» أنه يجب على المسلم المصاب ألا يخالط إخوانه.. ولا يحضر اجتماعاتهم وتجمعاتهم ـ وهو مرخص له فى ترك الجمع والجماعات والأعياد ـ حتى لا ينقل المرض إليهم، قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، وقال: «كل المسلم على المسلم حرام».

فى السياق ذاته، قال الدكتور يحيى هاشم؛ أستاذ علم الاجتماع وخبير شئون الحماية الاجتماعية، إنه لابد أن نعى أن محاصرة فيروس كورونا تحتاج إلى درجة عالية من الوعى ولا بد أن يشارك فيها كل فئات المجتمع من أجل تجاوز هذه المرحلة الحرجة ومن أجل حماية الأسر المصرية، فضلاً عن مشاركة الكل فى تحقيق منظومة وعى حتى نعبر الفترة الصعبة. بحيث لا ينتشر الفيروس فى أنحاء الوطن خلال هذه الفترة. وتبدأ منظومة الوعى بوسائل الإعلام والكتاب والمفكرين والقيام بدورهم فى رفع درجة وعى الشعب لتبصير المواطنين أولا بأول بكيفية الحماية من هذا المرض المستجد.

ونوه إلى أنه رغم الحالة العامة السائدة فى المجتمع التى تستهين بالوباء، لكن لا يمكن الإنكار بأن للمرأة المصرية دوراً نحو الوعى والمحافظة على صحة أسرهن والوقاية من فيروس كورونا، بدايةً بالانصياع لجميع التوجيهات والقرارات الحكومية سواء أكانت من القطاع الصحى أو التعليمى أو الخدماتى وغيره، والالتزام بالعزل المنزلى وتجنب التجمعات حتى نتمكن من الحد من انتشار العدوى، وجعل النظافة سلوكاً صحياً ونمط حياة متجدداً.

وكشف أن هناك مواطنين يشعرون بأعراض فيروس كورونا يتخوفون من الذهاب إلى المستشفى خوفا من أن ينبذهم المجتمع على الرغم من أن عددا من المبادرات كشفت وعى المواطن المصرى بمدى خطورة التنمر على المصابين بأى مرض. إن خوف المصابين بفيروس كورونا من احتمالية ملاحقة المجتمع يضع على الحكومة المصرية مصاعب جديدة لإيصال رسالتها التوعوية للتصدى لفيروس كورونا.

ولفت إلى أن حالة التهاون التى يتعامل بها بعض المصريين مع الوباء القاتل بعدم الذهاب إلى المستشفى فى حالة الشعور بأى أعراض تتعلق بكوفيد 19، قد تسبب كارثة للمجتمع ككل حيث سيكون لذلك أثر بالغ فى ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات.

وتفسيراً لهذه الحالة من التهاون، أكد أن إيمان المصريين بأن الكارثة يمكن أن تحدث فى أى وقت، وتجعل إدارة الكوارث أكثر توافقية اجتماعيًا وثقافيًا مع المجتمعات الشعبية، خاصة التى يمثل الدين جزءا كبيرًا من وعيهم. مشيراً إلى أنه لابد أن تلعب القيادات الدينية دورًا رئيسًا فى مواجهة الكوارث، من خلال تقديم المعلومات والخدمات، والمساعدة فى التعافى النفسى بتقديم الدعم الروحى والعاطفى، من خلال المواساة والتراحم والصلاة والعزاء للمتضررين من الكوارث، وهى أمور حاسمة خلال الكوارث وبعدها.

واختتم قوله بأن هناك قناعة لدى غالبية الشعب المصرى بأن هناك وجهتى نظر إيمانيتين فى الكارثة أو الوباء عموماً، الأولى ترى أن الكارثة «فعل الله» أى عقوبة من الله على عباده حتى يراجعوا أخطاءهم ولابد من الصبر والتقرب من الله لتفادى الأزمة، علاوةً أنها تفترض أن الضحايا تواجدوا فى المكان الخطأ فى الوقت الخطأ أثناء الوباء وأنه قدرهم الإصابة به، أما الأخرى ترى الكارثة «غضب الله» على أشخاص بعينهم دون غيرهم وأن عباد الله الصالحين فى حماية من هذا المرض، وهنا يُنظر إلى الضحايا على أنهم بطريقة ما حصلوا على عقابهم بسبب أنماط حياتهم المخالفة.