عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الرئيس بين شرنقة الفرعنة وتحطيم الديكتاتور

الرئيس محمد مرسى
الرئيس محمد مرسى

حوله السحرة يضاهون ملكه وقوته بإله تتجلى له مكنونات الأرض وظواهرها.. يهيئون له سطوته، ويؤكدون حب الشعب له طالما استمر فى إحاطة نفسه بهالة الجبار وحصن نفسه بحاشيته التى تدور فى فلك الترزق من نفاقه.

صنعوه فرعوناً وقبله شعبه بسماحة ثم بمضاضة ومع الوقت اكتشفوا سريانهم فى مدار عبودية الملك الحاكم الذى يأمر فيطيعوا وينهى فيخروا ساجدين.
هكذا صنع المصريون فرعونهم قبل آلاف السنين، فالسحرة مصريون وباقى الحاشية مصريون والعامة مصريون، ولكن تتناقص مصريتهم مع تنامى جشعهم.
ومع اختلاف الأزمان وتغير الحاكم يبرز سحر العادة فى نفوس المصريين، فهم مستمرون على عهدهم القديم يؤمرون فيطيعون يُنهون فيخرون ساجدين، لكنهم أيضاً يظلون مبهورين فى الإطاحة دون تنبه بفراعينهم التى يصنعونها ولكن على فترات متباعدة بعدما يبلغ القهر مداه.
هم المصريون لا غيرهم من أطاحوا بخورشيد باشا الطاغية العثمانى قبل مائتى عام، وهم أيضاً من جاءوا بمحمد على الألبانى الذى صنع مملكته التى بهرت العالم لكنها أدخلت المصريين مرة أخرى فى فلك العبودية.. هو نفسه الزعيم أحمد عرابى، قائد الثورة العرابية، الذى حاول الثورة على الخديو توفيق فدخلت الجيوش البريطانية لحماية الأخير لينتهى الحال بعرابى فى منفاه بجزيرة سيلان.
ويفرح المصريون بإطاحة الضباط الأحرار للملك فاروق ثم ما يبلثون أن يحلقوا فى سرب جبروت من أطاحوا بآخر ملوك أسرة محمد على، فطوقوا بجميل الضباط الأحرار طوال ستين عاماً يتجرعون فيها مرارة الحكم العسكرى الذى أنقذهم من «فاروق» ليغرقهم فى دوامة القبضة العسكرية.
وتندلع ثورة 25 يناير لتحرر من أجبروا على التحليق مع السرب العسكرى ليصبحوا أحراراً دون ضباط، ويختاروا رئيساً مدنياً هو الدكتور محمد مرسى.
تتكاثر الآراء المرجحة لأسباب صناعة الفرعون وإن ظلت فى الأذهان البطانة الفاسدة أساساً متيناً للصناعة إلا أن المدقق فى الأمر والمتابع لأخر ثلاثين عاماً فى حياة المصريين يدرك أن أسباباً أخرى تروج لخلق فرعون جديد ومنها طول مدة الحكم التى تعطى براحاً للحاكم لفعل ما يشاء والقوانين التى تعطى للرئيس سلطة بلا حدود ولا رقيب، ويبرز دور وسائل الاعلام فى توجيه الرأى العام سواء بتقبل الفرعون أو الدفع للثورة عليه.
مرسى بين الفرعون والحاكم الرشيد
أذهل «مرسى» المصريين بتحدثه معهم على الأرض نفسها فى بداية توليه السلطة.. أنه كائن بشرى يتنفس الهواء نفسه مثلهم، فليس إلهاً ولا رجلاً ذا قوى خارقة للطبيعة إنه معهم فى ميدان التحرير يفتح صدره لهموم المصريين، يمشى موكبه فى هدوء دون ضجيج السيارات المصفحة وغلق للشوارع.. يدخل للصلاة دون حراسة كثيفة ويمشى ويتجول ويسلم على المواطنين بيديه فيتأكدوا من طبيعته البشرية فملمس كفيه ذاته ملمس يديهم.
ويراهن المؤيديون على الرئيس الجديد، ويتمنى المحايدون استمرار طبيعته الإنسانية فلا شىء يفرقه عن شعبه، ويترصد المعارضون لسقوط مرسى فى بالوعة الأنا ومدار فرعون.
ويبدأ المؤيدون فى تأليه الرئيس وتعديد انجازاته ويقتنص المعارضون الفرصة فيتصيدون أخطاءه وتباطؤ تنفيذ خطة الـمائة يوم، ويبقى المحايدون على حيادهم يتابعون لمن الغلبة وإن مالوا بطبيعة أجدادهم لصناعة الفرعون الذى انتخبوه بعد شهور من الحكم عليه بتحقيق العدالة.
يلحظ المؤيدون ومن قبلهم المعارضون ازدياد سيارات موكب الرئيس ويفاجأوا بعدد الحراسات الكثيف صباح صلاة عيد الفطر الماضى بمسجد عمرو بن العاص، ثم يأتى مشهد الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر المجيد وحضور كثير من القيادات الاسلامية مع غياب لشخصيات عسكرية ومدنية لا يستهان بغيابها فى مثل هذا الاحتفال، إلى جانب خطابه الذى استمر طيلة ساعتين يعدد ما أنجزه منذ فترة توليه الحكم ويكشف للعامة لأول مرة بالأرقام مشكلات دولتهم فى شفافية غير معهودة، ليبرز التساؤل هل الرئيس يدخل شرنقة الفرعنة وهل تأكدت ظنون المعارضين من سوء بطانة الرئيس؟ أم أنه يحاول التخلص من الفرعنة وتلك الظنون التى تلبد سماء المعارضة ستتبدد مع أول رياح لثمرات حكمه؟ وهل أصبح الخوف من الفرعون مجرد عقدة نفسية يعانى منها المصريون بسبب مالاقوه من قهر طوال العقود الماضية؟
«الإخوان» يرسخون للفرعون
يرى الدكتور جمال زهران استاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس وعضو الجمعية الوطنية للتغيير أن مرسى دخل فى شرنقة الفرعنة بمعاملته كالامام المعصوم الذى لا يخطئ، موضحاً أن رئيس الجمهورية أصبح لا يعترف بالأخر أو بالفشل فى تنفيذ ما وعد به وهو ما ظهر جلياً فى خطابه خلال الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر فبدا كأنه لا يخاطب سوى أنصار جماعة الاخوان المسلمين التى وقفت خلفه خلال الانتخابات الرئاسية.
ويوضح «زهران» أن «الاخوان المسلمين» التى تربى داخلها «مرسى» ودعمته حتى أصبح رئيسا للجمهورية، يؤمنون بفكرة التأليه والتنزه عن الخطأ والالتزام بالسمع والطاعة، مستشهداً بمعاملتهم لمرشدهم العام باعتباره ظل الله فى الأرض.
ويؤكد استاذ العلوم السياسية أن «مرسى» بمجرد احساسه

مع جماعته بالتمكن من الحكم فلن يتركوه وسيصبح زعيماً نهائياً حتى موته، مشيراً إلى ضرورة أن يؤمن رئيس الجمهورية الجديد أن الشعب هو الذى يحاسبه كآلية من آليات الديمقراطية السلمية.
معاناة يستحق عليها الصبر
ويختلف الدكتور محمد حبيب القيادى المنشق عن جماعة الاخوان المسلمين مع رأى «زهران»، مبرزا معاناة أعضاء الجماعة خلال عقود من المطاردة واعتقالات ومحاكمات عسكرية والحرمان من الالتحاق بالكليات العسكرية ووظائف بعينها ويقول: «عندما يمن الله عليهم بعد كل تلك الضغوط بالوصول إلى كرسى الرئاسة عبر انتخابات نزيهة فلا عيب أن يسعدوا بذلك وعلينا إعطاءهم الفرصة كاملة للحكم على التجربة بشكل عادل».
ويشير حبيب إلى امكانية تقديم النصح لمرسى ومن حوله، مشدداً على ضرورة وحدة الجامعة الوطنية كما كانت خلال الثورة، ويضيف أن «الاخوان» عليهم دور كبير فى ذلك متمنياً أن تتسع صدورهم للنقد من قبل القوى الثورية المختلفة.
وعن دور بطانة الرئيس فى فرعنته يؤكد القيادى الاخوانى المنشق أن صناعة الفرعون تتطلب وجود بذرة الرغبة فى السيطرة عند الحاكم وبطانة فاسدة تعينه على الفساد والانحراف عن المسار الصحيح، وتابع قائلا: » الشعوب عموما يأتيها حكام يستحقونها».
من جانبه يؤكد الدكتور محمد الجوادى الباحث والمؤرخ السياسى أن صناعة الفرعون تعتبر ثقافة داخلية قبل أن تكون صناعة، موضحاً أن هناك شخصاً قابلاً للتحول إلى ديكتاتور وآخر خادماً لشعبه.
ويضيف أن الرغبة فى التفرعن تحتاج لرغبة داخلية وظروف محيطة تؤهل لذلك ومنها حتماً البطانة الفاسدة.
الفرعون يصنع نفسه
وتستبعد الدكتور عزة كريم استاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية قيام البطانة الفاسدة بصناعة الفرعون مؤكدة أن طول فترة الحكم تجعل الرئيس يشعر بالخلود والأبدية ويصل هذا الشعور إلى الشعب الذى يتكون لديه احساس بالخوف يتطور إلى نفاق للحاكم تحاشياً لبطشه، مشددة على أن الفرعون يصنع نفسه.
وتضيف «كريم» أن القوانين لديها دور كبير فى إيجاد الفرعون عبر اعطائه سلطات عديدة لا يستحقها كما حدث فى عهد المخلوع حسنى مبارك فشمل الدستور القديم على 28مادة تعطى صلاحيات مطلقة للرئيس، مشيرة إلى أن اقتصار دور الحاشية على جعل الحكام يتخذون قرارات غير سليمة لكنها لا تخلق فرعوناً كونها لا تملك من الامكانيات ما يؤهلها لأخذ قرار استمراره فى الحكم فهى فقط تفعل ما تؤمر به.
وتؤكد استاذ علم الاجتماع أن الشعوب عموما لا تصنع الفرعون، فبداخلها طبيعة تلقائية وهى الميل إلى الديمقراطية والعدالة، ولكن النظام الحاكم والظروف المحيطة والقانون تفرض عليها الاستسلام وليس التقبل.
المصريون يعانون عقدة نفسية
وتلقى كريم الضوء على جانب هام فى مسألة صناعة الفرعون وهى معاناة المصريين عقب نجاح الثورة من عقدة نفسية جعلتهم يرتعدون لخلق فرعون جديد وهو ما أدى إلى نتيجة معاكسة تتلخص فى معارضة كل قرارات الحاكم الجديد حتى وإن كانت صائبة ما ينتج عنه عدم الاستقرار المجتمعى وهى النتيجة نفسها، التى تؤدى إلى صناعة الفرعون.
وتستشهد على رأيها بقرار الرئيس محمد مرسى بإقالة النائب العام الذى طالما طالبته القوى الوطنية باتخاذه، إلا أن كثيراً من التيارات السياسية والثورية انتفضت لتنتقد الإقالة وتعتبرها خيطاً جديداً فى حياكة ثوب الفرعون.