رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التنظيم السرى لتطفيش المستثمرين الأجانب

وقفة احتجاجية (صورة
وقفة احتجاجية (صورة أرشيفية)

لا تهطل أمطار الاستثمار على خرائب مهجورة، ولا تنمو سنابل القمح فى حقول الالغام، ولا تدور عجلات الانتاج تحت دوى الرصاص.

كانت الاضطرابات ومازالت وراء تطفيش المستثمرين من مصر. مظاهرات واعتصامات ووقفات احتجاجية بحق وبدون حق، نهاراً وليلاً حولت أوقات العمل إلى إجازات إلزامية، وهزت ثقة المستثمرين الاجانب والمصريين على السواء فى مناخ الاستثمار المصرى.
إن توليد فرص عمل جديدة يتطلب كما يؤكد معظم الاقتصاديين زيادة كبيرة فى حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ذلك الرقم الذى تراجع من نحو 14 مليار دولار عام 2008 الى أقل من 4 مليارات دولار العام الماضى طبقا لتقرير مؤسسة « اكسفورد» عن الاستثمار فى مصر.
والخطير فى الامر أن تطفيش المستثمرين ، وخنق مناخ الاستثمار عمل ممنهج له تنظيمه ، وسياساته وأدواته ورجاله . ويمتلك ذلك التنظيم قدرات واسعة فى ارهاب وابتزاز  أصحاب الاستثمارات الكبرى، خاصة لو كانوا أجانب من خلال شكاوى ودعاوى قضائية واتهامات كيدية.
وتعد حالة شركة اسمنت بنى سويف نموذجا واضحا للملاحقات الكيدية  والسهام العشوائية الخانقة لما كان يسمى بـ«مناخ الاستثمار» فى مصر.
إن الدكتور هانى سرى الدين رئيس هيئة سوق المال الأسبق  أن هناك «مطبات» عديدة تم زرعها من أعوان النظام السابق بغرض «تطفيش» المستثمرين فى مصر. وحسب قوله لنا فإن البلاغات والدعاوى  الاولى التى قدمت  ضد كثير من الكيانات الاقتصادية قدمت من قبل النظام المباركى السابق نفسه فى محاولاته الاولى لامتصاص الثورة وبعد ذلك انطلقت البلاغات والدعاوى ضد معظم المستثمرين حتى صارت كالمارد الذى خرج من قمقمه.
فى أسمنت بنى سويف التى تم خصخصتها عام 1998 وقامت بشرائها مجموعة « لافارج» العالمية، ثم تم الاندماج بين «لافارج» و«تيتان» عام 2000 كانت واحدة من فوضى الملاحقات القضائية وتكراراً لاتهامات سبق الفصل فيها عدة مرات بغرض ارباك الشركة وتطفيش المستثمرين الاجانب من مصر.
لقد فوجئ العاملون والقائمون على الشركة بمذكرة جديدة مقدمة الى النيابة العامة نتيجة شكاوى بعض الافراد الخارجين بنظام المعاش الاختيارى المبكر تتهم اللجنة الوزارية للخصخصة ببيع الشركة بأقل من قيمتها الحقيقية بنحو مليار جنيه، وهو ما دفعنا لفتح تحقيق موسع بشأن كافة اجراءات البيع وتفاصيلها.
وقد وصلت الاتهامات الى حد وضع سيناريوهات تخيلية من قبل أطراف ليس لهم حضور فى واقعة البيع مثل ادعاء أن الرئيس السابق حسنى مبارك قام بالاتصال فجرا بالدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء فى وقت البيع من فرنسا ودعاه لبيع الشركة الى لافارج فورا ، وهو ما يتناقض كلية مع اجراءات البيع المعمول بها والتى تتطلب طبقا للقانون رقم 203 لسنة 1991 موافقة الجمعية العمومية للشركة مسبقا . والغريب فى الامر أن موافقة الجمعية العمومية للشركة مقدمة على موافقة اللجنة الوزارية المختصة.
والواقع المؤسف أن حملة تصفية شركة بنى سويف وراءها عدد محدود من عمال الشركة السابقين والذين خرجوا بنظام المعاش المبكر الاختيارى عامى 2002، و2003 وحصلوا طبقا لأوراق القضية على راتب 45 شهراً من الأجر الشامل وهو ما كان مغريا لأكثر من نصف العاملين للتقدم اليه واستغلاله.
وفيما بعد أقام عدد من هؤلاء دعاوى قضائية للحصول على الفارق بين 45 شهرا و120 شهرا التى حصل عليها عمال آخرون فى شركات أسمنت عام 2008 وتم حفظ تلك الدعاوى لعدم وجود سند قانونى . وبعد قيام الثورة باسابيع قليلة قام عدد من هؤلاء العمال بالتظاهر أمام مصنع اسمنت بنى سويف واغلاقه والتعدى على الموظفين والعمال ومنع دخول الشاحنات وخروجها  مما أدى الى خسارة الشركة لنحو 60 مليون جنيه على حد تقديرها . وقدم هؤلاء بلاغات الى النيابة الادارية والرقابة الادارية يشككون فى صفقة بيع الشركة مدعين أنها بيعت بأقل من نصف قيمتها الحقيقية ، وهو ما يدفعنا الى التفتيش مرة أخرى فى أوراق البيع .
وطبقا للأوراق الخاصة بتأسيس الشركة فقد أسست شركة اسمنت بنى سويف بطاقة انتاجية قدرها مليون طن فى يناير 1985 بتكليف من الشركة القومية للاسمنت وتم ترسية الانشاء على كونسورتيوم يابانى بقيمة 37 مليار ين يابانى بما يعادل 126 مليون جنيه عبارة عن قرض  فضلا عن تمويل مصرى قدره 30 مليون جنيه ، وهو ما يعنى أن التكلفة الاجمالية للمصنع بلغت 156 مليون جنيه . وفى اكتوبر 1993 صدر القرار رقم 76 بتأسيس شركة بنى سويف للاسمنت

كشركة مساهمة مصرية برأس مال 330 مليون جنيه مقسم على 33 مليون سهم بقيمة اسمية عشرة جنيهات للسهم . وفى يونيو 1994 بدأ الانتاج الفعلى للشركة وهى مثقلة بالدين الخارجى ولم تقم الشركة القابضة بايداع المبلغ الخاص بالتمويل المحلى وإنما تم احتساب بعض اقساط سداد القرض اليابانى خصما من المبالغ المطلوب سدادها .
وكان من الواضح أن الكيان الصناعى ولد ميتا حيث حققت الشركة خسائر فى الفترة من 1994 الى 1997 نحو 137.8 مليون جنيه ، وهو ما دفع الشركة القابضة الى الاستعانة ببيت خبرة متخصص والذى طرح بديلين أولهما بيع الشركة لمستثمر رئيسى ، وثانيهما زيادة رأس مال الشركة من 330 مليون جنيه الى 700 مليون جنيه، وقد تعذر تنفيذ البديل الثانى بسبب رفض البنوك تغطية اكتتاب زيادة رأس المال واعتراضها على تسويق الاسهم بالسعر المقترح من الشركة.
وفى يناير 1998 صدر قرار بتشكيل لجنة لدراسة العروض المقدمة للبيع مع الاستعانة ببيت خبرة لتحديد السعر وهو ما خلص الى تقييم الشركة بدون القروض اليابانية بمليار و580 مليون جنيه، وبالقروض بنحو 586 مليون جنيه. وقد تقدمت عدة شركات للشراء ضمت لافارج الفرنسية، سيمور البرتغالية، اسيك، العربية للأسمنت، هيدلبرج للاسمنت وكان من الملاحظ أن جميع العروض المقدمة لم تصل الى السعر المعلن للتقييم وكان أقرب سعر هو عرض لافارج التى عرضت 405 ملايين جنيه لشراء 76% من الاسهم بقيمة للسهم قدرها 16.15 جنيه. وطبقا للقانون رقم 203 لسنة 1991 فقد تم عرض الامر على الجمعية العمومية للشركة التى رأت أن تكلفة اقامة مصنع جديد تبلغ 784 مليون جنيه ، وان احتساب عرض لافارج البالغ 823 مليون جنيه لكامل الشركة يمثل فرصة جيدة.
ونتيجة لاجتماع الجمعية العمومية اجتمعت اللجنة الوزارية المختصة برئاسة الدكتور كمال الجنزورى  رئيس الوزراء ووافقت على بيع 76% من الشركة الى لافارج بسعر 16.15 جنيه للسهم مع تحمل الشركة للقروض اليابانية والتزامها بسدادها فوراً. وفى ابريل 2004 قامت شركة بنى سويف بشراء نسبة 5 % الباقية من اسهم اتحاد العاملين البالغة 5% بسعر 12 جنيها للسهم.
وما يؤكده مدحت استافانوس  نائب رئيس مجموعة «تيتان» المالكة لشركة بنى سويف ورئيس شعبة صناعة الاسمنت أن تكلفة الاستثمار فى مجال الاسمنت عام 1998 بلغت 90 دولاراً للطن وان ما تم دفعه فى صفقة لافارج بلغ 273 دولارا للطن وهو ما يعنى أنه أعلى سعر تم دفعه للاستحواذ على شركة اسمنت فى مصر.
ويضيف مؤكدا أن رواتب العاملين بالشركة كانت فى حدود 2 مليون جنيه عام 1998 قبل البيع وارتفعت الى 60 مليون جنيه فى الوقت الحالى بخلاف المزايا الاجتماعية التى لم تكن متاحة من قبل.
ويؤكد أن اثارة الزوابع وتكرار الاتهامات ضد الشركات الاجنبية ليس فى صالح الاقتصاد الوطنى، وأنه لا يجوز اعتبار كل صفقات الخصخصة شرا محضاً.