عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: ميلاد الوفد

«الباشاوات الثلاثة» أسسوا فكرة تكوين وفد ينطلق بلسان المصريين

التوكيلات استهدفت دعم «سعد» ورفاقه فى مطالبهم أمام الإنجليز

زعيم الأمة يتحدى المعتمد البريطانى ويسافر إلى الخارج لعرض القضية المصرية

الفكرة الوفدية أشعلت الحس الوطنى فى قلوب المصريين

 

 

لا يستطيع الإنسان أن ينسى تلك المبادئ التى أعلنها الرئيس الأمريكى ولسن، والتى تعطى لكل أمة الحق فى تقرير مصيرها، وتخير لون الحكم الذى ترضاه، وقتها عرف الأحرار هدفهم، وانتظروا حتى تطبق الدول المنتصرة المبادئ السامية التى نادى بها قائد من كبار قادتهم، ولكن كأنهم وقد أذهلتهم غمرة النصر كانوا ينادون بتلك المبادئ السامية من أجل شعوبهم وحدها لا من أجل الشرق المشوق إلى حريته الراغب فى تخير لون الحكم الذى يرضاه، الكاره لوجود الدخلاء الذين فرضوا أنفسهم عليه دون نوع ولقد فكر الجميع فى أمر مصر فى ذلك الوقت، لكن كان فى مقدمتهم الأمير عمر طوسون الذى سبق بتفكيره الحوادث، ولم تكن تلوح فى الآفاق قرب إعلان الهدنة حتى فكر جدياً فى مستقبل بلاده، وعرض قضيتها على المؤتمرات.

وفى ليلة 9 أكتوبر سنة 1918 فى الحفلة التى أقامها دولة رشدى باشا بكازينو سان استيفانو احتفالاً بعيد جلوس السلطان، وقبل إعلان الهدنة تلاقى الرجل من سعد زغلول وكيل الجمعية التشريعية المنتخب وتحدثا ملياً فى شأن مطالب مصر، ليلتها تشعب الحديث، وأشار الأمير لضرورة تكوين وفد ينطق فى الوقت المناسب بلسان مصر، ليفاوض الإنجليز، ويعرض مطالب البلاد.

وقتها راقت الفكرة لسعد زغلول، ووعد بعرضها على طائفة من زملائه المعنيين بذلك الأمر، وعاد سعد ليستمع مرة أخرى إلى نفس الحديث من سمو الأمير فى 23 أكتوبر فى الحفل الذى أقامه المعتمد البريطانى تكريماً لعظمة السلطان!

ثم عاد الرجلان ليتحدثا مرة ثالثة فى نفس أمر تكوين ذلك الوفد غداه ليلة الحفل وهما فى القطار الذى أقلهما إلى القاهرة فى طريق عودتهما إليها.

وأعلنت الهدنة بعد ذلك، وتسامع الناس بأمر المبادئ، ووجد سعد زغلول الفرصة سانحة لتكوين الوفد، فأرسل وصاحباه عبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى بطلب تحديد موعد لمقابلة المعتمد.

 

قصر الدوبارة!

ولا يمكن لفقيهنا الكبير بهاء الدين أبوشقة أن ينسى يوم 13 نوفمبر سنة 1918، حين استيقظت البلاد فى صبيحة ذلك اليوم ولا حديث لها إلا عن بنيها الثلاثة الذين تحدد ذلك اليوم لاستقبالهم فى دار الحماية ليرفعوا إلى المعتمد صوت مصر ومطالبها، ووجفت القلوب، واتجهت الأبصار إلى قصر الدوبارة لترى الحق يتقدم ليدق حصون الظلم، ويردع بطرقاته العادلة قلوب الغاصبين.

كان اللقاء غريباً، فقد اعتقد المعتمد البريطانى أن بعض كبراء مصر قد جاءوا دار الحماية للإعراب عن سعادتهم بانتصار الإنجليز، فبدأ المعتمد حديثه قائلاً إن العالم بدأ يفيق بعد غمرات الحرب التى شغلته زمناً طويلاً، وأن مصر سينالها خير كثير، وأن المصريين أقل الأمم تألماً من أضرار الحرب، وأنهم مع ذلك استفادوا منها أموالاً طائلة، وأن عليهم أن يشكروا بريطانيا التى كانت سبباً فى قلة ضررهم، وكثرة فائدتهم!

ويجيب سعد: ما تكون إنجلترا فعلته خيراً لمصر فإن المصريين بالبداهة يذكرونه لها مع الشكر، وخرج من ذلك القول بأن الحرب كانت كحريق انطفأ ولم يبق إلا تنظيف آثاره، وأنه يظن أنه لا محل لدوام الأحكام العرفية، ولا الرقابة على الصحف، وأن الناس ينتظرون بفارغ الصبر زوالها كى يتنفسوا عن أنفسهم، ويخففوا عن صدورهم الضيق الذى تولاهم أكثر من أربع سنين.

وقال المعتمد: حقاً أنه يميل إلى إزالة الرقابة، وأنه تكلم فعلاً مع القائد العام للجيوش فى هذا الصدد، ولما كانت هذه المسألة عسكرية فإنه بعد تمام المخابرة والاتفاق مع القائد سيكتب للحكومة البريطانية ويأمل الوصول إلى ما يرضى.

ثم استمر قائلاً: يجب على المصريين أن يطمئنوا ويصبروا ويعلموا أنه متى فرغت إنجلترا من مؤتمر الصلح فإنها تلتفت لمصر وما يلزمها.

فقال سعد: إن الهدنة قد عقدت، والمصريون لهم الحق أن يكونوا قلقين على مستقبلهم، ولا مانع يمنع الآن من أن يعرفوا ما هو الخير الذى تريده إنجلترا لهم.

ويرد «ونجت»: يجب ألا تتعجلوا، وأن تكونوا متبصرين فى سلوككم فإن المصريين فى الحقيقة لا ينظرون للعواقب البعيدة.

فيقول سعد: إن هذه العبارة مبهمة ولا أفهم المراد منها.. فيرد «ونجت»: أريد أن أقول إن المصريين ليس لهم رأى عام بعيد النظر.. فيرد سعد: إننى لا أستطيع الموافقة على ذلك فإنى إن وافقت أنكرت صفتى لأننى منتخب من الجمعية التشريعية، وكان انتخابى بمحض إرادة الرأى العام مع معارضة الحكومة واللورد كتشنر فى انتخابى، وكذلك الأمر كان مع زميلى على شعراوى باشا وعبدالعزيز بك فهمى.

فيقول ونجت: إنه قبل الحرب كثيراً ما حصل من الحركات والكتابات من محمد فريد وأمثاله من الحزب الوطنى، وكان ذلك بلا تعقل ولا رؤية فأضرت مصر ولم تنفعها، فما هى أغراض المصريين؟!

فرد على باشا شعراوى: إننا نريد أن نكون أصدقاء للإنجليز صداقة الحر للحر، لا العبد للحر.

فقال ونجت: إذن أنتم تطلبون الاستقلال.. فقال سعد: ونحن أهل له، وماذا ينقصنا ليكون لنا الاستقلال كباقى الأمم المستقلة.

واستمر الحديث بين المعتمد البريطانى والزعماء الثلاثة حول نقطة واحدة، وراح كل من المتحدثين يعزز بالبراهين والأمثال قوله حتى انتهى الحديث فى النهاية عند وعد من المعتمد بأن يعرض الأمر على حكومة بلاده!

 

التوكيل!

ولما كان هناك تفاهم بين ممثلى الأمة الثلاثة وبين دولة رشدى باشا على كل ما حدث، فقد أسرعوا إلى دار وزارة الداخلية ليعرضوا ما كان من أمر المقابلة، وسر رشدى لكل ما حدث، وإذا به يصارح سعداً وصاحبيه بأنه قد أعد خطاباً لرفعه إلى عظمة السلطان بالتماس السماح له وزميله عدلى بالسفر إلى لندن لمفاوضة حكومتها فى شأن مطالب البلاد.

وفى هذا اليوم أيضاً، وبعد المقابلة الأولى بين «ونجت» وسعد وصاحبيه استقبل المعتمد رئيس حكومة مصر ليصارحه بدهشته البالغة من أولئك الباشاوات الثلاثة الذين جاءوا ليحدثوه فى مطالب أمة بأسرها دون أن يكون لديهم تفويض أو توكيل بذلك، أو أن تكون لهم صفة رسمية تخول لهم الحديث باسم مصر.

كان رشدى الذى آزر النهضة وشجعها وحرض عليها، هو نفس الرجل الخفيف الوطن الذى لم يترك للمعتمد فرصة يطعن فيها فى عدم شرعية تحدث الزعماء الثلاثة باسم مصر، فأجاب فى ثقة: بل لسعد وصاحبيه فعلاً تلك الصفة التى يحاول المعتمد تجاهلها، فأولهم وهو سعد زغلول الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية، وأن صاحبيه عبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى عضوان فى هذه الجمعية.

وهكذا أبطل رشدى حجة «ونجت» وسد عليه المسالك، ووضعه أمام الأمر الواقع الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!

ولم يكتف رشدى باشا بهذا، بل أسرع ليلقى سعداً ويخبره بكل ما حدث، ويطلب إليه أن يستمر وأن يعمل وصاحباه بشتى الطرق لتكون لهم هيئة رسمية لها صفة التحدث باسم شعب مصر.

وفى يوم 13 مارس تألف الوفد المصرى، من سعد زغلول رئيساً وعلى شعراوى وعبدالعزيز فهمى ومحمد محمود وأحمد لطفى السيد وعبداللطيف المكباتى ومحمد على علوبة أعضاء.

وقد عمل الوفد أول ما عمل على أن يجعل له كياناً ثابتاً كحزب، وأن تكون له الصفة الرسمية المثبتة لوكالته عن الأمة، فوضع صيغة قانونية لتوكيل يوقعه أعضاء الهيئات النيابية الموجودة فى ذلك الحين وجمع الشعب المتحمس لقيامه، ووجوده وضرورة وكالته عن الأمة.

كانت صياغة التوكيل كالآتى: نحن الموقعين على هذا، قد أنبنا عنا حضرات سعد زغلول باشا وعلى شعراوى باشا وعبدالعزيز فهمى بك ومحمد بك على علوبة وعبداللطيف المكباتى ومحمد محمود باشا وأحمد لطفى السيد باشا ولهم أن يضموا إليهم من يختارون، فى أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعى سبيلاً فى استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ العدل والحرية التى تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى، وحلفاؤها ويؤيدون بموجبها تحرير الشعوب.

لكن صيغة هذا التوكيل لم ترق فى عينى بعض غلاة الوطنيين إذ وجدوا فى النص خروجاً عن الهدف الأصلى الذى جاهد الشعب من أجله، ونادى به رجال الحزب الوطنى، وحددوه فى جلاء ناجز ووحدة شاملة، فما لبثوا أن عارضوها، وطالبوا بتعديل بعض فقراتها ليكون التوكيل وافياً قوياً معبراً فى جرأة ودون مواربة أو دوران عن المطالب القومية العادلة التى لا تخرج عن استقلال تام ووحدة شاملة لوادى النيل، وهما أمران كلاهما وثيق الصلة بالآخر، وهما أيضاً حق يؤمن به الأحرار المجاهدون، ويصرون على نيله دون اعتماد على عدالة بريطانيا أو ثقة يمليها إلى الحرية!

وبعد أخذ ورد بين سعد وبعض أعضاء الحزب الوطنى اقتنع الزعيم بمطالبهم وعدل صيغة التوكيل بأن جعلها: نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات...... فى أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعى سبيلاً فى استقلال مصر استقلالاً تاماً.

وهكذا وضحت الغاية، وشرعت شرائع الجهاد، وبانت سبله، وحددت أهدافه، وقامت الأمة المتوثبة على بكرة أبيها لتوقع على التوكيلات، وتعطيها صفتها الرسمية، وصيغتها القانونية فوجفت قلوب الإنجليز، ورأوا فيها وفى إجماع الأمة على توقيعها

ما يهدد كيانهم، ويزعزع مراكزهم، ويحفز الأمة على أن تقدم على أمر خطير.

وجفت قلوب الإنجليز.. وتذكروا يوم 13 نوفمبر، وكيف مر الاستقبال التاريخى بسلام حتى أنه لم يثر اهتمام الغاضبين، ولكن ما أن بدأت آثاره فى الظهور، وما أن انتشر سحره، ووصلت إلى قرارات النفوس ومضات من سناه حتى بعثت الروح فى الشعب، وأخذت النار تتسرب من تحت رمادها الذى أخفاها طويلاً، وأخفى ألسنتها الثائرة الشرهة الراغبة فى أن تدمر وتقضى على كل من يعترض سبيلها المحدود، ما أن ظهرت كل هذه البوادر حتى ارتعد الإنجليز وبدأوا يخشون علانية صاحب الحق ويعملون على معارضته!

 

عصا الساحر!

وعمل الإنجليز على عرقلة انتشار حركة التوكيل، وأصدر مستشار وزارة الداخلية الإنجليزى منشوراً بذلك إلى مديرى الأقاليم الذين لم يلقوا بالاً إليه لأن الحكومة ورئيسها كانت تظاهر وتشجع أعمال الوفد وأهمها جمع التوكيلات.

ومشت عصا الساحر فى الوادى، ودوى فى أرجائه بوق البعث فقام كل من فيه قومة واحدة ينشدون نشيد اليقظة ويهتفون بنداء واحد هو «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، ويعودون مرات ومرات: «نموت نموت وتحيا مصر».

وما لبث زئيرهم أن هز حصون الظلم وهم يصيحون مصر والسودان لنا، ويحلو نشيد الموت للجميع فى سبيل مصر، ويزداد إيمان كل مصرى بأن عليه لمصر واجباً مقدساً واجب الأداء.

ووسط هذا المعمعان قام إسماعيل صدقى وهتف مع الهاتفين «نموت وتحيا مصر»، ووضع الرجل مذكرة مستفيضة عززها بوثائق عديدة دامغة تؤيد هذه المطالب وعرضها على الأمير عمر طوسون فأقرها، فلما سمع بها سعد بعث فى طلب صدقى.

كان الوفد قد أخذ يضم إليه غير أعضائه الأولى عناصر أخرى رشيدة اشتهرت بوطنيتها مثل مصطفى النحاس وحافظ عفيفى وحمد الباسل، فقد رأى سعد بعد مناقشة المذكرة التى وضعها صدقى وتنقيحها أن يضم صدقى إلى الوفد ليكون أحد أعضائه وأن تكون المذكرة التى قام بإعدادها هى المذكرة الواجب تقديمها إلى مؤتمر فرساى.

وهكذا تلاقى الزعماء، وقد وحدتهم الغاية، فراحوا يضعون أسس الجهاد ويرسمون خططه، وفى 4 نوفمبر سنة 1918 تقدم سعد زغلول باسم الأمة بطلب السماح للوفد بالسفر إلى لندن لعرض قضية مصر، ومر أسبوع على تقديم الطلب دون أن يلقى الإنجليز نظرة عليه، فلما استفسر رد عليه المعتمد البريطانى أن هناك صعوبات أوجدتها الظروف تمنع من إعطاء تراخيص السفر للخارج، وأنه متى ما زالت هذه الصعوبات صدرت الأوامر بالترخيص.

وعاد سعد فى 28 نوفمبر سنة 1918 يطلب ملحاً التصريح له ورجال الوفد بالسفر، وتلقى قصر الدوبارة تعليمات لندن فى هذا الصدد، فكتب سكرتير المعتمد إلى معاليه كتاباً يقول فيه:

عزيزى سعد زغلول باشا

كلفت من قبل فخامة المعتمد السامى البريطانى بإحاطتكم علماً بوصول خطابكم المؤرخ فى 29 نوفمبر الماضى، وبإخباركم بأن فخامته قد رأى بعد استشارة جلالة الملك أنه لا يستطيع التوسط لدى السلطة العسكرية فى هذا الموضوع.

وأضيف إلى ذلك إنكم إذا كنتم تريدون تقديم اقتراحات بخصوص كيفية الحكم فى مصر مما لا يخرج عن الخطة التى رسمتها حكومة جلالة الملك وأعلنها من قبل فالأفضل أن هذه الاقتراحات تقدم كتابة إلى فخامته، وبهذه المناسبة ألفت نظركم إلى خطاب السير ولسن الذى أرسله بناء على أمر حكومة جلالة الملك إلى المرحوم السلطان حسين عند توليه عرش مصر.

المخلص ج. س

السكرتير الخصوصى بالنيابة

وسخر ممثلو الأمة من هذا الخطاب، وسارع سعد بالرد على الخطاب، فقال فيه بعد المقدمة أبادر بإبلاغكم بأنه ليس فى وسعى، ولا فى وسع أى عضو من أعضاء الوفد أن يعرض اقتراحات لا تكون مطابقة لإرادة الأمة المصرية المعبر عنها فى التوكيلات التى أعطيت لنا، وأننا لا نريد من سفرنا إلى إنجلترا إلا أن نكون على اتصال برجال السياسة الممثلين للأمة الإنجليزية، وللأشخاص الذين يتولون توجيه الرأى العام الإنجليزى، الذين لا شك فى تأثيرهم على القرارات الحكومية:

وقد ترون أن الصعوبات التى وضعت فى سبيل سفرنا تجعل المأمورية التى أخذناها على عاتقنا غير محققة النفاد، وهى مأمورية إظهار إرادة الأمة، ومن الصعب أن يلتئم هذا الموقف مع مبادئ الحرية والعدالة التى فتح انتصار بريطانيا وحلفائها طريقها لخير الإنسانية، وتحقيق أمانى الأمم.

وراح سعد، ومن ورائه الصف الثابت القوى من قادة الفكر فى الأمة يجاهدون لرد كيد القوى العاجز الذى خيل إليه أن مجرد منعه الترخيص لأعضاء الوفد بالسفر إلى الخارج سيقضى على الحركة القومية الوطنية، ويطفئ أواراً مقدساً تعالت شعلته الساطعة من أحناء القلوب.

ولم ينس سعد، ولا أعضاء حزبه أن يكتبوا بما حدث لدولة رشدى باشا رئيس وزراء مصر الذى قرر بدوره السفر وزميله عدلى يكن ليكون على علم بما كان، وليذكروه بأنه وإن كان قد قرر السفر للتفاوض مع الإنجليز باسم الحكومة فمن واجبه الوطنى التوسط لدى الإنجليز لتسهيل سفر وفد الأمة.

واستمر الزعماء المجاهدون فى خطتهم فى رفع الأصوات احتجاجاً على تصرفات المعتمد البريطانى، وعرضها على أنظار الدول جمعاء، بل على أنظار رئيس وزراء بريطانيا، وعزز الوفد احتجاجاته بإصدار نداء إلى جميع ممثلى الدول الأجنبية شرح فيه خطته وسبب قيامه والهدف الذى يسعى إليه.

واشتدت الحركة وعظم أمرها وراح المعتمد يكيد، وصاحب الحق مستمراً فى نضاله، دون أن يهن أو يصيبه الكلال.

واستمر المعتمد البريطانى فى عناده، وأصر على منع سفر أعضاء الوفد الذين آلوا على أنفسهم أن يطلعوا أمم العالم على مطالب عادلة لأمة غصبت على أمرها، وفرض عليها قسراً لون غريب من ألوان حكم لم يشهد التاريخ له مثيلاً.

رفض الإنجليز - فى الوقت الذى كانت أبواقهم تنادى بحقوق لا وجود لها وحريات مزعومة - رفض أن يسمح بفتح نافذة صغيرة تطل منها أمة عريقة لتعرض مأساتها، وتنتظر القول الفصل ممن يدعون أنهم حماة العدل والحريات.

ويجتمع الوفد مستعرضاً الحال، وما وصل إليه موكب الجهاد، والخطوات التى خطاها، وكيف قابل الإنجليز ما حدث بروح التذمر والاستياء والرغبة فى العناء، وإلى لقاء.