رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لهذه الأسباب لن يسقط نظام الأسد

رغم أن الوقت ما زال مبكرا لمعرفة الاتجاه المقبل للأحداث، إلا أن المؤشرات القادمة من سوريا تشير إلى أن الأوضاع في سبيلها للهدوء، وأنها وبدرجة كبيرة لن تنحى منحى تصادمياً ودمويا مثلما يحدث في ليبيا واليمن، أو حتى لن تنتهي بإسقاط النظام كما حدث في تونس ومصر.

وكانت الاحتجاجات بدأت في مدينة درعا جنوبي سوريا في 18 مارس/ آذار بعدما اعتقلت الشرطة عددا من التلاميذ لكتابتهم شعارات تطالب بالديمقراطية على جدران مبان بالمدينة. وسرعان ما امتدت إلى مدن وبلدات سورية أخرى، وإن تركزت التظاهرات الضخمة في مدينتي درعا واللاذقية. وسقط عشرات القتلى والجرحى في مواجهات بين قوات الأمن والمحتجين الذين يطالبون بإصلاحات سياسية.

 

رسمياً وأمام الضغوطات الشعبية التي يواجهها نظام بشار الأسد قدم الأخير حكومته كبش فداء لكرسيه، بعدما أجبر الحكومة التي يترأسها محمد ناجي عطري منذ عام 2003 على تقديم استقالتها على أن يتم تشكيل حكومة جديدة، من المنتظر أن تضم وجوه وملامح جديدة من بينها وجوه من المعارضة السورية.

وقد استفاد الأسد مبكراً من دروس تجربتي تونس ومصر، وأعلن عن حزمة إصلاحات اقتصادية وسياسية مبكراً، كان منها إلغاء قانون الطوارئ التي يستخدم منذ عام 1963 لتضييق الخناق على المعارضة السياسية وتبرير الاعتقال التعسفي وإطلاق العنان لجهاز أمن الدولة في البلاد.

بيد أن تجربة الثورات العربية أثبتت أن الشعوب هي التي تملك مفاتيح اللعبة، وليست الأنظمة، إلا في سوريا، فرغم سقوط قتلي خلال الاحتجاجات الأخيرة ضد الأوضاع في البلاد وصلت طبقاً لبعض الإحصاءات إلى مئة قتيل، إلا أن سوريا نظاما وشعبا يبقيان حالة خاصة، فبعكس تجارب ثورات الشعوب العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، تبدو مطالب الشعب السوري لها سقف معين، لم تتخطاه بعد، ولم تصل إلى الرغبة في سقوط النظام، أو بالأحرى ليس هناك إجماع على ذلك، فليس كل الشعوب تريد الإطاحة بحاكمها، وسوريا ضمن تلك الحالة، حيث تنحصر مطالب السوريين في الرغبة إحداث تغييرات كبيرة في الحكم وفي ممارسة السلطة و تغييرات في دور أجهزة الأمن وحقوق المواطنين، ومؤشرات الأوضاع في ذلك البلد تؤكد ذلك بعدما عاد الهدوء وإن كان نسيباً مرة أخرى، وهو أمر ينبئ بأن المتظاهرين بدأوا يشعرون باستجابة نظام الأسد لهم، بعد حزمة الإجراءات والإصلاحات التي أُعلن عنها مؤخراً.

ويرجع انخفاض سقف المطالب الشعبية في سوريا إلى طبيعة النظام الحاكم هناك، والذي يتميز بأنه نظام شمولي، أبوي، بدرجة شديدة التعقيد، جعلت حيز معارضته يكاد يكون مختفياً، فلا أحزاب سياسية ولا مجتمع مدني قوي، على العكس من الدول العربية الأخرى، وتجربة الرئيس بشار الأسد نفسها تؤكد ذلك، فقد تولى الأسد الابن السلطة عام 2000 بعد 29 عاما من حكم والده، دون أي معارضة شعبية تذكر، وهو ما اُعتبر أول مشروع وراثي تشهده الجمهوريات العربية، وفتح الباب أمام سيناريوهات مشابهة في بلاد عربية كثيرة، أضف إلى ذلك استغلال النظام السوري للصراع العربي الإسرائيلي عن طريق اكتساب وتقوية أركان شرعيته المحلية وتغييب إرادة الشعب، والالتفات على مطالب الإصلاح.

كما أن تركيبة المجتمع السوري، فضلاً عن وعيه، تشيران إلى أن هناك حدودا للاحتجاجات ضد نظام الأسد، فمثلما استفاد الرئيس بشار الأسد من تجربتي تونس ومصر، استفاد أيضا الشعب السوري من تجربتي ليبيا واليمن، فرغم أن المكون الطائفي موجود وبقوة في الحالة السورية، كما في الحالتين الليبية واليمنية، إلا أن سوريا تتميز فضلاً عن قوة مؤسسات الدولة، تتميز بالوعي الشعبي الشديد ومن هنا أحجم الكثير من السوريين عن المبالغة في مطالبهم لحد إسقاط نظام الأسد، الذي ينتمي للطائفة العلوية، وهذا يفسر اقتصار الاحتجاجات على مديني درعا واللاذقية، وعدم انتشارها حتى الآن للمدن الكبرى بشكل واسع حتى الآن.

خارجياً تبدو كفة النظام السوري راجحة، أو على الأقل ليست ضده، حيث تشير مواقف الدول الفاعلة كالولايات المتحدة الأميركية ودول

الاتحاد الأوروبي وتركيا وإيران، ودول المنطقة العربية، وحتى إسرائيل، العدو اللدود للسوريين، أخف وطأة مما يحدث في ليبيا واليمن على سبيل المثال، فسقوط النظام السوري من شأنه أن يكلف الجميع خسائر هائلة، ولهذا علاقة بما يمثله موقع سوريا الجيواستراتيجي والجيوسياسي في المنطقة، فهي تقع في الوسط بين إسرائيل وإيران وتعد بمثابة المركز في الشرق الأوسط، وذلك بالمقارنة بليبيا التي تقع في جانب المشهد.

ومن شأن إسقاط نظام الأسد تعريض التحالفات والرؤى السياسية والإستراتيجية في المنطقة إلى الاهتزاز، فدمشق عمليا الحليف العربي الوحيد لطهران في المنطقة العربية، وتمتلك أكثر من ورقة في الصراع القائم بين إسرائيل والفلسطينيين، ولديها قدرة التأثير على توجهات حركة حماس في غزة وفصائل فلسطينية متواجدة على الأراضي اللبنانية، كما أن دمشق حليف إستراتيجي لحزب الله ولغيره من القوى السياسية اللبنانية، وهذا يفسر صمت تلك الأطراف عما يحدث في سوريا.

وقد تؤدي الاضطرابات داخل سوريا إلى إضعاف إيران أحد أبرز حلفاء دمشق في المنطقة، فمن شأن إسقاط نظام الأسد حرمان إيران من حليف موثوق في تمديد نفوذها على لبنان وحزب الله والفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

بيد أن خسائر الولايات المتحدة وإسرائيل تزيد عن تلك التي قد تتكبدها إيران وحلفائها في المنطقة، ومن هنا يمكن تفسير تعامل الإدارة الأمريكية الحذر في الضغط على الأسد، فعلى الرغم من انتقادات محللين وكتاب أميركيين لطريقة تعامل إدارة أوباما مع الأزمة السورية بالمقارنة بنظيرتها الليبية، إلا أن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، رأت إن بلادها لا تنوي التدخل في سورية عسكريا رغم قمع الأسد للمتظاهرين، بل وأبدت كلينتون تفاؤلاً قائلة: «هناك اليوم في سوريا رئيس مختلف. كثيرون من أعضاء الكونغرس الذين زاروا سوريا في الأشهر الأخيرة قالوا إنهم يعتقدون أنه إصلاحي». واكتفت هيلاري بدعوة النظام السوري إلى سرعة الاستجابة لاحتياجات شعبه. وليس الانخراط في العنف، وأن يسمح للاحتجاجات السلمية، والبدء فوراً في عملية الإصلاح الاقتصادي والسياسي!

يأتي الحذر الأميركي والإسرائيلي تجاه الأزمة السورية نابعاً من الخوف من احتمال قيام حكومة بقيادة سنية أكثر أصولية وإسلامية من حكومة الأقلية العلوية في حال سقوط نظام الأسد. وتشكل الاضطرابات في سوريا تحديا كبيراً بالنسبة لإسرائيل، وعملية السلام الميتة إكلينيكيا، وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قد تترك الأزمة السورية آثارا مهمة على وضع إسرائيل الاستراتيجي.على سبيل المثال يخشى المسئولون الإسرائيليون أن تنتقل الأسلحة الكيماوية التي تمتلكها السلطات السورية إلى أياد خطيرة في حال تداعي أو سقوط النظام، كما يُخشى أن يصعد النظام السوري الصراع مع إسرائيل في محاولة للبقاء على قيد الحياة.