عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشائعات تمثل خطراً حقيقياً على الأمن القومى الاقتصادى والاجتماعى والسياسى

هدفها تحطيم معنويات الشعوب.. مواجهة قضية وعى فى عقل الإنسان المصرى ووجدانه

الشائعات الاقتصادية تستهدف الاقتصاد الوطنى والشائعات الاجتماعية والسياسية تخلق روح السخط والعداء تجاه الدولة

تنشط  فى زمن الكوارث الطبيعية والأوبئة لنشر الفرقة والانقسام وزعزعة ثقة الشعب فى نفسه وقيادته 

مصر يسودها منذ فجر التاريخ التجانس والاستقرار بنظمها القيمية وضوابطها الاجتماعية

 

الشائعات من أخطر الأسلحة المدمرة على كيان المجتمعات, وقد أثرت فى بعض الدول التى تفككت بفعلها وسريانها بين الناس خاصة أن ترويج الشائعات فى العصر الحالى يستغل التقدم التكنولوجى  فى وسائل الاتصال, وقد تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن خطر الشائعات على المجتمعات فى أكثر من مناسبة، وكان يجب على الباحثين دراسة الظاهرة من النواحى الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والقانونية لحماية المجتمع من شرورها, ونعرض للبحث القيم الذى أجراه الفقيه المصرى المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بأبحاثه الوطنية بعنوان: «الحماية القانونية للمجتمع من بث الشائعات والأخبار الكاذبة وتأثيرها فى الأمن القومى. دراسة تحليلية  فى ضوء الحفاظ على النسق القيمى والبناء الاجتماعى وحماية الأمن القومى واستراتيجية المواجهة للقضاء على الشائعات «إيماناً منا بأن ما نقدمه للقارئ يزيد الوعى بين المواطنين ويبث روح الثقافة حول مخاطر تلك الظاهرة».

ونعرض فى الجزء الثانى لأهم ما تضمنه بحث الدكتور محمد خفاجى عن خطورة الشائعات على المجتمعات والإضرار بالأمن القومى واستراتيجية المواجهة فى النقاط التالية:

 

أولاً: الشائعات حرب للعقول مسرح القتال فيها عقول الناس لجذبهم وتشكيل وجدانهم بالافتراء والتضليل:

يقول الدكتور محمد خفاجى إن جوهر الشائعة يقوم على التأثير فى نفوس أكبر قدر ممكن من المواطنين ما يمس مصالح الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فليس من شروط الشائعة أن يحدث الضرر فعلاً بل يكفى أن تحدث الشائعة أى قدر من الخطر فى نفوس المواطنين ولو لم يتحقق ضرر فعلى لأن من يبث الشائعة يهدف فى الأساس إلى إلقاء الرعب والفزع فى نفوس الناس والإضرار بمجموع المصالح العليا للوطن, وبهذا المفهوم تعد الشائعة من نوع الأسلحة المتولدة من رحم التكنولوجيا والاتصال.

ويضيف أن تأثير الشائعات بالإضرار بالأمن القومى بات من الأمور الشائكة والمعقدة, لأنه يستهدف إضعاف الروح المعنوية للشعب بالعمل على بث روح الفرقة والانقسام والكراهية والبغضاء بين صفوفه وأطيافه, ويرجع السبب إلى أن الشائعة تنتشر بسرعة فائقة بين الناس, لذا فهى حرب للعقول مسرح القتال فيها عقول الناس لجذبهم وتشكيل وجدانهم وقناعتهم بالكذب والافتراء, أياً كان مصدرها فقد يكون مصدرها دولة معادية أو أشخاصاً تابعين لتلك الدولة, أو جماعة إرهابية مارقة تلجأ إلى التضليل بهدف زعزعة الاستقرار وخلق حالة من عدم الثقة فى قيادة البلاد, وهى ممن يروجها تؤدى إلى  الفزع بين الناس والتوتر الاجتماعى, وبث روح اليأس فى نفوس الشعب, ثم تمثل تهديداً وشيك الخطر, فتصاب مصالح المجتمع بالتفكك.

 

ثانياً: الشائعات تمثل خطراً حقيقياً على الأمن القومى الاقتصادى والاجتماعى والسياسى:

يقول الدكتور محمد خفاجى لقد بات مسلماً ومستقراً فى ضمائر الأمم أن الشائعات تمثل خطراً حقيقياً على الأمن القومى سواء الاقتصادى أو الاجتماعى أو السياسى, فمن ناحية الأمن القومى  الاقتصادى بالنيل من الثقة المالية للدولة على الرغم مما تبذله الدولة من مشروعات قومية عملاقة  , وهكذا فإن الشائعات من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر, فضلاً عن الإضرار بمركز الدولة الاقتصادى, فالشائعات تسعى إلى هدف أسمى هو فقدان الثقة بين الشعوب وقادتها, ولا ريب فى أن أمن الفضاء المعلوماتى يهم كيان الدولة فهو جزء أساسى من منظومة الاقتصاد والأمن القومى, وألزم الدستور فى المادة 31 منه الدولة باتخاذ تدابير للحفاظ عليه.

 

ثالثاً: يتجلى الإضرار بالأمن القومى من خطر الشائعات فى توجيه الرأى العام بطرق مضلة للحقائق، فيصبح الرأى العام أداة للإفساد وليس أداة للإصلاح والتقويم:

يقول الدكتور خفاجى  يتجلى الإضرار بالأمن القومى للبلاد من خطر الشائعات في التأثير السيئ السلبى فى توجيه الرأى العام بطرق تعتمد على التضليل وإيهام الناس بغير الحقائق فى كل المجالات, فيصبح الرأى العام أداة للإفساد فى المجتمع وليس أداة للإصلاح والتقويم, وتنعدم قيم المجتمع ومُثله العليا ومبادئه السامية, وينحرف الكثير عن الطريق الصحيح بسبب غياب الوعى فى قراءة الأحداث والمستجدات, ويصاب المجتمع فى مصالحه الجوهرية التى تحفظ كيانه وتماسكه ويتزعزع الاستقرار وتكون الشائعات حينئذ قد أدركت أهدافها نحو الإضرار بالأمن القومى للبلاد.

 

رابعاً: مواجهة الشائعات قضية وعى فى عقل الإنسان المصرى ووجدانه لأنها تستهدف تحطيم معنويات الشعوب:

يقول الدكتور محمد خفاجى ينبغى التركيز على أن نجاح مواجهة الشائعات تعتمد على الإقناع ومخاطبة العقول فهى قضية وعى لأنها مواجهة مجتمعية فى الأساس يتشارك فيها جميع أجهزة الدولة ومؤسساته الرسمية ومنظمات المجتمع المدنى وذلك من العوامل المساعدة للقضاء عليها, ذلك أن الشائعة تستهدف عقل الإنسان ووجدانه وليس جسده, بمعنى أنها تخاطب معنوياته دون مادياته أو ممتلكاته, وأياً كانت مكانته الاجتماعية عظم شـأنها أو من أحاد الناس, فهى تستهدف تحطيم معنويات الشعوب, ومع مرور والوقت يصاب من يروجون الشائعات ومن يتلقونها ويروجون لها أيضاً بغير وعى بأمراض اجتماعية ونفسية باعتبار أن الفرد هو المستهدف من الشائعات.

 

خامساً: الشائعات الاقتصادية تستهدف الاقتصاد الوطنى والشائعات الاجتماعية والسياسية تخلق روح التسخط والعداء تجاه الدولة:

يقول الدكتور محمد خفاجى تختلف الشائعات فى طبيعتها وأهدافها وتحديد المجتمع المستهدف من ورائها, فبعض الشائعات تكون ذات صبغة سياسية: وتلك التى تهدف مباشرة إلى تقويض الأمن العام فى المجتمع وخلق روح من التسخط والعداء تجاه الدولة, وقد تكون الشائعات اقتصادية: وهى التى تتعلق بالأمن الاقتصادى للدولة وتهدف إلى إضعاف مركز الدولة المالى والثقة فيه, لخلق مناخ طارد للاستثمار, بل التشكيك فى جدية مشروعاتها العملاقة خاصة القومية منها, للإضرار بالاقتصاد الوطنى, ولا ريب أن ضرب ذلك الاقتصاد بالشائعات هو هدف رئيسى للجماعات الإرهابية وأعداء الوطن فى الخارج والداخل على السواء, وقد تكون الشائعة أخلاقية تستهدف الأشخاص العامة ويتم نشرها لتشويه صورتها أمام الجمهور, ويؤدى ذلك النوع من الشائعات إلى حدوث مشكلات اجتماعية على الصعيد الأسرى, ونفسية للشخصية العامة المستهدفة من بثها. ولا يمكن نكران خطورة  الشائعة الدينية: التى تعتمد على بث ونشر فتاوى متشددة لا تتفق وصحيح الدين ومنهجه الوسطى السمح, أو غير صحيحة بالاختلاق والافتراء دون وجود سند صحيح من القرآن والسنة, ومثالها نشر أحاديث ضعيفة أو غير مسندة هدفها تضلل الشعب لضرب صحيح دينه وزعزعة تقواه.

ويضيف لعل أخطر الشائعات المتعلقة بالصحة العامة فتكاً بالمجتمعات مثل انتشار بعض الأوبئة والأمراض مثل مرض كورونا , وبث شائعات كاذبة عن التهويل من نسب المصابين أو المتوفين

منه, والتهوين من إجراءات الدولة بشأنه حماية صحة المواطنين, ما يؤدى إلى بث الرعب والخوف والفزع بين أفراد المجتمع, كما تصنف الشائعة وفقاً للهدف إلى نوعين, الأول شائعة الخوف وهى التى تستهدف بث روح الخوف والرعب والفزاع فى نفوس الناس, وفى حالة الخوف والقلق والهلع يكون لدى  الإنسان الاستعداد  لتوهم أخبار ليس لها أساس من الصحة, والثانى شائعة بث روح الحقد والكراهية, وهى خطيرة لأنها تسعى إلى غرس الفتن بين طبقات الشعب والاستحراب بين الناس.

وهكذا فإن أكثر الشائعات فى المجتمع هى الشائعات الاقتصادية تليها الشائعات السياسية ثم الشائعات الاجتماعية ثم الشائعات الأخلاقية وأخيراً الدينية, فالمتتبع حال الشائعات سوف يجد الشائعات الاقتصادية هى الأكثر شيوعاً ورواجاً وانتشاراً فى المجتمع تليها السياسية لارتباطها بالحياة الاجتماعية وتعلقها بالديمقراطية الاجتماعية  أو الرفاه الاجتماعى للمواطن، ثم تأتى الشائعات الأخلاقية فى نهاية الاهتمام عادة ما تصيب الأفراد المشهورين مثل رجال الأعمال والسياسيين والفنانين ولاعبى كرة القدم وهى شائعة تقتصر آثارها على الشخص ذاته وأسرته.

 

سادساً: الشائعات تنشط فى زمن الكوارث الطبيعية والأوبئة لنشر الفرقة والانقسام وزعزعة ثقة الشعب فى نفسه وفى قيادته, ومصر 2020 واليابان 2011 تصدت كلتاهما لشائعات التواصل الاجتماعى:

يقول الدكتور محمد خفاجى إن الشائعات خاصة فى وقت الأزمات والشدائد والكوارث تهدف إلى نشر الفرقة والانقسام بين صفوف المجتمع بمختلف طوائفه وأطيافه, وتدمير حالته المعنوية وثقته فى نفسه, وثقته فى قياداته فتنتشر الخصومات والبغضاء بين أفراد الشعب فتخور قواه المعنوية, وهى المرحلة التمهيدية التى تسبق إسقاط الدول.

ويضيف أن الشائعات تنشط فى زمن الكوارث الطبيعية والأوبئة والأمراض المعدية وكذلك فى التحولات الاجتماعية الكبرى التى تمر بها الدول, وما يساعد على انتشار تلك الشائعات ندرة مصادر المعلومات الصحيحة, ولعل المثل الواضح على ذلك ما تعرضت له اليابان بعد الزلزال الذى ضرب شرقها فى 11مارس 2011 حيث لعبت مواقع التواصل الاجتماعى دوراً كبيراً فى نشر المعلومات بأن الذى حدث كان انفجاراً فى مفاعل نووى، وعلى هذا الأساس انتشرت الشائعة فى أرجاء اليابان, وأدركتها الأجهزة المخابراتية حيث تمثل فى سيل من الرسائل على البريد الإلكترونى للمواطنين ما سبب أضراراً جسيمة فى المجتمع اليابانى, وهو ما دفع الأجهزة المختصة فى اليابان إلى تكوين لجان علمية من علماء الاجتماع وعلم النفس من الخبراء لدراسة أسباب هذه المشكلة, وحينما وثق اليابانيون فيما قامت به تلك اللجان من أعمال لحماية الأمن القومى والحفاظ على الهوية اليابانية وأنها أثرت فى النظام العام اليابانى تلقفها المجتمع اليابانى بالرضا والقبول حفاظاً على هويته ودولته.

ويضيف الدكتور خفاجى أنه فى مصر نجحت الدولة المصرية 2020 فى التصدى لنشر الشائعات المغرضة على مواقع التواصل الاجتماعى عن الاضطرابات الجوية التى شهدتها البلاد من 12 حتى 14 مارس 2020 من القول إنه إعصار ستبلغ سرعة الرياح 100 كم لإثارة الفزع بين الناس وهو ما كذبته الدوائر المختصة بالطقس, وقد وفرت الدولة للشعب كل المعلومات الصادقة عن سوء حالة الطقس واتخذت عدة تدابير وقائية وترتب على هذه المصارحة نجاح المصريين والأجهزة التنفيذية والمؤسسات الأمنية والشعب فى اجتياز محنة الطقس والتصدى لتلك الشائعات ما جعل الرئيس السيسى يوجه للشعب كلمة شكر وتقدير لقدرتهم فى التعامل مع المحنة الجوية.

 

سابعاً: مصر يسودها منذ فجر التاريخ التجانس والاستقرار بنظمها القيمية وضوابطها الاجتماعية والشائعات تؤدى إلى تدمير النسق القيمى والبناء الاجتماعى:

يقول الدكتور خفاجى إن الشائعات تؤدى إلى تدمير النسق القيمى الاجتماعى فى الدولة, ذلك أن مصر يسودها منذ فجر التاريخ التجانس والاستقرار فى ضوء نظمها القيمية وضوابطها الاجتماعية, وهناك العديد من القيم مثل التكافل الاجتماعى والمواطنة وصيانة المال العام ومكافحة الفساد, وغيرها من القيم التى باتت مستقرة فى ضمير الأمة المصرية ويؤدى خرقها إلى اضطراب المجتمع وهذا بالضبط ما يعيه من يروجون الشائعات ومن يخططون الحرب النفسية لها, لذا فهم يعمدون إلى أن تسود مشاعر الإحباط لدى الشعب, فيلجأون إلى التخريب النفسى لبلادهم, فيتخذون من عدم الإخلاص فى العمل معياراً ونهجاً, ويضعون العراقيل أمام المواطنين من متلقى الخدمة نتيجة التأثر من الشائعات, فتتدنى المعنويات وتغيب الحقائق وتنتشر البلبلة فيتأثر المناخ العام, وتكون مصداقية الرأى العام محل شك كبير نتيجة نشر الافتراءات والأكاذيب التى تحتويها الشائعات، فتتبدد طاقات المجتمع بدداً.

وغداً نعرض للجزء الثالث والأخير من هذه الدراسة المهمة عن خطر الشائعات على المجتمعات واستراتيجية المواجهة.