رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الذوق العام.. فى خطر

بوابة الوفد الإلكترونية

ماذا يحدث للأخلاق والقيم والسلوكيات فى مجتمعنا؟.. سؤال أصبح محور تفكير وانشغال الرأى العام على كافة المستويات. ما الذى يجرى للذوق العام الذى يسمح لسلوكيات غريبة أن تطفو على السطح.. وأنواع تدعى أنها «فنون» هى قوة قتل لكل معانى الرقى والتحضر، حتى ما يصدر فى إطار تشجيع الرياضة.. أصبح فى كثير من الأحيان متنافراً مع ما عهدناه من «الروح الرياضية».

المؤسف أن مظاهر التدنى السلوكى والفنى والأخلاقى تصيب الشباب الذين يمثلون الكتلة الأكبر فى تعداد السكان.. هم من يفرز هذه الصورة السلبية وهم أيضاً هدف لها فى نفس الوقت.

لكن بكل تأكيد ليس من الإنصاف أن نلقى على عاتق الشباب بكامل المسئولية فى هذه القضية، فهناك آلات وأدوات تساعد على نمو هذه الظواهر السلبية.. كما أن هناك قنوات وسبلًا لمواجهتها يتحملها الجميع، فهناك دور التنشئة الاجتماعية التى تبدأ من الأسرة وتشمل المدرسة ودور العبادة، فضلاً عن الإعلام ودوره وكل أجهزة التثقيف والتوعية فى المجتمع.

هذا الملف صرخة تحذير حتى لا تتحول «المهرجانات» إلى أسلوب حياة.

 

تراجع «الخير والجمال» أمام «القبح والصوت العالى»

اختلال منظومة القيم

 

 

سلوكيات المصريين أصبحت حالة يرثى لها، فوضى وتخريب وانعدام فى الذوق العام، شباب يتحدون كل الأعراف والتقاليد والقيم، وكبار يفقدون أعصابهم لأى سبب، الصوت العالى أصبح هو الحاكم لكل شىء فى مصر، وأصبح هو وسيلة التعبير عن الرأى والاعتراض، حتى فى الألعاب الرياضية التى كانت قديما تتسم بالروح الرياضية، واختفت أيضاً قيم التسامح والحب والخير والجمال، لتحل محلها ثقافة المهرجانات ذات الصوت العالى والضجيج الذى يحمل الرداءة فى كل شىء.

فمن يسير فى شوارع مصر يلاحظ أن فيها «حاجات كتير غلط»، بدءاً من سلوكيات الناس والتى لم يعد فيها مراعاة لا لسن أو جنس أو نوع، فمثلاً من يستخدم وسائل المواصلات العامة يجد كبار السن والسيدات الحوامل ومن تحمل طفلاً على يديها تقف، بينما يتسابق الشباب والأطفال على الجلوس على المقاعد، بما فى ذلك المقاعد المخصصة لهذه الفئات، وإذا حاول شخص تنبيه أحدهم ليقف ويترك المكان لكبار السن أو السيدة التى تقف يكون نصيبه سيل من التوبيخ، وقد ينقلب الأمر لمشاجرة!

ورغم أن هناك بعض الشباب الذى يمتلك الحس ويقف تاركاً المكان لغيره من كبار السن أو السيدات، إلا أن هؤلاء أصبحوا عملة نادرة فى عصر ساد فيه كل ما هو قبيح ولا يمت للأخلاق بصلة.

وفى الشوارع تجد مجرد احتكاك بسيط بين سيارتين لم ينجم عنه ضرر لأحدهما، يتحول فجأة لمشاجرة كبرى، تتوقف على إثرها الشوارع، ويتحول الأمر لمشكلة كبيرة رغم أن كلمة اعتذار من أحد الطرفين كانت تكفى لإنهاء الموضوع كله، إلا أن ثقافة الاعتذار اختفت من الشارع المصرى، وأصبح الصوت العالى «يكسب» فى أى مكان وأى موقف.

هذا بالإضافة إلى جريمة تخريب الممتلكات العامة والخاصة على السواء، وهى منتشرة منذ سنوات طويلة فى مصر، إلا أنها زادت خلال السنوات الأخيرة حتى أصبحت ظاهرة يجب التوقف أمامها.

وترتكب جريمة التخريب فى كل مكان فى مصر، بدءاً من المدارس التى يقوم التلاميذ بالكتابة على مقاعدها وجدرانها، مع تدمير المقاعد والأثاث، لتسدد الدولة ملايين الجنيهات لإصلاح ما يفسده التلاميذ.

وتنتشر جريمة التخريب فى كل مكان فى مصر، فنجد الأتوبيسات ووسائل المواصلات العامة ممزقة المقاعد، وبعضها يتم تكسيره، ناهيك عن ظاهرة إلقاء الأطفال للطوب والبيض على السيارات والقطارات التى تسير على الطرق، ولا يجد هؤلاء من ينهرهم عن ذلك، بل إنهم يتخذونها كلعبة رغم أنها قد تؤدى لكوارث حقيقية.

والأخطر من ذلك هو ظاهرة الكتابة على حجارة الأهرامات والتماثيل الأثرية والفنية الموجودة فى القاهرة وبعض المحافظات، ويبدو أن المصريين لم يرثوا من الفراعنة حضارتهم الباقية منذ أكثر من 7 آلاف سنة، إنما استمدوا منهم الكتابة على الأحجار ولو بدافع التخريب فقط.

ناهيك عن الإعلانات الغريبة التى يقوم أشخاص بكتابتها على أسوار المدارس أو الكبارى بل والمساجد أيضاً، وبخط ردىء جداً، وبذلك يرتكبون جريمتين، الأولى تشويه الحوائط والجدران، والثانية الإعلان فى مكان عام بدون دفع مقابل للحى أو جهة الإدارة المحلية، ومع ذلك لا يسألهم أحد.

ورغم أن التخريب جريمة بحكم المادة 90 من قانون العقوبات، التى تنص على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 5 سنوات كل من خرب عمداً مبانى أو ممتلكات عامة، مخصصة لمصلحة حكومية، أو مرافق ومؤسسات عامة.

وتصل العقوبة إلى السجن المؤبد أو المشدد إذا وقعت الجريمة، بقصد إثارة الفتن والرعب والفوضى بين الناس، وتصل العقوبة للإعدام إذا نجم عن الجريمة موت شخص كان موجوداً فى ذلك المكان، ويحكم على مرتكب الجريمة بدفع قيمة الأشياء التى خربها، إلا أن هذه العقوبات المشددة لم تنجح فى وقف هذه الجريمة التى ترتكب كل يوم فى حق مصر.

ورغم أن دار الإفتاء المصرية أصدرت فتوى أكدت فيها أن «تخريب الممتلكات العامة أو الخاصة هو عمل محرم وفعل مجرم، وفساد فى الأرض، لأنه إتلاف للمال، واعتداء على ملكية الغير العامة أو الخاصة، وفيه تعطيل لمصالح الخلق، وقد يكون فيه إفناء للثروات المعنوية التى لا عوض لها ولا تعادلها قيم» إلا أن هذه الفتاوى والقوانين لم تفلح فى مواجهة الظاهرة التى أصبحت شبه عامة فى مصر.

ورغم أنه عقب ثورة 25 يناير قام شباب مصر بتنظيف الشوارع والميادين، إلا أن ثقافة المهرجانات التى سادت فى مصر بعد ذلك، قضت على هذه الروح الجميلة، وحولت الشوارع والميادين إلى فوضى، وحولت سلوكيات المصريين إلى جزء من الفوضى.

وترى الدكتورة إجلال حلمى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن سلوكيات المصريين ما هى إلا انعكاس لما حدث فى المجتمع المصرى من متغيرات أدت إلى اختلال منظومة القيم، فسيطرة ثقافة المادة أفقدت المجتمع القيم الجميلة مثل الخير والجمال.

وانشغال كل فرد فى المجتمع بنفسه أفقده إحساسه بالآخرين، ومع اختفاء دور المدرسة والمسجد فى التربية والتقويم أصبح الشباب المصرى فاقدين للبوصلة التى توجههم للطريق السليم، فالشباب لا يعلمون أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، ولا يعلمون أن احترام الكبير واجب، وانتشار العنف والبلطجة فى الأفلام والمسلسلات جعلها أمرًا عاديًا فى الشوارع، ولهذا نجد أن أبسط مشكلة تتحول إلى مشاجرة كبيرة.

وأضافت أنه لابد من إعادة المدرسة والمسجد والكنيسة إلى دورهم الطبيعى فى التربية وتقويم سلوكيات الأبناء، وعدم جعلنا أبنائنا فريسة لمواقع التواصل الاجتماعى وشبكة الإنترنت وما تغرسه فيهم من قيم سيئة أفسدت المجتمع، فصلاح المجتمع بإصلاح أبنائه.

 

حجم الإنتاج لا يتناسب مع عدد العاملين

طريق المهرجانات.. ضجيج بلا طحن

 

ثقافة المهرجانات أصبحت ظاهرة عامة تحكم الحياة فى مصر، ليست فى الفن أو لغة الشباب أو ثقافتهم فقط، إنما فى العمل الذى تحول أيضاً إلى مهرجانات، صوت عالٍ وضجيج بلا إنتاج حقيقى.

فكل يوم يتوجه أكثر من 28 مليون مواطن إلى أعمالهم، تتكدس بهم الشوارع والميادين وقت الذروة الصباحية والمسائية، ومن ينظر للإنتاج يجده لا شىء، فالإحصاءات تؤكد أن العامل المصرى أقل إنتاجية من أى عامل فى العالم، وحجم المنتج المصرى لا يتناسب مع قوة العمل بأى حال من الأحوال.

وأشارت الدراسات إلى انخفاض إنتاجية العامل المصرى مقارنة بأى عامل فى الدنيا، بل إن الدكتور عادل عامر مدير المركز المصرى للدراسات الاقتصادية والسياسية، قدر خسائر الاقتصاد المصرى بحوالى 1.5 تريليون جنيه سنوياً، وأشار فى دراسته حول «معدل إنتاجية العامل المصرى والعربى» إلى أن معدل إنتاجية الموظف الحكومى العربى بشكل عام والمصرى بشكل خاص من أقل المعدلات على مستوى العالم إذ تبلغ 30 دقيقة يومياً، فى حين يبلغ متوسط إنتاج العامل العربى بشكل عام ما بين 18 و52 دقيقة فقط، وتبلغ القيمة الإنتاجية للعامل المصرى بـ1600 دولار سنوياً، فى حين تصل القيمة الإنتاجية للعامل الأمريكى 44 ألف دولار والتركى 8 آلاف دولار، وهو ما يعكس مدى انخفاض القيمة الإنتاجية للعامل المصرى.

والأكثر من ذلك أن تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى أن العامل المصرى لا يعمل سوى 18 دقيقة فقط فى اليوم، ولا يُستثنى من ذلك موظفو الجهاز الإدارى للدولة البالغ عددهم 5.7 مليون موظف.

وبعيداً عن الاحصاءات والدراسات، فالمواطنون يلمسون هذه الكارثة بأيديهم،  فأى مواطن يتوجه لمصلحة حكومية لإنهاء أوراقه يشعر بهذه المعاناة، فالموظف يحضر إلى مقر عمله متأخراً، يتناول إفطاره فى طقس شبه يومى، يتحدث إلى زملائه، يلف على المكاتب الأخرى بحجج مختلفة، وينتهى يوم العمل بدون إنجاز حقيقى، ومصالح المواطنين لا تجد من ينجزها إلا فيما ندر، والعمل الذى يحتاج لنصف ساعة فقط يتم إنجازه فى يوم كامل.

وفى النهاية نجد كل موظف يتحدث عن الضمير فى العمل، وأنه الوحيد الذى يراعى الله فى عمله، وينجز مصالح المواطنين، فى حين يشكو المواطنون مر الشكوى من تأخر مصالحهم أو عدم إنجازها على الإطلاق، إنها نفس ثقافة المهرجانات «صوت عالٍ بلا فائدة».

وإذا كان المثل العربى يقول «أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً»، فهذا هو حال مصالحنا الحكومية، جهاز إدارى هو الأكبر من نوعه فى العالم، قوامه 5.7 مليون موظف بمعدل موظف لكل 13 مواطناً، فى حين أن النسبة العالمية تقدر بموظف لكل 400 مواطن، ومع ذلك فمعاناة المواطنين مع الأجهزة الحكومية لا تنتهى.

والغريب أن الإحصاءات الحكومية نفسها تعترف بذلك، حيث أكد تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تراجع إنتاجية العامل المصرى للمرتبة 130 على مستوى العالم، وقدر فترة عمله بما يتراوح بين 18 إلى 20 دقيقة يومياً من إجمالى 8 ساعات عمل.

ورغم هذه الأرقام المفزعة والمعاناة الملموسة للمصريين جميعاً إلا أن أحداً لم يستطع أن يغير هذا الوضع العجيب، وبعد ثورتين واعتقاد البعض أن المصريين قد تغيرت سلوكياتهم، وأنهم سيبنون بلدهم، إلا أن هذا لم يحدث،  بل وجدنا أن هؤلاء العمال والموظفين الذين يعملون لدقائق معدودة فى اليوم، يطالبون بزيادة الأجور، بل إن شركات قطاع الأعمال الخاسرة وبعض الهيئات الحكومية تصرف أرباحاً لعمالها رغم الخسائر، والمعلمين الذين لا يشرحون لتلاميذهم كلمة فى الفصول يطالبون بزيادة الرواتب، والأطباء الذين لا يقدمون خدمة فى المستشفيات العامة ويعتمدون على عياداتهم الخاصة، يطالبون بزيادة فى رواتبهم من المستشفيات أيضاً.

الغريب أنك تجد فى كل مصلحة حكومية أو شركة موظفًا واحدًا قائمًا بكل الأعمال، بينما جيش جرار من الموظفين الآخرين لا عمل لهم، حتى صارت القاعدة العامة فى مصر، هو أن من يعمل أكثر يعاقب أيضاً، بينما من لا يعمل لا يلزمه أحد بالعمل، ولا يعاقب بأى شكل من الأشكال، فهى معادلة غريبة وفريدة لا توجد إلا فى مصر.

وهناك جانب آخر لثقافة المهرجانات فى العمل، كشفه بعض المستثمرين ورجال الأعمال أثناء حوارهم مع الرئيس السيسى منذ فترة، حينما طالبهم بتوفير فرص عمل للشباب، فطالبوه هم بتوفير شباب لفرص العمل المتاحة لديهم، وبدأوا يتحدثون عن تجاربهم مع الشباب الذين يرفضون العمل فى مصانعهم واصفين الحال بأن هناك مصانع تعانى «مجاعة عمالية»، فالشباب يرفضون العمل فى مصانع القطاع الخاص، ويفضلون العمل الحكومى للحصول على راتب بلا عمل.

هذا الحديث أكده تقرير صادر عن مجلس التدريب الصناعى الذى أطلق مبادرة تحت مسمى التدريب من أجل التشغيل بالتعاون مع الوحدات الإنتاجية، سواء العاملة فى الصناعة أو السياحة أو الجهات الخدمية والتجارية، حيث استطاع المجلس إتاحة ما يقرب من 148 ألفاً و543 فرصة عمل بالتعاون مع 886 شركة، إلا أنه لم يتقدم لها سوى 61 ألفاً و222 شاباً فقط، وانخفض العدد إلى 48 ألفاً للشباب الذين تقدموا للاختبارات والتدريب، فى حين أنه عندما أعلنت مصلحة الضرائب المصرية عن توفير 19 ألف وظيفة تقدم لها 300 ألف شاب.

فالجميع يعشق المهرجانات أصوات عالية بلا فائدة، يشكون ضيق الحال بالكلمات، ولا يقومون بعمل حقيقى يؤدى إلى تحسن الأحوال، فمع انخفاض إنتاجية العامل المصرى أصبحنا لا ننتج سوى 20% من احتياجاتنا الغذائية، ونستورد الباقى، ثم نشكو من ارتفاع الأسعار، وانخفاض الدخول، ورغم أن المعادلة تقول إن زيادة الإنتاج ستؤدى حتماً إلى زيادة الدخول، إلا أن المصريين يتجاهلون هذه الحقيقة.

وتشير الدراسات إلى أن هناك عدة أسباب أخرى تؤدى إلى نقص إنتاجية العامل المصرى، منها عدم التدريب، وعدم حصول العامل المجتهد على مميزات حقيقية، فضلاً عن البيروقراطية والبطالة المقنعة، وبيئة العمل التى لا تشجع على مزيد من الإنتاج، إضافة إلى أن قوانين العمل التى بها ثغرات كثيرة لا تساعد على اقرار مبدأ الثواب والعقاب.

الغريب أن القائمين على أمر مؤسسات الأعمال فى مصر، يعلمون المشكلة جيداً، إلا أن ثقافة المهرجانات تحكم أعمالهم أيضاً، فنجدهم لا يقدمون حلولًا للقضاء على هذه المشكلات التى جعلت العامل المصرى يتحدث ولا ينتج شيئاً، لتزداد المعادلة تعقيداً، ويصبح حلها بإرادة جماعية مشتركة وفقاً للدكتور عبدالرحمن يسرى أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية الذى أكد أن أزمة الإنتاج فى مصر يمكن حلها، بإصلاح بيئة العمل واختيار الإدارة على أساس سليم، وليس على أساس الواسطة والمحسوبية، وإقرار قوانين تنظيمية يتم تطبيقها على الجميع بلا استثناء، مع القضاء على كافة أشكال البيروقراطية التى تعوق العمل والإنتاج فى مصر.

 

الكرة بلا روح رياضية.. والفن خادش للحياء.. ولغة الحوار ضائعة

شباب اليوم.. يبحث عن القدوة

 

ظاهرة غريبة انتشرت فى المجتمع المصرى خلال السنوات الأخيرة، وهى إعجاب كثير من الشباب، بما هو قبيح، انتشار ثقافة القبح فى كل شىء، فى الألفاظ ولغة لكلام وحتى الملابس والشكل الغريب.

فبعد أن كان الإنسان يهتم بمنظره وهندامه ولغة كلامه حتى يقال عنه إنه متعلم أو متحضر، لم يعد هذا المقياس يهم شباب اليوم، فلغة الكلام أصبحت الشتم والسباب، والمنظر غير المألوف.

فمن تسوقه قدماه لأعرق جامعات مصر الحكومية، أو حتى الجامعات الخاصة التى يتكلف فيها الطالب وزنه مالاً، سيكتشف أنها لم تعد محاريب للعلم، بل ساحة لتبادل أسوأ الألفاظ بين الشباب، والأمر ليس مقصوراً على الجامعات، بل أصبح لغة شائعة فى كثير من الأماكن وفى أغلب تجمعات الشباب تقريباً.

خرجت الكلمات النابية والمشينة من الحوارى والأماكن الشعبية إلى ساحات الجامعات والأندية الرياضية الكبرى، والأحياء الراقية، وأصبحت الكلمات المبتذلة التى كانت تقال فى المشاجرات فى العشوائيات، أصبحت هى لغة كلام الشباب، وحواراتهم على مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت أكبر دليل على هذا التدنى اللغوى فى مصر.

وإذا كانت لغة الفرانكو قد احتلت محل اللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعى، فما حدث فى لغة الكلام أبشع بكثير، فالفكاهة بين الشباب أصبحت بسب الأم والأب، والكلمات البذيئة أصبحت هى طريقتهم للتعبير عن سخطهم على أى أمر من أمور الحياة.

الغريب أن الشاب الذى كان يثور من سنوات قليلة إذا سبه أحد، أو ذكر أحد والديه بسوء، هو نفسه الذى يضحك اليوم لسب صديقه له بالأب أو الأم كأنهما ارتكبا ذنبًا عظيمًا بإنجابهما لهؤلاء الأبناء الذين يتضاحكون بسب آبائهم.

الغريب أننى حينما سألت أحدهم عن سبب ضحكه وزميله يسبه بأبويه قال: إنه يضحك معه ولا يقصد الإهانة، وأضاف أن هذه لغة بينهم كأصدقاء، ودليل على رفع التكليف بينهم تماماً.

أما «أحمد. م» طالب بكلية التجارة، فقال: إن هذه اللغة أصبحت دليل على أن الشاب «مخلص» أى يفهم لغة الشارع، ويتحدث بها الشباب فى كل مكان.

الغريب أن هؤلاء الشباب يستخدمون ألفاظ نابية جداً، وهم لا يعرفون معناها الحقيقى، وإنما انتشرت بينهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، ومع ذلك يرددونها، ويرون أنها موضة وستايل.

وهو ما أكدته ميار سيف، الطالبة بكلية الآداب، مؤكدة أن من لا يتحدث بهذه الألفاظ الآن يعتبر موضة قديمة وينبذه أصحابه، ولهذا فبمجرد انتشار إحدى الكلمات على الفيس أو تويتر نجد الكل يستخدمها بسرعة كدليل على متابعة كل ما هو جديد.

وإذا كان الفيلسوف سقراط قال «تكلم حتى أراك» فمن كثير من الشباب الآن وهو يتكلم، لن يرى إلا أسوأ ما فى المجتمع، كلمات بذيئة تخرج من أفواه شباب كان يُنتظر منهم بناء وطن بعد ثورتين عظيمتين، أفكار مشوشة لا تعلم كيف استقرت فى أذهانهم، وعقول فارغة ليس لها هدف.

وحتى نكون منصفين فشباب مصر ليسوا جميعاً على هذه الشاكلة، فهناك نماذج تحترم قيمها ومجتمعها، ولكن للأسف كثير منهم غير ذلك، إلا من رحم ربى، ولهذا انتشرت بينهم هذه الكلمات الغريبة، التى تتنافى تماماً مع انتشار التعليم وارتفاع المستوى الاجتماعى والاقتصادى لطلاب المدارس والجامعات.

والقبح لا يقتصر على اللغة فقط، بل امتد أيضاً إلى المظهر والملبس، فأصبحنا نرى شباباً يرتدى ملابس قذرة ويدعى أنها موضة تدعى «الديرتى» أو القذرة، بعدها جاءت موضة الملابس المقطعة خاصة فى الجينز والذى يباع بأسعار مرتفعة جداً، والغريب أن الشباب يقبلون على شراء هذه الملابس دون التفكير فى الشكل والهندام.

كما جاءت موضة «البون تيل» أو عمل ديل حصان للشباب، وشاهدنا الشباب ذوى الشعر الأشعث الذى يظل لشهور بدون غسيل، ومنهم من نجده عقد شعره على شكل كعكة أسوة بالبنات، وتناسى الجميع أن الله جميل يحب الجمال، وتناسوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تتشبهوا بالنساء».

والغريب أن كل هذه الموضات وجدت لها سوقاً رائجة حيث يقبل الشباب على تقليدها بدون تفكير، فهم يقلدون الكلمات الغريبة بدون تفكير فى معناها، وأحياناً تكون معانيها بذيئة جداً، ومع ذلك تستخدمها الفتيات مثلما يستخدمها الشباب، كما أنهن يرتدين الملابس الممزقة والمتسخة

والمكرمشة، والضيقة التى لا تليق بمجتمعنا.

ورغم قيام بعض الجامعات مثل القاهرة والإسكندرية وطنطا وجنوب الوادى بمنع دخول الطلبة بمثل هذه الملابس غير اللائقة، إلا أنها انتشرت بشكل كبير فى مجتمعنا، وكأننا نعيش زمن القبح الذى يجب أن يكون كل شىء فيه قبيحًا.

ورغم أن الملابس حرية شخصية إلا أن الجميع متفق على أن الملابس يجب أن تكون مناسبة ساترة، وشكلها مقبولًا، أما ما يحدث من بعض الشباب فهو تقليد أعمى للموضات الغريبة، مما يؤكد أن المجتمع «فيه حاجة غلط».

وتعلق الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس، على هذه الظاهرة مؤكدة أن الشباب يحب الجرى وراء الموضة دائماً، فمنذ سنوات طويلة والشباب يقلدون الموضات الغريبة، إلا أن ما حدث فى السنوات الأخيرة غريب تماماً على مجتمعنا، فقد انتشرت موضات غريبة فى الحديث بين الشباب وكذلك ملابسهم وحتى طريقتهم فى الاحتفالات المختلفة، وأرجعت هذا إلى الرغبة فى التغيير والثورة على كل التقاليد الموجودة والتى يعتبرها بعض الشباب قيوداً عليهم، بالإضافة لغياب دور الأسرة والمدرسة فى التربية، وتأثير وسائل الإعلام بنجومها غريبى الأطوار، ووسائل التواصل الاجتماعى بنجومها الافتراضيين.

وقالت: إن تغيير هذه الأفكار لا يكون إلا بالنقاش وتوضيح الصورة الصحيحة للشباب، وتغيير مفهومهم للموضة، باعتبار أن الموضة هى ما يناسب الشاب أو الفتاة، وليس مجرد التقليد الأعمى، فاستخدام الألفاظ النابية فى الحديث مع الآخرين لا يدعى تحضرًا، وإنما هو دليل على ما وصلنا إليه من انهيار أخلاقى.

وقد أثار قرار الفنان هانى شاكر نقيب الموسيقيين بمنع أغانى المهرجانات من الفنادق والملاهى موجة عالية من الجدل فى المجتمع، وظهرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى تدافع عن القرار الذى جاء متأخراً، وأخرى تهاجم القرار وتدعى صدوره بسبب الغيرة الفنية، لأن إحدى هذه الأغانى حققت 100 مليون مشاهدة على الإنترنت، وخرج بعض مذيعى الفضائيات يرقصون عليها، فى مشهد يؤكد انهيار منظومة القيم فى مصر.

وأياً كانت دوافع هذا القرار، فالمتتبع للحركة الفنية فى مصر، سيجد أنها لم تشهد من قبل أسوأ مما تشهده الآن، فإذا كانت موجة أفلام المقاولات فى الثمانينيات بداية لانهيار الحركة الفنية، فإن ما يحدث الآن يعد تدميراً للذوق العام.

الفن الذى كان فى الماضى رسالة تهدف لبناء المجتمع أصبح نموذجاً سيئاً لما يحدث فيه، والأمر لا يقتصر على الأغانى فقط، بل إنه أصبح موضة فى السينما والتليفزيون والغناء، فقد أصبحت أفلام البلطجة والعنف هى نجمة كل موسم، وبدلاً من أن يقدم الفن نماذج راقية للشباب، نجد بلطجية وتجار مخدرات وسلاح، ليكونوا هم النماذج التى يقدمها الفن، لنشهد أفلامًا تعتمد على استخدام السلاح والعنف، وغيرها من الأفلام التى كان البلطجى هو بطلها الوحيد والأوحد، ليصبح هذا هو النموذج الذى تقدمه السينما لشبابنا.

وإذا كان فيلم «الممر» قد غرد منفرداً عن هذا السرب، فسيظل نقطة فى بحر البلطجة والعشوائية التى اقتحمت السينما المصرية منذ سنوات، وبعد النجاح الذى حققه ارتفع مستوى الطموحات لنرى أعمالاً جيدة وراقية وهادفة من نفس النوع.

وإذا تتبعنا مسلسلات التليفزيون نجدها لا تختلف كثيراً، فرغم تعددها خلال السنوات الماضية، إلا أنها ركزت فى كثير منها على نموذج البلطجى الذى سيظل 29 حلقة من المسلسل فى القمة، لتأتي نهايته فى الحلقة الأخيرة، وأحياناً لا يراها أحد، ليظل التأكيد على أن البلطجة والسلاح والمخدرات هي كلمة السر.

وفى وسط هذه النماذج ضاعت رسالة الفن، وأصبح مجرد وسيلة للتسلية ومد الشباب والأطفال بقيم سيئة بشكل غير مباشر، بدليل انتشار صور الفنانين البلطجية على ملابس الشباب، وعباراتهم على ألسنتهم وكأن هذا هو النموذج الذى يجب أن يقلده الشباب، إلا أن هناك اتجاهًا ظهر مؤخراً لإنتاج نوعية من المسلسلات الهادفة التى ترقى بذوق المتفرج.

وأخيراً جاءتنا أغانى المهرجانات التى عرفتها مصر منذ سنوات قليلة من خلال بعض المطربين الذين تركوا أعمالهم، وتفرغوا لهذا اللون الفنى الغريب، الذى لا يحتاج إلا لصوت عالٍ لا توجد فيه أى ملامح جمالية، ولا يعرف شيئاً عن الموسيقى ولا طبقات الصوت ولا الغناء، وخلفه موسيقى تعتمد على «الخبط» لا أكثر، والشباب المصرى يرقص على هذه الأغانى وكأنهم فى زار، وانتقلت هذه الأغانى من الملاهى الليلية إلى المنازل من خلال بعض القنوات التليفزيونية المتخصصة فى إذاعة مثل هذه الأغانى، ومن خلال الإنترنت، وأصبحت هذه الأغانى هى نجمة كل الأفراح سواء الشعبية أو الراقية، بل إن مطربى هذه الأغانى أصبحوا من نجوم المجتمع، وكل منهم يطلب آلاف الجنيهات ليؤدى فقرة فى فرح، ليصبحوا مليونيرات ويغروا الشباب باتباع نفس طريقتهم فى الكسب السريع المريح.

وبعيداً عن المكاسب المادية التى حققها هؤلاء والتى أغرت غيرهم الكثيرين فى الدخول لهذا المجال، فهذه الأغانى تعتبر كارثة بكل المقاييس، فبعضها يحمل ألفاظاً وإيماءات وإيحاءات جنسية صريحة، وإذا كانت كلمة «خمور وحشيش» سبب قرار هانى شاكر، فهناك كلمات أسوأ بكثير فى هذه الأغانى يجب أن يحاكم مطربوها بتهمة خدش الحياء العام.

وللفنان الملحن حلمى بكر جملة شهيرة قالها منذ سنوات فى رده على هذه الموجة فى بداية ظهورها، حيث قال: «إن هذه الأغانى أخطر من المخدرات، فالمخدرات تؤذى الشخص الذى يتناولها، أما الأغانى الهابطة فهى تؤذى المجتمع كله»، ولو كان أحد استمع لكلام الفنان حلمى بكر وقتها، ومنع مثل هذه الأغانى السرطانية لما وصل الحال لما هو عليه اليوم.

ثم عاد الفنان حلمى بكر ليؤكد موقفه مرة أخرى مرحباً بقرار نقيب الموسيقيين، مؤكداً أنه قرار يصب فى مصلحة الفن فى مصر، ووصف انتشار هذه الأغانى بالانهيار الفنى.

كما لقى قرار نقيب الموسيقيين تأييداً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعى، وفى نفس الوقت الذى ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعى صفحات تحت عنوان «خليها تنضف» لمقاطعة من يقدمون هذا الفن الردىء بعد كل الأحداث التى تجعل من أبطالها ملوكاً وهميين مصابين بالنرجسية والتضخم والغرور القاتل.

ودخل البرلمان أيضاً على خط المواجهة، حيث قال المتحدث باسم البرلمان النائب صلاح حسب الله: «إن هذه المهرجانات أخطر على مصر من فيروس كورونا».

وأكد «حسب الله» تأييد البرلمان لقرار النقابة بمنع مطربى المهرجانات، موضحاً أن مواجهة أغانى المهرجانات مسئولية مشتركة بين الجميع فى الدولة.

كما تقدم النائب فرج عامر، بمقترح لتعديل قانون العقوبات يدعو فيه إلى تشديد عقوبة اللفظ الخادش لتتراوح بين عام وثلاثة أعوام، بدلاً من الغرامة التى تصل إلى 500 جنيه. وأوضح عامر أن أغانى المهرجانات بها ألفاظ يجب ألا تقال. وأضاف: أصبحنا نردد هذه الأغانى بما فيها من لغة متردية وإسفاف، فبدأت تنتشر فى المجتمع وللأسف ستتحول إلى لغة سائدة.

وطالب «عامر» بتشجيع الكتاب المميزين وتكريمهم، وضرورة وجود برامج تثقيفية ومسابقات أدبية وشعرية تهتم باللغة العربية، لمواجهة الابتذال والتردى الذى أسفرت عنه المهرجانات.

 

جهلاء فى دائرة الضوء.. ومبدعون فى طي النسيان

 

ما يشهده المجتمع المصرى من تهديد لمنظومة القيم، خاصة بين الشباب، يبدأ من كون العلماء لا يحظون بالتقدير الكافى، فى حين أصبح مطربو أغانى المهرجانات والراقصات هم نجوم المجتمع، وأصبح البلطجية هم القدوة والمثل الأعلى، وفقد الشباب البوصلة التى ترشدهم إلى الطريق الصحيح، فأغلب الشباب يحفظون أسماء نجوم التيك توك والمهرجانات ولاعبى الكرة، فيما لا يعلمون شيئاً عن العلماء وكبار الفنانين والمبدعين.

هذه الحالة من تدنى القيم أدت إلى ارتفاع القيم المادية، وانهيار قيم العلم والثقافة، وظهور فقاعات على سطح المجتمع متمثلة فى مطربى أغانى المهرجانات ومن على شاكلتهم، فقديماً كان الطفل الصغير حريصاً على أن يصبح طبيباً أو مهندساً أو ضابطاً، ولكن ضعف منظومة القيم أدى إلى تغير هذه المثل، ليصبح أمل المراهقين تكوين فرقة المهرجانات، والشهرة باتت هى الحلم الأكبر لدى الكثيرين، أما أفضل من فكر فكان مثله الأعلى لاعب كرة قدم.

الغريب أن الشباب يجدون مبررات لهذه الحالة، حيث أكد حاتم أشرف، الطالب فى كلية الهندسة، أنه ذاكر وتفوق فى الثانوية العامة ليلتحق بالكلية التى يحبها، ولكنه تساءل هل سيجد عملاً يناسب تعبه؟.. وإذا وجد العمل فهل سيكفيه راتبه ليشترى شقة ويتزوج ويكون أسرة ويحظى بحياة تليق بمستواه العلمى، أم سيتفوق عليه مطرب جاهل أو نجم «فيس بوك»؟.

وأضاف: نجد المطربين والممثلين يتباهون بما يمتلكون من سيارات فارهة وفيلات وشقق، فى حين يعانى الأطباء والمهندسون، لذلك أصبح هؤلاء هم قدوة عدد كبير من الشباب.

وأوضح محمد عبدالرحمن، أنه شاهد أستاذًا جامعيًا فى كليته يركب وسائل المواصلات العامة لأنه لا يستطيع أن يشترى سيارة، وقتها شعر بأن العلم لن يمكنه من تحقيق أحلامه. وأضاف: نحن كشباب حينما نشاهد الفنانين وغير المتعلمين على شاشات التليفزيون وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، والجميع يتعامل معهم على اعتبار أنهم نجوم،نُصاب بالإحباط.

سؤال محمد منطقى وجوهرى، فمنذ سنوات طويلة وكثير من النماذج السلبية فى دائرة الضوء، وتتسابق الفضائيات لاستضافتهم فى برامجهم التى كان يجب أن تنير الرأى العام، بل وبعضهم يرقص على موسيقى أغانٍ هابطة، فى حين تفتقر مناهج التعليم للقدوة الحسنة للشباب، وهو ما تعتبره الدكتورة نادية رضوان، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بورسعيد، سبباً فى انهيار القدوة لدى الشباب، مؤكدة أن غياب دور مؤسسات التربية هو سبب ما وصلنا إليه الآن، فقديماً كانت المدارس تعلم الطفل القيم السامية والنبيلة لذلك ارتقى ذوق المجتمع كله، أما الآن فالمدارس لم يعد لها دور، ورغم أن اسم الوزارة هو التربية والتعليم، إلا أن المدارس فقدت دورها التربوى تماماً، رغم أنه سابق على التعليم، ومن هنا انهارت القيم فى نفوس الجيل الجديد كله.

وأضافت الدكتورة نادية أنه لابد من إعادة القيم السليمة إلى التعليم مرة أخرى، مؤكدة على دور الأسرة فى إعلاء هذه القيم، وأشارت إلى أن الدراسات تؤكد أن أهم مرحلة يتعلم فيها الطفل هى من سن الثالثة حتى السابعة، وفى هذه المرحلة يجب على الأسرة أن تقرأ للطفل، وتغرس فيه القيم بشكل غير مباشر.

وأضافت أن دور العبادة نفسها لم يعد لها دور فى غرس القيم فى نفوس الشباب، كما كانت من قبل، بالإضافة لغياب دور وسائل الإعلام التنويرى، حتى أفلام السينما أصبحت تقدم نماذج مشوهة منذ السبعينيات والثمانينيات، وكل هذا أدى إلى انهيار القدوة لدى الشباب.

وأشارت إلى أنها قامت بإجراء دراسة عن الشباب المصرى وأزمة القيم، وهى دراسة حالة عن شباب الجامعات فى مصر لمدة 10 سنوات، من عام 1984 وحتى 1994، واستمرت الدراسة فى متابعة عينة البحث طوال عشر سنوات، وخلصت الدراسة إلى أن أزمة القيم التى يعانى منها الشباب هى انعكاس لما يحدث فى المجتمع، فالشباب ليسوا مسئولين عنها، إنما التغيرات البنائية التى حدثت فى المجتمع المصرى هى السبب.

وأكدت الدكتورة نادية أن ما يحدث لشباب مصر الآن هو مؤشر لما وصل إليه المجتمع المصرى من حالة تدنٍ وانهيار، بل إن تفوق الأغانى الهابطة بهذا الشكل، دليل إدانة للمجتمع.

وطالبت بضرورة أن يكون المعلم قدوة لطلابه، مع ضرورة غرس الأخلاق والضمير فى نفوس الأطفال الصغار حتى يمكننا بناء مجتمع جديد على أسس سليمة.

وإذا كانت الإحصاءات تؤكد أن 40% من سكان مصر فى مرحلة الشباب، فهذا يعنى أن أزمة مصر أكبر من أغانى المهرجانات، هى أزمة مجتمع انهارت منظومة القيم فيه منذ سنوات طويلة، وأصبح مجتمعًا فاقدًا للهوية، وشبابه الذين يزيد عددهم على ثلثى عدد السكان، فاقدين للقدوة والمثل الأعلى، والحل الوحيد لإنقاذ المجتمع هو غرس القيم فى نفوس أبنائه، وهذا الأمر يحتاج إلى فترة طويلة قد تصل لسنوات وأجيال كاملة، ولكن المهم أن نبدأ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.