رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بعد 42 عاما من رحيله، عبد الناصر حاضر فى زمن الإخوان !

مسعد حجازي
مسعد حجازي

سلام على ناصر يوم مولده ، ويوم رحيله، ويوم يبعث حيا، .. لقد كان جمال عبد الناصر زعيما تاريخيا عالميا ، عظيما بأفكاره ، والأفكار العظيمة لا تموت أبدا ،.. وما أحوجنا فى تلك الأوقات العصيبة إلى إستلهام روح وأفكار وكفاح وعزم وإرادة الزعيم الراحل عبد الناصر ،.. تحية إلى ناصر أعز الرجال فى زمن عز فيه الرجال، وتسلط على مصر فيه أشباه الرجال.

إن الذكرى الثانية والأربعين لرحيل الرئيس جمال عبد الناصر ليست – فى رأيى- مناسبة للإحتفال ككل عام ، بقدر ما هى دعوة للتأمل والتفكير وإستنباط العبر من التجربة الناصرية الثرية بحلوها ومرها، والتى لو أردت أن ألخصها فى كلمتين فقط فسأقول : قوة الإرادة،.. الإرادة هى الحد الفاصل بين الفشل والنجاح، بين الهزيمة والنصر، وبين اليأس والأمل، وفى المقابل فإن نقص الإرادة وكما تقول الكاتبة الأمريكية " فلاور نيوهاوس" " غالبا ما ينجم عنه ضررا يفوق النقص فى الذكاء أو الإمكانيات".

لم يكن جمال عبد الناصر نبيا أو قديسا، ، ولم يكن معصوما من الخطأ، كان بشرا،.. غير أنه كان كأحد أبطال شخصيات التراجيديات الإغريقية القديمة، .. عظيما فى إنجازاته، كبيرا فى أخطاءه، وكان الخصوم والأعداء فى الداخل والخارج يبحثون عن نقاط ضعف له ،.. عن " كعب أخيليوس" ليوجهوا إليه سهامهم القاتلة، حتى بعد مرور 42 عاما على رحيله!،.. عجبى على أناس يريدون أن يحملوا عبد الناصر أخطاء وأوزار اقترفها غيره خلال 42 سنة بعد وفاته! ، ولعل السبب فى ذلك كما يقول الكاتب الصحفى الأستاذ راجى عنايت هو أن عبد الناصر  "يضع نقطة صفر محرجة لجميع من أتوا بعده، ورغم كل شىء فقد كان ظاهرة إنسانية ".

حقا كان جمال عبد الناصر ظاهرة إنسانية وعالمية ، كان يؤمن إيمانا راسخا بأن الحرية لا تتجزأ، وأن السلام لا يتجزأ، وأن العدل الإجتماعى لا يتجزأ ، ولأن نظرته وأفكاره كانت عالمية فقد كان من الطبيعى أن تكون لها أصداءا عالمية لدى حركات التحرير الشعبية والثورية فى دول آسيا وأفريقية وأمريكا الجنوبية ، والتى ساندها ناصر.

لقد قاد جمال عبد الناصر ثورة 23 يوليو 1952 ، لكنه هو نفسه كان ثورة، نعم كان جمال عبد الناصر ثورة على نفسه، فبعد أن أصبح زعيما متوجا بحب
الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، كان يستطيع أن يعيش كالملوك فى أفخم القصور ويستمتع برغد العيش هو وأفراد عائلته، لكنه كبح جماح نفسه وقرر عن إقتناع وقناعة أن يكون قدوة ومثلا يحتذى، وعندما فعل ذلك قام بضبط الإيقاع فى الجهاز البيروقراطى للدولة المصرية من أول رئيس الوزراء إلى الوزير ووكيل الوزارة وحتى أصغر مسئول حكومى، فأحبه الشعب الذى هب يعمل بكل طاقته ليبنى ويعمر وينجز فى كل المجالات ، كما أحبه ثوار العالم قاطبة وأعتبروه قدوة لهم ، من نيلسون مانديللا وجومو كينياتا وأحمد بن بيللا إلى تشى جيفارا وفيدل كاسترو ومالكوم إكس على سبيل المثال لا الحصر.

لقد كان جمال عبد الناصر ثائرا طوال حياته ومصرا على الثورة بحكم طبيعة نشأته وتكوين شخصيته " الكاريزماتية "، كما كان يميل إلى التغيير الجذرى ويصر عليه ، وكان يرى أن قضية الوحدة العربية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تحققت الثورة الشاملة فى المجتمع العربى ، وكان من منظوره يرى أن الثورة الشاملة تعنى تحقيق الحرية السياسية للشعوب العربية والتى ترتكز على أساس إقتصادى هو النظام الإشتراكى والعدالة الإجتماعية.

لقد كانت قضية العدالة الإجتماعية هى أحد المطالب الأساسية فى ثورة 25 يناير المصرية فى العام الماضى ( عيش – حرية – عدالة إجتماعية – كرامة إنسانية ) ، ولكن العدالة الإجتماعية كانت أهم ما تميزت به التجربة الناصرية حتى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970 ، لذلك رفع المتظاهرون أثناء الثورة المصرية السلمية صورا كبيرة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وكانت هذه رسالة قوية للنظام الحاكم وللعالم بأن كل محاولات وحملات تزييف التاريخ والتشهير وتشويه شخصية الزعيم جمال عبد الناصر طوال العقود الأربعة الماضية خاصة خلال الحقبة الساداتية قد باءت بالفشل!!.

وأذكر أننى فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى كنت قد أجريت حديثا صحفيا مطولا مع الأستاذ خالد محيى الدين أثناء زيارته لتورونتو فى كندا ، وهو أحد صناع ثورة يوليو 1952، وأحد الضباط التسعة المؤسسين لمجلس قيادة الثورة ورفيق الرئيس جمال عبد الناصر، وكان من أهم ما أعجبنى فى هذا الحديث هو تحليله الدقيق لقضية العدالة الإجتماعية وأهميتها فى مصر، فعدت للأرشيف الصحفى الخاص بى لأستخرج هذا الحديث وأعيد قراءته مرة أخرى،.. كان الأستاذ خالد فى ذلك الوقت قد صدر له كتابه الجديد " مستقبل الديمقراطية فى مصر " وقد تحدثت معه عن هذه القضية الحيوية، وعندما قرأت إجابته أحسست أنه كما لو كان يتحدث عن الواقع المصرى الحاضر، وهذا يعنى أننا فى حالة جمود سياسى منذ عقود فيما يتعلق بقضايا الإصلاح السياسى والديمقراطية والعدالة الإجتماعية، كما يعنى أيضا أن إستمرار الفشل فى حل هذه القضايا والمشكلات سييؤدى حتما إلى قيام ثورة مصرية جديدة لا يضمن أحد أن تكون سلمية !!

وقد يكون من المفيد هنا للقارىء العزيز أن أعرض عليه نص إجابة الأستاذ خالد محيى الدين فى عام 1985 عن الديمقراطية والعدالة الإجتماعية حيث قال:

" مستقبل الديمقراطية فى مصر هو المستقبل السياسى لمصر، وهذا يتوقف على أشياء كثيرة منها : الموقف الموحد من قضية العدالة الإجتماعية، فإذا كان إتجاه السياسة الحكومية – كما تدعى الحكومة – نحو الإقتراب شيئا فشيئا من أهداف ثورة 23 يوليو فى تحقيق العدالة الإجتماعية والإستقلال السياسى والإقتصادى فلا شك أن هذا الإتجاه سينعكس على تحقيق نوع من الإستقرار الداخلى ، والإستقرار الداخلى يفتح الطريق أمام ديمقراطية حقيقية لأنه سيساعد على خلق نوع من الهدوء الإجتماعى وعدم التوتر، وبالتالى إمكانية تحقيق أو تطوير الديمقراطية بطريقة أفضل، لأن الديمقراطية الحقيقية

لا تولد من فراغ، وإنما تولد نتيجة صراع إجتماعى وسياسى .. مصرى وعربى ودولى ، وبالتالى فهى تتأثر بكل هذه الدوائر الثلاث.. ونقطة البداية هى ما يحدث فيما يسمى بقضية العدالة الإجتماعية فى مصر ...  والعدالة الإجتماعية  كانت هى الأساس أو الركيزة الأساسية التى إرتكز عليها حكم عبد الناصر لمدة سنوات طويلة .. كثير من الناس يظنون أن استقرار حكم عبد الناصر قد جاء نتيجة قبضته القوية على أجهزة الحكم، ونتيجة سلطاته الكبيرة المتعددة ، وهذا ليس صحيحا ، إذ أن إستقرار حكم عبد الناصر كان يأتى من القاعدة العريضة من العدالة الإجتماعية التى أعطاها عبد الناصر لجماهير الشعب المصرى ، فكانت هذه الجماهير راضية عن الحكم ، وأهم شئ أنه كان لديها أمل فى المستقبل ، فساعد هذا كله على خلق درجة كافية من الإستقرار، فحدث أن تميزت فترة حكمه بوجود أعلى درجات الحس الوطنى ... ، أما فى الوقت الحاضر فيوجد عندنا نوع من التوتر الإجتماعى سببه أن الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى تعيش حياة إقتصادية صعبة ننتيجة للتضخم الإقتصادى، وبسبب الفروق الضخمة فى مستويات المعيشة وتفاوت الدخول الرهيب نتيجة تطبيق سياسة الإنفتاح الإقتصادى فى فترة السنوات العشر الماضية، ولذلك يجب أن نذكر أن السادات هو الذى دعا إلى الديمقراطية، وهو أيضا الذى وأدها.. ، ومن هنا نرى أنه عندما جاء مبارك إلى الحكم حاول جاهدا ألا تصل الأمور إلى الطريق المسدود، وحاول أن يتفاهم مع المعارضة، وأصبحت علاقته بالمعارضة أفضل من علاقة السادات بها، مما ساعد على خلق مناخ سياسى لطيف ومعتدل.. بالرغم من ذلك كله نكتشف أن الأسس الرئيسية التى ساهمت فى خلق التوتر الإجتماعى لا تزال موجودة ، ومن هنا تحدث مصادمات من حين لأخر، ويحدث ما يسمى  بإستمرار قبضة الحزب الوطنى على جهاز الإدارة المحلية والمحافظين والسلطة .. الخ.. وهذا كله يخلق شعورا بعدم الرضا سواء من الناحية السياسية أو الإقتصادية .. فى رأيى أنه ما لم يبذل جهد كبير لتعديل الأوضاع فإن الديمقراطية ستظل كما هى فى إطارها الحالى – ديمقراطية هامشية بمعنى أن الحزب الوطنى يسيطر على كل شئ : من إذاعة وتليفزيون وصحف قومية وإدارة محلية، بينما أحزاب المعارضة تظل مجرد هامش بسيط تتحرك فى إطاره .. شئ لا بأس به .. ممكن الواحد يقول .. ولكن ليس هذا هو الطريق الصحيح لتطوير بلد مثل مصر نحو التقدم والإزدهار والبناء والتطور. ، وفى مثل هذا الجو أيضا .. يشعر المصريون بالغربة فى بلادهم طالما أنهم لا يحكمون أنفسهم بأنفسهم، وطالما أنهم لا يقررون مصيرهم بأيديهم، وبالتالى تحدث الهجرة أواللامبالاة أوالسلبية بعد أن ضاع منهم الأمل وأصبحوا غرباء فى بلادهم !!. "

صدقت يا أستاذ خالد محيى الدين، أطال الله عمرك ومتعك بالصحة والعافية، أصبح المصريون فى بلدهم غرباء، فريسة للإحباط وتحت وطأة الفقر والجهل والمرض، والتطرف الدينى وفقه البداوة الصحراوى !!

لقد رحل الزعيم جمال عبد الناصر والإخوان فى السجون واليوم الإخوان هم الذين يحكمون!! ، و بعد مرور 42 عاما على رحيله، لازالت قوى التخلف والرجعية تشن حربها الضروس ضد جمال عبد الناصر والتجربة الناصرية، وضد قيم التقدم والحرية والإنسان فى بلداننا العربية!.

منذ عقود والمجتمعات العربية تشهد تحجرا عقليا يتخفى وراء مزاعم دينية، ولا غرو فى ذلك، فبعض الناس لا يزالوا ينكرون أن الإنسان قد غزا الفضاء الخارجى، وصعد إلى القمر ، ويزعمون أن هذا مخالف للقرآن الكريم !!

أقول للذين يريدون أن يعودوا بنا إلى الوراء عدة قرون من الزمان وهم يتمسحون بالدين، أن الدين نفسه هو ثورة على التخلف العقلى والمجتمعات المتخلفة، وأن رسول البشرية والإسلام محمد عليه الصلاة والسلام كان ثائرا على أوضاع متجمدة، فلماذا تريدون تجميد عقولنا وحياتنا بإسم الدين بينما الدين منكم براء أيها الجهلاء؟!!

بعد 42 عاما على رحيله، عبد الناصر هو الحاضر وأنتم الغائبون!!


كاتب ومحلل سياسى مصرى – كندى
[email protected]