عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خطة القضاء على جميع الأنفاق مُستحيلة لأسباب أمنية واقتصادية

نفق خاص لمرور الأفراد
نفق خاص لمرور الأفراد يُستخدم عادة فى تهريب البشر الأفارقة

رغم سحب القوات المصرية للاسلحة الثقيلة فى عملية نسر 2 لهدم الأنفاق على الحدود ، لا يزال ملف الأنفاق بين مصر وقطاع غزة مفتوحاً ، وتشير الوقائع الى انه لن يُغلق فى القريب العاجل ، كما ان أنفاق المرور بين الجانبين لن تُغلق ولن تُهدم ، لأنها قضية شائكة تحمل فى طياتها كثيرا من المُلابسات.

حيث تتفق مصالح مصرية فلسطيينية فى بعض من جوانبها لهدم هذه الانفاق وتتباين فى أخرى ، ومن الانفاق  ما قد تم تأجيل إتخاذ قرار حاسم بشأنه عن قصد لوجود اسرار واشكاليات تحول دون هدمها ، اشكاليات ذات صلة مباشرة او تماس مع الإدارات السياسية لحكومات كل من مصر وحركة حماس وإسرائيل ، وهى اشكاليات تحتاج الى التوصل الى إتفاق حولها يحظى بقبول الأطراف الرئيسية .

كشفت الاحصائيات الاخيرة ان حجم تجارة التهريب بين مصر وقطاع غزة عبر الأنفاق يُقدر بنحو 2 مليار جنيه مصرى سنوياً ، لا تستفيد الحكومة المصرية من هذه الاموال بشئ ، بينما تحقق حكومة حركة المقاومة الإسلامية " حماس " على الجانب الفلسطينى مكاسب كبيرة تصل الى حوالى مليار جنيه ، جراء الرسوم المتنوعة  التى تفرضها على مُختلف البضائع التى تمر عبر هذه الأنفاق ، وتتعامل حماس مع بقاء الأنفاق على انها مسألة حياة أو موت ، نظراً لأنها فى الوقت الحالى تمثل المصدر الأساسى للسلع التموينية وغيرها من البضائع الأخرى ، وترفض حماس مبدئيا إغلاق أو هدم الأنفاق مع مصر قبل فتح معبر رفح بشكل كامل ، وإقامة منطقة تجارة حرة بين مصر وغزة ، وهو الطلب الذي حمله رئيس الحكومة المقالة " إسماعيل هنية " للرئيس المصري " محمد مرسي " في لقائهما بالقاهرة في شهر يوليو  الماضي ، كما ان قطاع غزة مُحاصر من طرف إسرائيل ، إضافة الى ان أسعار البضائع الإسرائيلية تصل مُعظمها الى ضعف مثيلتها المصرية ، أما المُستفيد من الجانب المصرى فهم شرائح إجتماعية محدة تتمثل فى عدد من  ( التُجار – أصحاب البيوت التى توجد بها بدايات فتحات الأنفاق وتربط بعضهم صلات قرابة ومُصاهرة بعائلات فلسطينية على الجانب الآخر فى غزة -  العمالة المصرية من جنوب مصر التى تعمل فى نقل مواد البناء) .
هناك أيضاً أطراف أخرى مُستفيدة من هذه الانفاق  عبر عمليات " تجارة غير مشروعة " تقوم بها عصابات مُنظمة تتمثل فى : ( تهريب المُخدرات – الأسلحة والمُتفجرات والذخيرة – البشر خاصة الأفارقة من اريتريا وأثيوبيا ونيجيريا -  الأعضاء البشرية ) ، أما الطرف الثالث المُستفيد إقتصادياً فهم جماعات الوسطاء التجاريين من بعض بدو سيناء ، الذين يقومون أيضاً بدور حراسات وإمداد أصحاب والقائمين على الأنفاق المرورية  بالمعلومات ، نظراً لخبراتهم بالطبيعة الجغرافية لصحراء سيناء.


هدم الأنفاق ليس الحل الأمثل فى الوقت الحالى
لقد تعالت أصوات مصرية شعبية وإعلامية عقب أحداث رفح في الخامس من أغسطس الماضى ، التى راح ضحيتها 16 جُندي مصري ، تطالب بهدم وإغلاق الأنفاق بين مصر وقطاع غزة ، وسُرعة المُبادرة بتنمية سيناء ، للقضاء علي الجماعات الجهادية والتكفيرية ، ومنع تسلل كوادرها من قطاع غزة إلى داخل مصر عبر هذه الأنفاق ، وقد تبدو هذه المطالب للوهلة الأولى انها الحل الجذرى الذى يُجنب مصر مزيدا من وقوع الضحايا ويقضى على العُنف ، إلا ان الرؤية السياسية المصرية الرسمية التى تعتمد ضمنياً على تقارير وأبحاث إجتماعية وإستخباراتية ، ترى ان الوقت الحالى ليس مُناسباً لتنفيذ عمليات عسكرية لهدم كافة الأنفاق ، إنطلاقاً من بُعد إجتماعى يكمن فى انه حال حدوث ذلك فإن تبعاته ستكون لها أضرار أكثر بكثير من بقاءها " لحين وجود ضمانات تمنع الأضرار أو تقلل أكبر قدر من الأخطار".
فهدم وإغلاق الأنفاق دون وجود بدائل توفر لكافة المُستفيدين من الجانبين المصرى والفلسطينى مصادر دخل من أجل العيش سيكون له عواقب وخيمة ، وسيؤدى الى انتشار البطالة بين هذه الشرائح والى قيامهم بعمليات انتقامية ستؤدى الى تنامى أعمال العُنف والإرهاب الذى يهز أمن وإستقرار مصر داخلياً ، مما سيؤثر بالسلب على سُمعة مصر خارجياً ، ويضر بالتدفق السياحى الذى يُعتبر أحد أهم روافد الدخل القومى لمصر ، فى وقت تحتاج فيه مصر لمزيد من الموارد للخروج من أزمتها الإقتصادية ، ولهذه الاسباب ، فان عملية نسر 2 ، لم تأت فى الواقع كبداية او مرحلة لعملية شاملة يتم معها هدم جميع الانفاق ، بل هى عملية انتقائية محدودة ، تم خلالها انتقاء عدد من الانفاق لهدمها على سبيل التهدئة للرأى العام المصرى الذى ثار بعد مذبحة رفح ، ولا يمكن لمصر بأى حال من الاحوال اتمام هذه الخطة المستحيلة بهدم جميع الانفاق ن لما سيعكسة هذا من خطر حقيقى على مصر سينعكس عليها فى اتجاهات اخرى سنورد لها لاحقا.


اسباب أمنية وسياسية
ويبدو ان حماس تعرف مسبقا العواقب الوخيمة التى ستحصدها مصر وفلسطين نفسها بما فيها حركة حماس اذا ما تم اغلاق هذه الانفاق كلية ، لذا يبدو طرح حكومة حماس مقترحا بإنشاء منطقة تجارة حُرة على الحدود بين مصر وقطاع غزة ، كحل بديل تعويضى للمنتفعين من هذه الانفاق حال اغلاقها ،  حتى لا يفقد المنتفعون رزقهم وان كان حراما او غير مشروع ، لذا تدعم حماس هذا المشروع ، وتؤكد انه سيقضى على حركة التجارة الغير مشروعة ، وسيوفر الأمن والإستقرار فى شبه جزيرة سيناء ، وقد يعتقد البعض للوهلة الاولى ان هذا المشروع يتسم بالمنطق والعقلانية ، ويكمن بداخله

الحل من الناحية النظرية ، إلا ان مصر لديها مخاوف أمنية وحسابات سياسية وقانونية مشروعة أهمها :-
• ان إنشاء منطقة تجارة حُرة فى ظل وجود خلافات جذرية بين حركة حماس والسُلطة الفلسطينية سيزيد من هوة الخلافات بينهما ، ولن يُساعد على تحقيق المُصالحة الوطنية الفلسطينية .
• مصر تلتزم بالقوانين الدولية وإدارتها السياسية لن توقع إتفاقية إنشاء منطقة تجارة حُرة إلا مع كيان سياسى فلسطينى واحد يُمثل وحدة الشعب الفلسطينى .
• كما ان الحكومة المصرية بصدد إعداد مشروع مقترحات لإدخال تعديلات أو ضم ملحق جديد لإتفاقية كامب دافيد للسلام مع إسرائيل ، ليس من المتوقع ان تنتهى منه قبل الإنتهاء من الإنتخابات التشريعية المُقبلة وقدوم مجلس نيابى جديد .
• توجد أيضاً مخاوف أمنية من إنشاء منطقة تجارة حُرة بين مصر وقطاع غزة تتحول تدريجياً الى خلق دولة داخل دولة ، بفعل التصرفات الإسرائيلية المُتعمدة لتجبر أعداد كبيرة من الفلسطينيين للجوء لتلك المنطقة وتدفعهم للإستيطان فى تلك المنطقة ، ويتحول مثل هذا العمل الى أمر واقع يضع مصر فى موقف محرج على الساحة الدولية ، كما ان مصر من الناحية العملية ترحب بالفلسطينيين على أراضيها ، لكنها لا تريد ان تكون شبه جزيرة سيناء وطناً بديلاً لهم ، يُحقق المُخطط الإسرائيلى .
كما يرى مُعظم خبراء الاقتصاد والعلوم السياسية والأمنية فى مصر أنه في ظل الظروف الأمنية الراهنة والوضع الآمني المتدهور في سيناء بشكل خاص فإن إقتراح تنفيذ إنشاء منطقة تجارة بين مصر وقطاع غزة فى الوقت الحالى يشكل خطورة علي مصر بأكملها ، ولا يجب ان يتم بقوانين خاصة تتيح حركة التنقل من مصر إلى القطاع ، لأن هذا سيكون أشبه بوجود دولة بين دولتين وهذ أمر مقلق للغاية ، وان الأمر يستلزم تنفيذ خطة شاملة لتنمية سيناء بأكملها من الجنوب إلي الشمال ، ووضع حجر الأساس لبنية تحتية سليمة فى تلك المناطق الحساسة ، وان إستقرار الآمن في فى سيناء هو شرط أساسي لتنميتها ، وان هذا المشروع يحتاج لدراسة شاملة ومستفيضة لتأثيره علي المستويين الأمني والاقتصادي .
كما يرى خبراء الأمن فى مصر أن العلاقات بين مصر وقطاع غزة لابد وأن تسير في إطار قانوني رسمي ، وفي ظل وجود أنفاق التهريب والجماعات الإرهابية في سيناء فإن فكرة إقامة منطقة تجارية علي الحدود المصرية مع القطاع ستشكل خطورة علي الآمن هناك ، وأن الحل الطبيعي والوحيد لعمل تبادل تجاري بين مصر وقطاع غزة والقضاء علي الأنفاق وعمليات التهريب التي تتم من خلالها هو التصدير عن طريق المنفذ الرسمي وهو "معبر رفح الحدودي" وفتحه بشكل دائم ، على ان يتم هدم الأنفاق تدريجياً كلما تصاعدت الصادرات المصرية.


حركة فتح تطالب بهدم الأنفاق
وتختلف رؤيا حركة فتح حول هذه الانفاق عنها لدى حركة حماس ، فترى فتح ضرورة اغلاق هذه الانفاق ايا كان الثمن ، وهو ما عبر عنه مؤخراً " الطيب عبد الرحيم " أمين عام الرئاسة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، والذى طالب بإغلاق كل الأنفاق ، مؤكداً ان بقائها يساعد على تكريس حالة الانقسام الفلسطيني في غزة ، كما انها أصبحت تشكل تهديداً لأمن مصر القومي ولوحدة الشعب الفلسطيني واستقرارهما ومصالحهما الحيوية ، وهي لا تخدم إلا فئة صغيرة من ذوي المصالح والاعتبارات الخاصة والضيقة من  العابثين والمستهترين بالأمن والمصالح العليا لمصر وفلسطين على جانبي الحدود ، هؤلاء الذين أثروا بسبب تجارة التهريب غير الشرعية على حساب مصلحة الوطن والمواطن ، وأضاف أن " السُلطة الوطنية الفلسطينية " تخصص أكثر من نصف موازنتها لقطاع غزة، وبالتالي فإن الأنفاق لا علاقة لها بإنعاش الاقتصاد في القطاع .