قمة حركة عدم الانحياز فى الميزان
تنطلق يوم الجمعة المقبل فى طهران قمة حركة عدم الانحياز، وعلى غير المعتاد تثير القمة كثيراً من الاهتمام فى مصر ، نظرا لمشاركة الرئيس محمد مرسي بها.
وهى المشاركة التى تثير الجدل بين رفض وقبول ، رغم الدور الذي لعبته مصر في تأسيس الحركة عام 1955 خلال مؤتمر باندونج في إندونيسيا الذي كان أول تجمع منظم لدول الحركة الـ 29 آنذاك، لكن غياب القاهرة عن الفعل والتأثير داخل هذه الحركة التي يشارك فيها هذا العام 120 دولة، خلال العقود الماضية في ظل ارتباط سياستها الخارجية بمحاور أخرى، جعل حضور الرئيس مرسي أول رئيس منتخب لمصر لها عقب سنوات طويلة من التمثيل المصري المحدود، حدثا بارزا. كما أضفى حضور الرئيس للقمة التي تنعقد هذه المرة في إيران، التي علاقاتها الدبلوماسية مقطوعة مع مصر منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، تطورا استثنائيا في العلاقات بين البلدين.
لكن من المهم أن نضع حضور الرئيس المصري لمؤتمر الحركة ـ التي بدأت فعالياتها أمس باجتماع على مستوى الخبراء والتي يحضر قمتها الجمعة 36 رئيس دولة وحكومة ـ في الميزان لتقييم الجدل الحادث حولها. تعد زيارة الرئيس مرسي إلى طهران بروتوكولية وشكلية بالدرجة الأولى، ومحكومة بعدة اعتبارات في مقدمتها أن مصر هي الرئيس الحالي للقمة المنتهية التي استضافتها في شرم الشيخ عام 2009 ، كما أنه تلقى دعوة رسمية لزيارة طهران لهذا الغرض. ومن ثم فإنه من الطبيعي أن يلبي مرسي هذه الدعوة، والتي كان بإمكانه الاعتذار عنها، غير أن الأصل هو الحضور انطلاقاً من رئاسة مصر للحركة، ولكون الزيارة تقتصر على هذا الأمر، ولا صلة لها من قريب أو بعيد بالعلاقات الثنائية المقطوعة منذ عام 1979، والتي تقتصر على بعثتي رعاية مصالح يرأسهما دبلوماسي بدرجة سفير.
أيضا تبعث الزيارة برسالة مهمة، ألا وهي أن غياب الرئيس مرسي عن القمة، يعني الدوران في فلك الدعوات الأمريكية والإسرائيلية لتخفيض مستوى الحضور، وهو أمر لم يكن لمصر أن تقبل به، أو يقدم عليه الرئيس أمام شعبه برغم مآخذه على السياسات الإيرانية وعدم ارتياحه لها هو أو التيار الذي ينتمي إليه. ايضا يرى البعض أن زيارة الرئيس إلى طهران لا يجب تحميلها أكثر مما تحتمل، وأنها تأتي في سياق الحرص على صياغة مواقف استقلالية، والحفاظ على مكانة مصر في حركة عدم الانحياز، وعدم التفريط بها بصرف النظر عن المكان الذي تعقد به قمة الحركة ، من ناحية أخرى، يقلل آخرون من أهمية القمة ذاتها ويرون أن الحركة نفسها أصبحت أقل تأثيرا على المستوى الدولي، وأنها غير قادرة على الفعل رغم زيادة الدولة المنضمة إليها، وأنها لا تعدو أن تكون محفلا دوليا لمناقشة القضايا الدولية دون آليات لإصدار قرارات أو تنفيذها، ومن ثم فإن مشاركة مرسي في القمة ليس أكثر من محاولة من جانبه للاحتكاك الدولي باعتباره رئيسا جديدا يستطلع اتجاهات السياسة الدولية حتى يتمكن بنجاح من تحديد موقف بلاده منها بدقة، خاصة في ظل هذا التجمع الدولي الكبير.
أما بالنسبة لمن يعولون على أن تقوم
أما من يتحدث عن تغيير الحركة لأهدافها، لتقوم بالتركيز في مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والبيئي والثقافي، وأنه يمكن أن تحقق مصر من وراء ذلك فائدة كبيرة، فإنه وإن كان مصيباً في جانب، إلا أنه يغفل أن الحركة لم يعد بمقدروها تحقيق نتائج مبهرة في الحقول المذكورة، لأنها تعاني من غياب البوصلة السليمة بحكم تنافر سياسات أعضائها، وتنوع تحالفاتهم وارتباطاتهم، واختلاف مصالحهم، وتفاوت درجات نموهم الاقتصادي، وتباين رؤاهم حول مسائل التنمية الاقتصادية، ونقل التكنولوجيا، والعولمة، وسياسات السوق، والحد من انتشار الأسلحة، ويكفي دليلا على ذلك أن دولة مؤسسة للحركة مثل قبرص فضلت الانسحاب منها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأن الكيانات المستقلة التي ظهرت على الساحة الدولية جراء تفتت دولة مؤسسة أخرى هي يوغسلافيا لم تبد حماساً للانضمام إلى الحركة.