رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورات الشعوب العربية... هل تُنبئ بصدام حضاري مع الغرب؟

تبدو إدارة أوباما في تعاملها مع قضايا العالمين العربي والإسلامي مضطربة وغير مرتكزة على استراتيجية واضحة، كغيرها من القضايا الدولية الأخرى، وكأن الارتباك والتشويش أصبحا أحد خصائص السياسة الأمريكية،

الداخلية والخارجية، ولهذا علاقة قوية بما آلت إليه أوضاع الولايات المتحدة بعد حروبها الفاشلة على ما يسمى بالإرهاب، وكذلك بعد الأزمة المالية التي لم تخرج منها بعد، فالإمبراطور الأمريكي يبدو فاقدا للسيطرة، غير متزن في استجابته للتطورات الدولية، وتلك إحدى أهم سمات الإمبراطوريات البائدة، قبيل سقوطها.

ولا شك أن ثورات الشعوب العربية ضد نظمها زادت من حالة الإرباك التي ميزت السياسة الخارجية الأمريكية في الآونة الأخيرة، خاصة وأن تلك الثورات جاءت من رحم الأمة، وقودها الشعوب، دون تدخلات خارجية، وهو ما يعني أن سياسة جديدة ستشهدها المنطقة العربية، قد لا تتعارض مع نظيرتها الأمريكية إلا أن المؤكد أنها لن تعود كما كانت قبيل الثورة، تابعة لها على طول الطريق.

تدرك الإدارة الأمريكية خطورة الوضع، وأن نظما جديدة قادمة لا محالة، ومن هنا تستعد إدارة باراك أوباما لأقسى الاحتمالات، وهي أن تمهد الثورات العربية الطريق أمام حكومات إسلامية لتولي الحكم في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.

وعلى الرغم من أن ثورات الشعوب العربية لم يؤججها فصيل سياسي أو ديني معين وإنما جاءت من رحم الشعب نفسه، بيد أن المخاوف تتزايد في واشنطن من إمكانية أن تستغل الحركات والجماعات الإسلامية تلك الثورات في الوصول إلى الحكم من خلال الديمقراطية. فالديمقراطية في السياسة الخارجية الأميركية ليست دائما هي الحل الأمثل خاصة في منطقتنا العربية، وهذا ما يفسر الدعم الأميركي للنظم العربية المستبدة، ويفسر كذلك خشية الإدارة الأميركية من وصول إسلاميين إلى سدة الحكم، فحركتا «حماس» و«حزب الله» وصلتا إلى الحكم من خلال الديمقراطية وكلاهما يرفض وجود إسرائيل ولم يتخليا عن "العنف" ضد الكيان الصهيوني وفق المنظور الأمريكي، وهنا يكمن مأزق إدارة أوباما بشأن التطورات الأخيرة!

نظم جديدة تتبلور

المؤكد أن نظماً قديمة قد انهارت في العالم العربي وأن نظماً جديدة في سبيلها للتبلور، ورغم محاولة الإسلاميين تصدر المشهد السياسي في كل من تونس ومصر، إلا أن احتمالية أن يكونوا البديل لنظامي بن على ومبارك غير مؤكدة وإن كانت قائمة وبقوة، وفي هذا الإطار يقول مدير مركز "كارنيغي ـ الشرق الأوسط" للدراسات بول سالم إن "الأنظمة العربية أقنعت الغربيين بأن التطرف الإسلامي هو البديل إذا رحلت هي، لكن تبين أن هذا غير صحيح. دخل الإسلاميون الثورات بعد انطلاقها لكنها ليست ثوراتهم لا تنظيما ولا شعارات، وهم مدركون لذلك". ويضيف "الإسلاميون سيطروا خلال السنوات الثلاثين الأخيرة على الوعي العام بشعاراتهم الدينية. لكن تبين أن الشعب يريد أمورا أخرى: يريد الحرية والحداثة، يريد التنوع والديمقراطية".

لكن هذا لا يمنع أن هناك فرصة ثمينة للإسلاميين، إن لم يكن بتسيد المشهد السياسي الجديد، فعلى الأقل المشاركة فيه بفعالية، والاحتمال الثاني لا جدال فيه، وهو أقرب للتطبيق، ففي مصر على سبيل المثال، ورغم أن الصورة الكلية للتغيرات السياسية التي شهدتها وتشهدها البلاد لم تتبلور بعد، إلا أن المنظور الإسلامي كان له دور رائد في صياغة التعديلات الدستورية بعد سقوط مبارك. كما قامت جماعة الإخوان المسلمين، أكبر جماعة منظمة على الساحة حالياً، بتأسيس حزب سياسي، إلا أنها أعلنت عدم نيتها الترشيح لانتخابات الرئاسة أو الحصول على الأغلبية البرلمانية، رغم إمكانية حدوث ذلك، كما أن عددا كبيرا من الأحزاب الإسلامية الأخرى تنظر في كيفية اتخاذ قرار للعب دور كبير في الاحتجاجات أو في الإصلاحات في مرحلة ما بعد الثورة.

إذن سواء وصل الإسلاميون إلى سدة الحكم في مصر، أم لم يصلوا، فإن المؤكد أن حضوراً قوياً على الساحة السياسية المصرية في انتظارهم، وهذا لا يقلل من مخاوف الإدارة الأميركية، التي تضع مسألة الصراع العربي الإسرائيلي على رأس التحديات الكبرى التي ستواجهها وحليفتها إسرائيل، فنظرة الإسلاميين معروفة في هذا الشأن، أضف إلى ذلك أن الخطاب الديني الرسمي بدأ يختلف في مصر عما كان عليه في عهد مبارك، وهو خطاب له تأثيره على العامة من المصريين، وله أراؤه التي تتفق مع الحركات الإسلامية، حول العلاقة مع إسرائيل، ففي الآونة الأخيرة تزايدت المطالبات داخل مصر بإنهاء تبعية الأزهر الشريف، أكبر مؤسسة دينية سنية في العالم، وكل المؤسسات الدينية الأخرى، لنظام الحكم؛ واستقلالها كلية، لضمان استقلاليتها وعدم خضوعها للحاكم، وهو ما يعني أن الاعتبارات الدينية عند النظر إلى إسرائيل ستغلب بكل تأكيد الاعتبارات السياسية التي كان نظام مبارك يشدد عليها في لقاءاته مع رجال الدين الرسميين.

من جهتها تدرك إسرائيل خطورة الوضع على مستقبلها، لذلك فهي تتعامل مع الواقع الجديد بالشكل الذي يضمن عدم التأثير السلبي على أمنها الذي اهتزت أركانه خلال الآونة الأخيرة، فقد قام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بإعداد خطة هدفها منع الحركات الإسلامية من الوصول للسلطة في العالم العربي.

مارشال إسرائيلي

ويعمل نتنياهو حاليا على إقامة صندوق دولي لتشجيع التوجهات الديمقراطية، وتحقيق نمو اقتصادي، على اعتبار أن هذه الوسيلة الأمثل للحيلولة دون سيطرة الحركات الإسلامية على الحكم في العالم العربي. وتشبه خطة نتنياهو إلى حد كبير خطة (مارشال) التي أعدتها الولايات المتحدة لتطوير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد كلّف رئيس الوزراء الإسرائيلي الجنرال عيرن ليرمان، نائب مدير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ببحث الخطة مع قادة الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب وقادة الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الكونغرس.

لكن داخل أروقة صناع السياسة في الداخل الأميركي، خاصة في الكونجرس، تبدو الأمور مختلفة تماماً، فعلى العكس من محاولات أوباما التكيف مع الوضع الجديد للإسلاميين في العالم العربي، يعمل المحافظون الجدد واليمين المتشدد، على إفشال خطط الرئيس

الأميركي في التواصل، بل وتشويه صورة المسلمين والعرب، في العالم، بل وأميركا نفسها. ففي خطوة خطيرة للغاية بدأ مجلس النواب الأميركي جلسات استماع لدراسة ما وصفه النائب الجمهوري بيتر كينج "الأصولية المنتشرة بين المسلمين الأميركيين". وقد أثارت دعوة اليميني كينج تلك حفيظة قيادات مسلمة ومنظمات حقوق مدنية شبهتها بحملات طالت الشيوعيين خمسينات القرن الماضي في إطار ما عرف بـ"المكارثية". وقال النائب الديمقراطي من منيسوتا كيث أليسون، وهو أول نائب مسلم يُنْتَخَب في الكونجرس الأمريكي: "أخشى أن تؤدِّي جلسات الاستماع بهذا الشأن إلى استهداف الأمريكيين المسلمين بشكل ظالِمٍ". وأضاف في تصريح لمحطة "سي .إن.إن" الإخبارية: "أنّ خطوة مماثلة قد تثبت وجهة نظر المتطرفين بأن أمريكا تحارب الإسلام".

ويهدف كينج ورفاقه من اليمنيين والجمهوريين واللوبي اليهودي أن تغذي جلسات الاستماع تلك وجهة نظر مفادها أن الولايات المتحدة مناهضة للمسلمين، ليس فقط في أميركا ولكن في خارجها، وهو ما يعني إفشال خطط أوباما تجاه العالم الإسلامي. ويرى مراقبون أن خطة النائب الجمهوري جاءت لاسترضاء “إسرائيل”، واستعداداً لانتخابات العام المقبل، والتي يعوّل عليها الجمهوريون في الحصول على دعم اليمين الأمريكي مجدداً، كما فعلوا في انتخابات نوفمبر الماضي. وبحسب صحيفة الخليج الإماراتية فإن اللوبي الإسرائيلي، وتحديداً التيار المتطرف الذي تعبر عنه "أيباك"، أصابته خيبة أمل شديدة جراء موجة الترحيب وتحسن صورة العرب والمسلمين إثر الثورة المصرية، وان هذا التأثر الذي وصل إلى استنساخ لافتات احتجاج ثوار القاهرة من قبل محتجين أمريكيين في ولايات عدة، مما شكل تهديداً مباشراً لحملات الدعاية الإسرائيلية ضد العرب والفلسطينيين عموماً على مدى العقدين الماضيين لذا كان من الضروري الإسراع في إعادة الصورة القديمة والسيئة عن هؤلاء إلى المخيلة الأمريكية، وباستخدام الفزاعة التقليدية أي الإرهاب والقاعدة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر.

مشكلة التشدد اليميني

ولا تكمن أزمة الولايات المتحدة مع الإسلاميين، والعالم الإسلامي بصفة عامة، فيما يمكن وصفه بالتعارض العقائدي، ولا الخوف من انتشار ما يسمي بالخطر الأخضر، ولكن المشكلة تكمن في أن هناك جهات معينة لها ثقلها السياسي والاقتصادي في الداخل الأميركي، وهم اليمينيون المتشددون، بالإضافة إلى اللوبي اليهودي، تُغلب المصالح الإسرائيلية على المصالح الأميركية في تعاملها مع العالمين العربي والإسلامي، وهي بالتالي تحاول بكل الوسائل والإمكانيات للترويج لسياسات تعادي الإسلام، للتأثير على معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وللأسف، وفي ظل إدارة أوباما المنهكة داخلياً وخارجياً يبدو التقارب بين أميركا والعالم الإسلامي بعيد المنال، خاصة بعد الفيتو الأميركي الأخير ضد مشروع قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي في مجلس الأمن الدولي.

ومن شأن الثورات العربية أن يكون لها تأثيرات سلبية على العلاقة بين أميركا والعالمين العربي والإسلامي، فمهما كانت توجهات النظم العربية "الديمقراطية" القادمة سيكون للشعوب العربية كلمتها المسموعة أمام حكامها ونظمها، خاصة تلك المتعلقة بالقضايا الجوهرية، كقضية الصراع العربي الإسرائيلي، والتي لن تكون بأي حال من الأحول في صالح رغبات اليمين واللوبي اليهودي في أميركا، فإلي أين ستتجه العلاقة بين العالمين الأميركي والإسلامي: هل إلى تصادم حضاري حقيقي في ظل احتلال اليمينين المتشددين للمشهد السياسي في أميركا، أم أن الدور جاء على الشعب الأميركي ليدرك الأمور جيداً، ويقرر كما قرر نظيره العربي وتكون له آراؤه في سياسات بلاده الخارجية، كما هي في الداخل، ولا يترك الأمور تحركها للنخب اليمينية المتطرفة؟

سيعتمد هذا بشكل كبير على ما سيقرره الشعب الأميركي في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2012، والتي تبدو مؤشراتها المبدئية التي أفرزتها انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأخيرة أن اليمين المتطرف قادم لا محالة بينما يتراجع الديمقراطيون والمعتدلون، وهنا فقط سيبدأ الصدام الحقيقي بين أميركا والعالم الإسلامي، فعلاقة الطرفين لا تعتمد على سياسات المنطقة العربية بقدر اعتمادها وبقدر كبير على ما يحدث في الداخل الأميركي نفسه.

* باحث متخصص في الشؤون السياسية