رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

معاناة البحث عن سرير رعاية مركزة

بوابة الوفد الإلكترونية

«يبقى الحال على ما هو عليه» عبارة تلخص حال المنظومة الصحية فى مصر فى  رمضان، تماماً مثلما كانت قبله، بالرغم من طرح العديد من الخطط للنهوض بالقطاع الصحى على مستوى محافظات الجمهورية، فإنها لم تنفذ حتى الآن، ما انعكس سلباً على صحة ملايين المواطنين الطامحين فى الحصول على خدمة صحية أفضل.

ولاتزال معاناة المرضى والأهالى للبحث عن سرير رعاية مركز داخل المستشفيات باقية حتى الآن، نظراً لارتفاع نسبة الاشغالات وإقبال الحالات الحرجة المتزايدة على الأسرة، ما جعل العثور على سرير حلماً يستحيل تحقيقه.

«مفيش مكان شاغل» عبارة صادمة تقع على مسامع الفقراء فى كل مستشفى يذهبون إليه بحثاً عن سرير رعاية، حيث وصل العجز فى أسرة الرعاية  إلى حوالى 14 ألف سرير، وفقاً لشريف وديع مستشار وزير الصحة للرعاية الحرجة والطوارئ.

معدل الأسرة داخل المستشفيات فى مصر أقل من المعدل العالمى، والمقدر بحوالى سرير لكل  7 آلاف مواطن، فى حين يقدر بمصر بحوالى سرير لكل 17 ألف مواطن.

 

مستشفى بولاق العام

منذ أن تطأ قدماك بابه، ستلاحظ نظرات غاضبة ووجوهاً حزينة تقف على أبوابه أملاً فى العلاج.. يختلط مع هذا الأمل وجه عابث كأنه يقول لا فائدة من الدخول، من الأفضل الموت فى المنزل على الدخول، فانتظار الموت فى المنازل أكثر كرامة.

المبنى من الداخل، تحيط به مظاهر الإهمال التى لا تعد ولا تحصي، فبعض الأقسام مغلق بالجنازير والعيادات الخارجية معظمها لا يعمل، ولا يوجد أطباء به، علاوةً على الكلاب الضالة التى تتجول داخله، وأكوام القمامة التى تترأس على أبوابه وملقاة بالداخل.

ويعد مستشفى بولاق العام نموذجاً صارخا للعشوائية والإهمال فى المنظمومة الصحية بإكملها، فرغم أنه يخدم أكثر من مليونين بمحافظة الجيزة، إلا أنه يخلو من المستلزمات الطبية والإمكانيات التى يحتاج إليها المريض.

بعين تملؤها الدموع والحزن، حكى «أمين ابوالنجا» 30 عاماً من محافظة الجيزة، عن معاناته فى البحث عن سرير رعاية مركزة فى مستشفى بولاق العام، حيث قال: كل المرضى الذين يدخلون للمستشفى فى حالة خطيرة يخرجون منها بعد ما يقال لهم اتجهوا إلى القصر العيني، مشيراً إلى أنه منذ يومين جاءت امرأة مسنة فى حالة حرجة ورفض المستشفى استقبالها بحجة عدم توفر سرير رعاية مركزة، وكانت النتيجة أنها توفيت أمام المستشفى بغيبوبة، واعتدى أهلها على المستشفى.

وتابع: الأطباء يجبرون المرضى على شراء كافة المستلزمات الطبية من الصيدليات التى تقع بالقرب منها بأسعار مضاعفة عن سعرها الحقيقي، مشيراً إلى أن أهل المريض يضطرون إلى شراء هذه المستلزمات على نفقتهم الخاص حتى لا تتضاعف حالته وتسوء. 

وأشار إلى أن والداته كانت مريضة بالبنكرياس، فخاض رحلة مريرة للبحث عن سرير شاغر بالعناية المركزة بالمستشفيات الحكومية، مشيراً إلى أنه فى بادئ الأمر، جاء إلى مستشفى بولاق العام فأخبره الطبيب بضرورة نقلها إلى عناية مركزة بشكل سريع، وعندما سأله «نروح فين» فكانت إجابته: اتصلوا بـ برقم 137 طوارئ وزارة الصحة وغادر الحجرة وتركه بمفرده مشتت لا يعرف كيف ينفذ والداته.

وتابع: «اتصلت بالفعل على الرقم المخصص  بطواريء وزارة الصحة لتوفير مطلبنا ولكن كانت الإجابة صادمة «عفوًا لا يوجد أسرة وقوائم الانتظار كاملة العدد». 

وأشار إلى أن والداته كادت أن تضيع من بين يده وتنتقل إلى دار الآخرة، خاصةً أنه لم يترك أى مستشفى حكومى فى القاهرة والجيزة إلا وطرق أبوابها، ولكن دون جدوي، حتى باتت المستشفيات الخاصة هى طوق النجاة الوحيد أمامى لإنقاذ حياة والداتي، لكن كانت الأسعار العائق الوحيد أمامي، خاصةً أن سعر السرير لليلة الواحدة يتجاوز 8 آلاف جنيه.

ولفت إلى أنه لم يستطع التصرف وتوقف عقله عن التفكير لبضع دقائق، ثم تذكر صديق له علاقة طيبة بالمسئولين فى أحد المستشفيات الجامعية، وهنا ظهر أمل جديد بعد أنه تم التواصل معى بعد وساطة صديقي، وتم فتح غرفة مغلقة بالمستشفى وخلال 5 دقائق تم تعقيمها وتجهيزها لاستقبال والدتي.

ونوه خلال حديثه، إلى أنه عرف من إحدى الممرضات بالمستشفى أن غرف الرعاية المركزة عادةً تكون محجوزة بأسماء الأطباء، ويتم دخول المرضى إليها إما بالواسطة أو بدفع الأموال، مشيراً إلى أن المريض الذى لا يملك أياً منهما يصبح امامه طريق آخر وهو الموت.

 

قصر العيني

لا تختلف معاناة المرضى فى مستشفى بولاق العام عن قصر العيني، فذهبت محررة الوفد إلى المكان المخصص للرعاية فى قصر العينى للاستفسار عن غرفة شاغرة بحجة أن أحداً من أقاربى فى حالة حرجة، فكان رد الممرضة مفاجئًا، فقد همست فى أذنى: لو تعرفى طبيب أو استشارى هنا وعلاقته بيه طيبة، اتصل عليه علشان نفتح ليكى غرفة».

وقع ردها كالصاعقة على مسامعي، وبعد لحظات، استفسرت منها عن سبب سؤالها وبعد إلحاح مني، قالت: يوجد غرف شاغرة فى العناية المركزة، ولكن معظمها يتم حجزه بواسطة الأطباء، عن طريق حيلة شيطانية تم خلالها حجز المريض المتوفى عدة أيام يستمر حجز الغرفة لحين مجيء مريض آخر يكون من طرف أحد الأطباء، لكى لا يتم شغلها من قبل العامة. 

هذه القصة وبكل سهولة، تكشف التلاعب بكشوف حجز غرف الرعايا الصحية فى المستشفيات بشكل عام وقصر العينى تحديداً، دون مراعاة  لحياة المريض التى قد توشك على الانتهاء لعدم استطاعته الحصول على غرفة عناية.

واستكمالاً لسرد هذه المعاناة، يقول «سمير أبوالفتوح» موظف بإحدى الهيئات الحكومية: عانيت كثيراً لكى أجد سريراً شاغلاً لأخته فى المستشفي، مشيراً إلى  أن المستشفيات الحكومية اصبحت تسير على نهج القطاع الخاص، وتعتبر حياة المريض «بيزنس» وما يشغلها هو أن تجنى منه أكبر قدر من المكاسب المادية.

وتابع: لا مكان للفقراء فى المستشفيات الحكومية، لافتاً إلى أنه بعد ما تعرضت اخته لجلطة فى المخ بدأ رحلة البعث عن سرير، وبعد مداومة على القصر العيني، عرضت عليه إحدى الممرضات أن يعطى الحلاوة للموظفين حتى يتحدثوا مع الطبيب المختص لكى يتم فتح إحدى الغرف الشاغرة لأخته.

وأشار إلى أنه اضطر فى النهاية أن يرضخ لطلبهم، خاصةً أن أسعار غرف الرعاية المركز فى

المستشفيات الخاصة مرتفعة للغاية، ولا يستطيع دفع نفقاتها، بجانب انه عند دخول المستشفى يجب كتابة الأوراق الخاصة بالمريض وإيداع مبلغ مالى كنوع من التامين يتراوح ما بين خمسة وعشرة آلاف جنيه تحت الحساب كجزء من تكلفة العلاج.

وتساءل فى نهاية حديثه: إلى متى ستظل هذه الأزمة عالقة بدون حل، خاصةً أنها تؤثر سلباً على آلاف الفقراء الذين يصارعون الموت كل يوم بسبب البحث عن سرير شاغر فى عناية مركزة؟

 

 

سبب الأزمة

فى إطار حديثه عام 2016، عن خطة شاملة للوزارة للنهوض بخدمات الرعاية المركزة بالمستشفيات ورفع كفاءتها والتى كانت أهم محاور خطة الوزارة لتطوير الخدمات الصحية لعام 2016-2018، كشف الدكتور أحمد عماد، وزير الصحة والسكان عن بعض المعوقات بالمنظومة الصحية للرعاية المركزة.

من أهم المعوقات حسبما أوردها، كانت سوء التواصل بين منظومة الإسعاف، وأقسام الطوارئ بالمستشفيات، وغرف الطوارئ بالمديريات والرعاية ‪ المركزة بالمستشفيات، والرعاية الحرجة والعاجلة بالوزارة والخط الساخن 137 لتوفير أسرة الرعاية والحضانات، بالإضافة إلى مشاكل ممثلة فى إعطاء البيانات الصحيحة عن أسرة الرعاية المركزة المتاحة والاعتماد على العنصر البشرى فى هذه البيانات.

إضافة إلى عدم وجود رقابة للعنصر البشري، لذا كانت هناك ضرورة ملحة لتطوير وميكنة المنظومة الحالية للرعاية، وتفعيل نظام الاستدعاء الآلى بما ينعكس بالإيجاب على المنظومة الصحية والمواطن المصري.

وفى هذا الشان، قال د. علاء غنام مسئول وحدة الصحة فى المبادرة المصرية لحقوق الإنسان: إن أقسام الرعاية المركزة فى المستشفيات من الأقسام المهمة فى رعاية المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة، فضلاً عن أنها تحتاج إلى أطباء متخصصين فى هذا المجال بدايةً من رئيس القسم حتى هيئة التمريض وكافة العاملين بها.

وأشار إلى أن اشتراط التخصص فى هذا المجال تحديداً نظراً لخطورته وأهمية المتابعة الجيدة للمريض خاصة أنه أى خطأ بسيط قد يتسبب فى وفاته، فضلاً أنه الأجهزة التى تتوفر فى الرعايات المركزة بحاجة إلى طاقم طبى مدرب يستطيع التعامل معها.

وتابع: العامل الرئيسى فى مشاكل العناية المركزة هو فريق التمريض لأن جميع الممرضات يفضلن العمل فى المستشفيات الخاصة، وذلك بسبب ضعف مرتبات الحكومة والتى تقدر من 1200 لـ 1400 جنيه لحديثى التخرج، ويصل تكلفة الكادر الحكومى فى مستشفى حكومى حوالى أربعة جنيهات لساعة العمل وذلك على عكس  الخاص أو الاستثمارى الذى يصل الى عشرين جنيهاً أو قابلة للزيادة مع الإكراميات التى تصل لأضعاف مرتباتهم.

وأشار إلى أن معدل النقص فى التمريض يصل لحوالى ٥٥% من الممرضين، وهناك نقص ٣٥% من الأطباء داخل القطاع الصحي، حيث لا تتجاوز أعدادهم  75 ألف طبيب (حسب تصريحات أعضاء مجلس النقابة) بما يعنى أن هناك طبيباً لكل 1200 مواطن، علاوةً أن معظم  الأطباء يفضلون العمل، لأن المنحة الدراسية او السفر الى الدول العربية أو الأجنبية أفضل بكثير من العمل فى ظل كادر حكومى ضعيف ورواتب هزيلة .

 

الميزانية والأزمة

لا تزال ميزانية الصحة محل جدل، ففى حين يطالب البعض الوزارة بالتدخل لحل الأزمات المستعصية فى القطاع الصحي، إلا أنها تقف عاجزة فى بعض الأحيان، وترجع المشكلة إلى ضعف الموازنة، حيث وصلت إلى أقل من النسب الدستورية المحددة، والتى كان يجب أن تكون عليها؛ حيث حدد الدستور المصرى فى المادة ١٨ ضرورة أن تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن ٣% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيًا لتتفق مع المعدلات العالمية، وهو ما لم يحدث خلال الموازنة، وهو ما يراه الكثير من الخبراء سبباً فى تدنى أوضاع الصحة فى مصر.

وبالنظر إلى موزانة الصحة التى وضعتها الحكومة مؤخراً وتم إقرارها فى العام المالى 2018- 2019، ارتفعت لـ ٧٦ مليار جنيه، بزيادة ١٠ مليارات جنيه على العام الماضى، وقسمت الميزانية بواقع ٣١.٦ مليار جنيه للأجور وتعويضات العاملين، و١٢.٤ مليار جنيه لشراء السلع والخدمات، و١٢٠ مليون جنيه كفوائد، و٥.٢٢ مليارات جنيه للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و١.٢٤ مليار جنيه مصروفات أخرى، و١١.١٥ مليار جنيه للاستثمارات.