رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تضارب الاختصاصات يهدد المباني الأثرية

بوابة الوفد الإلكترونية

نفذت أجهزة محافظة القاهرة مؤخراً، قرار هدم العقار رقم 84 بشارع المعز لدين الله الفاطمى، التابع لقسم الجمالية بمحافظة القاهرة والمعروف تاريخياً بـ«وكالة العنبريين»، حيث تعد هذه الوكالة من الآثار الإسلامية التاريخية التى يتجاوز عمرها مئات السنين، وكان من المفترض الحفاظ عليها بدلاً من هدمها.

تاريخ هذه الوكالة وفقاً للباحث هانى محمود، مفتش الآثار بالإدارة العامة للقاهرة التاريخية، يشير إلى أن سوق العنبريين كان فى الدولة الفاطمية مكانه سجناً لأرباب الجرائم يعرف بحبس المعونة.

ووفقاً للمقريزى، فقد كان هذا السجن شنيع المنظر ضيقاً لا يزال من يجتازه يجد منه رائحة منكرة، فلما كان فى الدولة العثمانية وأصبح قلاوون- الذى أصبح فيما بعد ملك مصر والشام- من جملة الأمراء الظاهرية، وصار يمر من داره إلى قلعة الجبل على حبس المعونة، فيشم منه رائحة رديئة ويسمع صراخ المسجونين وشكواهم الجوع والعرى والقمل.

فتعهد على نفسه إن جعل الله تعالى له من الأمر شيئاً أن يستبدل مكان هذا الحبس بنشاط آخر، فلما صار إليه ملك ديار مصر والشام، هدم حبس المعونة وبناه سوقاً أسكنه بياعى العنبر، وكان للعنبر إذ ذاك بديار مصر وجود وللناس فيه رغبة زائدة، بحيث لا يكاد يوجد بأرض مصر امرأة إلا ولها قلادة من عنبر، وكان يتخذ منها المخاد والكلل والسطور وغيرها، وتجار العنبر يعدون من بياض الناس ولهم أموال جزيلة وفيهم رؤساء وأجلاء.

وجعل هذه السوق وما فوقه من المساكن وقفا على الجامع الذى أنشأه، إلا أن العنبر من بعد سنة 770 هجرية كثر فيه الغش، حتى صار اسماً لا معنى له وقلت رغبة الناس فى استعماله، فتلاشى أمر هذا السوق، ثم لما حدثت المحن بعد سنة 806 هجرية قل ترفه أهل مصر عن استعمال الكثير من العنبر فطرق هذا السوق ما طرق غيره من أسواق البلاد وبقيت فيه بقية يسيرة إلى أن خلع الخليفة المستعين بالله العباسى بن محمد فى سنة 815 هجرية، وصار بعدها معطلاً نحو سنتين ثم عاد أهل العنبر إلى السوق على عادتهم فى سنة 818 هجرية.

ويذكر كتاب الخطط التوفيقية لمؤلفه على باشا مبارك قصة الوكالة أيضاً والتى تحول اسمها إلى يعقوب بك، فقال، «وهذا الشارع من أعظم شوارع القاهرة وأبهجها، فمن وكائله وكالة يعقوب بك وهى وكالة كبيرة لها بابان أحدهما وهو الكبير بشارع الغورية والثانى بشارع التربيعة، وبداخلها عدة حوانيت وحواصل معدة لبيع الأقمشة والحرير وبأعلاها مساكن، ونظارتها تحت يد خورشيد أفندى».

خبراء أثريون، أكدوا أن الخلاف الدائم بين وزارتى الآثار والأوقاف حول المبانى الأثرية، هو السبب الرئيسى فى مختلف الحوادث المشابهة لهدم وكالة العنبريين، مطالبين بضرورة إنهاء هذا الخلاف فى أسرع وقت بعمل بروتوكول تعاون بين الوزارتين فى هذا الشأن وتفعيل قانون التنسيق الحضارى الذى يقضى بأن أى مبنى مر عليه 100 عام يعتبر مبنى تراثياً، وذلك لعدم تكرار هذه الأزمة.

ورغم تصريحات المستشار محمد سمير، المتحدث الرسمى لهيئة النيابة الإدارية، التى قال فيها إن النيابة فتحت تحقيقاً حول محاولة هدم الوكالة وشكلت لجنة من كلية الآثار وأثريين كبار انتهت إلى أن المواصفات الخاصة بالمبانى الأثرية متوافرة بوكالة العنبريين، ورغم توصية وزارة الآثار باتخاذ إجراءات تسجيل المكان كأثر، إلا أنه تم هدم العقار.

وقال سامح الزهار، الباحث فى الآثار والتاريخ الإسلامى، إن منطقة القاهرة التاريخية بكل محتوياتها مسجلة كمنطقة تراث عالمى وأهم شوارعها هو شارع المعز لدين الله الفاطمى، ولذلك فإن عدم تسجيل وكالة العنبريين كأثر مشكلة وزارة الآثار، لافتاً إلى أن تبرير اللجنة الدائمة للآثار بأن حالة المبنى الإنشائية غير جيدة وتعرض للحريق مرتين لا يعنى هدمه.

وأوضح الباحث فى التاريخ الإسلامى أن الحفر الكبير فى مكان الوكالة سيعمل على هز ورج الشارع والتأثير بشكل سيئ على المبانى الأثرية، متسائلا «هل يضمن أى شخص ألا تتأثر المبانى الأثرية الموجودة بالشارع التاريخى نتيجة بناء مبنى جديد بدلاً من وكالة العنبريين؟».

وطالب الزهار الحكومة، بالتدخل لحماية شارع المعز ومبانيه التاريخى التى باتت مهددة بأن تنال المصير ذاته، التى تعرضت له وكالة العنبريين و«كل البيوت الموجودة فى الشارع لا بد أن يتم تشكيل لجنة لها من علماء الآثار وحصر المهدد منها لدرء الخطورة عنها».

مستشار وزير الآثار الأسبق:

أراضى القاهرة التاريخية لا تتحمل عمليات البناء الجديد

 

فى هذا السياق، قال الدكتور مختار كسبانى، مستشار وزير الآثار الأسبق وأستاذ الآثار الإسلامية، إن وكالة العنبريين تتبع وزارة الأوقاف، «كل مبنى يملكه فرد أو وزارة الأوقاف متقدرش وزارة الآثار تعمل فيه».

وتابع مستشار وزير الآثار الأسبق: «وزارة الأوقاف عندها استعداد تبيع أى حاجة وطظ فى المبانى الأثرية وأهميتها»، مشيراً إلى أن أغلب الآثار التى سرقت من المساجد على سبيل المثال تمت سرقتها بمعرفة موظفى الأوقاف.

وأوضح كسبانى، أن أكبر دليل على عدم أهمية الآثار لوزارة الأوقاف هو إقدام الأوقاف على الإعلان فى إحدى السنوات عن إجراءات بيع بوكالة أبوالدهب فى نفس توقيت ترميم وزارة الآثار لها، مشيراً إلى أن حل مشكلة المبانى الأثرية يتمثل فى تفعيل قانون جهاز التنسيق الحضارى الذى يقضى بمسئوليته عن المبانى التى مرت عليها 100 عام، وبذلك ينتهى الجدل والخلاف بين الآثار والأوقاف.

وحول الآثار الناجمة عن هدم الوكالة وإعادة البناء مكانها على المبانى الأثرية المحيطة بها فى شارع المعز، أشار أستاذ الآثار الإسلامية، إلى أن تربة وأراضى شارع المعز لن تتحمل الحفر بالآلات والمعدات الخاصة بالبناء مهما استخدمنا فيها أدوات ومعدات حديثة، لأنها أرض قديمة عجوزة.

وأشار كسبانى، إلى أن كل الوكالات الأثرية الموجودة فى القاهرة التاريخية والمملوكة لوزارة الأوقاف أو الأفراد مهددة أيضًا بالهدم والضياع مثل

وكالة العنبريين، محذرًا من حوادث جديدة من هذا النوع فى الفترات المقبلة ما لم يتم اعداد تقارير حديثة وافية عن هذه المنطقة قبل أى بناء عليها.

مشرف مشروع القاهرة التاريخية:

«العنبريين» لم تكن مسجلة آثار.. ولم تكن تصلح للتسجيل

 

من جانبه، رد محمد عبدالعزيز، المشرف العام على مشروع القاهرة التاريخية بوزارة الآثار، على الاتهامات الموجهة لوزارة الآثار حول تواطئها فى تسجيل وكالة العنبريين كأثر.

وأوضح عبدالعزيز، فى تصريحات له، أن تسجيل الآثار الإسلامية فى مصر بالكامل أجرتها لجنة حفظ الآثار العربية القديمة، التى أنشأها الخديوى توفيق عام 1881 وانتهى عملها عام 1961، مشيرا إلى أن الوكالة كانت موجودة وقتها وحالتها الإنشائية أفضل من الآن لكنها لم تسجلها رغم تسجيل الآثار الإسلامية الأخرى وقتها ولا نعرف ما السبب حتى الآن.

ولفت المشرف العام على مشروع القاهرة التاريخية بوزارة الآثار، أن عدم تسجيل الوكالة الآن من قبل وزارة الآثار يرجع إلى أنها أصبحت أنقاضا لا تصلح للتسجيل، قائلاً: «نحن نسجل المبنى والتاريخ فى الكتب، أين المبنى الذى نسجله».

وتابع «إذا سجلت وزارة الآثار المبنى كأثر إسلامى بعد تسلمه تبدأ بعمليات الترميم أولا والتى تستغرق 4 سنوات بخروج جميع مستأجرى المحلات لحين انتهاء أعمال الترميم فهل يرضى المستأجرون بالخروج بالطبع لا، وإذا خرجوا لبدء أعمال الترميم وأرادوا الرجوع لن تسمح لهم وزارة الآثار، لأن المكان أصبح أثرا ويحظر قانون الآثار أى أنشطة مضرة بالأثر أو أى مواد قابلة للاشتعال، علماً بأن مواد العطور كلها قابلة للاشتعال».

وعن وجود آثار تحت المبنى، رفض التأكيد نظرا لعدم عمل مجسات لكشف الآثار تحته، لكن فى الوقت نفسه توجد آثار تحت أى مكان فى القاهرة عبارة عن بقايا أساسات قديمة وأنفاق ومجارير قديمة، موضحا أن مطالب البعض بعمل حفائر تحت المبنى «تهريج».

خبير أثرى:

مطلوب بروتوكول تعاون بين وزارات الحكومة لحماية الآثار

 

وقال بسام الشماع، الباحث فى علم المصريات والخبير الأثرى، إن السبب الذى أدى إلى هدم وكالة العنبريين هو الخلاف بين وزارتى الآثار والأوقاف حول ملكية كل منهما للمبنى الأثرى ومدى تدخل كل جهة فى أعماله.

وأضاف الشماع، أن هذا الخلاف لابد أن ينتهى من أجل الحفاظ على الآثار والتاريخ المصرى، وأبرز الأمثلة على هذا الخلاف حادثة سقوط أعمدة مسجد صرغتمش العام الماضى، والذى أعلنت فيه وزارة الآثار أن قبة المسجد تتبعها بينما السقف يتبع وزارة الأوقاف، وكذلك حادثة سرقة مشكاوات مسجد الرفاعى التى حاولت كل وزارة إخلاء مسئوليتها عن الحادث بشتى الطرق.

واقترح الخبير الأثرى، لإنهاء هذا الخلاف وضع بروتوكول تعاون بين الوزارتين لبحث مشاكل كل مبنى أثرى وكيفية التعامل معه دون إلحاق الضرر به.

وحول تبرير وزارة الآثار هدم المبنى بعدم إمكانية ترميمه لأنه قديم، أشار الشماع إلى أنه حتى لو كل أنواع العلم فى القرن الواحد والعشرين فشلت فى إنقاذ وترميم الوكالة، فإنه كان من الممكن إعادة بناءها بنفس الشكل طبق الأصل، وتحويلها إلى متحف مستنسخ، وفقا لرسومات وصور وشروحات المؤرخين الموجودة لدى وزارة الآثار، مؤكدا أن هذا العمل كان سيفيد مصر سياحياً وتسويقياً، طالب الشماع ألا يصدر تصريح وترخيص البناء فى المنطقة الأثرية إلا بعد موافقة وزارة الآثار ووجود مندوبين عنها أثناء مدة الحفر والبناء، وعدم استخدام الأجهزة والمعدات التى تؤثر على إتزان البنية تحت الأرضية للتربة، لأن تفريغ تحت الأرض من أجل عمل الأساسات سيؤثر بالسلب على المبانى الأثرية المحيطة به.

وأكد الخبير الأثرى أنه يجب على وزارة الآثار من الآن الإعلان عن موقف مسجد برسباى الأثرى المجاور لهذه الوكالة فى حالة إعادة البناء والحفر، وتوضيح الآثار الناتجة عن الحفر على هذا الأثر المعمارى الفريد، وإعلان ذلك للجميع فى مؤتمر صحفى حتى تعلم كل جهة مسئوليتها عما سيحدث.