عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الروائى أحمد مراد فى حوار مع «الوفد»: ثورة 1919 هى الميلاد الحقيقى للقومية المصرية.. وسعد زغلول زعيم لا يتكرر

بوابة الوفد الإلكترونية

يختطفك أحمد مراد إلى أرض الدهشة. ينقلك عبر إبداعاته من فكرة مُتخيلة إلى وجع قائم فى المجتمع.. يجذبك بحضه على التخيل، ويُمتعك بتحريضه على التفكر.. يتجاوز الأديب والسيناريست أحمد مراد فكرة الكتابة الممتعة إلى درجة التأثير فى جيل كامل من الشباب وحدثاء السن، فهو يروى عطشهم الدائم للمعرفة، ويجول بهم يميناً ويساراً صانعاً المُتعة فى الأدب والسينما.

وفى تصورى فإن مراد نجح فى تثوير الأدب وجذب شرائح غير مبالية للقراءة خلال العقد الأخير.

وأتذكر قبل بضعة أشهر عندما قال لى الكاتب والإعلامى إبراهيم عيسى إن الروائيين والكتاب مدينون لمراد لأنه جذب جمهوراً بعيداً عن القراءة من خلال توظيفه الأمثل للسوشيال ميديا.

فالرجل يؤمن بضرورة نشر الإبداع والترويج له عبر كافة الوسائط، وهو يرى أن الأدب لا يمكن أن يتدثر أو يتخفى فى زمن العولمة والسماوات المفتوحة.

إن الأديب ليس بعيداً عن الناس، والكاتب ما أمسك بالقلم، فإنه متورط ومنغمس لا محالة فى الحياة الحديثة بكل تفاصيلها.

ومراد له ست روايات وثلاثة أفلام سينمائية، وهو خريج معهد السينما سنة 2000، وحازت أفلامه القصيرة عدة جوائز إقليمية قبل أن يفوز بجائزة البحر المتوسط فى الثقافة، ثم تصل روايته «الفيل الأزرق» إلى القائمة القصيرة فى البوكر سنة 2013.

والمثير أن أحمد مراد قدم للأجيال الجديدة رواية تحمل عنوان «1919» تدور فى إطار العمليات السرية للثورة العظيمة التى نحتفل الآن بمرور مائة عام على حدوثها، وهى رواية بديعة رسمت تفاصيل دقيقة فى جهاد المصريين ضد الاحتلال البريطانى، وكشفت عظمة وقدرة الزعيم سعد زغلول على قيادة الأمة، وقدمت حكايات بديعة لأبطال حقيقيين ضحوا بأنفسهم من أجل مصر وثورتها فكانوا نماذج مثالية للفداء والبطولة.

وفى هذا الحوار الهادئ نغوص مع أحمد مراد فى تفاصيل ثورة 1919 وروايته المثيرة للشغف والتى أعادت أجيالاً من الشباب للقراءة عن الثورة ورجالها وأبطالها الخالدين.

نُفكك تصورات، ونحلل شخصيات ونحاول استنطاق حوادث التاريخ وحكايات الأبطال.

وإلى نص الحوار:

• «الوفد»: ماذا تشكل ثورة 1919 للأدب والفن والإبداع وأنت أحد الذين كتبوا رواية حول أجواء الثورة تحمل العنوان نفسه؟

ـ تشكل ثورة 1919 ميلادًا حقيقيًا لمصر الحديثة. أنا أقيس الأحداث وأهميتها من خلال نظرة عامة قبل الحدث ونظرة بعدها. هى أول تحرك لأن يحكم مصر مصريون، منذ آلاف السنين ومصر محتلة من قوى غاشمة خارجية ولم نفكر فى حكم أنفسنا إلا بعد الثورة. هى دراما حدث فيها تضحيات وتدبير ودهاء وفداء وانكسارات وانتصارات، وهى أرض خصبة لأى أديب أو فنان للكتابة. تغير البلد تماماً بعد الثورة وعرف الناس كل شيء.

لم تكن هناك فكرة ترى أن مصر مصرية إلا بعد الثورة. كان المصريون فيما قبل يرون أن مصر ولاية عثمانية مصر للمصريين.

كما أن الالتفاف حول رمز مثل سعد زغلول والوفد المصرى لم يكن معهوداً وأسهم فى تقوية فكرة الأمة.

وهذا كله فى حد ذاته حدث خصب جدا، يدفعنا أن نفكر ونحلل ونتدبر فيه وبالطبع نكتب.

• «الوفد»: أنت كروائى متعلق أكثر بجيل الشباب والبحث عن المستقبل. لماذا اندفعت فى الاتجاه المضاد، ولماذا كتبت رواية «1919»؟

ـــ رواية «1919» جاءت بعد رواية «الفيل الأزرق» وأنا أحببت بعد هذه الرواية ألا يتم تصنيفى ككاتب غموض وجريمة سياسية، ففكرت فى التاريخ ورأيت عمالقة الأدب، مثل: توفيق الحكيم ونجيب محفوظ كتبوا عن ثورة 1919، وكان علىّ أن أخوض التحدى وأدخل إلى التاريخ وأستنطقه لتقديم دراما عظيمة.

وأتذكر وأنا أكتب رواية «تراب الماس» قرأت حوليات أحمد شفيق وعاد بى الزمن إلى سعد زغلول والوفد المصرى والسلطان فؤاد واصطدمت بحكاية دولت فهمى وكتبت اسمها فى ورقة وأنا أرى حكايتها تستحق النبش والتصوير، ثم عدت إلى حكايات الأبطال السريين لثورة 1919 لأجد نماذج مضيئة تصلح أساساً لرواية مثل أحمد عبدالحى كيرة وعبدالقادر شحاتة وغيرهما.

إن حكاية دولت فهمى تتلخص فى سيدة مسيحية صعيدية الأصل تعمل ضمن الجهاز السرى للثورة، وعندما قبض على عبدالقادر شحاتة فى محاولة اغتيال أحد الوزراء المتعاونين مع الإنجليز وقت الثورة سعى الجهاز السرى إلى تخلصيه، وتقدمت دولت فهمى لتشهد أنه كان لديها وقت تنفيذ الجريمة، وان علاقة حب تجمعهما. وأسهمت تلك الشهادة فى إنقاذ شحاتة من حبل المشنقة، ولكن أهل دولت فهمى القادمون من الصعيد تربصوا بها وقتلوها دفاعاً عن الشرف. وهى حكاية مثيرة وعظيمة تعكس قدر التضحية المقدمة من الفدائيين المصريين رجالاً ونساء ومسلمين وأقباطاً.

• «الوفد»: ما الذى أثر فيك كأديب بشكل أكبر الجانب السياسى, أم الفدائى فى ثورة 1919؟

ــ كلا الجانبان أثر فىّ كأديب، وكان التحدى عندى فى الجانب السياسى، لأن العمل الفدائى يمثل إثارة فى حد ذاته، ولذلك قرأت مذكرات سعد زغلول كاملة وهى أكثر من ستة آلاف صفحة ساعدتنى كثيرا فى رسم شخصية صعبة ونادرة ولا تتكرر.

وكان انتزاع الإثارة منه صعب جدا. لقد كنت أحاول أن أغير مفهوم تاريخ ثورة 1919 فى أذهان الشباب الذين درسوها بكل عارض فى كتب الدراسات الاجتماعية.

• «الوفد»: من خلال دراستك لشخصية سعد زغلول.. كيف تقرأ هذه الشخصية المركبة الصعبة؟ كيف تقرأ تحولاته وتحركاته ووصوله إلى مرحلة الزعامة الطاغية؟

ــ أعتقد أن ما حدث لسعد زغلول هو تغير الحياة الطبيعية للإنسان. الرجل بدأ فى مجال العنف فى جماعة الانتقام وتعرض للاضطهاد والسجن ثم خرج وغير تجاربه ولجأ للعمل بالمحاماة ودرس القانون، وجاءته فرصة الزواج من كريمة مصطفى فهمى رئيس الوزراء.

وصار وزيراً وحقق ثروة كبيرة وفى فترة منتصف العمر شعر بأزمة شديدة كتب عنها فى مذكراته، حيث كان لا يشعر بأى سعادة وكان لديه إحساس عميق أنه لم يترك بصمة فى حياته، حتى أنه وصل إلى عمر الجد ولم يكن لديه أبناء.

وفجأة تنتفض الأمة ويتحول إلى رمز كزعيم أب للشعب كله، والحقيقة أنه كان يمتلك ملكات وقدرات عظيمة كانت مستترة وظهرت عند الفرصة المناسبة.

كان سعد زغلول من برج الأسد وهو رجل يمتلك كياسة وفطنة وذكاء شديداً وساهمت جذوره الريفية فى منحه جانباً من الدهاء، وتعدد علاقاته مع الفلاحين والباشاوات والصغار والكبار جعله سياسياَ شديد الذكاء، صلباً وقوى الشخصية.

وحتى حادث السردار السير لى ستاك كان قوياً جداً، لكنه قال إن الرصاص الذى أطلق على السردار أصابنى وأصاب الشعب المصرى.

• «الوفد»: بعد مئة سنة من

الثورة.. ماذا تبقى من 1919؟

ــ مصر الحديثة بفكرتها أنها للمصريين. لقد كنا نقول دوماً إن مصر مقبرة الغزاة، لكن حقيقة هذا القول إنها مقبرة لهم، لأنهم كانوا يأتون ويعيشون فيها حتى الموت ثم يدفنون فيها كأنهم مصريون. وتبقت فكرة الأمة باعتبارها مصدر السلطة الحقيقي، وتبقت الوحدة الوطنية فى أسمى معانيها.

وصار للفن معنى، سيد درويش ونجيب الريحانى وبديع خيرى وشعورنا بأننا قادرون على التحضر والرقى والتقدم.

• «الوفد»: البعض يحاول قصر تاريخ الثورات فى مصر على حركة يوليو. كيف ترى الأمر؟

ـــ ثورة يوليو أو حركة يوليو إرهاص للروح الوطنية التى ولدت فى ثورة 1919 وبالطبع لا يمكن مقارنة حركة يوليو بثورة 1919 وأنا شخصيا قلت عنها إنها انقلاب رغم أن ذلك قد يغضب البعض، لكن على أى حال فإنها لم تكن لتحدث دون أن تكون فى الذاكرة الشعبية بطولات وتضحيات ثورة 1919.

• «الوفد»: كيف تلقى جمهور الشباب رواية 1919 رغم أن هناك شبه أمية تاريخية فى مصر؟

- فى البداية كان السؤال: لماذا؟ والبعض كان يقول نريد الفيل الأزرق. نريد الغموض والإثارة واللغز.

والآن فإن الغالبية العظمى ترى أن رواية «1919» هى أفضل ما كتبت. إننى مازلت أتلقى أسئلة حول أبطال الرواية فى كل مكان أذهب إليه. وكثيرون يبحثون عن دراسات حول أحمد كيرة أو دولت فهمى أو الجهاز السرى للثورة، والذى كان على رأسه عقل محنك هو عبدالرحمن فهمى. إن كثيراً من الأعمال قد تحتاج وقتاً كى تلتمع.

إننى واجهت الأمر نفسه عندما كتبت فيلم «الأصليين»، حيث استغرب البعض الفكرة وانتقد البعض المضمون والآن صار الفيلم علامة على نوع معين من الأفلام.

• «الوفد»: ما هى الشخصيات التى أثرت فيك بقوة فى رواية 1919؟

ــ بالطبع أحمد عبدالحى كيرة ذلك البطل العظيم الذى كتب عنه يحيى حقى ومصطفى أمين ولذى وجدته حاضراً فى كل مذكرات أعضاء الجهاز السرى للثورة، ما دفعنى إلى البحث والتفتيش عن ذلك الثعلب الذى يتنكر ويجيد تصنيع القنابل والمتفجرات ويراقب الإنجليز ويخطط لقتلهم ويطارده الإنجليز من مكان إلى مكان. هو بالطبع شخصية عظيمة جدا. وكما ذكرت من قبل كان دولت فهمى حافزاً مهماً فى دفعى نحو الإبحار فى طريق ثورة 1919.

• «الوفد»: هل يمثل التاريخ قيداً على المبدع؟ وهل هناك إطار حاكم للروايات التاريخية. حدثنى عن تجربتك مع 1919؟

ــ بالطبع هناك آراء وهناك أمور ترجيحية، ولكن هناك أحداثاً عامة لا يختلف على حدوثها شخص. فمثلاً لجنة ملنر موجودة فى مذكرات سعد زغلول وغيره، وموجودة فى الكتابات الإنجليزية عن الثورة. وهنا فإن الأحداث وقائع لا تقبل الجدل لكن الخيال والدراما تلعب دوراً فى تقديم مشهد ما قد لا يكون له وجود حقيقى فى الواقع لكنه منطقى.

وفى ظنى فإن الأمر يحتاج القراءة من وجهات نظر متعارضة فمثلاً مذكرات سعد زغلول وهى من أصدق المذكرات السياسية فى مصر، ويمكن قراءة مذكرات خصومه.

وأنا أرى أن التاريخ بحد ذاته يمثل دراما إنسانية عميقة وكل عهد من العهود التى مرت بها مصر يمكن أن يكون مادة خصبة لخيال أى روائى للتحليق فى سماء الإبداع.

• «الوفد»: وبشكل عام كيف يُمكن للأديب أن يُعبر عن وقائع لم يعشها؟

ــ الأمر مُتاح للجميع من خلال الاطلاع والبحث والتخييل، والآن نحن نعيش عصر التكنولوجيا المتطورة التى يمكن لك من خلالها أن تتابع أزمنة وأمكنة بعيدة بسهولة ويسر.

والمهم فى تقديرى أن تمتلك الموهبة والرغبة وأن تصر على التفاعل مع الوقائع التى لم تكن شاهداً عليها.

• «الوفد»: وكيف ترى حال السينما المصرية وأنت أحد من قدم تجارب ناجحة فيها كان على رأسها فيلما «الفيل الأزرق»، و«تراب الماس»؟

ــ أعتقد أن السينما المصرية بدأت مرحلة انتعاش نسبى وهناك تجارب عديدة ناجحة، وأتصور أن كثيراً من الأفلام المصرية قادرة أن تنافس تقنياً وفنياً لكن ما يعوقها الإمكانيات المالية، لأن الأسواق الخاصة بالأفلام العربية مازالت صغيرة.

وأتصور أن إحدى أخطر مشكلات السينما حالياً هى القرصنة.

كذلك فإن هناك ظاهرة واضحة هى «ضعف الورق» بما يعنى عدم وجود نصوص جيدة قادرة على إبهار المشاهد فى ظل تطور التكنولوجيا ومتابعة الناس لكل جديد فى العالم.