رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدروس المستفادة من نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية

بوابة الوفد الإلكترونية

الدروس المستفادة من أول انتخابات رئاسية تعددية تنافسية تشهدها مصر في تاريخها الطويل لا تعد ولا تحصى، سأركز منها فقط على ما رأيت أنه الأهم والأكثر تأثيرا في مستقبل مصر ومستقبل التفاعلات السياسية فيها على المدى المنظور، أول هذه الدروس

هو أن نتائج الجولة الأولى من هذه الانتخابات بدت كاشفة عن حجم الأوزان النسبية لكافة القوى السياسية الموجودة على الساحة، وحجم ما لحق بها زيادة ونقصانا، مكسبا وخسارة جراء ممارساتها طوال 15 شهرا هي عمر الممارسة السياسية في مصر بعد الثورة، وأول القوى السياسية التي كشفت هذه النتائج عن تراجع شعبيتها بشكل ملفت كانت جماعة الاخوان المسلمين وزراعها السياسية حزب الحرية والعدالة، بعد أن حصل مرشحها محمد مرسى على ما يناهز 25% فقط من أصوات المشاركين، مع فارق ضيئل من الأصوات لا يتجاوز 100 ألف صوت يفصله عمن يليه، وهو تراجع ضخم ب مقارنة بحجم ما حصلت عليه الجماعة في الانتخابات التشريعية والذي بلغ نحو 46% في انتخابات مجلس الشعب.
هذه النسبة الضئيلة لا تبدوا فقط كاشفة عن تراجع مذهل وسريع في شعبية القوة السياسية الأكبر في مصر، ولكنها تنبأ أيضا بتراجع أكبر منتظر خلال السنوات القليلة المقبلة، فإذا كان هذا التراجع ناجما عن ضعف وارتباك اداء الجماعة داخل البرلمان، فما بالنا بعد أن تتولى الجماعة مسؤولية تنفيذية كرئاسة الدولة أو رئاسة الحكومة، واذا كان هذا التراجع نتيجة فشل في التعامل مع الأولويات التشريعية، فما بالنا بنتيجة الفشل في التعامل مع مئات من المشاكل العويصة والمتراكمة والمتفاقمة وفي مقدمتها ملفي الأمن الذي كاد ينعدم والإقتصاد الذي يكاد ينهار، فضلا عن مئات من المطالب اليومية لألاف المحتجين، وإذا كان هذا التراجع نتاج شهور قليلة داخل المجلس المنتخب، فما بالنا بحجم التراجع بعد عدة سنوات قد تصل إلى أربع داخل مؤسسات الدولة التنفيذية.
دلالات أخرى لهذا التراجع.. فبالإضافة لهذا التراجع الكمي المحسوب بتراجع نسبة التأييد داخل عموم القطر المصري، فإن هناك تراجعا أكثر خطورة وأكثر دلالة,, وهو هنا تراجعا نوعيا عكسته نتائج الجولة الأولى والأرقام التي حصل عليها كل مرشح داخل كل محافظة من محافظات مصر، فالملاحظ على سبيل المثال إن مرشح الإخوان حل ثانيا أو ثالثا في محافظات ومناطق عرفت تقليديا على أنها تمثل معاقل للإخوان المسلمين أو بقية التيارات التي تتقارب مع فكرهم مثل التيار السلفي، فعلى سبيل المثال حل محمد مرسي ثالثا وبفارق ضخم من الأصوات عن حمدين صباحي في محافظة الإسكندرية التي تمثل أحد أهم معاقل الفكر الإخواني والسلفي، كما حل ثانيا في مسقط رأسه محافظة الشرقية، كما لم يحصل سوى على أصوات 28% من أصوات محافظة البحيرة وهي مسقط رأس مؤسس الجماعة ومرشدها الأول الإمام حسن البنا، وهو ما يعني أن الجماعة بدأت تفقد نفوذها في معاقلها التقليدية
هذه الارقام لا تعكس فقط تراجع شعبية الإخوان كقوة سياسية ولكنها تعكس في ذات الوقت تراجع شعبية تيار الإسلام السياسي بأكمله، وتثبت أن أنصار ومؤيدي الدولة المدنية ما زالوا يشكلون النسبة الأكبر داخل المجتمع المصري، خاصة إذا أخذنا في الإعتبار أن نسبة المشاركة في الإنتخابات لم تتجاوز 50% على أحسن تقدير، أي أن نصف الشعب المصري لم يدل بدلوه في العملية الإنتخابية، وهذا النصف بالتأكيد ليس من مؤيدي الإخوان ولا يندرج ضمن كتلتهم الإنتخابية، لأن كل من ينتمي للإخوان فكرا أو تنظيما كان من بين النصف الأول الذي شارك في العملية الإنتخابية، وبالتالي لو حسبنا عدد الأصوات التي حصل عليها مرشح الإخوان في الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية (5.6 مليون صوت)من العدد الإجمالي للمقيدين في الجداول الإنتخابية (50 مليون ناخب) لاكتشفنا أن الشعبية الحقيقة للإخوان المسلمين لا تتجاوز 11.2 % ممن لهم حق التصويت، وهو ما يعني أن مستقبل الدولة المدنية في خير، ويعطي أملا في المستقبل، ويؤكد على أن التركيز على دفع الجماهير والاغلبية الصامتة للمشاركة السياسية هو خير ضمانة للحفاظ على مدنية الدولة، كما يؤكد على أهمية وضرورة توحيد القوى السياسية المدنية لصفوفها ونبذ خلافاتها ورأب تصدعاتها وانشقاقاتها لكي تكسب ما تخسره قوى الإسلام السياسي من نقاط، بعد أن أثبتت نتائج الإنتخابات توق الشارع لبديل سياسي مدني تصطف حوله وخلفه، وهذا ما انعكس في المفاجأة التي حققها المرشح حمدين صباحي في الإنتخابات بحلوله ثالثا وبفارق ضئيل عن صاحبي المركزين الأول والثاني، وفي حجم الأصوات التي حصل عليها (نحو 21% من الأصوات) والتي جاء أغلبها من المناطق المدينية مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية، رغم ضعف الإمكانيات المادية لحملته الإنتخابية مقارنة ببقية المرشحين لا سيما مرشح الإخوان وماكينتهم الإنتخابية الضخمة، وهذا ما يعطي أملا أخر في المستقبل، فلو توفر البديل السياسي المدني والمنظم فإنه سيجد جماهيرا ربما تفوق ما تحظى به قوى الإسلام السياسي التي أكتسبت جزءا يتعد به من شعبيتها جراء غياب هذا البديل، ولعل تبلور ما حصل عليه حمدين صباحي من أصوات في تيار سياسي منظم ربما يمثل هاديا أو مرشدا لعدد كبير من الجماهير الحائرة الباحثة عن تنظيم سياسي يعلي من قيم الحرية ومدنية الدولة لتنضوي تحت لوائه، فبدون تبلور هذا البديل فإن أي تدهور في شعبية الإخوان أو أي "تصويت عقابي" ضدهم لن ينعكس بشكل حاسم على نتائج أي عملية إنتخابية تشهدها مصر مستقبلا، وسيظل غياب البديل السياسي رافدا بديلا يقلل من خسائر الإخوان لقواعدهم الجماهيرية، ولعل أفضل ما اسفرت عنه نتائج هذه الإنتخابات هو أنها أفرزت قيادة شعبية قادرة على بلورة هذا البديل السياسي المدني، الذي ربما يمثل الطريق الثالث بين الدولة الدينية الثيوقراطية والدولة العسكرية، فالميزة التي يتمتع بها حمدين صباحي هو أنه قيادة شعبية ذات قدر يعتد به من الكارزيما والقبول الجماهيري، وهذا ما انعكس على شعار حملته الإنتخابية "واحد مننا" والذي يعكس رؤيته لدور الجماهير العريضة وحرصه على أن يبدوا ملتحما بها ومعبرا عن أمالها وطموحاتها باعتباره "واحد منها"، ومن ثم فإن الفرصة سانحة أمام حمدين صباحي ليبلور هذا البديل السياسي الذي طال انتظاره، وبما حظي به من تفويض شعبي في الانتخابات الأخيرة فإن "صباحي" ربما ينجح فيما فشل فيه الدكتور محمد البرادعي  الذي حاول وما زال يحاول بدوره بلورة هذا البديل لسياسي، لكن البرادعي استطاع أن يجمع جوله النخبة لكنه فشل في أن يحشد الجماهير العريضة حوله وحول أفكاره، فيما اعتمد "صباحي" بالأساس على تعبئة الجماهير دون إغفال دور النخبة، فاكتسب شعبية ومصداقية عند الطرفين، وأصبح حمدين صباحي الأن مطالبا بان يحمل على عاتقه قيادة التيار المدني المهلهل الذي يفتقر للاطار التنظيمي من أجل تحقيق نوع من التوازن بينه وبين تيار الإسلام السياسي.
الأهم من ذلك أن الخطاب السياسي لصباحي فور الإعلان عن النتائج الأولية للإنتخابات بدا أنه

يحاول بلورة قيادة شعبية لثورة ظلت لنحو عام ونصف تبحث عن قيادة تبلور أهدافها وتصطف خلفها، مستغلا في ذلك أن معظم الأصوات التي حصل عليها جاءت من المحافظات والمدن "الثورية" كالقاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد، ومن ثم بدا صباحي حريصا في خطابه على إبراز نفسه كقيادة محتملة للثورة تختلف في طرحها مع يطرحه بقية المرشحين، مقدرا أن قوته تتمثل  فى البناء على إنجازه التاريخي الذي حققه في الإنتخابات لتأكيد أفكاره وعدم إذابتها فى أفكار غيره سعياً وراء مكاسب عابرة وغير مؤكدة، لذا بادر بإعلان رفضه الدخول في أي تحالفات إنتخابية وأعلن رفضه لأي منصب سياسي كمنصب نائب الرئيس مقابل إعلان دعمه لأحد المرشحين الذين سيكملان السباق، ورفض حث أنصاره على التصويت لمرشح بعينه تاركا المسألة لتقديرهم، داعيا كل المصريين إلى التجمع والتوحد" لتشيكل التيار الغالب في مصر، والذي لا يقوم على أساس أيدولوجي أو أساس حزبي بل على اساس الوطنية الجامعة ليكون حركة للمواطن المصري لإكمال ثورته"، رافضا  ما أسماه "الاستغلال باسم الدين أو الاستغلال باسم الدولة" طارحا نفسه بذلك نسخة "شعبية" او "جماهيرية" من نموذج "البرادعي"، وهذا ما تجلى في حرصه على اختيار الألفاظ المصطلحات التي يخاطب بها قاعدته الجماهيرية، حينما اكد في أكثر من مناسبة أن ليس زعيما "ولكني شريك ومن اختاروني أحبائي وليسوا أتباعي".
اتوقع أن تجد القوى الثورية الشابة في حمدين صباحي ضالتها ووسيلتها لتنظيم وترشيد نفسها، لأنها أدركت الرسالة التي بعثت بها نتيجة الإنتخابات، فالنسبة العالية من الأصوات التي حصل عليها أحد أركان النظام السابق "احمد شفيق" والتي أهلته لدخول مرحلة الإعادة، لم تكن فقط خوفا من الدولة الدينيةن ولكنها كانت في جزء مهم منها "تصويتا عقابيا" ضدى بعض من قوى الثورة التي بالغت واشتطت في ثوريتها، وما ترتب على ذلك من تبعات صبت ضد مصالح فئة بسيطة من الناخبين ضاقت ذرعا من استمرار الحالة الثورية للأبد، واعتبرتها المسؤولة عن فقدان الشعور بالأمان والاستقرار الذي كان سائدا قبل الثورة، ومن ثم ستسعى هذه القوى الثورية للاصطفاف خلف قيادة يمكن معها أن تستعيد ما فقدته من شعبيتها.
نتيجة إيجابية أخري يمكن أن تقود إليها نتائج الجولة الاولى من هذه الإنتخابات، فالنسبة الضئيلة التي حصل عليها مرشح الإخوان في تلك الجولة لا تؤهله لحسم الجولة الثانية اعتمادا على أصوات الإخوان وحدهم، خاصة في ظل التقارب الشديد في الأصوات بين وبين صاحب المركز الثاني أحمد شفيق، وهو ما يجعله بحاجة إلى أصوات من خارج معسكره التقليدي حتى يضمن الفوز، والقوى التقليدية الأقرب لمنحه أصواتها هي القوى والأحزاب الثورية التي سترى فيه أقل الضررين، ولكنها لن تمنحه أصواتها على بياض، وستخطأ إن فعلت ذلك، أو رضيت بوعود شفوية من السهل جدا التنصل منها لاحقا كما حدث قبل ذلك، وبالتالي فإن هذا الصوت المرجح للقوى الثورية يمكن أن يفتح الباب لتوافق وطني عز الوصول إليه حتى الأن حول كثير من القضايا بسبب تصلب موقف الإخوان، وفي مقدمة هذه القضايا التوافق على لجنة تأسيسية لوضع دستور ديمقراطي يضمن الحقوق والحريات تمثل فيها كافة شرائح المجتمع وطوائفه وقواه السياسية دون هيمنة طرف معين، والتوافق على حكومة إنقاذ وطني تضم شخصيات ذات كفاءة عالية ومصداقية يفوضها الرئيس المنتخب بصلاحيات كافية  وبرنامج واضح ومحدد، وأن تلتزم جماعة الإخوان بتقديم ضمانات مكتوبة للقوى السياسية تتعهد فيها باستكمال أهداف ثورة 25 يناير، والحفاظ على مدنية الدولة وحماية الحقوق والحريات وفي مقدمتها حرية الفكر والإبداع والتعبير، وأن تتخلى عن سياسة الاستحواذ والهيمنة على المناصب، كما تتعهد بأن يكون نائبا الرئيس ورئيس الحكومة لا ينتمون لتنظيم الإخوان أو حزب الحرية والعدالة، وان تتعهد الجماعة بحل نفسها أو توفيق أوضاعها وفقا للقانون، خاصة بعد أن أصبح لديها حزبا سياسيا شرعيا.

في النهاية يمكن القول إن نتائج أول انتخابات تنافسية تشهدها مصر وإن بدت سلبية في ظاهرها ولا تحقق طموحات شعب ضحى كثيرا لكي يشهد هذه اللحظة، إلا أنها تحمل في طياتها العديد من الإيجابيات التي يجب العمل على تعظيمها والاستفادة منها بالسرعة الممكنة لتلافي تكرار هذه السلبيات مستقبلا، خاصة أننا لا زلنا جديدي العهد بالممارسة الديمقراطية ولم نتجاوز بعد عامنا الأول، ومخطيء من يعتقد أن الديمقراطية يمكن أن تكون محصلة عام، بل أعوام وربما عقود من الممارسة السياسية المفتوحة لكافة احتمالات الخطأ والصواب والمكسب والخسارة، المهم هو أن نتعلم كيف نعظم من مكاسبنا وكيف نستفيد من أخطائنا

----

مدير تحرير مجلة الديمقراطية بالأهرام