رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: هل يمكن أن نهتف: علمانية.. علمانية؟

بوابة الوفد الإلكترونية

المشروع الإسلامى فى حاجة إلى الفصل التام بين العقيدة والممارسات الدينية

يجب تحرير عقل الإنسان من الأحكام الجاهزة على الأمور الدنيوية المتغيرة

محمد عبده دعا إلى تفسير الشرائع الإسلامية على ضوء العقل

الإسلام نبذ فكرة الخضوع فى شئون الدين لأنه ليس به كنيسة ولا كهنوت

الملك فى الحضارة المصرية القديمة كان حاكمًا زمنيًا يتمتع بالقداسة والعبادة

 

يقدم النظام القانونى فى شكله الحاضر على تقسيم أرض المعمورة إلى وحدات إقليمية، يطلق عليها اسم الدولة، وهى جمع من الناس، يعيش على سبيل الاستقرار، على إقليم محدد، ويدين بالولاء لسلطة حاكمة، لها السيادة على الاقليم، وعلى أفراد هذا الجمع.

وموضوع السيادة، موضوع إنسانى عميق، وهو بوصفه نتاجًا إنسانيًا لا يرقى إلى الكمال أبدًا، بل هو فى المراحل المختلفة لتاريخه يصور عرضًا مستمرًا للصراع الإنسانى بين قوى الخير وقوى الشر، وبين المثل العليا، والشهوات والأطماع.

والحكاية أن الإنسان بطبيعته حيوان اجتماعى، يختلف عن سائر الكائنات الحية الأخرى، فهو منذ ولادته يحتاج إلى العناية، وإلى الحماية، يحتاج إلى من يدفع عنه الأذى، من هنا كان الخضوع عادة أزلية من عادات البشر، فالصغير يخضع للكبير، والضعيف يخضع للقوى!!

والخضوع يرتب الطاعة، ويرتب الاحترام، ويرتب تنفيذ الأوامر والنواهى، والنتيجة الضرورية لهذا الخضوع هو وجود السلطة، ويحكى لنا التاريخ أن السلطة كانت تقوم فى بادئ الأمر على دعامتين: الأولى سلطة السن، فتتركز السلطة فى سلطة الكبير على الصغير، أما الدعامة الثانية، فهى سلطة روحية كانت تقوم على الخوف من غضب الطبيعة، والخوف مما يراه الإنسان فى نومه من أحلام تزعج قلبه، وتدخل فى نفسه الرعب من الأشباح، والخوف من المجهول، وما ينطوى عليه المجهول من قوى لا يستطيع الإنسان أن يدفعها إلا بالمفاجأة، وترتب على ذلك نتائج بعيدة المدى فى تاريخ الإنسانية، إذا قامت عليها فكرة ازدواج السلطة الدنيوية والسلطة الدينية، كما ترتب عليهما الصراع بين السلطتين فى صوره المختلفة، وهو الصراع بين الروح والمادة، والصراع بين الخير والشر، وما كان لظهور الأديان على اختلافها من تأثير بالغ فى هذا الخصوص!!

 

الرب الطيب

ولا يمكننى أن انكر أن تاريخ هذا الصراع تاريخ مستمر، ومتصل، وشمل كل الجماعات الإنسانية، منذ بدء الخليقة، ولا يزال قائماً، والحضارة الأولى التى كان لها أكبر الأثر فى تاريخ البشرية، هى الحضارة المصرية القديمة، فعلى وادى النيل تكونت أول حضارة إنسانية منظمة، ومنذ ستين قرناً خلت قامت على دلتا النيل أول دولة كانت تحكمها أسرة «بوتو»، كانت تبدو فى شكل قيام سلطة مركزية لها الطابع السياسى والدينى معًا، وظلت هذه المملكة قائمة خمسة وثلاثين قرناً، كانت السلطات كلها فى يد الملك وحده.

كان الملك على رأس الدولة، وفيه تتذكر السلطات جميعها، وكان الملك حاكماً زمنياً، ورباً يُعبد ويُقدس، وكان يلقب بالرب الطيب، ثم يوصف «بيو»، الذى حوله اليهود بعد ذلك إلى لفظ فرعون، كانت مصر فى ذلك الوقت مقسمة إلى نحو عشرين وحدة إدارية، وكان يرأس كل وحدة موظف يعينه الملك، على أن نظام الدولة تحول فى عهد المملكة الوسيطة، التى اتخذت من طيبة عاصمتها، ففى عهد الأسرة الحادية عشرة، دخل نظام الإقطاع مصر الفرعونية، فصار الحكام المحليون بمثابة الأمراء الذين يخضعون للسلطان الرمزى للملك، ولكن الملك فقد سلطة تعيينهم، فكانت وظائفهم تنتقل بالوراثة، وسلطانهم يتسع ويضيق بأسباب ضعف الملوك أو قوتهم، وبعد أن طرد أحمس الأول الهكسوس من مصر، دخل وضع الحكم فى الدولة طور جديد.

فقضى فيه أحمس على الإقطاع، واستعاد الملك سلطانه كاملاً، وقسم مصر إلى وحدات إقليمية يدير كل منها عمدة، يعينه الملك، وكان الحكم حكمًا مركزيًا خالصًا، يسانده جيش قوى تنوعت أسلحته، وتحسنت وتجددت بعد هزيمة الهكسوس.

هذا هو مجمل الطابع السياسى المادى لنظام الدولة فى الحضارة المصرية القديمة، على أن هذا الطابع السياسى لم يكن منفصلاً عنه، بل كان يلازمه طابع دينى ابتدعه خيال إنسانى، فقد كان المصريون ينظرون إلى السماء نظرتهم إلى بحر واسع، بعضه معلوم، وبعضه مجهول، يسند ارتفاعه عن الأرض أربعة أعمدة تقوم على أركان الأرض الأربعة!!

وأقيم للآلهة فى مصر معابد كثيرة، تعددت بتعدد الملوك، واستلزمت المعابد، وجود طائفة الكهان لإقامة العبادات، وتيسير طقوسها، واشتد عود هذه الطائفة مع مرور الزمان، وتعدد الآلهة وتجددها فى مراحل التاريخ!!

كان الملك يعد من الآلهة فى حياته، على أن اجتماع السلطة الدنيوية والسلطة الدينية فيه بدأ يتزعزع شيئاً فشيئًا، وذلك لازدياد سلطة رجال الكهنوت، واحتفاظهم بسر المراسم الدينية على أن الصراع بين هاتين السلطتين لم يتخذ صورة انتهائية إلا فى أيام «أمنحوتب» الرابع ذلك أن الأخير الذى عرف بعد ذلك باسم إخناتون أراد أن يفرض دينه الجديد، القائم على التوحيد، وقد قاوم رجال الدين دين إخناتون، وظلوا على استمساكهم بتعدد الآلهة، ورفضوا الاعتراف بآتون الرب الوحيد الجديد، ويعد هذا الصراع بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية أول صراع عرفه تاريخ البشرية، وانتهى بانتصار رجال الكهنوت، وإضرار أخناتون إلى التنازل عن العرش!!

هذا هو نظام الدولة فى مصر القديمة، كانت السلطة تقوم على دعامتين مادية ودينية، كانت الدعامتان تزدوجان فى شخص الملك فى بادئ الأمر، ثم استقلتا بعد ذلك فى هيئتين منفصلتين، تزاول إحداهما السلطة على الإقليم، وعلى الرعايا من الزاوية المادية الخالصة.

وتباشر الثانية وهى هيئة الكهنوت السلطة على الرعايا، بل وعلى الملك نفسه، من الزاوية الروحية عن طريق الدين، وبعد قرون عديدة سارت الأمور فى أوروبا ذاتها على هذا النهج، مدة طويلة، فكانت السلطة الدينية يرأسها الإمبراطور، وهو يباشرها على من تحته من الملوك، وهؤلاء يباشرونها على من تحتهم من طوائف النبلاء، وهؤلاء يباشرونها على من تحتهم من طوائف الشعب!!

أما السلطة الدينية فكان باشرها البابا، ويوجد تحته الكرادلة، وتحتهم الأساقفة، ثم القساوسة ثم الرعية، والظاهرة الملموسة كانت ظاهرة الخضوع.

هذا الازدواج فى السلطة نشأ عنه صراع مرير بين الإمبراطور والبابا طيلة العصور الوسطى، ثم تلا ذلك عدة مراحل: أولاها: مرحلة التناسق بين مباشرة السلطتين عن طريق التوازن بين القوانين، وثانيتها: مرحلة الخضوع عن طريق هيمنة السلطة البابوية على السلطة الدينية، وثالثتها: مرحلة هيمنة سلطة الإمبراطور على السلطة البابوية، وأخيرًا مرحلة الفصل بين السلطتين عن طريق فصل الدين عن الدولة.

وفى أوائل القرن السابع قام الإسلام، والأصل والمصدر العام فيه هو القرآن، والظاهرة الملحوظة فى الإسلام أنه ينبذ فكرة الخضوع فى الشئون الدينية، لأنه ليس هناك سلطة وسيطة بين الخالق والمخلوق، فالمخلوق يتصل بالخالق مباشرة، فليس فى الإسلام كنيسة، وليس فى الإسلام كهنوت.

 

الديمقراطية

ويبدو مما تقدم أن الجماعات الأوروبية الغربية -بدت فى عصر النهضة- فى صورة الجموع المتحررة من السلطتين الإمبراطورية والبابوية، وذلك نتيجة قيام حركة الإصلاح الدينى، وتقسيم الإمبراطورية الجرمانية، واستقرت هذه الصور التحررية استقرارًا ثابتًا بعقد معاهدة دستفاليا سنة 1648.

ولا يمكن لباحث أن ينكر أن كل هذه الأحداث دفعت إلى ظهور الدولة فى صورتها الحديثة، وإلى تركيز جميع السلطات فيها، بل إلى انفراد كل دولة بسلطانها لتحقيق المغانم والمكاسب.

ولا شك أن الديمقراطية تعبر عن مفهوم تاريخى اتخذ صورًا وتطبيقات متعددة، فى سياق تطور المجتمعات والثقافات وتقوم فكرتها الأساسية على حكم الشعب، وممارسته الرقابة على الحكومة، ويتمثل جوهر الديمقراطية فى توفير وسيلة منهجية حضارية لإدارة المجتمع السياسى بغية تطوير فرص الحياة.

ظهرت الديمقراطية مع ازدهار الحضارة الإغريقية، ومورست مباشرة لفترة قصيرة، واقتصرت على الأقلية دون العبيد والنساء، فخلال الفترة 460 - 429 قبل الميلاد أصبحت أثينا تحت قيادة بيركلس المناصر للحرية حيث يقول: إن حياتنا السياسية حرة، ونحن أحرار ومتسامحون فى حياتنا الخاصة!

وبعد حوالى ألف عام ظهرت الديمقراطية المعاصرة، وتشكلت نتيجة الأفكار التى انبثقت عن فترة النهضة الأوروبية، وتقوم الديمقراطية الآن على مبادئ الحرية، وتدعو الممارسة الديمقراطية إلى وقف المطلقات لصالح النسبية فى التعامل مع الأفكار والممارسات الدينية، والتخلى عن همجية العنف فى ظل سماع الرأى الآخر، ولا شك أن الخطاب الديمقراطى يعنى مبادرة النظام السياسى المعنى لتطبيق الديمقراطية، وسيلة منهجية لبلوغ غاياته الأيديولوجية المجتمعية، وهناك اتفاق على أن الديمقراطية ليست مجرد فكرة غربية، وأن النموذج الغربى ليس الشكل الوحيد للديمقراطية، وإذ كانت الديمقراطية وسيلة منهجية لتنظيم المجتمع السياسى فى إطار حضارى أكثر رقيًا وإنسانية، عليه يمكن افتراض إعداد من الخطابات الديمقراطية بالعلاقة مع الأفكار والأيديولوجيات الاجتماعية، ومن هنا أناقش الخطاب الإسلامى للديمقراطية.

وبداهة، فإن متابعة الآراء الإسلامية، ومحاولاتها صياغة خطاب أو خطابات إسلامية للديمقراطية بات من المهام الصعبة، وذلك بسبب وجود مدارس كثيرة، وآراء إسلامية مرجعية فردية متباينة، لا تقل عدداً وتأثيراً وفوق ذلك فإن قوة تأثير الأغلبية التقليدية - السلفية - الأصولية - الملتزمة بقوة المرجعية والنصوص الدينية، واستخدامها سلاح التكفير فى وجه المحاولات الإصلاحية الفكرية الإسلامية، جعلت من الصعوبة بلورة أفكار محددة متفق عليها عمومًا، أو مدارس إسلامية متحررة، لصياغة مشروع أو مشروعات إسلامية للديمقراطية مقبولة لدى عامة المسلمين، وذلك فى غياب ثورة ثقافية دينية لإحداث إصلاحات جذرية فى المفاهيم، والمبادئ والأسس الإسلامية.

والحضارة الإسلامية لم تعترف بالأحزاب السياسية واعتبرتها بدعًا على الإسلام، وعامل تفرقة اجتماعية، ومن ثم مناقضة لسنة الحكم، وحسن البنا المرشد العام للإخوان قال: إن الإجماع انعقد على أن الأحزاب المصرية هى سيئة الوطن الكبرى، وهى أساس الفساد الذى نصلى بناره، والحل الذى كان يراه هو أن تحل هذه الأحزاب وتجمع قوة الأمة فى حزب واحد، وقبل حسن البنا النظام النيابى بشرطين: أولهما: إلغاء نظام التعدد الحزبى، والثانى هو أن تسفر الانتخابات عن اختيار نوع خاص حدده سلفًا من أهل الشورى، ورأى هذا المجلس استشارى، فللمرشد أو الأمير ألا يأخذ به!!

والمشكلة ليست فى إعداد خطاب دينى، صحيح أن الرئيس، ومنذ أن تولى مقاليد الحكم فى البلاد وهو يطالب الأزهر بتصويب، وتطوير الخطاب الدينى، وذلك من منطلق إيمانه بأن الأزهر هو وحده المسئول عن تحديد هذا الخطاب، ليس فى مصر وحدها، بل وفى العالم الإسلامى كله، وذلك لمواجهة الإرهاب والتصدى له وهو الأمر الذى دعاه أكثر من مرة إلى المطالبة بثورة دينية يقوم بها الأزهر، لتجديد الفكر، وتطوير الخطاب بما يتناسب مع العصر، وتساءل سيادته فى تعجب: ليس معقولاً أن يكون الفكر الذى نقدسه على مدار المئات من السنين يدفع الأمة بكاملها إلى القلق، والخطر، والقتل، والتدمير، وطالب الرئيس بأن يتصدى لتلك الأمور أساتذة مستنيرون لأنه آن الأوان لتجديد هذا الخطاب، الذى ظل رهينة تراث محدود بمعطيات الماضى وأبعاده.

وحين حذر فضيلة الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فى مناسبة دينية من دعاوى التجديد، التى تنكر السنة رد عليه معالى الرئيس راجياً ألا يفهم أحد من كلامه أن المطالبة بتجديد الخطاب الدينى أنه إساءة لأحد، وأن الإشكالية فى عالمنا الإسلامى ليست فى اتباع السنة من عدمها، لكن المشكلة هى القراءة الخاطئة لأصول الدين، واختتم معاليه حديثه متسائلاً: أليس من أساء إلى الإسلام أكثر من ترك السنة واكتفى بالقرآن أم الفهم الخاطئ والتطرف الشديد؟!

أردد بكل إيمان صادق ما قاله صديقنا حسين أحمد أمين إذا افترضنا رغبة مخلصة فى معرفة الحقيقة فإن المشكلة تكمن فى اختلاف مفاهيم الكلمات، ودلالتها من شخص لآخر، ثم اختلاف تفاسير النصوص الدينية، ثم التناقض الظاهرى بين بعض الآيات القرآنية، والتناقض الصريح بين بعض الأحاديث النبوية الصحيحة، والأحاديث الموضوعية التى يؤمن الكثيرون من غير المتخصصين بصحة نسبتها

إلى الرسول، واستناد كل طرف إلى آيات وأحاديث فى السيرة النبوية، تناقض ما يستدل إليه الطرف الآخر، من آيات وأحاديث وقصص.

 

أصول الحكم

لننظر معًا إلى الجدل العنيف الذى دار فى العشرينيات، حول كتاب على عبدالرازق، الإسلام وأصول الحكم، فالمؤلف من أجل إثبات براءة الإسلام من نظام الخلافة ظن أن أهم سبيل إلى تحقيق غرضه، التدليل على أن الرسول لم يجمع بين الرسالة والملك، ولم يؤسس بالإسلام دولة سياسية مدنية، كان هو ملكها وسيدها، فاستند إلى آيات قرآنية تذكر ان يكون للنبى شأن فى الملك السياسى: مثل «لا إكراه فى الدين»، «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، «وجادلهم بالتى هى أحسن»، «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر».. إلى آخر ما استند إليه من آيات معظمها مكية نزلت قبل أن يهاجر النبى إلى المدينة وقبل أن يؤسس فيها الحكومة، وقبل أن توحى إليه آيات مثل: النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم. من يطع الرسول فقد أطاع الله. إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا. قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.

فثمة إذن آيات من القرآن استند اليها على عبدالرازق للتدليل على سماحة الإسلام، واعتداله، وسعة صدره، وعزوفه عن استخدام الإكراه والعنف، والفظاظة مع التعامل مع خصومه، وثمة آيات استند خصوم على عبدالرازق، ويستند إليها فى يومنا هذا أعضاء الجماعات المتطرفة، ممن ينكرون أن تكون ولاية النبى على قومه ولاية روحية بحتة كتلك التى كانت لإخوانه من الرسل الذين لم يخطر ببالهم تأسيس دولة، أو تنظيم حكومة، ويذهبون إلى أنه لو كان البعض مبشرًا ونذيرًا ما أشرف بنفسه على تطبيق حكمى قطع يد السارق، وجلد الزانى، وعلى جمع الزكاة، وقسمة الغنائم، ولما نزلت آيات مثل: فإن لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، ويا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم.

هذا نموذج للحوارات الدائرة اليوم: إن استند المفكرون المسمّون بالمستنيرين، أو رجال الدين الموصفون بالاعتدال إلى آية «لا إكراه فى الدين» رد عليهم المتشددون بما ذكره الطبرى، فى تفسيره من أن آية لا إكراه فى الدين نسختها الآيات التى تحض المؤمنين على القتال، وآية: ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه.

صحيح أن الحركة الإسلامية الحديثة بدأت بجهود جمال الدين الأفغانى، الذى آمن بأن قوة أوروبا تكمن فى العلم الحديث وحث المسلمين على اكتساب التقنية الأوروبية، ومحاولة دمج المادية الأوروبية بالروحانية الإسلامية اعتبرت فى وقتها من أهم إسهاماته فى الفكر الإسلامى.

وواصل محمد عبده طريق الأفغانى، واستند فى فكرته الإصلاحية إلى أن الإسلام لا يستطيع التغلب على العقبات إلا بتحكيم العقل، والتحرر من السلفية، وشرع فى رسالة التوحيد، دور العقل فى الحياة عموماً، وأكد أن الإسلام كان على الدوام دين العقل، وخرج من هذه الفرضية الأساسية باقتراح يدعو إلى تفسير الشرع الإسلامى فى ضوء العقل، وقال إن الغلبة يجب أن تكون للعقل، فى حالة التناقض بين المعنى الحرفى للقانون الإسلامى والتفسير الفعلى له، ومن هذا المنطلق حلل للمسلمين مثلاً أكل لحوم الحيوانات التى يذبحها المسيحيون واليهود، وإيداع الأموال بالبنوك، وقد لاحظ «أندرس أولين» فى دراسة ميدانية أجراها فى الساحة الإندونيسية مناقشات نشطة تدور بين مجموعة مدارس فكرية، ومصادر اجتهادية إسلامية بشأن الخطاب الدينى للديمقراطية إلا أن انتهى من دراسته إلى أن إعداد هذا الخطاب يتطلب ترسيخ القناعة بضرورة تحرير عقل الإنسان من الأحكام الجاهزة فى تقرير الأمور الدنيوية المتغيرة مقابل اعتماد النصوص الدينية مظلة فلسفية وفق منطق العلم والتحضر والإيمان بقيمة الإنسان فى بناء جنته فى الأرض.

واذا كان الفكر الأصولى يرفض إمكانية التطابق بين الإسلام والديمقراطية، بدعوى أن السيادة الشعبية لا يمكن أن تكون فوق سيادة الله، وأن القانون الإسلامى قانون متكامل لا يترك مجالاً لمزيد من التشريعات وكان الشرط اللازم للإسلام الديمقراطى هو المرونة ومن ثم، فإن المشروع الإسلامى فى حاجة إلى تحقيق الفصل التام بين العقيدة والممارسات الدينية المطلقة باعتبارها مسألة شخصية معنوية وبين الأفكار والممارسات الدنيوية باعتبارها مسألة اجتماعية مادية، كما أن عليه الاعتراف بعلمانية الحياة الدنيوية التى تقوم على أساس العلم القائم على تحرير العقل وإطلاق الفكر بعيدًا عن كافة القيود وترسيخ مفهوم النسبية فى التعامل مع أمور الحياة الدنيوية الدنيوية، والقناعة بأن الله أدرك هذه البديهية، من هنا كانت فكرة الآخرة، ومن هنا أيضًا كان امتناع الله عن التعامل مع مملكة البشر فى دنياهم، لئلا يواجه مسئوليات النواقص والعيوب وكل المشكلات الدنيوية التى ترافق أفكار وأعمال المجتمع البشرى، وإذا كان الله نفسه قد فصل ما بين النسبى للبشر والمطلق لنفسه، فلماذا إصرار المؤسسة الدينية الإسلامية على الخلط بينهما؟

 

علمانية علمانية!!

أعرف دولاً كثيرة مثل أمريكا وفرنسا، وكندا وكوريا الجنوبية والهند تنص دساتيرها صراحة على أن هويتها علمانية، وتنص قوانينها على المساوة بين جميع المواطنين، وعدم تفضيل أحد الأديان، والسماح بحرية ممارسة المعتقد والشرائع الدينية، ودول أحلت الدولة المدنية بدلاً من الدولة العلمانية، ودول أخرى دول مدنية بمرجعية دينية، وأتساءل هل من الممكن أن يتوافق الإسلام مع العلمانية؟!

والإجابة أن البعض ينظر إلى العلمانية على أنها تعنى فصل الدين عن الدولة، بصورة سلبية، ويصفون من يؤمن بها بالكفر، والعجيب أن هؤلاء حين يعيشون فى الدول التى تؤمن بالعلمانية، فإنهم أول من يتمتعون بمبادئ العلمانية، والتى تجعل الدولة تعامل الأديان بصورة حيادية، والأكثر من ذلك أنهم أول من ينادون بحقوق المسلمين فى هذه الدول تبعًا لهذه المبادئ التى تساوى فى الحقوق بينهم وبين الأديان الأخرى.

والآن: هل يمكن أن يتعايش الإسلام مع العلمانية أم من الممكن أن يتعايشا؟ أقول أن إعادة صياغة بعض المفاهيم، قد تسمح بذلك، فيجب ابتداء إيضاح أن فصل الدين عن الدولة لا يعنى إلغاء الدين أو محاربته فالأديان تمارس فى جميع الدول العلمانية، فمن حق الإنسان أن يعبد ربه، فى الدولة العلمانية، ولكن ليس من حقه إجبار باقى المجتمع على مفاهيمه الدينية، أو أن يحرم الآخرين من ممارسة شعائرهم الدينية والدليل على إمكانية التعايش أن الدولة من حقها إجبار الناس على مبادئها فى حين أن القرآن يرفض الإجبار والإكراه بصورة مطلقة.

وبالإضافة إلى ذلك فان أمور الدين لها مفاهيم مختلفة بين الفقهاء وعلماء الدين، وبين الجماعات المتناحرة باسم الدين، فمن يا ترى هو صاحب الحق فيهم، ليفرض مفهومه الدينى على الآخرين، وهل أخذ من الله تفويضًا وتأكيدًا أن مفهومه للدين هو المفهوم الصحيح.

إن العلمانية تعنى الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأديان، واحترامها بدليل أن الدول العلمانية فى أوروبا وأمريكا تسمح ببناء مساجد للمسلمين، مع أنهم أقلية عندها، ولو لم تكن هذه الدول علمانية ما سمحت ببناء هذه المساجد ولمنعت المسلمين من أداء شعائرهم.

العلمانية ليست رفضًا للدين، إنما تعنى العدل مع الجميع على حد سواء، وهذا المبدأ يتفق مع الآية الكريمة أن الله يأمر بالعدل.

وإذا كانت العلمانية تعدل بين فئات المجتمع على اختلاف أنواعهم، وتحترم حق الأقليات الدينية فى العبادة وتحمى حرية العقيدة، فإنه يتعين فهم القرآن بصورة تؤيد هذه المبادئ، فقد أمر القرآن بالعدل واعتبر فرعون أبشع طاغية لأنه استضعف أقلية دينية كانت تعيش فى بلده، ولم يساو بينهم وبين باقى أفراد مجتمعه.

فيا ليت نعكف الآن ونحن بصدد تعديل الدستور على دراسة هذا الأمر، ويا ليتنا نقلد أوروبا وأمريكا ونفصل الدين عن الدولة لنريح ونستريح!!