رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ملائكة الرحمة.. «عذاب فوق شفاه تبتسم»

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق: أحمد سراج - اشراف: نادية صبحي

 

بدل العدوى 15 جنيهاً.. والنوبتجية 13.. وعجز فى 60 ألف ممرضة

 فى «قصر العينى»: البعض يفكر فى ترك العمل

«مستشفى الحسين»: مهنة المهانة

«الدمرداش»: الراتب ملاليم

30 مستشفى خاصة فى القاهرة والجيزة تستعين بممرضات من جنسيات أجنبية

نقيبة التمريض: الأوضاع تحسنت عن الماضى.. ونطلب المزيد

مدير المعهد: لدينا معمل واحد.. والأجهزة منذ السبعينيات

«جليس المسنين».. آخر محاولات تحسين دخل الممرضين.. واليوم بـ300 جنيه

 

هذا التحقيق ليس إلا لتحريك المياه الراكدة فى مهنة التمريض، التى كانت ولا تزال موضع إهمال من المسئولين، وتجاهلاً من المجتمع والإعلام، فحالهم ما زال لا يسر عدوا ولا حبيبا، يعملون فى ظروف صعبة ويتقاضون 13 جنيهًا قيمة النوبتجية التى يصل عدد ساعات العمل بها إلى 12 ساعة، و15 جنيهًا قيمة بدل العدوى، تلك الظروف جعلت أكثر من 40 ألف ممرض وممرضة يهجرون المهنة بعضهم سافر للخارج أو ذهبوا للعمل بالمستشفيات الاستثمارية أما البقية فعلى أمل تحسن الأوضاع ينتظرون.. 30 جامعة للتمريض فى مصر و12 معهداً و282 مدرسة بنظام الخمس سنوات ومازالت المستشفيات تعانى من قلة أعداد التمريض، فبحسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة والسكان فإن نسبة العجزفى عدد الممرضات بلغت 60 ألف ممرضة.

ولأن أغلب العاملين بالتمريض من النساء حيث يبلغ عددهن 87% من إجمالى العاملين بالتمريض فانحصرت جميع الشكاوى من الممرضات والتى تعددت ما بين القوانين التى لا تحميهن وسوء المعاملة من جانب المرضى وذويهم، وحتى بعض الأطباء، وآخرون اعتبروا العمل بالمستشفيات الحكومية ضياعاً للوقت والجهد واتجهوا إلى الإعلان عن عملهم على صفحات الإنترنت للزيارات المنزلية أملا فى تحقيق راتب أكبر عوضا عن ساعات العمل المرهقة فى نوبتجيه المستشفيات الحكومية.

حالة التمريض فى مصر جعلتنا نبحث عن إجابة، أولها كيف تعيش الممرضات داخل المستشفيات الحكومية وهل يحميهم القانون من تجاوزات المرضى وذويهم؟ وكيف تحولت مهنة ملائكة الرحمة إلى عذاب؟ وهل هناك رغبة حقيقية لدى المسئولين فى إنهاء متاعبهم؟

فى عام 2016 أقامت الممرضات دعوى قضائية لزيادة بدل العدوى وتم قبولها شكلا وموضوعا وصدر الحكم بأحقيتهم فى ألف جنيه بدل العدوى شهريًا، وفى فبراير الماضى وأثناء سؤال وزير الصحة وقتها الدكتور أحمد عماد عن حالة الممرضات كانت إجابته أنه ينتقد أجور الممرضات وبشدة فكيف تتقاضى ممرضة تعمل 12 ساعة فى النوبتجية 13 جنيها فقط؟ وأعلن عن تقديمه عدة مطالبات للمهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء فى تلك الفترة لزيادة قيمة الوردية من 13 جنيهاً إلى 100 جنيه.

دموع ملائكة الرحمة

داخل مستشفى قصر العينى يتحركن بسرعة لإسعاف الحالات الحرجة، ومنهن من تذهب إلى الصيدلية داخل المستشفى لصرف أدوية المريض، التقينا إحداهن «أمل حسنى» وتعمل ممرضة منذ 12 عاما، فأكدت أن سنوات عملها كانت مزيجا من الإهمال والإهانة حتى إنها كانت تفكر جديا فى ترك المهنة، إلا أن ظروف الحياة الصعبة تجعلها تتغاضى عن تلك الفكرة وتتحمل ضغوط العمل التى تتزايد يوماً بعد يوم وقالت «الممرضة معرضة للمشكلات كل يوم إما من أهالى المريض الذين يصبون غضبهم على الممرضة، أو من الأطباء أنفسهم فى أوقات ضغط الشغل».

وتضيف «أمل» قائلة «النوبتجية دائما مصدر خلاف بين الممرضات فكل واحدة لديها التزامات أسرية ومعنى أن النوبتجية سهرة يعنى هسيب أولادى وزوجى علشان خاطر 13 جنيه قيمة النوبتجية، دا غير لازم أجيب عشاء على حسابى ومواصلات علشان أروح بيتى، يعنى النوبتجية خسارة».

«سعاد على» حظها كان أسوأ من زميلتها؛ أجبرتها الظروف على تحمل مصاعب المهنة خاصة بعد أن توفى زوجها وترك لها ولدين أحدهما بالثانوية العامة والآخر فى الإعدادية، وهو ما دفعها إلى البحث عن وظيفة أخرى داخل إحدى العيادات الخاصة وقالت «التمريض مهنة شاقة جدا علشان أشتغل الصبح فى المستشفى وأتعامل مع عشرات المرضى ثم أروح العيادة علشان أحسن دخلى».

وتضيف «فى بعض الأحيان نقوم بالاتفاق مع المرضى على رعايتهم بعد الخروج من المستشفى وفى ناس من زملائنا بيعلنوا عن نفسهم على صفحات الإنترنت لأن الرعاية المنزلية مربحة أكثر، فتكلفة اليوم رعاية 12 ساعة 300 جنيه وممكن أكتر حسب مستوى المريض المادى».

وفى مستشفى الحسين الجماعى التقينا الممرض حسن هدية الذى شكا هو الآخر مما يواجهه فى عمله وقال «حسن»: «التمريض فى مصر مهنة المهانة لأننا فى المستشفى نحصل على ملاليم ومطلوب نشتغل صبح وليل، يوم نشتغل بالنهار زى البنى آدمين ويوم سهرانين للصبح، ومفيش أى حوافز أو رواتب مجزية، والناس بتزعل من الممرضين وهما مش حاسين بالظروف اللى بيعيشوها كل يوم، مطلوب منه يساعد كل يوم حالات كتير زيه زى الطبيب واقف معاه وهو بيكشف وبيفضل مع المريض وبنحصل على 15 جنيه بدل عدوى، بعضنا يحصل على إكرامية من المرضى ومع أنها مساعدة بس دى إهانة علشان المسئولين مش حاسين بينا».

سهير حسن «اسم مستعار»، ممرضة بمستشفى الدمرداش تقول «المرتب كان فى البداية ٤٠٠ جنيه من ٩ سنين وبيزيد 40 جنيه عن كل سنة، علشان تفضل سنين فى مهنة متعبة وتقبض ملاليم، وعلشان نروح ندور على دخل إضافى، كل المستشفيات الخاصة بتقول مش محتاجين أو بنشغل أجانب، بس رغم أنهم ليسوا أكثر كفاءة منا ولكنهم يهتمون بالمظهر فقط خلاف أنهم بيقبضوا بالدولار».

حال ممرضات مستشفى أم المصريين لم يكن أكثر سعادة بل أسوأ على حد وصفهن، فمعظمهن يعانين نفس أزمات زميلاتهن حيث قالت «فاطمة أحمد» عندنا أزمة فى أعداد الممرضات وإحنا داخلين على فصل الشتاء وكلنا بنهرب من النوبتجية الليلية لأن مفيش واحدة هتقدر تبات بره البيت وتسيب أولادها».

وتكمل فاطمة قائلة «العمل فى مستشفيات الحكومة مليان مشكلات بين الممرضات وبعضهن، على العكس فى المستشفيات الخاصة فالممرضة تحصل على أجر مناسب للمجهود المبذول حتى إن أماكن الاستراحة أفضل فى حين أن التعامل بين أهالى المرضى وأعضاء التمريض يكون بصورة راقية على عكس المستشفيات الحكومية التى دائما يكون هناك شجار متواصل إما مع الأطباء وأهالى المرضى أو الممرضات».

وتكمل فاطمة: «عندى أطفال علشان أسيبهم فى الحضانة بادفع 600 جنيه فى الشهر ولو عندى نوبتجية لازم أجيبلهم حلويات وأسيبهم عن جارتى لغاية

ما أرجع لأن زوجى مسافر وفى الحالة دى أنا لازم أجيب لأولادها كمان يعنى النوبتجية خسارة كمان، علشان كده بنهرب من النوبتجية».

تحسن طفيف

من جهتها أكدت الدكتورة كوثر محمود، نقيبة التمريض، وجود عدة مشكلات أبرزها المشكلات المالية حيث يحصل الخريج على 1200 جنيه شهريا نظير العمل فى المستشفيات الحكومية، بينما يتقاضى فى القطاع الخاص أربعة أضعاف ذلك المبلغ وذلك السبب الرئيسى فى هروب عدد كبير من أفراد التمريض إلى القطاع الخاص أو السفر إلى الخارج.

وتكمل نقيبة التمريض حديثها لـ«الوفد» قائلة: إن جميع أفراد التمريض يعملون فى ظروف صعبة، فمبلغ 15 جنيها فى النوبتجية غير عادل وغير مناسب فى ظل ارتفاع التكاليف المعيشية، على العكس فى المستشفيات الخاصة حيث يصل سعر النوبتجية إلى 150 جنيهاً وأكثر، وهذا السبب أيضاً يدفع الكثير من الكفاءات إلى الهروب إلى القطاع الخاص.

وأضافت أن بدل العدوى هو شىء محزن للغاية فكيف لفرد تمريض يتقاضى بدل عدوى 16 جنيها، والأكثر من ذلك عدم وجود حوافز رغم أن القانون رقم 14 لسنة 2014 أضاف الكثير من المميزات المالية أبرزها مضاعفة الحوافز، ولكن لا تزال تلك المزايا غائبة بل إن الرواتب أيضاً هزيلة حيث يحصل الخريج على 1200 جنيه فقط، بالإضافة إلى أن المغتربين لا يصرف لهم بدل اغتراب.

وأشارت إلى مشكلة أخرى وهى الوجبات الخاصة بأفراد التمريض فهى غير مناسبة؛ فراخ مع جبنه أو مربى، أكل غير متجانس لذلك يلجأ معظم العاملين إلى شراء وجبات بديلة ومن الوجبات إلى الزى الرسمى للتمريض حيث لا يوجد لهم زى موحد أو رسمى على العكس فى مستشفيات وزارة الصحة.

وتكمل "كوثر" قائلة: لا ننكر أن هناك تحسنناً طفيفاً فى الأوضاع ولكننا نرغب فى أن يصبح الدخل مناسباً للمجهود المبذول والضغوط التى نتحملها، والمخاطر التى قد نتعرض لها فى أثناء العمل، ويجرى حاليا التفاوض مع وزارة المالية والحكومة لتجنب أى أزمات قد تحدث فى هذا القطاع، فلدينا نحو 220 ألف ممرض وممرضة، وعلى أرض الواقع فالعدد الحقيقى 184 ألفا داخل القطاع الحكومى، وفى حالة خروج 10 آلاف شخص على المعاش، فلن نستطيع مواجهة العجز فى هيئة التمريض إذا لم يتم القضاء على أسباب تسرب العاملين بالمستشفيات الحكومية إلى القطاع الخاص. بالإضافة إلى وجود وحدات صحية ويبلغ عددها 300 وحدة لا يوجد بها أطباء مقيمون ويقع العبء على أفراد التمريض.

أجهزة المعمل

الدكتورة حنان السباعى، مديرة المعهد الفنى للتمريض، أكدت قدرة المعهد على تخريج دفعات كبيرة سنويا تغطى العجز الحالى ولكن المشكلة أنه لا يوجد مبنى للمعهد وطالبنا أكثر من مرة بتوفير مبنى كامل ومجهز، ليشمل جميع التخصصات، ولكن فى الوقت الحالى لا يوجد لدينا إلا معمل واحد، وهو يحتوى على أجهزة منذ التسعينيات منذ إنشاء مدرسة مبارك كول، ويحتاج إلى صيانة خلاف أن أجهزة التكييف معطلة وهناك أجهزة تتلف بسبب حرارة الصيف.

الدكتور هشام مبروك، عضو نقابة التمريض، أكد أن عدد الممرضات الأجنبيات فى مصر يبلغ حوالى ١٠ آلاف ممرضة من المنظومة الصحية الخاصة، فغالبية أصحاب المستشفيات الاستثمارية يتعاقدون مع الممرضات تحت مسميات أخرى غير التمريض، فبعضهم مقيد فى الأوراق الرسمية على أنها فى زيارة إلى مصر لعدة أشهر، وفى حقيقة الأمر هى تعمل فى مستشفى خاص، ويساعدها فى ذلك غياب الرقابة على تلك المستشفيات.

وتنتشر الممرضات الأجنبيات داخل ما يزيد على ٣٠ مستشفى خاصاً فى القاهرة والجيزة وتحديدا مستشفيات أكتوبر والمعادى ومصر الجديدة، وأغلب جنسيات الممرضات الأجنبيات بلغارية وفلبينية وهندية وأوكرانية، والأقل عددا هنا الإيطاليات والفرنسيات.

على شبكة الإنترنت قام عدد من الممرضين والممرضات بنشر أرقام هواتفهم على موقع يحمل اسم «عيادة خارجية» ويقوم المعلن بعرض رقم الهاتف الخاص به والمناطق التى يعمل بها وعدد الساعات، وبعد التواصل مع المعلنين بعضهم أخبرنا أنه يتقاضى 300 جنيه فى اليوم بعدد ساعات 12 ساعة والبعض الآخر يقبل الحالات الكبيرة فقط، ومنهم من يرعى المسنين، وعن الأسباب التى دفعتهم إلى خوض تلك التجربة، قالوا إن الظروف المعيشية أصبحت مكلفة للغاية.