عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عقود من «الخصام والوئام» بين الجمهورية والمملكة

بوابة الوفد الإلكترونية

مرت العلاقات المصرية - السعودية طوال 6 عقود بفترات هجر وخصام ومحبة ووئام كامل منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952 والسعودية تنظر للثورة المصرية بخوف وارتياب خوفاً من امتداد المد الثوري اليها، خاصة وأن مصر تعد كالشمس في محيطها العربي.

فما أن تبزغ حتي تنتشر أشعتها في كل الأقطار العربية.. ولم يكذب جمال عبدالناصر الخبر وأخذ يغذي الثورات العربية ضد عروش وممالك الامة العربية كلها فاتخذت العلاقات المصرية - السعودية طابع «العداوة» والتي أخذت تزداد وتكبر يوماً بعد آخر ككرة الثلج حتي وصلت الي منتهاها في حرب اليمن والتي حاول فيها ناصر اقتلاع عرش الإمام الفاسد، وفي نفس الوقت التحرش بالسعودية و«جر شكلها» كما يقول المصريون.
ودارت حرب سعودية - مصرية علي أرض اليمن حتي وقعت كارثة يونيه 67، واضطر ناصر لسحب قواته وترك اليمن لليمنيين.
بل وأجري مصالحة في مؤتمر القمة العربي بالخرطوم مع الملك فيصل ودولته.. ومرت الأمور بين الدولتين هادئة.. لكن في توجبس وخيفة علي الأقل من الجانب السعودي. وفي عام 1971 وبعد مجيء السادات عاد الدفء للعلاقات المصرية - السعودية حتي بلغ أوجه مع بدء اشتعال حرب السادس من أكتوبر وحينها قادت السعودية الدول النفطية بأكملها لوقف ضخ النفط العربي لأمريكا وأوروبا وهو ما كان له أبلغ الاثر في العلاقات بين البلدين وفي تحقيق النصر لمصر والعرب. وما أن قرر السادات عقد اتفاق السلام - منفرداً - مع اسرائيل حتي قررت الدول العربية مجتمعة قطع العلاقات مع مصر وجاء عام 1987 وأعادت السعودية علاقاتها مع مصر، ونظراً لإدراك الرئيس السابق أهمية المملكة العربية السعودية وقيادتها لدول الخليج الستة حرص مبارك علي اقامة علاقة وصلت الي حد «الصداقة» مع الحكام السعوديين بل ومع الاسرة المالكة بأكملها.
وخلال هذه الفترة حدثت عدة مشاكل للعمالة المصرية بالمملكة وصلت الي سجن وجلد طبيبين مصريين في قضية ظالمة أثارت الرأي العام المصري بأكمله.
واهتمت بها كافة وسائل الاعلام ولجأت الي تسخين الأجواء والتي وصلت الي حد التراشق الإعلامي بين البلدين.
لكن علاقات الصداقة والمودة التي جمعت بين المخلوع وحكام المملكة كانت بمثابة صمام أمان ضد أي توتر يسود الاجواء بين البلدين.
ومع بالغ الأسف كانت هذه الصداقة والمودة علي حساب كرامة المواطن المصري في السعودية وغيرها من الدول العربية.. وليس أدل علي ذلك انه في نفس الفترة تقريباً تعرضت خادمة فلبينية لأزمة قانونية بالسعودية حيث هددتها بالسجن.
فما كان من رئيسة وزراء الفلبين إلا أن استقلت الطائرة وهبطت بها علي الأرض السعودية ولم تعد الي بلادها إلا وبصحبتها الخادمة الفلبينية لأنها مواطنة وتستحق أن تتحرك الدولة بأكملها لإنقاذها من الظلم وغياهب السجن ويشاء الله أن تحدث كارثة الطبيبين المصريين في نفس الفترة تقريباً واشتعلت وسائل الاعلام بتناول الحدث خاصة وأن الطبيبين كانا مظلومين وحكم علي كل واحد منهم بالسجن وأكثر من 1500 جلدة كل ذلك والوضع مشتعل.
وهنا أعلن عن زيارة خاطفة للرئيس المصري مبارك الي السعودية.. وبحكم العلاقات التاريخية بين البلدين وبحكم الصداقة التي تجمع بين مبارك وخادم الحرمين الشريفين.. توقعنا جميعاً أن مبارك سيعود وعلي طائرته الطبيبان المصريان كما حدث مع رئيسة وزراء الفلبين ومواطنتها الخادمة.
ولكن خابت توقعاتنا وعاد مبارك بالفعل ولكن دون الطبيبين.
وزفت الينا وسائل الإعلام خبر عودة مبارك ومعه «عبارتان» هدية من السعودية للشعب المصري وهنا يري ان الرئيس المصري فاضل بين مواطنيه والعبارتين فاختار الثانية.
وحاصرتنا مشاكل المصريين في السعودية طوال فترة حكم المخلوع وكان سببها الأول هو نظام الكفيل الذي يعد نظاماً كاملاً للرِق والعبودية، فالعامل المصري يكد ومجرد شكوي من الكفيل - حتي لو كانت ظالمة - فهي كفيلة لوضعه في غياهب السجن بل وترحيله الي بلده دون أن يأخذ حقه وكد عرقه.
واستمرت المشاكل والعقبات حتي جاءت مشكلة المحامي الشاب أحمد الجيزاوي فكانت بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير».
فتناولت وسائل الإعلام المشكلة بكل رعونة حتي أشعلتها ناراً موقدة وحدث تبادل للاتهامات بين مسئولي المملكة الذين يؤكدون حمل المحامي الشاب لكمية من الأقراص المخدرة أثناء دخوله المملكة وبين أهله وأقاربه الذين يؤكدون ان القضية ملفقة نكاية في المحامي الشاب لسابق دفاعه عن متهمين مصريين بالسعودية.
ووسط التعتيم الإعلامي وعدم الشفافية من مسئولي البلدين

تفاقمت المشكلة حتي وصلت لاحتجاز القنصل السعودي في السويس من قبل المتظاهرين.
وفي القاهرة احتجز المتظاهرون الغاضبون السفير السعودي أحمد عبدالعزيز القطان داخل مقر السفارة يوم الخميس الماضي ولم يستطع الذهاب الي منزله، بل وحاول المتظاهرون اقتحام السفارة وسط سلبية وحراسة أمنية ضعيفة لم تستطع أن تضع حداً لتجاوزات الشباب الغاضب ولإهاناتهم رموز المملكة وشعبها، وبالطبع لم يكن موقف «الجيزاوي» هو المحرك الأول للتظاهرات ولكن كانت هناك أسباب أخري غير معلنة وهي حماية المملكة للرئيس المخلوع ومحاولتها لعدم محاكمته أو إهانته.
بل وعرض رجال أعمال سعوديون عشرات المليارات من الدولارات نظير العفو عن مبارك والسماح له بالمغادرة الي السعودية، كل ذلك كان يستفز الشارع المصري وخاصة ثواره من الشباب.
كما أن امتناع السعودية عن تقديم المساعدات التي وعدت بها مصر بعد الثورة جعلها في موقف المعادي للثورة المصرية مما استفز مصر حكومة وشعباً.
ورغم إعلان السعودية عن منح مصر 2.7 مليار دولار لمصر كمنح ومساعدات إلا أن ذلك لم يستطع نزع فتيل الأزمة وتبريد الأجواء الساخنة في العلاقات بين البلدين.. حتي جاءت مشكلة «الجيزاوي» ففجرت كل المشاعر الغاضبة ولم ينظر لها الشباب في اطارها القانوني البحت، سواء كان هذا الشاب بريئاً أم مداناً.. وانما ينظرون اليها علي انها عقاب من السعودية لمصر علي ثورتها. وهنا وقعت تجاوزات شديدة من بعض المتظاهرين حتي وصل الأمر بحكام المملكة لاتخاذ خطوة انفعالية لا مثيل لها في العلاقات بين البلدين.
وقررت سحب سفيرها واغلاق مقر السفارة والقنصليات السعودية، وهنا فقط تنبه المسئولون في مصر للكارثة خاصة مع وجود 2 مليون مصري يعملون بالسعودية.
ولأهمية العلاقات بين البلدين تسابقت مصر الرسمية والشعبية لإجراء الاتصالات وتقديم الاعتذارات والتي ما كنا في حاجة اليها لو نظرنا لمشكلة المحامي الشاب في إطارها القانوني البحت وفي اطار احترام القضاء في السعودية ومصر ويكفي أن هناك عشرات السعوديين يحاكمون في مصر.. بل وبعضهم صدرت ضده أحكام وصلت الي الاعدام ومع ذلك لم تحدث في السعودية مثل هذه المظاهرات الهوجاء ولا رددوا الشتائم والسباب لحكام مصر.
وأعتقد ان الكرة الآن أصبحت في ملعب مصر الرسمية والشعبية لمحاولة إصلاح الخطأ وتقديم الاعتذار للمملكة السعودية علي هذه التجاوزات مع عدم التفريط في حق المحامي الشاب أحمد الجيزاوي ولا أي مواطن مصري في أي دولة غربية، وأتمني أن تسعي الحكومة المصرية لمحاولة إقناع المملكة العربية السعودية وكافة الدول الشقيقة للتخلي عن نظام الكفيل والذي يرسخ للعبودية والرِق والذي ألغته كافة المواثيق والأعراف الدولية.. كما أرجو أن تستجيب المملكة وحكامها لمساعي أهل مصر حكومة وشعباً، وأن تعيد العلاقات الي دفئها مع عدم ظلم أي مواطن مصري وتفعيل سيادة القانون علي الجميع.. كفيل ومكفول لا فرق.. هذا هو السبيل لإصلاح ذات الدولتين ولدرء أية مشاكل قد تتكرر مستقبلاً.