رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

منى السهار تقود أول فريق نسائي مصري لسائقات الدراجات النارية

منى السهار
منى السهار

كفارسة مغوارة أنسلت عبر بوابات عالم الأساطير العربية البائدة في غفلة من الزمان، تعتلي صهوة جوادها الفلاذي الجامح وتطوع مراسه بنعومة أنوثتها ورزانة شخصيتها، تنزع سنابك فرسها عن الأرض مرفوعة الهامة، تولج مفتاح الحياة في ثقب تشغيله منتصبة القامة فيأز محركه أسفلها، تستل مقبض الوقود وتحكم قبضتها على مِقْوَدي دراجتها النارية، وقبل أن يتعالى هدير صوته من مكمنه أسفل مقعد السائق تبسط يدها على قفل المكابح مطلقة لها العنان لتسابق نسائم صباح خريفي ناعم تحمله أمواج المتوسط.

 

تشق "منى السهار" طريقها بين صفوف السيارات المتسابقة والحافلات الضخمة فيما تخوض عباب مناورات حامية لتفادي عربات "السرفيس"؛ "الميكروباصات"، توخز بمقدمة دراجتها فئة محرك "150 سي سي" قائدي السيارات تنهرهم عن مسعاهم لاجتيازها، وتلوح بقبضتها متوعدة منهم من يحاول استدراجها لسباقات جانبية، تطارد حلمها الرماح، وبينما يصفع هواء سبتمبر المارق على امتداد شاطئ "ستانلي" سترتها الواقية، تنبض إشارات دراجتها مع قرب أول منعطف تجتازه في لفة راقصة كأمهر لاعبات الباليه.

تترجل "منى" صاحبة أول أكاديمية لتعليم النساء والشباب قيادة الدراجات البخارية في مصر عن دراجتها، تلجم عنفوان فرسها بركلة قوية من رجلها الممشوقة تحكم بها زمام حركته إلى الأرض، ترسو بدراجتها إلى الرصيف يجاورها صف من العجلات النارية المتراصة على خط واحد بإحدى أذقة حي الأزرايطة لتنزع خوذتها الفضية كاشفة عن بشرة خضبتها أشعة الشمس تعلوها مسحة من الثقة تكلل قسماتها السكندرية المليحة، قبل أن يختفي أثرها عند ناصية إحدى الدهاليز المنزوية، مهرولة في طريقها تأهبًا لتناول وجبة إفطار تقليدية من الفول والفلافل برفقة عضوات فريقها النسائي الأول من نوعه في مصر لراكبات الدراجات النارية. 

 

بلكنة سكندرية ممطوطة تعلوها مسحة من الإعزاز تروي "منى"، مهندسة الزراعة الثلاثينية قصة عشقها للدراجات النارية الذي بدء مع بكر الطفولة رافقه تنامي خصال الفروسية بوجدانها، دفعتها نزعتها التواقة للوثب على عقارب الساعة واجتياز معترك زحام امتداد ساحل عروس البحر، الذي تتخطاه ذهابًا وإيابًا لتعلم مهادنة الدراجات النارية، وأمام جلدها امتثل ذلك الحصان الجانح لأوامرها من أول مرة في عداد ساعات قليلة، قبل أن تقودها المصادفة التي جمعتها بأولى متدرباتها وأوقدت شغفها لتدريب النساء قيادة العجلات النارية.\

أصقل السجال المرير الذي خاضته لنيل رضا أسرتها عن خاطرتها الوليدة عزيمتها الصلدة، وألانت "منى" بفطرتها الأنثوية الحذرة معارضتهم وضمدت برجاحة عقلها مخاوفهم. مستندة إلى كتف شقيقها الأكبر الذي أغدق عليها بفيض نصائحه وأحاطها برعايته، أطلقت "السهار" أكاديميتها في تعليم قيادة الدراجات التي لقنت نخبة من أمهر سائقي الدراجات البخارية بالأسكندرية، وجمعت شمل أول فريق نسائي لقادة الدراجات النارية تقوده "منى" بسيمفونية من التعليمات التي تنثرها يمينًا ويسارًا تمهد بها الدرب أمام 7 نساء تتراوح أعمارهن بين الـ 18 وحتى مشارف الأربعين للحاق بأحلامهن المنسية.

 

 

تحدي العجز والضعف .. حلم"شيماء" الغالي:

حاملة خوذتها السوداء الضخمة، تعبث بحقيبتها بحثًا عن مفتاح المنزل الذي ما إن يدور في ثقب الباب حتى تحل الطمانينة على قلب بكربيتها "حبيبة"، ببشرة شقراء تميل إلي الشحوب تتمدد في مخدعها صامتة يجثم ثقل الصمت الذي يلف المنزل على  صدرها، يبدده بين الحين والآخر صريخ شقيقتها الصغرى، التي لم تكمل عامها الأول، تدور مقلتيها اللوزيتين في أنحاء الغرفة حتى تستقر على مدخلها في انتظار أن تبدد طلة أمها شكوك الغياب، تهل عليها والدتها "شيماء مدحت" يسبقها صوتها الدافئ فتتراقص عينيها طربا على باب الغرفة.

حبيبة ذات الـ 17 ربيعًا هبة والديها، التي أفقدتها ضعف جسدها وليدة قدرتها على الحركة، وألم العجز بتلابيب جسدها فأطبق الصمت على حياة "شيماء"، إحدى عضوات فريق "السّهار" لقيادة الدراجات النارية، وزوجها "مهاب" طيلة أعوام طويلة، قبل أن تشق ابنتهما  الوسطى "فريدة" غمام السكوت الذي لازم منزلهما لسنوات، ابرأ شغف القيادة شروخ روح "شيماء" وضمدت دراجتها النارية قلبها المفطور.

 

 

 ما إن تمتطي ظهر حصانها الأسود فئة محرك "200 سي سي" ويتعالي ضجيج محركه الهادر حتى يضغى على أشباح هواجسها، ويبسط لخيالها الطريق لعالم أحلامها الندية حيث تثب به برفقة ابنتها بين الورود وحدائق أمانيها الوردية في ضواحي أحياء الأسكندرية فيما يقبل رذاذ البحر وجه "حبيبتها" المورد بقبلات من شمس النهار داخل عربة جانبية تتصل بدراجة أحلام "شيماء" التي تحمل محرك بقوة فلاذية لاتتضنيه نزهات الخيال داخل وجدانها.

يلازم شيماء وزوجها أمنية اقتناء دراجة بخارية قادرة على حمل ابنتها الرابضة في سكون على مقعدها المدولب في جولات مبهجة تمشط فيها شاطئ الاسكندرية انجازًا لمهام أسرتها وزهراتها الأربع الواثبات على درجات الصبا، يشدد زوجها من أزرها ويعينها بنصيب من مسؤليات المنزل التي تلقى على عاتقها خلال أسفاره، يقوى عضدها ويدفعها بحذر لمطاردة حلم الطفولة باقتناء "دراجة نارية" بعد أن قادته الصدف لـ "منى السهار" التي أوكلها بتدريب زوجته على ركوب "الأسكوتر"، مسترشدًا ببراعتها وباعها الطويل في التعليم الذي أذعن جماح الدراجة بين يدي "شيماء" حتى انصاعت لأوامرها.

 

 

كارما هاني .. أصغر عضوات فريق راكبات الدراجات

مسحة من البراءة لاتخطئها العين تسري بين قسمات وجهها الغض الذي يشي بحقيقة عمرها، تعلوه نظارة بإطار طفولي تخفي خلفها عينين يطل منهما مزيج من الفضول والشغف للاستكشاف، بإرادة صلبة وعقل واعي يفوق سني عمرها التي لم تبلغ العشرون نجحت "كارما هاني"، أصغر عضوات فريق "السهار" لقيادة الدراجات النارية، في حياكة الحيل لتوقع أسرتها في أسر عشق الدراجات البخارية.

تهبط درج البناية التي تقطن بها في حي "المنشية"، ممسكة بخوذة ضخمة في لون شمس المغيب يقبع داخلها قفازات جلدية باللون الأسود تزينها زوائد لامعة مهرولة في طريقها إلى مرآب السيارات المقابل لها حيث يربض حصانها الأثير؛ دراجتها البخارية ذات اللون الأحمر، التي تكلل آخر انتصاراتها على حداثة عهدها وصدق عزيمتها في ملاحقة أحلامها بلا هوادة، ثوانٍ معدودة وينفث المخلوق الفلاذي العملاق دخانه في الهواء يحجب ترددها قبل أن تنطلق لتخوض غمار مناورة جديدة مع سائقي "المشروع" وعربات النقل على شاطئ عروس الأسكندرية، تزفها قائدات السيارات والمارة بباقة من كلمات التشجيع الدافئة تنهال على أذنها فتسري عنها.

 

 

نظرة من الفخر المحفوف بالحقد تكسو وجوه زملائها الذين يتطلعون لها بمزيج من السعادة والاعتزاز برفيقتهن التي نجحت في تخطي عقبة خوفها الأولى

على درب أحلامها، نجاح جديد يفسح له مجالًا بين قائمة أمانيها الطويلة، التي يتوجها صيت تفوقًا علميًا يجري على الألسنة بين أصدقائها ومعلميها، لم يثبط عزمها عن البحث حثيثًا وراء حيلة لرفع القليل من التكاليف ومصروفات تنقلاتها عن كاهل أسرتها مدفوعة بنقاء سريرتها ورقتها، حتى وجدت ضالتها بين يدي "مني"، التي لم تدخر جهدًا في تلقينها تدريبًا مكثفًا على ملاينة الدراجة لتحيل الحائل الجليدي الذي ارتفع بين "كارما" وقطعة الفلاذ العملاقة إلى جو من الألفة. 

تتلاشى مخاوفها فكل كل مرة تعتلي فيها دراجتها فئة محرك "150" سي سي مع أول لفحة تصافح وجهك من هواء البحر المحمل برائحة اليود الذي يداعب مراكز الإحساس بأنفها ويعبث بملابسها الفضفاضة، متقيدة إلى تعليمات مدربتها منى السهار وصديقتها الكبرى التي بثت فيها دفقات من الشجاعة والجرأة، قضت على بقايا المخاوف داخل والدها وشقيقها الأكبر بعد فشل محاولات "كارما" التودد إليهما بفطرتها لتسبر مكامن تعنتها، التي مالبثت إلا واخترقتها "منى" بإحترافيتها في تعليم قيادة الدراجات.

"الأسكوتر" حلم طفولة "فيروز" و"سمر" و"شيماء" ... الذي تحول لحقيقة

تتطلع إلى صورتها المنعكسة على المرآة أمامها تبادلها النظر راضية عن النتيحة التي أحرزتها في تنسيق إطلالة أنيقة تتماشي مع ألوان دراجتها فضية اللون قبل أن تلقي نظرة أخيرة إلى هيئتها وتغادر الحجرة حاملة مفكرة محاضراتها في طريقها إلي مرأب منزلها حيث يقبع حصانها فئة محرك 250 سي سي، ساكنًا في الظلام، تعتمر خوذتها التي تشاطر دراجتها اللون وتسحب قفازاتها السوداء من جعبة "الأسكوتر" المخفية أسفل مقعد السائق قبل أن تبث فيه مفاتيحها الحياة لينهض من ثباته رامحًا لتدرك محاضرتها الأولى بإحدى مدرجات قسم عمارة في جامعة الأسكندرية.

 

 

ترافق الدراجة "فيروز محمد" ذات الـ 20 ربيعًا بين مواقع البناء حيث تتلقي تدريبًا مكثفة لبلوغ حلم العمر كمهندسة ديكور بعد التخرج، يفصلها عام واحد عن بلوغ أمنية الصبي بعد اجتيازها نصف الدرب إليه بتفوق ملحوظ اكسبها سمعة طيبة بين أساتذتها وزملائها كإحدى أنجب الطالبات والأولى على دفعتها، وهو ماكفائها عليه والدها بحصان طفولتها الذي امتطته في خيالها طيلة أعوام الطفولة وحتى أودع الزمان بها زهرة شبابه وبشجيع من والدتها العاشقة للدراجات أهدتت خطى "فيروز" في البحث عن يد تساندها في مغامرتها الأولى على ظهر فرسها المعدني إلى "منى" التي أرشدتها على طريق القيادة.

 

ساعات قليلة تفصل "فيروز" عن موعدها المتفق مع صديقتيها "سمر" و"شيماء عبد النبي"، عضوات فريق "السهار" لقيادة الدراجات، تمضيها الأولى في المطالعة حتى يحين الموعد وتنطلق في طريقها الي "كليوباترا" حيث يتشارك الثلاثي أكواب من الآيس كريم ويتفقان على سباقهن المنتظر وأول اختبار لمهارتهما في مناورة السيارات المنطلقة، يستعيدان ذكريات خيبة أمل "شيماء" بعد اكتشافها سرقة دراجتها القديمة قبيل خوضها أول سباقٍ لها مع العشرات من سائقي "الأسكوتر" بالأسكندرية قبل أن يطردن هواجسهن ويحكمن الإعداد لبكورة تجربتهن في السباقات بداية من الالتزام بالتدابير الاحترازية وإتباع وصايا "منى" بارتداء الزوائد الواقية للركب والذراعين وحتى تبادل تنسيق إطلالة يوم السباق.

 

الدراجات النارية بثت الروح في رمال حياة "زاهية" و"نسرين" بعد ركود:

تتطلع "زاهية محمد " من نافذتها المطلة على إحدى الشوارع الجانبية لحي "سموحة" حيث تمرق "سمر" في طريقها إلى منزلها لتثير في وجدان "زاهية" أطلال حلم الطفولة البائد يناهز في حيويته نبض الحياة الساري عبر سنوات عمرها الأربعين، يرتسم على ثغرها إبتسامة واسعة قبل أن تغوص في عالم طفولتها المثالي حيث داعبها حلم امتطاء دراجة بخارية كتلك التي امتلكها والدها، تستفيق على صوت ابنتها يدوي بحماس تدعوها لرؤية صفحة أول مدربة لركوب الدراجات النارية في الأسكندرية "منى السهار".

 

تتأهب "نسرين إسامة" لوضع اللمسات الأخيرة على مستلزمات المدرسة لأطفالها قبل أن تتلقى مكالمة يرتفع رنين هاتفها المحمول تضوي شاشته بأحرف اسم "منى السهار"، دقائق قصيرة قبل أن تنتهي المحادثة التي جمعت بينهما على اتفاق لقائهما المرتقب لخوض أول سباق نسائي للدراجات النارية في مصر، تعتريها موجة البهجة الغامرة تعيد الحياة لرمال حياتها الراكدة منذ 20 عامًا وتبث بروحها دفقة من طاقة تمكنها من إنجاز أعبائها المنزلية المتزايدة.