عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: قداسة البابا.. اعزل الخبيث من بيننا

البابا تواضروس مع
البابا تواضروس مع البابا فرنسيس

المسيح طلب من تلاميذه والمؤمنين به التمسك بالوحدة

الكنيسة واحدة وجامعة ولا يجب انقسامها إلى مِلل وطوائف

دور البابا هو حراسة الشعب القبطى من الذئاب المتخفية فى ثياب الحملان

 

نشأتُ فى أسرة مسيحية طيبة، لأم كانت مثالاً رائعاً فى التدين، ومعرفة الله، علمتنى أمى أن كنيسة المسيح واحدة، وقالت لى فى طفولتى، إنَّ الله أرسل المسيح إلى العالم ليخلص الجميع، وليجمع الكل إلى حظيرة واحدة، فتكون رعية واحدة لراعٍ واحد.

وعرفتنى أمى، أنَّ كنيسة المسيح واحدة؛ لأن لها رباً واحداً، وأنَّ السيد المسيح أعلن هذه الحقيقة حين قال: «ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغى أن آتى بتلك فتسمع صوتى، وتكون رعية واحدة وراعى واحد».

وقالت لى أمى، إنَّ السيد المسيح طلب بنفسه لتلاميذه، ولكل المؤمنين به، بهذه الوحدة، وإنه لما وقف يصلى لأبيه قال: ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضاً من أجل الذين يؤمنون بى بكلامهم، ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فىَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتنى، وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى ليكونوا واحداً، كما أننا نحن واحد، أنا فيهم وأنت فىَّ ليكونوا مكملين إلى واحد.

وحكت لى أمى، أنَّ تلاميذ السيد المسيح أعلنوا عن هذه الوحدة، وأن القديس بولس قال: «نحن الكثيرين، جسد واحد فى المسيح، وأعضاء بعضاً لبعض، كل واحد للآخر، وأن الرسل أوصوا المؤمنين بالتمسك بهذه الوحدة، والمحافظة عليها، وأن واحداً من الرسل قال فى رسالة له للمؤمنين: أطلب إليكم أن تسلكوا كما يحق للدعوة التى دعيتم إليها، مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام، جسد واحد، وروح واحد، كما دعيتم أيضاً فى رجاء دعوتكم الواحد».

ولما كبرت وطالعت الكتب عرفتُ أنَّ الآباء القديسين قالوا: بما أن الكنيسة مختصة بواحد، فهى بالطبع واحدة، وأن الكنائس سواء فى الدول، أو فى المدن أو القرى وإن كانت عديدة، وإنما الكنيسة واحدة؛ لأن المسيح الحاضر فيها كلها واحد، كامل غير منقسم.

وعرفت أنَّ كنيسة الله واحدة، ليست فى مكان بعيد، بل فى جميع بقاع الأرض، وأنه يجب ألا يفهم من اسم الكنيسة معنى الانفصال، بل إنما هو اسم للاتحاد والألفة، فالكنيسة وإن كانت متفرقة على وجه الأرض، إلا أنها تحفظ البشارة باجتهاد، كأنها ساكنة فى بيت واحد، وتؤمن بأسرار واحدة كأن لها نفساً واحدة، وقلباً واحداً، فالكنائس التى فى مصر وليبيا وسائر أطراف المسكونة لم تأت بشىء مخالف، بل إن بشارة الخلاص تسير فى كل مكان بذاتها الواحدة، كما أن الشمس تفيد العالم أجمع، وهى واحدة لا أكثر.

 

قانون الإيمان

وفهمت من أمى- رحمها الله- أنَّ الذين رجاؤهم المسيح هم شعب واحد، وأن المسيحيين المتفرقين على وجه الأرض هم جسد واحد، وأنهم يتجهون إلى غاية واحدة للخلاص.

وروت لى أمى، أنَّ جدها لأمها- وكان قسيساً لكنيسة مارجرجس بكوتسيكا- عرَّفها أن المسيحية تقوم على عدة عقائد، يشترك فيها كل المسيحيين، وأن هذه العقائد منصوص عليها فى قانون الإيمان، فيجب أن نؤمن بإله واحد، ونؤمن بلاهوت السيد المسيح، وبلاهوت الروح القدس، وبعقيدة الثالوث الأقدس، وبالتجسد والفداء، والخلود والحياة الأبدية.

ومن هذا المنطلق كانت أمى تلقى على مسامعى صبيحة كل يوم، نصوص هذا القانون، وطلبت منى أن أحفظه عن ظهر قلب، وكانت تطالبنى بأن أردده أمامها، وتلومنى إن سهوت أو أخطأت!!

وقالت لى أمى، إنَّ كنيسة المسيح الحقيقية، كنيسة جامعة؛ لأنها تضم إليها الذين يخلصون، وإنها تُعلم الكل قواعد الإيمان، وذلك لخلاص الجميع دون استثناء، وأن الكنيسة تُدعى جامعة؛ لأنها منتشرة فى كل العالم، وهى التى يؤلف جسمها كنائس الدول والأقطار ورأسها المسيح.

وكنيسة المسيح لا يحدها زمان، ولا يحدها مكان، بل تشمل كل الأزمان وتوجد فى كل مكان؛ لأنها تجذب إليها، وتضم إلى حظيرتها جميع الأمم، فهى كالشبكة المطروحة فى البحر، جامعة من كل نوع، وكنيسة المسيح هى المبنية على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه هو حجر الزاوية. وهى رسولية من جهة تعليم الإيمان، الذى تسلمته من الرب نفسه، ومن رسله الذين كانوا معه منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة.

وهى رسولية لحفظ هذا التعليم، كما هو، والتمسك به، والاعتماد عليه، دون إخلال فيه أو إحداث تغيير فى وضعه أو رسمه، مكتوباً كان أو غير مكتوب، وهى رسولية ليس فى حفظ تعليم الرسل فقط، بل فى حفظ تعليم الأنبياء؛ لأن المسيحيين الحقيقيين يبنون على أساس الرسل، والأنبياء أيضاً.

وهى رسولية، أيضاً، فى رسامة رعاة الكنيسة، الذين هم خلفاء الرسل، رسامة شرعية بوضع أيدى رؤساء شرعيين رسوليين، متصلة سلسلة خلافتهم بالرسل أنفسهم، إذ لا أحد يأخذ لنفسه هذه الخدمة إلا المدعو من الله، وبواسطة الكنيسة، وكيف يكرزون إن لم يرسلوا.

والإرسالية يجب أن تكون من مصدر شرعى، ولأجل هذا يقول الرسول لتلميذه: «تركتك فى كريت لكى تكمل ترتيب الأمور الناقصة، وتقيم فى كل مدينة قدساً كما أوصيتك»، وهذا طبقاً للنظام الذى وضعه الرب، إذ اختار لنفسه رسلاً وأرسلهم، وخص به خدمة كنيسته وإقامة أسرارها.

وهؤلاء أقاموا خلفاءهم نواباً عنهم بوضع اليد، وفوضوا إليهم أمر إقامة الرعاة للكنائس.

ومنذ طفولتى عرفت أنَّ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، هى كنيسة المسيح الحقيقية؛ لأنها تأسست منذ العصر الرسولى، وتسلمت تعاليمها من القديس مرقس الذى أخذ التعليم من الرب رأساً، وجال يبشر بالإيمان تارة وحده، وأخرى مع برنابا وبولس، وأخيراً زار مصر، وبشر بإيمان فيها، وفى عهده تأسست أول كنيسة مسيحية رسولية، وأقام خلفاً له أول بطريرك للكرازة المرقسية، رسولية، لأن رعاتها شرعيون يسوسونها منذ أكثر من 21 قرناً، تحت رئاسة الرب، رئاسة ممثلة فى أولئك الرعاة، وسلسلة الخلافة الرسولية الحاوية أسماء أحبارها الذين تولوا رئاستها منذ عهد «أنيانو» إلى الخليفة الحالى غبطة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثانى، رسولية؛ لأنها تسير بحب تعليم الرب ورسله القديسين، وقوانينهم سيراً متصلاً باستمرار، رسولية؛ لأنها حافظت على هذا التعليم دون أن تزيد عليه، أو تنتقص منه شيئاً.

 

كنيسة واحدة

وطالما سألت نفسى: إذا كان السيد المسيح أراد والرسل من بعده أن تكون الكنيسة واحدة، لكن لماذا أشاهد الآن هذا الانقسام الحاصل؟ لماذا فرقت الكنيسة إلى مِلل طوائف، لماذا شقوا ثوب المسيح، لماذا شوهوا الكنيسة عروس المسيح؟!

شاهدت البعض ينشئ كنيسة باسم جديد، وبمبادئ جديدة، لا أنكر أن هذا الانقسام ناتج عن الانقسام الواقع فى النفس البشرية، وفى الفهم الخاطئ للعقائد المسيحية، وفى الكبرياء، والذات البشرية فمعظم الهراطقة كانوا فى كنائسهم محاربين شرسين للهرطقات، وسقطوا فى الهرطقة، وهم يحاربون الهرطقة!!

ومادامت كنيسة المسيح الحقيقية واحدة، ويرتكز شعبها على عدة عقائد مصدرها الكتاب المقدس ويؤيدها التقليد، وقرارات المجامع المسكونة، وقوانين الآباء، فلماذا انفصل عن الكنيسة الواحدة أناس، واتخذوا لأنفسهم معلمين مستحكمة مسامعهم، وصرفوا مسامعهم عن الحق، لماذا يعلمون تعليماً آخر غير موافق لكلمات يسوع المسيح، فإذا كان هؤلاء انفصلوا عن الكنيسة الواحدة، وبات لكل منهم رأى خاص، ومعتقد خاص، يختلف عن غيره، ويناقضه تماماً، وكل واحد منهم يدعى أن الحق فى جانبه.

فإنَّ دور الكنيسة الأرثوذكسية أن تسعى من أجل وحدة الكنيسة، وأن تبرم الاتفاقات فى كل الأمور العقيدية والإيمانية، حسبما هو مطابق لتعاليم السيد المسيح.

 إنَّ دور البابا ليس مقصوراً مكانياً فى مصر أو فى الحبشة أو فى دول المهجر، بل إنَّ دوره يمتد إلى كل بقاع الأرض، إنه مطالب بالمناداة بالإنجيل، وتعليم البشرية شريعة الرب، وتفهيمهم الحقائق الدينية، والأصول الإيمانية، وحضهم على حفظ وصايا الله وتعليم الرسل، إنه مطالب بأن يهتم بالكل، يطلب الضال، ويسترد المطرود، ويجبر الكسير، ويعصب الجريح، مطالب بأن يحفظ السمين والقوى، مطالب بأن يقوى الأيادى المسترخية، والركب المخلعة، مطالب بأن يشجع صغار النفوس، وأن يسند الضعفاء، إنه مطالب بالانعكاف على الوعظ والتعليم، مطالب بأن يخدم بأمانة، فشعب المسيح أمانة فى عنقه، إنه وديعة ائتمنه الله عليها، وأقامه لرعايتها، وأمره بحراستها، وسوف يعطى حساباً عنها، لذا فهو مطالب بأن يسهر على حراستها من الذئاب الخاطفة التى تأتى إليه بثياب الحملان، وتدخل بينها، سواء كانت منهم أو خارجة عنهم، فإنه يوجد كثيرون متمردون، يتكلمون بالباطل، ويخدعون العقول، معلمين ما لا يجب من أجل الربح القبيح، لقلب إيمان قوم وصرف مسامعهم عن الحق.

 

أنا الراعى الصالح

وشاهدت بنفسى طقس سيامه، وتجليس البابا، واستمعت لفصول 17 هاتور، وتوصيات معلمنا بطرس الرسول للرعاة، وإنجيل يوحنا الراعى الصالح الذى يوصى البابا بأن يتشبه بالمسيح قائلاً: «أنا هو الراعى الصالح، أعرف خاصتى، وخاصتى تعرفنى، أنا أضع نفسى عن الخراف، ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغى أن آتى بتلك أيضاً فتكون رعية واحدة وراع واحد».

شاهدت كبير الأساقفة، وهو يقف أمام باب الهيكل، ويصلى أوشية الإنجيل: أيها السيد الرب إلهنا الذى أرسل تلاميذه القديسين ورسله الأطهار فى كل العالم، ليكرزوا ببشارة ملكوته، ويعلموا جميع الأمم المعرفة الحقيقية.

شاهدت بنفسى طقس السيامة، وتيقنت أن الكنيسة وضعت أمام البابا برنامجاً متكاملاً للرعاية والخدمة، فالبابا الجديد مثال الرسل الذين أرسلهم الرب إلى كل العالم، ليكرزوا ببشارة الملكوت ويعلموا جميع الأمم معرفة الله وعبادته.

واستمعت بإصغاء لكبير الأساقفة، وهو يصلى صلاة السيامة، طالباً للبابا الذى اختاره رئيس كهنة على بيعته، ليكون رئيساً على شعبه وراعياً له، أن يشرق عليه بنور وجهه، لكى يضىء قلبه بينبوع مجده ليعرف أسراره الإلهية، داعياً أن يفضى عليه مواهب روحه القدوس، ليرفع القرابين عن جهالات شعبه وينتشلهم من فخاخ الخطيئة، ويردهم إلى حظيرته المقدسة، وبهذه الصلاة بات البابا هو راعى الرعاة، وهو وحدة حامى الإيمان، وهو المطالب برد الضالين، ويجمع أبناء الكنيسة المتفرقين إلى واحد.

ومن هذا المنطلق يأتى التزام البابا فى السعى من أجل وحدة الكنيسة، والاتفاق على الأمور العقائدية والإيمانية، فالله يطالبنا بوحدة كنيسته على أساس أن يكون هو الرأس، ولا

يمكن أن يكون هو الرأس إلا إذا كان الجسد واحداً، لقد كانت كنيستنا واحدة جامعة، كانت تشمل المسكونة كلها، ومن ثم فإن جميعنا مطالبون بالعمل من أجل هذه الوحدة.

وفى منتصف عمرى تأكدت، أنَّ قداسة البابا كيرلس السادس سعى بنفسه إلى هذه الوحدة، وأن قداسته تعاون مع مجلس الكنائس العالمى على تحقيقها، وأسند إلى الأنبا صموئيل، أسقف الخدمات فى ذلك الوقت، وإلى الأنبا شنودة مهمة التواصل مع الطوائف الأخرى من أجل وحدة الكنيسة.

ومثَّل البابا شنودة، الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مؤتمر بالنمسا انعقد سنة 1971، للحوار مع الكنائس الكاثوليكية حول طبيعة السيد المسيح، وكانت هذه المسألة محل خلاف بين الكنيستين، وحدث بسببها الانشقاق فى القرن الخامس، واستطاع قداسته أن يكتب بيده صيغة لاهوتية باللغة الإنجليزية حازت على موافقة جميع اللاهوتيين الحاضرين، وكان ذلك مقدمة لزيارة بابا الفاتيكان لأول مرة بعد اعتلائه الكرسى البابوى.

وفى مايو سنة 1973، سافر قداسة البابا شنودة الثالث إلى الفاتيكان، والتقى البابا بولس السادس، وكان هذا اللقاء هو أول لقاء بين بابا روما، وبابا الإسكندرية، بعد انشقاق دام 16 قرناً.

وفى هذا اللقاء قرر البابا بولس إعادة رفات البابا «أثناسيوس الرسولى» إلى مصر، بعد أن ظل جسده فى روما عدة قرون، وفى هذا اللقاء اقترح البابا شنودة، أيضاً، على البابا بولس إقامة حوار بين الكنيستين، وعاد الحوار بعد هذا اللقاء بعد أن توقف لقرون.

ومنحت الأمم المتحدة البابا شنودة، جائزة التسامح الدينى لجهوده فى التقريب بين الطوائف، استناداً إلى هذا السبب، كما منحته جامعة بون الألمانية درجة الدكتوراه الفخرية لهذا المجهود الطيب، وما زالت حتى هذه اللحظة تعلق مؤسسة «بروأوزيتا» المتخصصة بالحوار بين الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية، فى لوحة الإعلانات الخاصة بها، تلك الورقة التى كتبها بخط يده قداسة البابا شنودة، وصاغ فيها الاتفاق الخاص بطبيعة السيد المسيح.

 

كثلكة الكنيسة!!

ولما تولى قداسة البابا تواضروس الكرسى البطريركى، انتهز فرصة جلوس البابا فرنسيس الأول قرار الفاتيكان فى 10 مايو سنة 2013 ليقدم له التهنئة، ثم تقابلا معاً بعد ذلك فى 29 أبريل فى القاهرة، وتناقشا فى أمر عدم إعادة المعمودية، ثم سافر البابا تواضروس إلى مدينة بارى الإيطالية لحضور يوم الصلاة الذى دعا إليه بابا الفاتيكان.

والبادى من مسيرة البابا تواضروس، أنه فتح الباب للتعاون مع الكنائس الأخرى خارج وداخل مصر، وأشار صراحة إلى أن الوحدة بين الكنائس مثل حبات العقد، يجمعها خيط واحد، وتحتفظ كل منها بكيانها.

ويبدو أنها كلما اتخذ البابا تواضروس أى إجراء جديد للتقارب مع كنيسة روما، فإنه يواجه بعاصفة من الانتقادات والتشهير، فحين أعلن قداسته عن حوار فى شأن أمر عدم المعمودية، وقتها خرج بعض الأساقفة المتشددين فى المجمع المقدس لمهاجمته، وقالوا إنه فى طريقه إلى كثلكة الكنيسة الأرثوذكسية!

ولما وصل الوفد الإيطالى مع البابا فى دير السريان، خرج، أيضاً، بعض المتشددين على مواقع التواصل الاجتماعى منتقدين صلاة الوفد الإيطالى اللاتينى خلال زيارة مسار العائلة المقدسة!!

ولا شك أنَّ كنيسة روما اكتسبت قوتها من كونها عاصمة الإمبراطورية الرومانية، والتى بشر واستشهد فيها القديسان بطرس وبولس، فكان الأول هو أكبر تلاميذ السيد المسيح، والثانى يشتهر بكونه فيلسوف المسيحية، أما الكنيسة الأرثوذكسية المصرية فقد اكتسبت قوتها من العلم فقط؛ لأن فى ذلك الوقت كانت مجرد ولاية رومانية.

والمعروف أنَّ مصر هى التى أسست أول مدرسة لعلم اللاهوت، اعتماداً على التراث الفلسفى اليونانى، وحصلت على مكانتها وسط كل الكنائس، وكانت الكلمة لها وحدها فى المجامع المسكونية لمواجهة الهراطقة، كما حدث فى مدينة «نيقية» سنة 325 ميلادية، عندما قاد الشماس المصرى أثناسيوس مواجهة بدعة آريوس.

ولا جدال أنَّ الظروف التى مرت بها مصر طوال ألفى عام أثرت على الكنيسة القبطية، التى لم تجد مفراً من الانغلاق على ذاتها لتحافظ على إيمانها، وتراثها، وطقوسها، واستطاعت هذه العزلة أن تبقيها رغم ما مر بها.

لكن اليوم لم يعد الانغلاق مناسباً فى عصر تسود فيه التكنولوجيا المتطورة، فكان من الواجب على الكنيسة القبطية أن تخطو خطوات شبيهة بالتى اتخذتها الكنيسة الكاثوليكية.. ويوم الصلاة الذى دعا إليه البابا فرنسيس كان بهدف الصلاة من أجل إحلال السلام فى الشرق الأوسط، وهى المنطقة التى شاهدت تفريغ سوريا والعراق من مواطنيهما المسيحيين، وربما كان ذلك سيحدث فى مصر أثناء حكم الإخوان.

ولا أحد ينكر، أنَّ البابا فرنسيس كان عاملاً مهماً فى رفع ضغوط كثيرة عن مصر التى كانت تواجه هجمات إرهابية شرسة، فطالب وقتها قادة العالم بالوقوف إلى جانب مصر، والبابا تواضروس يرغب فى الحفاظ على بقاء المواطنين المسيحيين فى مصر، وهو أمر أكد عليه كلما قابل وفداً أجنبياً لضمها كما يدعو لمساعدة مصر للنهوض بها.

ومن حسن طالع البابا تواضروس، أنَّ زميله البابا فرنسيس شخصية فريدة، ومختلفة تماماً عن باباوات الكنيسة الكاثوليكية، فتح الباب للتقارب مع الكنيسة القبطية، وبعد زيارته لمصر قرر اعتماد مسار العائلة المقدسة ضمن برنامج الحج المسيحى الذى يتبناه الفاتيكان.

إن خروج الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من عزلتها التى دخلتها رغماً عنها على مدار 16 قرناً أصبح أمراً مهماً ليس للكنيسة فقط، بل لمصر كلها، فإذ كان السيد المسيح فى أيامه الأخيرة على الأرض وقف ونظر إلى السماء فى خشوع، وطلب من الآب أن يكون الجميع واحداً، وحين تحدث إلى بطرس قال له: «وأنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابنِ كنيستى»، ولم يقل ابنِ كنائس فأرادها كنيسة واحدة، وليست عدة كنائس.

 

فلنقف ونصلِ

إن كنيستنا كانت كنيسة واحدة جامعة، ولكن البشر فرقوها إلى ملل وطوائف، شتتوا ثوب المسيح وشوهوا صورة كنيسته، وذلك بسبب كبريائهم، وجهلهم، وابتعادهم عن عمل النعمة، فإذا كان السيد المسيح صلى من أجل هذه الوحدة، فإنه ينبغى أن نسلك ذات المسلك الذى سلكه، فالوحدة التى يطالب بها العالم لا تبدأ إلا بالصلاة، فالوحدة دون صلاة، ودون الحضور الإلهى حلم لن يتحقق!!

أقول ورزقى على الله، إنَّ فى كنيستنا أعضاء يقفون حجر عثرة فى طريق هذه الوحدة، ونحن كبشر عرضة للخطأ والصواب. إنَّ الكنيسة هى كالحقل الجيد الذى طلع فيه الزوان، وشبكة جامعة للسمك الجيد والردىء، ولكن لله وحده حق التمييز بينهم وتنقيتهم، وفرزهم من بعض، فمتى جاء ابن الإنسان، سيجلس على كرسى مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم عن بعض، كما يميز الراعى الخراف، من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن اليسار، ثم يقول للأبرار تعالوا إلىَّ، وللأشرار اذهبوا عنى، وقداسة البابا حامل رسالة المسيح على الأرض، ومن حقه حق الفرز، فاعزل الخبيث من بيننا!!