عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لبنان سيغرق من دون قبطان يتمتع بالكفاءة

بوابة الوفد الإلكترونية

الثابت الوحيد في لبنان الذي هو من أجمل ما خلقه الله على وجه الأرض,  أشجار الأرز المحمية. وبالنسبة لي, فأنا أعتبر أن عدم استعداد اللبنانيين أو عجزهم عن ترتيب شؤونهم الداخلية هو مصدر مستمر للإحباط لأن هذا البلد الذي أُنعِم عليه بأفضل ما تجود به الطبيعة من خيرات, يملك مقومات تحسده عليها البلدان الأخرى.

وقعت في حب لبنان عندما كنت شاباً في السبعينات, وأزوره باستمرار منذ ذلك الوقت. وقد شجعني بعض الأصدقاء في بيروت خلال التسعينات على اكتشاف التنوع المدهش الذي تتميز به البلاد عبر القيام بجولة من الشمال إلى الجنوب, ومن الشرق إلى الغرب. عندئذ قررت القيام باستثمارات كبيرة في قطاع الضيافة هناك.

نظراً إلى عدم الاستقرار في لبنان, لم يكن هذا قراراً سليماً في مجال الأعمال; بل كان الدافع عاطفياً. كانت لدي رغبة صادقة في مساعدة اللبنانيين على الازدهار والعيش بكرامة عبر توفير وظائف وفرص في قطاع الأعمال. وقد آمنت حقاً بأنهم سينجحون في التخلص من الانقسامات الطائفية, ويطالبون بنظام سياسي ديمقراطي يؤمن ممارسة فاعلة للحكم فيوصد الأبواب أمام التأثيرات الأجنبية المؤذية, ويقطع الطريق أمام الزعماء المستعدين للتضحية بلبنان سواء لأسباب أيديولوجية أو تحقيقاً لمصلحة شخصية أو من أجل تبعية ما للخارج. كم كنت مخطئاً!

استغرق الأمر مني سنوات لأفهم تماما تعقيدات الشخصية الوطنية للشعب اللبناني الذي يتحلى من جهة بالشجاعة والديناميكية, فيما يُظهر من جهة أخرى رضوخاً ويرضى بواقعه. يتمسكون بولائهم لزعماء سياسيين ودينيين فشلوا في قيادتهم في الاتجاه الصحيح, ممن يعيشون خارج الواقع في ظل نظام سياسي بال, ما يقوقعهم ويحولهم مجرد متفرجين في كبسولة جامدة توقف بها الزمن.

لقد تحدثت مع عدد لا يحصى من الأشخاص عن هذا الموضوع, وحاولت مرات كثيرة أن أقنعهم بأن من مصلحتهم تحرير أنفسهم من إملاءات زعماء الطوائف الذين لا يفكرون بالمصلحة الوطنية. لكنني أصطدم دائماً برد الفعل نفسه. فبغض النظر عن معتقدهم الديني أو خلفيتهم أو مكانتهم الاجتماعية, غالباً ما يهزون أكتافهم غير مبالين قبل أن يقولوا لي إنهم عاشوا بهذه الطريقة طوال حياتهم وانهم اعتادوا عليها. الغريب في الأمر أن معظمهم قانعون بعيش كل يوم بيومه وسط انعدام الشعور بالأمن, والبعض يصفون أنفسهم باعتزاز بأنهم لا يُقهَرون, وينجرفون وراء الاستعراض والتبجح في حين أن غالبية الشعوب التي تواجه مستقبلاً مجهولاً لها ولأولادها تتوق إلى التغيير.

الحق يقال, لقد عانى اللبنانيون كثيراً بسبب الاحتلالات الأجنبية والنزاعات الداخلية والخارجية المتتالية. ولا غبار على قدرتهم على الصمود والتحمل, فهم يجيدون الانبعاث من جديد من تحت الرماد. لكن ألم يحن الوقت كي يتخلوا عن تفكيرهم الموجه دائماً نحو الأزمات وينتهجوا أسلوباً يكون أكثر إنتاجية على المدى الطويل?

كما أشرت في مقالات سابقة, مشكلة المشكلات في لبنان هي نظام الحكم الطائفي الذي ورثه اللبنانيون عن الفرنسيين. إنه غير ديمقراطي بطبيعته ويساهم في الانقسام والتباعد. غالباً ما تكون لرئيس الجمهورية الماروني ورئيس الوزراء السني ورئيس مجلس النواب الشيعي, بحسب التوزيع الطائفي الذي يفرضه العرف, أجندات وولاءات وارتباطات وبرامج متعارضة مما يقضي على هيبة الحكومة في شكل عام. كلما حاول رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء تطبيق حل ما للمشكلات الاقتصادية أو الأمنية التي تعاني منها البلاد, يصطدم بالعراقيل التي تضعها أمامه الأحزاب السياسية التي ينتمي إليها زملاؤه في الحكم.
وما يزيد الطين بلة التفاوت في قوة الأحزاب وتأثيرها. فبعضها يسعى إلى تحديد مصير لبنان بنفسه عبر تحريك الحكومة في الاتجاه الذي يختاره, والبعض الآخر يبذل جهوداً حقيقية لتحسين الأمور لكنه عاجز عملياً. ثم هناك من لا يترددون في بيع بلادهم لقوى أجنبية كي تستخدمها ساحة لمعاركها.

هذه الخلافات المستمرة بين الأحزاب تحول دون اكتساب ثقة المستثمرين التي تتيح استحداث الوظائف, كما أنها تقضي على آفاق التعايش المنسجم الذي يطمح إليه معظم اللبنانيين لكنهم لا يعرفون كيف يحققونه. هذه المآزق السياسية التي لا تنتهي فصولها تُشعرني بالحنين إلى السبعينات عندما كان الرئيس سليمان فرنجية يدير الدفة. في ذلك الوقت, كانت البلاد تخضع لسيادة القانون, وكان قبطان واحد ومتمرس يقود السفينة اللبنانية.

أما الآن فالاقتصاد اللبناني يقف على حافة

الهاوية بحسب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين نعمت افرام. فقد أعلن "إننا على شفير الهاوية. ديننا العام في حدود ال¯60 مليار دولار في حين أن الناتج المحلي يبلغ 41 مليار دولار... سيبلغ عجز الموازنة 10 في المئة هذا العام, أما النمو فلن يتعدى ال¯2.5 في المئة". إنها أخبار قاتمة فعلاً.
يلقي رئيس غرفة التجارة في بيروت محمد شقير باللوم على السياسيين لأنهم "صموا آذانهم" عن تدهور الوضع الاقتصادي وتوقف الاستثمارات الخارجية. ويحذر من مغبة تفاقم الأوضاع إذا لم تكف الحكومة عن "مشاحناتها التي لا تنتهي" وتتخذ خطوات ملموسة. لكن حتى في الوقت الذي يتذمر فيه اللبنانيون من تزايد معدلات البطالة وارتفاع أسعار الوقود والتقنين في التيار الكهربائي وندرة مياه الشرب والإهمال في البنى التحتية, يلتهي المسؤولون بالشجار في ما بينهم.
لا يسعني سوى الاستنتاج بأن اللبنانيين يحتاجون إلى الإنقاذ بما أنهم عاجزون عن إنقاذ أنفسهم. يحبون أن يصوروا أنفسهم بأنهم متطورون وأذكياء وهذا صحيح, لكن الوقائع تُظهر بوضوح أن الذكاء الجماعي معدوم ويا للأسف. لبنان هو قلب العالم العربي النابض. ولا يمكن التفريط به. إذا لم يتوحد اللبنانيون خلف قبطان حكيم, بغض النظر عن دينه أو انتماءاته الشخصية - أي بعبارة أخرى الرجل الأفضل للمنصب - فربما حان الوقت ليرسل أصدقاؤهم العرب المخلصون قوارب النجاة لإنقاذ شعبٍ من الواضح أنه لا يتمتع بالنضوج السياسي الكافي لإنقاذ نفسه; وهو شعب يحبه العرب في كل مكان. وبما أن الجامعة العربية فشلت في إنقاذ السوريين, يقع على عاتق بلدان مجلس التعاون الخليجي من جديد أن تتحرك لإنقاذ اللبنانيين من مأزقهم.

ببساطة, يجب أن يكلف اللبنانيون مجلس التعاون الخليجي - أو أحد الدول الأعضاء فيه - مهمة الإشراف على انتقال البلاد من نظام طائفي إلى ديمقراطية حقيقية يقودها صانع قرارات قوي, أي نظام يتيح للبنانيين عيش حياة حرة ومثمرة ضمن ظروف آمنة وراسخة بدلاً من أن يكونوا مثل قشة تتقاذفها أهواء السياسيين وأسيادهم في العواصم الأجنبية.
يمكن إيجاد حل سريع للمشكلات التي يعاني منها لبنان شرط أن يقر اللبنانيون بأنهم بحاجة إلى المساعدة ويطلبونها من مجلس التعاون الخليجي لفترة كافية تتيح لرجال الدولة الحكماء عندنا استخدام مهاراتهم الحافلة التي كانت وراء التحول الذي عرفته دول الخليج, بحيث يتمكن لبنان, هذه الأرض العطِرة على شواطئ المتوسط, من الازدهار والتألق من جديد. لكن لنكن واضحين. لست أدعو إلى التدخل في السيادة اللبنانية. بل أتحدث عن الصداقة وواجب الأصدقاء في مساعدة بعضهم بعضاً تماماً كما وقفت السعودية إلى جانب البحرين.

أناشد اللبنانيين, من موقع الحرص عليهم, أن يسمحوا لقيادات مجلس التعاون الخليجي بأن تمد لهم يد العون, فقادة الخليج هم دائماً على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة.

* رجل أعمال إماراتي