رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الصندوق الأسود لعمر سليمان

بوابة الوفد الإلكترونية

آثر عمر سليمان مع عودته للحياة السياسية، التي غادرها بهدوء، أن يسكب الزيت على النار بأمرين في غاية الخطورة. الأمر الأول نراه لا يستحق الوقوف عنده طويلا، الخاص بترشحه للرئاسة، لأن يقيني أن الشعب الذي ثار على الطاغية، لا يمكن أن يسمح بالعودة للحكم 

لأحد سدنته ورمز من رموز فساده، من جديد.فعمر سليمان الذي لا يستطيع أن يمشي الآن في شوراع البلد بمفرده، يعلم أنه لولا الضغط على أهالي المجندين وصغار الموظفين من قبل المسئولين بالأجهزة الأمنية وفلول النظام السابق الموجودين في الهيكل الإداري للدولة، لما حصل على أي توكيلات تمكنه من التوجه إلى مقر اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. ويعلم عمر سليمان قبل غيره أن الذين يريدون عودته للحكم، لا يقدرون على حماية أنفسهم ولا إدارة مكاتبهم، ويتمحسون في أي عناصر يعتقدون أنها قادرة على عتقهم من النار التي أوقدوها في البلد، ويخشون نهايتهم  المحتومة في قبلها.
الأمر المهم في عودة عمر سليمان أراه في ذلك التصريح الخطير الذي أدلى به لأحد نجوم الفضائيات "أبو قرعة جنان" الذي بشر الناس بعودة عمر سليمان للرئاسة، كي يملأ الدنيا عدلا وأمانا. ويعلم عمر سليمان مدى الكذب والافتراء الذي يعشقه ذلك الأقرع أبو لمعة وحفنته من الإعلاميين المتحولين الذي انقلبوا على النظام السابق وكافة رموزه، فور علمهم بأن زعيمه قد خلع من منصبه، وعندما أيقن وأمثاله أن المستقبل القريب لا يحمل أي بشائر تجعله يستمر في ممارسة مهمته انضم إلى قافلة "إعلام عوكشة" التى تذيع ليل نهار عن فضائل سليمان وجنوده. قال المذيع الأقرع كلاما عجبا، بأن عمر سليمان يهدد خصومه بكشف ما لديه في الصندوق الأسود.
انتظرت طويلا أن يعلن عمر سليمان تبرأه من تلك الأقاويل، خاصة أن قائلها أثار من قبل فتنة بين مصر والسودان، في  موقعة أم درمان الكروية بين مصر والجزائر، وتكررت أكاذيبه لدرجة تجعل العاقل يرفض الاقتراب منه. مرت الأيام وانتشرت التصريحات، ولم يكذبها عمر سليمان، بل زاد عليها من الكلمات التي تجعلنا نصدق كل ما قاله ذلك المذيع. عجبت لجرأة الجنرال العائد من سكون الحياة الأخرى، بتهديده الناس بهذه الطريقة. فالرجل الذي تقلد منصب مدير المخابرات العامة نحو 19 عاما، إن كان فشل في إدارة الدولة لعدة أيام فإنه بالتأكيد يعلم خطورة أقواله. فالتهديدات التي أطلقها، في وقت ترددت فيه معلومات أنه أصبح مرشح المجلس العسكري وبقايا فلول النظام كي يستكمل مهزلة التستر على فسادهم ويحميهم من المحاكمات العادلة، ويعيد الأمر على ما كان عليه، كل ذلك يستدعي حكمة في مواجهة خصوم في الشارع يعلم تماما مدى قوتهم والأرضية التي يتحركون منها.


لقد جاءت هذه التصريحات الغريبة لعمر سليمان، كدليل على أن المجلس العسكري  والنظام الذي سلمنا  له أمرنا كي تمر البلاد إلى مرحلة انتقالية أكثر هدوءا واستقرارا، غير واع لما قاله حليفهم والحامي الذي يعدونه لمنصب الرئيس. فالرجل يستخدم نفس اللغة الخشبية التي كان يستخدمها النظام السابق بكل أدواتها،  وذلك يعني إما أنه حصل على تصريح من أعوانه بأن يبث هذه الرسالة التي تستهدف تخويف أعدائه، الذين أصبحوا على خصومة واضحه مع المجلس العسكري ذاته، وعلى رأسهم الإخوان المسلمين والسلفيين  أو أن الجنرال الذي اشتهر بصمته نطق كفرا ولم يجد حتى الآن من يرد له عقله ودينه. فالرجل يعلم أن تهديد الخصوم لا بد أن يكون بسلاح يملكه، فإذا اعتقد أن الأسلحة التي كان يديرها  بصفته مديرا للمخابرات العامة يملك اظهارها، فهو  على يقين بأن الصناديق السوداء موجودة بالفعل، وأن باستطاعته أن يتصرف فيها بإعلانها والكشف عن أسرارها في أي وقت يريده وفي وجه الخصم الذي يريد أن يثار منه. وبذلك التهديد نصبح أمام واقع مؤلم فإما أن عمر سليمان الذي ترك خليفته في إدارة المخابرات العامة، بعد أن حصل على تعديلات قانونية  خلال السنوات الماضية، تسمح بتواجد أحبائه في مناصبهم للأبد، يدار بأمره حتى الآن أو أنه حصل على تلك الصناديق السوداء بنفسه أو عبر تلاميذه، بما يجعله محصنا من المطاردات القانونية أو السياسية في أي وقت من الأوقات، وكأنه بذلك يدمغ بأن الأنظمة  الأمنية في الدولة كانت تعمل لحساب فرد واحد، وليست مخلوقة لخدمة أهداف الدولة العليا.
يعلم عمر سليمان أن كلماته

الطائشة، وراء شعلة اللهب التي انطلقت في ميدان التحرير من جماعة الإخوان وانضمت إليها نخبة من التيارات السلفية التي ذاقت الأمرين على يديه طوال السنوات الماضية. مع ذلك نرى أن تلك الكلمات أشد خطرا على الدولة من عمر سليمان نفسه. فرغم ثورة المصريين في الشوراع ومشاركة البعض في ضرب ضباط الشرطة وحرق الأقسام ومكاتب أمن الدولة، إلا أنه أثناء فترة الانفلات الأمني وما بعدها لم يجرؤ مواطن على المساس بمقار أجهزة المخابرات في أي منطقة بالبلاد. وقد كان هذا التصرف مسار تعجب كثير من خبراء الأمن، جعلت أحد المحللين يسألني عندما حاول المتظاهرون اقتحام مجلسي الوزراء والشعب ومحاصرة وزارة الدفاع، هل ستمتد يد المتظاهرين إلى مباني المخابرات فقلت له عن يقين: أبدا لن يحدث ذلك. قال الرجل بدهشة، لماذا تجزم بهذه الطريقة القاطعة، قلت له: المصريون مازال لديهم قناعة بأن أجهزة المخابرات في الدولة هي حائط الصد المنيع الذي يحميهم من الأعداء، ويضعونها في الصفوف الأولي مع الجيش الذي يحمي الحدود من أية أطماع خارجية. وأضفت للرجل بأن رأيي يستند إلى الفهم العميق لدي المصريين بأهمية هذه الأجهزة، بما يجعلهم فخورين دوما بأعمالهم، ويتقبلون الفساد الذي يحدث من البعض بها، على أنه خطأ شخصي من أفراد، مهما كان مركزهم في هذا القطاع المهم .
رغم عجبي من التصرف الذي مارسه عمر سليمان فقد مكنتني فترة عملي كمحرر في رئاسة الجمهورية أن أعرف أن الأجهزة الأمنية الخطيرة في الدولة كانت معطلة الفاعلية. فكم كرس رموز النظام البائد فكرة أن الكل في خدمة الفرد الواحد. بل كانت بدية عمر سليمان في تولي منصبه تبشر بازدهار الدور المصري في الشرق الأوسط والعرب وأفريقيا، وكنا ننظر إليه على أنه ـ والعياذ بالله ـ نصف إلاه، فإذا بنا نكتشف بعد سنوات أنه نفس نوعية الآلهة التي كان العرب يصنعونها للعبادة ويأكلونها عند أول شعور بالجوع. فهذه النوعية هي التي سكتت على الرئيس المخلوع عندما كانت تعد الأجهزة الأمنية تقارير مهمة عن الفساد  التي تطال أحد معاونيه، فإذا به يلقي بالتقارير في القمامة ويطيح بالذين شاركوا فيها، ويكافئ المذكورين بكل سوء. وهذا الرجل الذي يريد إثارة فتنة بين الصعيد وغيره بنشر أقاويل تبين أنه من قنا وأنه الممثل الوحيد في انتخابات الرئاسة للصعايدة، ولا يعرف عن هموم تلك المحافظة شيئا ولم يتذكرها أبدا عندما كان في السلطة. وهذا الرجل الذي أضاع هيبة مصر في الخارج، هو الذي شارك في صناعة ملف التوريث، الذي اعتمد على افساد الأحزاب والحياة السياسية ودمج العلاقات الخاصة بين رجال الأعمال والساسة عبر صفقات المصاهرة بين بعض العائلات وكبار المسئولين في الدولة. لدينا الكثير مما نقوله عن عمر سليمان ونتمنى أن يكون عنده لنا صندوق من أي لون ويفضل أن يكون الأسود.
[email protected]