رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشفيات: الداخل مفقود والخارج مولود!

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق: رحمة محمود / إشراف:نادية صبحي

 

 

 

ليس بالمرض وحده يموت المصريون، فرغم أن أمراضهم فتاكة ومعاناتهم مزمنة مع المستشفيات العامة ونقص العلاج، فإن هناك كارثة أخرى تحدق بهم ألا وهى إهمال الصيانة والحوارات الناجمة عن عدم اتباع قواعد الأمن فى المنشآت الطبية والتى غالباً ما تودى بحياة عشرات المرضى وذويهم.

ففى الآونة الأخيرة شهد عدد كبير من المستشفيات.. حرائق وحوادث إهمال نجم عنها العديد من حالات الوفاة، فهؤلاء لم يفقدوا حياتهم بسبب المرض، إنما بسبب انعدام الصيانة داخل المستشفيات والتى تخصص لها الوزارة 130 مليون جنيه فقط لحوالى 950 مستشفى، يضاف إلى ذلك عدم الاهتمام بالأمن الصناعى وتأمين المنشآت الطبية ضد مخاطر الحريق، ما جعل شعار المستشفيات الدائم والأبدى «الداخل مفقود والخارج مولود».

 

كثر فى الفترة الأخيرة الحديث عن الإهمال فى المستشفيات الحكومية، خاصة بعد نشوب الحرائق فى أكثر من مستشفى حكومى، ففى 10 يوليو الماضى، نشب حريق فى مستشفى الجلاء التعليمى للولادة، بسبب إلقاء الورق ومخلفات الباعة الجائلين المنتشرين حول المبنى، ولم يسفر الحريق عن أية خسائر فى الأرواح.

وقبلها بثلاثة أيام، اشتعلت النيران فى 3 أدوار داخل مستشفى الحسين الجامعى، ما أسفر عن وفاة مريض، وإصابة 115 آخرين. وكشفت المعاينة المبدئية عن 15 مخالفة للسلامة والصحة المهنية، منها «عدم تأمين المنشأة ضد مخاطر الحريق، وعدم تنفيذ اشتراطات الحماية المدنية، وعدم وجود خطة الطوارئ وإدارة الأزمات».

لم تكن هذه الحوادث الأولى من نوعها، ففى مايو الماضى، نشب حريق بأحد مخازن التموين الطبى فى مستشفى صدر العباسية، ما أسفر عن احتراق 81 ترولى، و312 سريراً، ولم يقتصر الأمر على مستشفيات القاهرة، ففى أبريل الماضى، نشب حريق فى مستشفى سموحة الجامعى، بسبب ماس كهربائى بوحدة توزيع الكهرباء بالمستشفى، ما أدى إلى تلف الكابل الكهربائى المغذى لعدة وحدات، دون حدوث إصابات.

وليست الحرائق مصدر التهديد الوحيد، بل عزارئيل الموت يتربص بالمرضى بسب الإهمال المستشرى داخل المستشفيات، فهناك العديد من وقائع الإهمال التى تسببت فى موت المرضى، إما بسبب تعطل مصعد أو عدم توافر أسرّة للعلاج، كان آخر هذه الأحداث المـأساوية، ما شهده مستشفى بنها الجامعى، حيث توفى أكثر من 6 أشخاص بجانب إصابة 3 فى حالة خطيرة إثر سقوط المصعد الخاص بمبنى الجراحة بالمستشفى من الطابق السابع إلى مصرف المستشفى.

كل هذه الأحداث أثارت ردود أفعال واسعة حول وسائل تأمين هذه الأماكن الحيوية المزدحمة دائماً بالمرضى ضد الحرائق.

 

إهمال الصيانة

الإهمال الفج فى المستشفيات، دفع عدداً من الأطباء عام 2015 إلى تدشين صفحة لهم على «فيس بوك» بعنوان «علشان لو جه ما يتفاجئش» بمناسبة زيارة رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب إلى معهد «القلب» بالكيت كات. احتوت الصفحة على صور لوقائع إهمال شديد فى عدد من المستشفيات الحكومية، والوحدات الصحية فى القرى، إلا أن الحال ما زال على ما هو عليه. ويزداد يومًا بعد آخر، والمسئولون «ودن من طين وأخرى من عجين».

وفى تقرير لمديرية الشئون الصحية بالإسكندرية، عن حالات الوفاة بمستشفيات وزارة الصحة بالمدينة والتى قدرت بحوالى 1820 شخصًا فى 15 مستشفى لعام 2015، بزيادة قدرها 41 حالة عن عام 2014، حيث بلغ عدد حالات الوفيات فيه 1779 حالة.

أشار التقرير إلى أن عدد المرضى الذين تلقوا العلاج بالمستشفيات بلغ 569 ألفًا و833 حالة، مقابل 2 مليون و749 ألفًا و880 حالة بالعيادات الخارجية بمستشفيات وزارة الصحة فى عام 2014، مقابل 752 ألفًا و213 حالة فى أقسام الاستقبال، فيما بلغ عدد مرضى الدخول 89 ألفًا و81 حالة والمرضى الذين خرجوا أحياء 85 ألفًا و862 حالة، أى نسبة الوفيات فى المستشفيات تقدر بـ3٪.

البعض يرجع هذا سبب هذا الإهمال فى المستشفيات إلى الفجوة التمويلية التى تقدر بحوالى 9 مليارات و304 ملايين جنيه سنوياً، نظرًا لأن المتاح من الموازنة طبقًا للدستور حوالى 3 مليارات و511 مليون جنيه، يخصص منها حوالى 130 مليون جنيه، و30.5 مليون جنيه نفقات النظافة، و1.175 مليون جنيه نفقات الأمن والحراسة، وأكثر من مليار جنيه و300 مليون جنيه نفقات المستلزمات الطبية، وحوالى أكثر من مليار جنيه تمويل العلاج على نفقة الدولة.

وبجانب ذلك، هناك خلل فى توزيع القوى البشرية بالمنظومة الصحية، حيث يوجد أكثر من 700 ألف شخص يعملون كإداريين أى حوالى 71٪ من حجم القوى العاملة فى المستشفيات، و7% خدمات مساعدة مثل فنيى الأشعة وخلافه، و13% تمريض، و9% أطباء.

 

مسئولية تأمين المستشفيات وأسباب الحريق

تنقسم مسئولية تأمين المنشآت الطبية إلى نوعين، الجهة الأولى يتوجب عليها إزالة ومنع وجود أى عوامل تهدد الأمان خارج أسوار المستشفى، فيما تتحمل الثانية مهمة تأمينها من الداخل بتطبيق معايير السلامة من إرشادات وتوعية ونظافة، فضلاً عن مراجعة كفاءة أنظمة مكافحة الحرائق بشكل دورى.

وعن أسباب الحريق فى المستشفيات، يقول الدكتور علاء غنام، خبير السياسات الصحية ومنسق لجنة الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن منظومة الأمن والسلامة فى مصر سيئة جداً، حيث إنه ضمن كل 10 منشآت لا يوجد إلا واحدة فقط بداخلها منظومة سلامة وأمن، مشيراً إلى عدم وجود صيانة لنظم الأمن والسلامة، ولا متابعة أو رقابة حقيقية على المسئولين عن إدارة المنشآت، ما يسمح بالإهمال حتى فى أساسيات وأدوات التعامل مع الحرائق مثل طلمبات الحريق ورشاشات المياه وأجهزة الإنذار.

وأشار إلى أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، تضمن بنداً لحماية السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل، فتنص المادة الأولى من القانون على أن تلتزم المنشأة وفروعها باتخاذ الاحتياطات والاشتراطات اللازمة للوقاية من مخاطر الحريق طبقا لما تحدده الجهة المختصة بوزارة الداخلية وحسب طبيعة النشاط الذى تزاوله المنشأة والخواص الفيزيائية.

وتابع: تنص المادة الثانية من القانون على أن تلتزم المنشأة وفروعها بإجراء تقييم وتحليل للمخاطر والكوارث الصناعية والطبيعية المتوقعة وإعداد خطة طوارئ لحماية المنشأة والعمال بها عند وقوع الكارثة، على أن يتم اختيار فاعلية هذه الخطة وإجراء بيانات عملية عليها للتأكد من كفاءتها وتدريب العمال لمواجهة متطلباتها.

ورأى أن عدم المتابعة وقلة التفتيش الدورى على المستشفيات لضمان توافر اشتراطات الحماية المدنية والأمن الصناعى -سواء فى المؤسسات المملوكة للدولة أو المنشآت الصناعية وغيرها- قد يؤدى إلى التساهل من جانب المسئولين عن منظومة الأمن والسلامة داخل تلك المنشآت، ومن ثم تحدث الكوارث التى أصبحنا غير قادرين على حماية أنفسنا من أخطارها، كما أن انعدام الضمير عند توفير منظومة الأمن والسلامة داخل تلك المنشآت وعدم الاهتمام بصيانتها بشكل دورى يؤدى إلى مثل هذه الكوارث.

 

مظاهر الإهمال

مظاهر الإهمال بدت على المستشفيات فور دخولنا إليها، حيث كان عدم الاهتمام بالنظافة هو السمة السائدة على كل من عيادة عرابى للتأمين الصحى ومستشفى بولاق العام، فالقمامة كانت سبباً فى حريق مستشفى الجلاء التعليمى تحيط بالمكان من كل اتجاه، فضلاً عن أعقاب السجائر المبعثرة على الأرض وهو ما يرشح المكان لحريق آخر، فى أى وقت.

أما المصاعد، فمعظمها ترفع لافتة «معطل» ولا يستطيع المريض استخدامها مهما كانت حالته الصحية والتى تعمل منها متهالكة مما ينذر بكارثة أشبه بكارثة سقوط مصعد مستشفى بنها

العام.

أما أسلاك الكهرباء فحدث ولا حرج، فهى كارثة محدقة بالجميع، أسلاك عارية تخرج من الحوائط لتصيب الغافل عنها بصاعقة قد تودى بحياته، أما الأسرّة المتهالكة التى تهدد حياة المرضى فهى منتشرة فى كل المستشفيات، هذا كله بالإضافة إلى المشاكل المزمنة من نقص الأدوية والمستلزمات الطبية وتعطل الأجهزة فى عدد كبير منها، لذلك فمعاناة المريض مع المستشفيات لا تنتهى وهو ما أكده عدد كبير من المرضى الذين لا تنتهى معاناتهم مع المرضى فى المستشفيات ولكن تبدأ.

فقصص معاناة المرضى لا تنتهى، سواء عدم الكشف الجيد عليهم وتشخيص مرضهم، حيث يقوم الطبيب المختص بإدخال أكثر من مريض للكشف عليه، ما يعرض المريض فى أى وقت لمضاعفات صحية بسبب التشخيص الخطأ، أو نقل العدوى بين المرضى، بالإضافة لعدم احترام خصوصية المرضى.

ولا تنتهى المأساة عند هذا الحد فالعديد من الأطباء لا يلتزمون بالمواعيد المحددة فى الفترة الصباحية ولا يقومون بالكشف الجيد على المرضى بل يكتفون بسماع أعراض المرض ويكتبون العلاج فقط.

والمرضى فى النهاية لا حول لهم ولا قوة معظمهم يأتى بعد صلاة الفجر ويجلس أمام المستشفى أو العيادة التى تفتح فى الساعة 8 صباحاً لكى يضمن أن يكون دوره فى الأول عندما تأتى الممرضة لكى تجمع بطاقة الكشف الطبى وتوزع عليهم الأرقام ليعرف كل فرد دوره، حينما يأتى الدكتور ويظل المرضى منتظرين حتى يأتى الدكتور حوالى الساعة 10 أو 10:30 علماً بأن موعده حوالى الساعة 8 صباحاً.

ومن المفترض أن يقوم الطبيب بتوقيع الكشف على 40 حالة تقريباً يومياً ولكن فى الواقع لا يقوم بذلك ثم ينصرف فى حدود الساعة 12 أو 1 تقريباً على الرغم من وجود بعض الحالات المرضية دون توقيع الكشف الطبى عليهم ولكن نظراً لأن الممرضة تجمع فقط بطاقات الكشف الصحى من الساعة 8 إلى الساعة 9 صباحا وبعدها لا تقبل أى بطاقة كشف، فيكتفى الطبيب بالكشف على الحالات التى عرضت بطاقاتهم عليه دون الآخرين ويبقى على المرضى الذى يصلون بعد الساعة 9 صباحاً انتظاراً لطبيب الفترة المسائية.

من العيادات التى يكثر المرضى الشكوى منها، عيادة عرابى توجد بمنطقة إمبابة بالقرب من المعهد القومى للقلب، عندما تسير فى الشارع المؤدى للعيادة ستجد القمامة تحيط بها من كل مكان، وحينما تدخل العيادة سيلفت انتباهك لافتة مكتوب عليها المصعد معطل، علماً بأن هذه العيادة يوجد بها أقسام «قلب، عظام، باطنة، أشعة، أنف وأذن وحنجرة، وغيرها» ومعظم المرضى كبار السن من أصحاب المعاشات أى لا يستطيعون صعود السلم، فعندما يأتى رجل مسنّ أو شخص مريض بالقلب أو قدمه مكسورة يتطوع أشخاص ليحملوه إلى العيادة فى الدور العلوى.

وعندما تتجول داخل العيادة ستجد الحمامات مقززة للغاية وغير نظيفة علاوة على انقطاع المياه أحياناً، عنها إلى جانب الأسرّة غير النظيفة فى أقسام العيادة.

عبدالحميد زينهم، رجل مسن، 63 عاماً، كان يعمل فى إحدى شركات القطاع العام بعدما أحيل على المعاش كانت بطاقته التأمينية تتبع مستشفى إمبابة العام ولكن بعد ذلك تحولت بطاقته إلى عيادة عرابى، نظراً لأن المستشفى أصبح لا يستقبل حالات التأمين الصحى.

قال إنه تعرض لحادث أصيبت على أثرها قدماه وبعدها نقله أفراد عائلة إلى أقرب مستشفى وهو إمبابة العامة الذى قام بتحويله إلى مستشفى أكتوبر «تأمين صحى»، مؤكداً أنه ظل يتألم ولم يتم إجراء عملية تركيب مسامير وشرائح فى قدميه إلا بعد 15 يوماً من إصابته.

وأكد زينهم بعد إجراء العملية بفترة أنه ظل يتردد على عيادة عرابى ليتابع حالته دكتور العظام، لافتاً إلى أنه أراد عمل أشعة على قدميه بناء على طلب الدكتور المتابع لحالته، قامت الممرضة بعملها وليست الدكتورة المختصة، لافتاً إلى أن دكتورة الأشعة يومها كانت تتجول فى العيادة ولم تقم بعمل الأشعة له.

وأعرب أحد المرضى عن غضبه واستيائه الشديد من تعامل بعض الممرضات والعاملين بصيدليات العيادة معهم.

أما مستشفى بولاق العام الموجود بالقرب من محطة مترو جامعة القاهرة لا يقل سوءاً عن غيره من المستشفيات الأخرى، فمن الداخل ستجد بعض مظاهر الإهمال وعدم النظافة سواء فى الحمامات أو فى أقسام الرجال أو السيدات.

أحد المرضى يدعى منير، ويعمل نجار موبيليا، زوجته كانت فى قسم العظام، لعلم جبيرة طبية على ذراعها قال: رغم أن القسم نظيف إلى حد ما، ولكن يبقى تعامل العاملين والممرضات معنا سيئاً للغاية، مؤكداً أنه لكى يطمئن على زوجته فور خروجها من القسم لا بد أن «يراضى» العاملين والممرضات أى يدفع مبلغاً من المال لكل منهم.

وأوضح أن كل من يدفع مبلغاً من المال للعاملين والممرضات يستطيع أن يرى زوجته ولكن من لم يدفع لا يراها ولا يستطيع الاطمئنان عليها فور خروجها.