رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إعلان الحرب على دولة المستشارين

بعضهم سقط فى شباك
بعضهم سقط فى شباك الرشوة والفساد.. ومطلوب الاستفادة من التج

إشراف : نادية صبحي - تحقيق : نادية مطاوع

 

فور توليه مسئولية وزارة المالية قال الدكتور محمد معيط وزير المالية فى مداخلة لأحد البرامج التليفزيونية إنه سيتم تخفيض الإنفاق الحكومى بالهيئات والمصالح والوزارات وإلغاء بدلات اللجان.. وهو التصريح الذى استبشر به الكثيرون خاصة وأن هناك روافد عديدة لإهدار المال العام يجب أن تتوقف، وفى مقدمتها نفقات دولة المستشارين ومنصب المستشار، وها هى الأيام تمر دون أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ، خاصة أن هذا المنصب طوال تاريخه كان موصوماً بالعار، حيث يستعين الوزراء بعدد من الأشخاص يختلف من وزارة لأخرى حسب علاقات الوزير ورغباته، يتم التعاقد معهم على أنهم مستشارون للوزير، معظمهم يؤدى نفس الدور الذى يؤديه وكلاء الوزارة، وهم جميعاً من أهل الثقة وليسوا أهل خبرة، يصل عددهم فى الوزارات المختلفة إلى 83 ألف مستشار، يتقاضون 24 مليون جنيه سنوياً وفى تقديرات أخرى يتضاعف هذا الرقم، ومع ذلك فقد ملأت فضائحهم المالية البلاد خلال الفترة الماضية، ومنهم من صدرت ضده أحكام بالسجن، ومنهم من ينتظر، وفى ظل الحديث الممتد عن خطط التقشف الحكومى وترشيد الإنفاق أصبح إلغاء هذا المنصب ضرورة حتمية.

ومنصب المستشار موجود فى معظم الوزارات والهيئات الحكومية يخرج لسانه لكل خطط التقشف الحكومى وترشيد الإنفاق، ويكفى أن نذكر أن النائب على عبدالواحد عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب تقدم بسؤال إلى المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء السابق عن المستشارين فى الهيئات والوزارات التابعة للجهاز الإدارى للدولة، والذين يصل عددهم إلى 83 ألف مستشار يتقاضون شهرياً مبلغ مليارى جنيه، أى ما يعادل 24 مليار جنيه سنوياً على شكل رواتب ومنح وحوافز، وطالب النائب بتقليص عددهم، خاصة فى ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تعيشها مصر، والعجز الكبير فى الموازنة العامة، وبقاء هؤلاء المستشارين بنفس الامتيازات الاقتصادية.

وأكد عبدالواحد أن الكثير من هؤلاء المستشارين والخبراء أصبحوا عبئاً على الدولة ولم يقدموا أى جديد، والأموال التى يتقاضونها مهدرة يمكن استغلالها لإقامة مشروعات وتوفير فرص عمل للشباب، ولابد من تطبيق قانون الخدمة المدنية حتى تتم الاستفادة من الشباب وتعيينهم فى تلك المناصب، والقيام بمهامهم، وأوضح عضو مجلس النواب أنه فى ظل هذا الوضع غير الطبيعى وغير المنطقى فإننا نشجع الفساد ولا نحاربه، حيث نجد مستشارين للوزراء برواتب تفوق رواتب الوزراء أنفسهم، فى ظل اختلال هيكل الأجور، والدولة منذ سنوات تتحدث عن هؤلاء المستشارين وعدم الحاجة لمعظمهم، وكل رئيس وزراء كان يتحدث عن ضرورة تقليص عددهم ولا يحدث، مما يعنى أن هؤلاء المستشارين أقوى من الحكومة، وأصبحوا مراكز قوى.

 ورغم أن النائب تقدم بسؤاله هذا فى شهر مايو من العام الماضى، إلا أن أحداً لم يستجب له، وبالتالى ظلت الأوضاع على ما هى عليه، وتم تغيير الحكومة وتولى الدكتور مصطفى مدبولى رئاسة الوزراء وموازنة الدولة محملة بأعباء جسيمة، وكالعادة بدأت الوزارة الجديدة فى التفكير بنفس الطريقة القديمة وهى تحميل المواطنين أعباء العجز فى الموازنة، فى حين أن جيش المستشارين يملأ الوزارات ويستحوذ على مبلغ لا يستهان به من ميزانية الدولة، فى حين لا يستطيع أحد الاقتراب من هؤلاء الكبار الذين يتقاضون الحد الأقصى للأجور.

 

فساد للركب

الغريب فى الأمر أنه رغم الأجور المرتفعة التى يحصل عليها هؤلاء، إلا أن عدداً كبيراً منهم تم اتهامه فى قضايا فساد هزت الرأى العام، كان آخرها فساد وزارة التموين والتى اتهم فيها اثنان من مستشارى الدكتور على مصيلحى وزير التموين اللذين استعان بهما الوزير فور توليه المسئولية ليتولى أحدهما منصب المتحدث الرسمى للوزارة رغم وجود إدارة للعلاقات العامة، وآخر تولى منصب مستشار الوزير للاتصال السياسى، وكلاهما تم ضبطه فى قضية الرشوة الكبرى بالوزارة التى بلغت قيمتها مليونى جنيهاً.

وقبلها بأشهر قليلة تم القبض على مستشار وزير الصحة لأمانة المراكز الطبية المتخصصة الدكتور أحمد عزيز، وموظف بمستشفى عين شمس وتمت إحالتهما إلى محكمة جنايات القاهرة، لاتهامهما بالحصول على رشوة تبلغ 4 ملايين جنيه مقابل إسناد توريد 12 غرفة زرع نخاع لإحدى الشركات من الباطن للقيام بتوريدها لمستشفى معهد ناصر التابع لأمانة المراكز الطبية المتخصصة.

وتبين للنيابة أن المتهم الأول حصل على شيكات بنكية، قدرها مليونى جنيه، مقابل إصداره أمراً لصالح إحدى الشركات الوطنية لإسناد الأعمال إليها، بينما قام المتهم الثانى بالتوسط والاشتراك فى تسهيل التواصل بين المتهم الأول وصاحب الشركة، ومنذ عدة أيام أصدرت المحكمة حكمها بالسجن عليهما لمدة 10 سنوات.

وفى رشوة وزارة الزراعة كان مستشارو الوزير أحد أهم المتورطين، وهو ما يؤكد أن فساد المستشارين فاق فساد المحليات الذى وصفه الدكتور زكريا عزمى من قبل بأنه للركب، ليصبح فساد المستشارين يطاول الأعناق.

 

أقوى من الحكومة

ورغم كل هذا الوقائع التى يندى لها الجبين، إلا أنه لم تستطع أى حكومة فى مصر أن تواجه دولة المستشارين، فرغم الحديث الدائم عن ضرورة تقليص عدد المستشارين منذ ثورة 25 يناير وإتاحة الفرصة للشباب، إلا أن هذا لا يحدث، وما زالت دولة المستشارين فى الوزارات أقوى من الدولة نفسها، ويكفى أن نشير إلى تقرير المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، والذى أكد أنه خلال العام الحالى ارتفع عدد المستشارين فى الوزارات والهيئات الحكومية المصرية إلى أكثر من 83 ألف مستشار يتقاضون مليارى جنيه شهرياً، أى ما يعادل 24 مليار جنيه سنوياً على شكل رواتب ومنح وحوافز.

ويتركز المستشارون فى وزارات المالية، البترول، الصحة، السياحة، التضامن الاجتماعى، التخطيط، العدل، التموين، التعليم، والتعاون الدولى، كما يوجد عدد منهم ببعض الهيئات الحكومية، كالهيئات الاقتصادية، وقطاع البنوك، وعدد من الجامعات، وفى

بعض المحافظات.

وأكد التقرير أن كثيراً من هؤلاء المستشارين والخبراء بلغوا سن الشيخوخة، وتجاوزت أعمارهم الخمسة والسبعين عاماً، ولم يقدموا جديداً للنهوض بالدولة اقتصادياً، وأن ما يتقاضونه من رواتب ومنح يكفى لحل مشاكل البطالة لدى كثير من الشباب، وتشغيل عدد من الشركات والمصانع المعطلة عن العمل منذ سنوات.

الطريف أن وزارة المالية التى انبرى وزيرها للحديث عن إلغاء منصب المستشارين، تعد من أكثر الوزارات التى يوجد بها مستشارين، حيث تتصدر قائمة الوزارات التى يتقاضى فيها المستشارون رواتب ضخمة، فوفقاً للتقرير يعمل بها 500 مستشار، يحصلون على رواتب وأجور ضخمة سنوياً، و هو ما وصفه المركز بأنه يعد انتهاكاً لمبدأ العدالة الاجتماعية.

ووصف المركز فى تقريره «كثرة أعداد المستشارين فى الوزارات والمؤسسات الحكومية بأنه دليل على استمرار الفساد وتوغله فى الكثير من المصالح الحكومية»، مطالبا بضرورة سن قوانين حازمة للحد من زيادة عدد المستشارين.

ورغم حديث الحكومات السابقة المتواصل عن ترشيد الإنفاق الحكومى، إلا أن أحداً لم يستطع الاقتراب من المستشارين الذين تتزايد أعدادهم باستمرار، فكل وزير جديد يتولى حقيبة وزارية يقوم بتعيين عدد من معارفه كمستشارين، مع الإبقاء على المستشارين القدامى، رغم عدم حاجة العمل لكل هؤلاء، إلا أنهم يحصلون على رواتبهم التى تصل فى معظم الحالات إلى 42 ألف جنيه شهرياً ولا تستفيد منهم الحكومة شيئاً.

ولذلك يطالب الدكتور عبدالرحمن يسرى أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية بضرورة إعادة النظر فى هذا المنصب الذى لا يوجد له مثيل فى العالم، ويعتبر أحد أوجه الفساد الإدارى، ففى أحيان غير قليلة يتم تعيين أهل الثقة فى هذه المناصب دون النظر إلى خبراتهم فى هذا المجال، وعملهم دائماً لا يعود بأى جدوى اقتصادية على الهيئات والوزارات التى يعملون بها، فهى مجرد مناصب لا تفيد إلا أصحابها، وفى ظل مشاكل الموازنة العامة للدولة المحملة بأعباء مالية خاصة فى بند الرواتب والأجور يجب أن يتم الاستغناء عن هؤلاء المستشارين خاصة أن الجهاز الإدارى للدولة متضخم وليس فى حاجة إلى مزيد من الوظائف الوهمية التى تحمل الدولة بأعباء لا طائل منها.

 

التجربة العراقية

يذكر أن رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى أعلن فى شهر أبريل الماضى عن إلغاء مناصب المستشارين فى الوزارات، وتقليص عدد المستشارين فى الرئاسات الثلاث إلى 5 مستشارين فى كل واحدة منها، موضحاً أن هذه الخطوات تأتى من أجل تقليل الترهل فى مرافق الدولة وجعلها أكثر فاعلية، وهى ليست موجهة ضد كتلة بعينها أو ﻷشخاص محددين، ولا تعنى أن أصحاب المناصب الملغاة متهمون بالفساد، وأكد مراقبون أن هذه الخطوة تأتى ضمن سلسلة الخطوات الإصلاحية التى جاءت استجابة للمظاهرات الحاشدة التى شهدتها معظم المدن العراقية احتجاجاً على واقع الفساد فى مؤسسات الدولة العراقية وتردى الخدمات، ومن ثم اتخذت الحكومة العراقية خطوات للضرب بيد من حديد على الفساد والمفسدين فى الحكومة، كما أعلن العبادى خطة إصلاحات شملت إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فوراً، وتقليصاً شاملاً وفورياً فى أعداد الحمايات لكل المسئولين فى الدولة، وطالب الدكتور صلاح الدسوقى أستاذ الإدارة ورئيس المركز العربى للدراسات الإنمائية بضرورة اتباع الحكومة لسياسات تقشفية مماثلة، وإلغاء وظيفة المستشارين التى تحمل الجهاز الإدارى للدولة أعباء كبيرة، كما أنها تعد باباً خلفياً للفساد وإقرار مبادئ الواسطة والمحسوبية، وأكد أن وجود مثل هذه الآفات الإدارية هى السبب فى انتشار ظاهرة الفساد الإدارى التى نراها فى كل مكان، وإذا كانت الحكومة الجديدة جادة فى محاربة الفساد والإصلاح الإدارى عليها أولاً إلغاء هذا المنصب وتوفير الأموال التى تدفع لهؤلاء المستشارين، وتمكين الشباب من خلال تدريبهم تدريباً جيداً وتوجيه هذه الأموال لتدريب العمالة المصرية والاستفادة من القوى العاملة فى مصر.