رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"القاعدة".. فزّاعة القذافي للبقاء

مثلما حاول الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي استخدام فزاعة (الإخوانجية) – كما أسماهم – لدفع الدول الغربية للوقوف بجانبه قبل انهيار حكمه إثر ثورة شعبية،

وسعي الرئيس مبارك لاستخدام نفس الفزاعة بالحديث عن الإخوان وعن أجندات خارجية لقوي مصرية قبل أن يسقط بدوره، سعي الرئيس الليبي معمر القذافي في خطابه الأخير لاستخدام نفس الفزاعة، ولكنه ركز هنا علي القوة الإسلامية الأكثر إزعاجا للغرب وهي تنظيم القاعدة لا جماعة الإخوان بعدما بدأ دبلوماسيون غربيون يخطبون ود الإخوان ويلتقون مع قادتها علنا في مصر وتونس بعد اعتراف النظام بهم واقعيا والتعامل معهم .

 

تنظيم القاعدة - أو المعتنقين لفكر القاعدة بمعني أصح - موجودون في ليبيا شأنها شأن غالبية دول المغرب العربي وعلي حدود دولتي النيجر ومالي المجاورتين ومنطقة الصحراء التي تمتد إلي دول أفريقية عديدة، ولكن الثورة التي قام بها الشعب الليبي التحاقا بذات الزلزال الشعبي الذي أماد الأرض تحت أقدام زعماء عرب مكثوا في مقاعدهم 30 و40 عاما، هي التي تواجه حكم الزعيم الليبي لا القاعدة .

بل أن الصراع الرئيسي في ليبيا بين السلطة وبين التيار الإسلامي كان يدور مع جماعة الإخوان المسلمين التي شنق النظام العشرات من أبنائها وسجن الآلاف ثم حاول في الآونة الأخيرة مع تمرير سيناريو توريث ليبيا لنجل القذافي سيف الإسلام، أن يتصالح معهم كي يضمن مباركتهم لسيناريو التوريث .

فالسلطات الليبية اعتقلت عام 1998م مجموعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا والمحظور نشاطها مثلها مثل سائر أنشطة كافة القوى السياسية والوطنية بتهمة العمل على تغيير نظام الحكم وحوكموا على هذه التهمة في شهر فبراير 2002م أمام محكمة الشعب وحكم عليهم وقتئذ بالإعدام لكل من الدكتور عبد الله عز الدين، والدكتور سالم أبو حنك، وبالسجن المؤبد على 73 متهماً، والسجن عشر سنوات لـ 11 آخرين، وبراءة 66 متهماً من أصل 152 متهماً شملتهم القضية .

وفي عام 2004 أيدت "محكمة الشعب" الليبية أحكام الإعدام والسجن علي 86 آخرين من أساتذة الجامعات والمهنيين والطلاب من أنصار جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا .

ومنذ عام 2005 وظهور نجم سيف الإسلام القذافي لتولي ملفات التوريث، حاول تجميل صورته بتولي ملفي التفاوض مع الغرب من جهة وتبريد الصدام مع التيارات الإسلامية من جهة أخري فأعلن أن ليبيا ستفرج عن 131 سجينا سياسيا، من بينهم بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وتبين أن معظم المعتقلين في السجون الليبية ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وأن الإفراج عنهم يتم بموجب ما قال المصدر إنه "تعهد بعدم مزاولة العمل السياسي" .

ومع هذا سعي الرئيس الليبي ونجله مع انتشار الثورة الشعبية لتعظيم خطر تنظيم القاعدة في ليبيا والزعم أنه سيسيطر علي بعض المناطق – يقصدون بنغازي بعد تحريرها – وينشئ إمارات إسلامية، في تكرار لنفس الفزاعة التي سعي النظام السابق في مصر لتريديها عن إنشاء إخوان غزة (حماس) إمارة إسلامية علي حدود مصر ليبرر حصار غزة .

حقيقة القاعدة في ليبيا

ولا يعني هذا أن تنظيم القاعدة غير موجود تماما في ليبيا ولكنه موجود بصورة ضعيفة – بسبب الحصار الأمني - كامتداد للتنظيم في منطقة الصحراء الغربية، وقد ظهر شريط منسوب للرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في نوفمبر 2007 وهو يقول إن تنظيما ليبيًا قد التحق بتنظيم بالقاعدة.

وفيه دعا الظواهري من أسماهم بالمجاهدين إلى إسقاط زعماء دول المغرب العربي وهي ليبيا وتونس والجزائر والمغرب. وقال :"تشهد الأمة المسلمة خطوة مباركة طيبة، ها هي كوكبة من أفاضل الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا يعلنون انضمامهم لجماعة قاعدة الجهاد استكمالا لمسيرة إخوانهم".

كما عرض الظواهري في التسجيل متحدثا آخر قال إن اسمه الحركي هو أبو الليث، وأنه زعيم الجناح الليبي لتنظيم القاعدة، حيث أعلن الأخير التحاق التنظيم الليبي للقاعدة.

وكان التنظيم الملتحق بالقاعدة، وهو الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، قد أعلن عن نفسه أول مرة عام 1995 وقال إن هدفه هو الإطاحة بنظام حكم الزعيم الليبي معمر القذافي. وقد وقعت مواجهات بين أفراد التنظيم وقوات الأمن الليبية لعدة أعوام، إلا أن العديد من زعمائه اعتقلوا في ليبيا والخارج.

وقد أضيفت الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا في عام 2001 إلى قائمة الأمم المتحدة للأفراد والمؤسسات المنتمية أو المرتبطة بتنظيم القاعدة.

ولكن الأكثر غرابة أن فزاعة القاعدة التي أشاعها القذافي ونجله جاءت في أعقاب سلسلة مفاوضات سلام بين الطرفين، نتج عنها إطلاق سراح عدد من هولاء (!) .. فنجل الزعيم الليبي سيف الإسلام القذافي كان قد تولى فتح ملف الجماعة المقاتلة، وقاد معهم حوارات مطولا بداية منذ عام 2007 عبر وساطات من بعض الدعاة، على رأسهم الدكتور علي محمد الصلابي، أسفر عن نشر الجماعة مراجعاتهم الفكرية التي كانت مقدمة لبداية الإفراج عن معتقلي الجماعة شيئا فشىء.

وقد أعلن هو (سيف الإسلام) في مارس الماضي 2010 : "الدولة الليبية تعلن إطلاق 214 سجينا من الجماعات الإسلامية، بينهم 100 عنصر لهم علاقة بالمجموعة الموجودة في العراق و34 عنصرا من عناصر الجماعة الإسلامية المقاتلة".

وأوضح أن بين المفرج عنهم ثلاثة من قياديي الجماعة الإسلامية المقاتلة هم عبد الحكيم بلحاج أمير التنظيم، وسامي السعدي المسئول الشرعي، وخالد الشريف القائد العسكري والأمني للجماعة. وذكر أنه "تم إطلاق سراح 705 إسلاميين منذ بدء البرنامج، ولا يزال 409 آخرين في السجن من بينهم 232 شخصا قد يطلق سراحهم في الفترة المقبلة".

ولكن مع اندلاع الثورة الشعبية في فبراير 2011 والحاجة لتحميل

جهة ما مسئولية ما جري بهدف صرف الأنظار عن حقيقة أنها ثورة شعبية، لم يكن هناك أنسب من اتهام تنظيم القاعدة بأنه وراء الأحداث، ومخاطبة الغرب – عبر رسائل القذافي ونجله الخطابية – أن إنهاء حكم العقيد ونجله معناه سيطرة القاعدة علي ليبيا ونشوء إمارات إسلامية علي ضفة المتوسط تنقل الإرهاب لفرنسا وإيطاليا وكل أوروبا فضلا عن السيطرة علي نفط ليبيا !.

وجاء اختيار القذافي لـ (القاعدة) تحديدا لا الإخوان مثلا – كما فعل بن علي ومبارك – لأنه تنظيم مسلح له عداء وثأر مع الغرب، كما أن فرنسا أعلنت لتوها دخولها في حرب مع هذا التنظيم الذي قتل رهائن فرنسيين في النيجر .

ففرنسا اتخذت في أغسطس 2010 الماضي قرارا بالدخول في حرب مفتوحة على "القاعدة" في الشمال الأفريقي بعد مقتل الرهينة الفرنسي ميشيل جرمانو ردا على غارة عسكرية فرنسية موريتانية مشتركة ضد مسلحين متشددين، وبرغم أن الهدف الفرنسي ربما يكون لعبة الاستراتيجية ومحاولة لمزاحمة الوجود الأمريكي في قارة كانت محسوبة تاريخيا على باريس، فهذا القرار يخدم نوايا القذافي بعدما أعلنت فرنسا أنها تريد خنق "القاعدة" في صحراء مالي والنيجر وموريتانيا والجزائر .

فمثلما لم تجد باريس حلا لتعطي مشروعية لعودتها إلى أفريقيا سوى ملف "القاعدة" والغيرة على "أمن المنطقة" باعتبارها الحزام الذي يحمي أوروبا أو يغرقها في الأزمات، لم يجد القذافي وشركاه حلا للهرب من سقوط حكمه والاستعانة بخدمات الغرب لمنع انهيار حكمه سوي فزاعة القاعدة، التي ثبت أنها هي وفزاعة الإسلاميين عموما شماعة فاشلة للنجاة من بركان الثورة الشعبية .

وبرغم التحذيرات من القذافي ونجله والخارجية الليبية أن تنظيم القاعدة المسلح وزعيمه "أسامة بن لادن" يهدف لإقامة "مركز لهذا التنظيم في ليبيا، بدلا من أفغانستان وباكستان والاستدلال علي هذا بظهور ما سمي بـ(إذاعة إمارة البيضاء الإسلامية) في مدينة البيضاء التي حررها الثوار، فلم يكترث الغرب كثيرا لهذا .

ففي العام الماضي وعندما قام تنظيم القاعدة في المغرب العربي – بخلاف الجماعة الليبية المقاتلة – بثماني عمليات خطف في غضون ستة أشهر ووافقت بعض الدول علي دفع فدية، ذكرت صحيفة “فانكوفر صن” الكندية” أن أمين اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي موسي (موسى كوسا) قال إن”الفدية” التي دفعت للإفراج عن اثنين من الدبلوماسيين الكنديين المخطوفين لدى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي قد زادت من قوتها في أفريقيا.

وقال كوسا - وفقا لبرقية دبلوماسية أمريكية نشرتها ويكيليكس- إن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي تعمل على توسيع نفوذها في حزام الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا، ووصف كوسا عملية دفع الفدية بأنها “مؤسفة وزيادة فقط على قوة القاعدة”.

وجاءت تصريحات كوسا وفقا لبرقية دبلوماسية أمريكية مؤرخة في عام 2009 والتي نشرتها موقع “ويكيليكس”، بشأن الإفراج عن الدبلوماسيين الكنديين المخطوفين وهما “لوي غواي” و”روبرت فاولر” الذي كان قد عين مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة إلى النيجر في ديسمبر عام 2008، واللذين بقيا محتجزين قرابة “130″ يوماً لدى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قبل أن يطلق سراحهما.

فالغرب لا يزال يتشكك في نوايا نظام القذافي ولا يبقي علي التعاون معه سوي لضمان تدفق النفط، وعندما تبين لهم أن قسما كبيرا من حقول النفط تسيطر عليه القبائل المؤيدة للثورة ضد القذافي، وأن حكم القذافي يترنح والرهان عليه خاسرا لم يهتموا لحديثه عن فزاعة القاعدة لأن خطر القاعدة في ليبيا ليس أقل من خطرها في المغرب العربي ككل، وهم يدركون أن التدخل لن يكون ضد القاعدة إنما ضد الشعب الليبي الذي ثار لينال حريته وكرامته من أقدم حاكم عربي ظل في مقعده 42 عاما !.