رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مهندسون وضباط وعلماء وبحارة.. أحلام مشروعة للأيتام

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق وتصوير - دينا توفيق / إشراف: نادية صبحي

 

فى شهر رمضان الكريم، يتهافت الكثيرون على مساعدة الأيتام وتقام عزومات الإفطار بهدف إسعادهم، وبث الدفء العاطفى فيهم وإشعارهم بأنهم ليسوا وحدهم وأن لهم عائلات بديلة تهتم بهم.. وبعد انتهاء رمضان وأيام العيد يتوقف هذا التواصل وتصبح نسياً منسياً.

وعلى الرغم من أن أغلب المصريين يتمتعون بفيض من الرحمة والعطف، لكن معظمنا يفتقر إلى فن التعامل مع الطفل اليتيم وكيفية الاهتمام بمستقبله وأحلامه التى كانت واضحة فى نظراتهم عندما التقينا بهم.. فى دار «دراز» للبنين.. البراءة هى كل ما يملكونه فى هذه الحياة، وأحلامهم البسيطة وأملهم الوحيد هو أن يكون لهم مستقبل أفضل والإحساس بأنهم جزء من المجتمع لديهم حقوق فعلية.

عند دخولنا إلى دار «دراز» للأيتام والتى تضم 15 طفلاً، شعرنا بأن «الابتسامة» هى الحل السحرى لاحتلال قلوب أولئك الأطفال.. فقد شاهدنا الطفل الذى اتخذ من الكتاب صديقًا واندمج فى معانى كلماته والأطفال التى تنظر من نافذة الغرفة ويحلمون بمستقبل مشرق أو ربما بمكان فى قلب أسرة تحنو عليهم.

كانت أمنيات الأطفال كثيرة وتملأ أرجاء المكان، وكانت أعينهم مليئة بالسعادة وهذا حالهم عندما يطرق بابهم زائر.

ويحرص الأطفال الكبار على الصيام وأداء صلاة التراويح كل يوم ويشجعون إخواتهم الصغار بالدار على القيام بذلك.. واقتربنا من أحد الأطفال وسألناه عن أمنياته فقال: «أنا نفسى أطلع لاعب كرة» تلك كانت أمنية الطفل «وليد» الذى لا يتعدى الــ10 سنوات فهو يحب لعب كرة القدم ويشجع فريق الأهلى مع إخواته فى الدار.

بينما يحلم «حسينى» أحد الأطفال الذى يتمتع بذكاء حاد، بأن يكون ضابطًا حتى يستطيع القضاء على «الحرامية» حسب قوله.. وكان لأحد الأطفال موهبة أخرى، فقال لنا بينما كانت تتعالى ضحكاته بين أرجاء المكان: «نفسى أصبح عالم بحار... فأنا أحب البحر، وأعشق الفرجة على الأسماك».

أما «أحمد» البالغ من العمر 12 سنة، يتمنى أن يصبح مهندساً معمارياً حتى يقوم ببناء العمارات السكنية للفقراء والمحتاجين.. وبالقرب منه كان يجلس «حذيفة» الذى تجده مبتسما ابتسامة تضىء وجهه كله وهو يتمنى أن يصبح رائداً للفضاء.. وهو كثير التأمل والنظر إلى السماء.. وبالرغم من أن هواياتهم مختلفة، فإنهم اجتمعوا على حب كرة القدم.. لذا قد يذهبون فى أوقات كثيرة بعد الإفطار إلى أحد الأندية بمنطقة «المقطم» للعب الكرة سوياً.

التقينا بعد ذلك بالطفل «ماهر» البالغ من العمر 11 سنة، وهو يتميز بين زملائه فى المدرسة بالخط الجميل ويحب الرسم كثيراً، ويشاركه نفس الهواية «أحمد» الذى يحب الرسم أيضًا ويقوم برسم العديد من اللوحات الجميلة... فمن خلال فرشاة الألوان يقوم هؤلاء الأطفال برسم عالم آخر غير الذى يعيشون فيه، عالم ليس به حزن أو ألم، ولكنه ملىء بالبهجة والأمل.

ومن أكثر الأشياء التى كانت مصدرًا لسعادة هؤلاء الأطفال، هو حصولهم على مجموعة من شهادات التقدير بسبب تميزهم فى صناعة «الروبوتات» أو الإنسان الآلى حيث حصلوا على المركز الثالث على مستوى الجمهورية فى هذا المجال.. ويعتز الأطفال بتلك الشهادات كثيراً.

يلفت النظر داخل الدار هو أن روح المشاركة تبدو واضحة بين الجميع.. فـ«يوسف» وهو أكبر الأولاد فى الدار، يقوم بمساعدة إخواته فى المذاكرة أثناء فترة الدراسة.. فالدار بالنسبة لهم هى البيت الوحيد الذى يعرفونه منذ نعومة أظافرهم وهو يضمهم سوياً كعائلة واحدة كبيرة العدد.. يشاركون بعضهم البعض أفراحهم وأحزانهم، يتبادلون الأسرار والضحكات.. أما ابتساماتهم فهى تساوى حياة.

وفى أيام الإجازات، تحرص إدارة الدار على اصطحابهم إلى أحد الأندية الرياضية من أجل ممارسة الرياضة وخاصة كرة القدم التى يحبونها كثيراً.. أكد «أحمد النقراشى» –مدير الدار– أن هناك اهتماماً بالجانب الترفيهى للأطفال بالإضافة للجانب التأهيلى، فيتم إحضار بعض الإخصائيين النفسيين من أجل تأهيلهم نفسياً وحل أية مشكلات قد تواجه الطفل.. وفى هذا الشهر الكريم يصوم معظم الأطفال بالدار ويفرحون كثيراً عندما نخرج للإفطار خارج الدار حيث تقوم بعض الجهات والمؤسسات بعمل عزومات إفطار لأطفال الدار فى أحد الأندية الكبرى أو المطاعم ويستمتعون كثيراً بأوقاتهم هناك.

 

احتياجات أساسية

يقول الدكتور سعيد عبدالعظيم، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة: «إن احتياجات الطفل اليتيم هى نفس احتياجات الأفراد العاديين لكن بدرجة أشد، لأن الطفل اليتيم يرى نفسه ضائعًا بسبب فقدانه لوالده أو والدته أو كليهما، وبسبب هذا الشعور يعانى ويختلق الأعذار، وتزداد حساسيته واحتياجه للمحبة والحنان، لذا يجب على المحيطين به تلبية حاجاته هذه بكل لطف دون أن نشعره بالنقص، فكان الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام عندما يرى الأيتام يجلسهم إلى جانبه أو على فخذه، ويمسح على رؤوسهم، ويقول إن الله تعالى يؤجر الفرد بعدد ما يمسح من الشعر بيده.

فالأب هو عمود الأسرة الأساسى، وبفقده يختل نظامها، ويعانى أبناؤها من الحرمان، ولإعادة هذا التوازن المفقود، علينا أن نقوم بدور العائل الموجه للأبناء الأيتام، وتلبية حاجاتهم المادية والمعنوية كافة وتقديم النصح والتوجيه البناء لهم، فى جو دافئ من الحنان والرعاية والاهتمام، فالطفل اليتيم فى حاجة إلى من يستمع لآلامه، ويهتم بشكواه ومعاناته التى تواجهه فى مختلف الأحيان، فلو أفصح عن أحد همومه يجب أن نستمع له، فهذا سوف يؤدى إلى إضفاء حالة الهدوء والسكينة عليه.. لكن علينا ألا ننسى أنه فى حاجة إلى الضبط والسيطرة، فصحيح أنه يتيم، لكن يجب ألا تصبح معاملتنا إياه بالعطف والحنان سبباً بأن يشعر بأنه قادر على الإقدام على أى عمل يريده دون ضوابط، وأن أحداً لا يراقبه، كما أنه فى حاجة إلى تأكيد الذات وعدم فقدان الثقة بالنفس، لهذا من الضرورى تهيئة مناخ إعادة بناء شخصيتهم، لكى يستعيدوا الثقة بأنفسهم مرة أخرى ويرون لأنفسهم أهمية ومكانة ودور فى الحياة، حتى لا يكونوا عرضة للانحراف، فالطفل فى حاجة إلى تحقيق الإشباع والارتياح، فهو مثل

أى إنسان لديه حاجات فسيولوجية، وحاجات نفسية، وحاجات اجتماعية يرتبط ظهورها وإشباعها بوجود الفرد فى المجتمع».

 

دمج اليتيم فى المجتمع

الدكتور سعيد صادق –أستاذ الاجتماع السياسى- يؤكد أن عملية دمج اليتيم فى المجتمع، تأتى فى مقدمة احتياجات الطفل اليتيم، فهو يحتاج إلى مخالطة الآخرين وعدم اعتزالهم، حتى يشعر بأنه جزء من الناس الذين ينتمى إليهم، وليس غريباً عنهم.. كما يفترض علينا مراعاة أدبه وتربيته تربية صالحة، والتلطف به وتأديبه أحسن تأديب، وتعليمه أحسن تعليم، وتزويده بالقيم الأخلاقية والسلوكية القويمة.. فاليتيم طفل يحتاج إلى قيم تربوية أيضًا يستمدها من قيم المجتمع، ومن تعلمه واحتكاكه بالمجتمع من حوله، وبأفراده ومؤسساته العلمية والدينية والإعلامية والثقافية والاقتصادية وغيرها. وعليه أن يكتسب القيم التى تصونه من الانحراف أو السقوط عن طريق الأنشطة والبرامج التى تغرس فيه كل ما هو إيجابى للارتقاء بشخصية اليتيم وإيجاد وازعٍ داخلى يحميه من كل فساد وانحراف، كما لا ننسى حاجة الطفل اليتيم كغيره من الأطفال إلى التعريف بحقوقه وواجباته التى تساعده على الانخراط فى المجتمع بشكل طبيعى، والمشاركة فى عملية البناء أسوة بغيره من الأطفال، دون أن نهمل بالضرورة احتياجاته الاقتصادية والمادية، والحفاظ على حقوقه وممتلكاته، وحقه فى العمل والعيش والكسب الشريف، كقوة فاعلة فى المجتمع.

 

بعد تكرار حوادث العنف والتعذيب.. أيتام يطلبون الرحمة

فى الوقت الذى يمنح فيه العاملون فى دور الأيتام أحضانًا بديلة عن أحضان الأهل التى حرم منها الصغار ويمنحونهم الحب والحماية والرعاية نجد بعض الدور تحولت إلى سلخانات لتعذيب الملائكة الصغار.

وتكررت حوادث تعذيب الأيتام من أشخاص نزعت عنهم الإنسانية وتحولوا لوحوش تنهش أجساد وأرواح الصغار.. فكيف نتصدى لتكرار حوادث الاعتداء على الأيتام، وكيف نضمن لهم الحماية والأمان؟

تكررت حوادث التعذيب فى دار الرشاد بالإسكندرية، حيث يقوم مسئولو الدار بتعذيب وضرب الأطفال دون الثلاث سنوات يوميًا، ما اضطر الأهالى المحيطين إلى مطالبة المسئولين بوقف هذه المهازل ولكن دون جدوى مما اضطر بعض السكان إلى الدخول خلسة وتصوير آثار التعذيب على وجوه وأجسام الأطفال ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعى.

 

قانون وصاحبه غايب

ينص قانون الطفل على أنه يُعاقب كل من عرض طفلًا لإحدى حالات الخطر بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 2000 جنيه، ولا تجاوز 5 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

علمًا بأن قانون العقوبات المصرى، يجرم فى الأصل أى مساس بجسد الإنسان.

 

أين حقوق الطفل؟

أكد أحمد عبدالعليم، عضو مجلس إدارة الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، يعتقد البعض أن ما يحدث داخل دور الأيتام من تجاوزات هى سلوكيات فردية من بعض منعدمى الضمير لكن المشكلة الحقيقية تكمن فى غياب القواعد والسياسات اللازمة لحماية الطفل فى دور الأيتام سواء الحكومية أو الأهلية.. وطالما انعدمت تلك السياسات ستتكرر تلك التجاوزات.. لذا لا بد من تتبع السيرة الذاتية للعاملين فى دور الأيتام والتأكد من عدم وجود سوابق لديهم، فضلًا عن وضع السياسات اللازمة لحماية الطفل داخل تلك المنظمات المعنية بالأطفال مع وجود صندوق للشكاوى وإجراءات محددة يتم اتخاذها فى حالة شكوى أى طفل.. مع ضرورة تأهيل العاملين بتلك الدور لضمان التعامل مع الأطفال بشكل جيد.. ولا شك أن المشرف الذى يتعامل بعنف مع الأطفال هو غير مؤهل للتعامل معه من الأساس.

ومن ناحية أخرى يجب مراعاة الحافز المادى، لأن معظم العاملين الدور مرتباتهم ضعيفة مما يؤثر عليهم ويسبب لهم إحباطاً فيستخدم العنف على الحلقة الأضعف وتكون هى الطفل.. باختصار إذا تم الاهتمام بالجانب المادى للعاملين، سيجعل أصحاب المؤهلات العليا يقبلون على العمل بتلك المنظمات وبالتالى سينعكس ذلك على أسلوب التعامل مع الأطفال.. لكن ما دامت الدولة لا تضع الأطفال على قائمة أولوياتها، ستستمر تلك النوعية من التجاوزات ولن تكون حادثة دار الأيتام بالإسكندرية هى الحادثة الأخيرة طالما ليست هناك إجراءات صارمة يتم اتخاذها.