رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حملة «تطهير» لشوارع مصر

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق - مجدى سلامة:

 

تغيير اسم «سليم الأول».. بداية لإزالة أسماء الغزاة والقتلة

«السادات» الأكثر انتشارًا يليه «مبارك» و«عبدالناصر».. وأخيرًا «مرسى»

تخليد الشهداء فى شوارع المدن الجديدة.. ونجيب محفوظ الأبرز بين الأدباء

 

يخطئ مسئولو المحافظات عندما تتوقف عملية تغيير أسماء شوارع مصر عند شارع «سليم الأول» التابع لحى الزيتون بالقاهرة..

فالغازى العثمانى «سليم الأول» ليس وحده الذى يستحق محو اسمه من كل شوارع مصر، فهناك غيره محتلون وغزاة وطغاة وقتلة وسفاحون يجب تطهير الشوارع من أسمائهم.

وأيضًا هناك سفهاء ومجانين ومشعلو فتن ولصوص، وإرهابيون لا تزال أسماؤهم تخلدها شوارع مصر، بل هناك شوارع تحمل أسماء «قلة أدب»!

وحكاية أسماء الشوارع تعود لأكثر من 113 عاماً، فحتى مطلع القرن الماضى لم تكن شوارع مصر كلها تحمل أسماء، وكانت كل منطقة تسمى باسم القبيلة أو العائلة أو أصحاب الحرفة الذين يقيمون فيها، أما الشوارع فتعارف الناس فيما بينهم على أن يسموها بأسماء كبار الأثرياء، أو المشاهير الساكنين فيها، أو أول من بنى بيته فى الشارع.

وحين تولى محمد على حكم مصر عام 1805 أصدر مرسومًا يلزم الجميع بتحديد أسماء للشوارع، ووضع لافتات بأسماء وأرقام المنازل فى كل شارع.. ومنذ ذلك الحين عرف المصريون للشوارع أسماء.

وعلى مدى 113 عاماً انحصرت أسماء الشوارع فى 5 فئات رئيسية.. فى مقدمتها أسماء شخصيات.. أغلبها شخصيات سياسية بارزة بعضها مصري وبعضها من دول عربية وغربية.. وأحيانًا كان تطلق أسماء لاعبى الكرة على الشوارع «شارع مختار التتش، وشارع رفعت الفناجيلى، وشارع حسين حجازى».. وأحيانًا يطلق على الشوارع أسماء دول عربية وأنهار عربية، وأسماء مدن مصرية.

بعض الشوارع لا تنتمى إلى أحد من المشاهير، مثل شارع اسمه «محمد أحمد»، أو «حسن محمد»، أو شارع «فتحى»!.. وأغلب الظن أن هؤلاء كانوا أول من أقام منزلًا فى شوارعهم.

شوارع أخرى حملت أسماء حرفة «مثل حارة الفحامين- العاملين فى الفحم» و«السقايين- بائعى المياه»، و«الصوافين- بائعى الصوف»، و«العطارين ودرب العجان ودرب الفرن.. وهكذا».

شوارع ثالثة أطلقوا عليها أسماء أكلات ومشروبات «عطفة المخللاتية، حارة العرقسوس، حارة ضلع السمكة، عطفة خوخة، عطفة بطيخة، درب القمح، الماء والليمون»..

وشوارع رابعة حملت أسماء أسواق «سوق التلات، سوق الخميس، سوق الزلط، سوق البقر، سوق الجمال، سوق الحمير، البغالة.. وغيرها».

وشوارع خامسة حملت أسماء غاية فى الغرابة «شارع بين النهدين، شارع عزرائيل، حارة القتلى، حارة القتيل، شارع قلعة الكلاب، حارة التمساح، حارة شق الثعبان، كعابيش.. وهكذا»..

وفى وقت من الأوقات كان فى مصر جزيرة باسم شارع الشيخ العبيط «الجزء الجنوبى من حى الزمالك حالياً»، وقنطرة الذى كفر، وشارع «أولاد أبوجهل»!

 

تسمية الشوارع

تسمية الشوارع فى مصر، كانت تتم بقرارات خاصة يصدرها الملوك أو الوزراء أو محافظو الإقليم، وكانت بعض الشوارع تحمل أسماء سياسيين مروا فى الشارع، فمثلًا شارع عبدالعزيز الشهير فى منطقة وسط القاهرة تم إطلاق هذه الاسم عليه بسبب مرور السلطان العثمانى عبدالعزيز فى ذات الشارع أثناء زيارته مصر فى عهد الخديو إسماعيل، ووقتها قام خديو مصر بتصرف كبير، حيث حرص على أن يمسك بنفسه بلجام الخيول التى تجر العربة التى تحمل السلطان، وسار على قدميه ممسكًا بلجام الخيول طوال الشارع، وبعدها منحه السلطان منحة كبيرة بأن أصدر فرمانًا سلطانيًا يجعل حكم مصر لأبناء الخديو إسماعيل فقط بعد أن كانت الولاية لأكبر أبناء وأحفاد محمد على!

ويذكر التاريخ أيضًا أن أهالى جرجا أرسلوا عريضة إلى وزير الشئون البلدية والقروية، إبراهيم باشا فرج، فى عهد حكومة الوفد يطلبون فيها إطلاق اسم فخرى عبدالنور- ابن مدينتهم- على أحد شوارع القاهرة. وذهب إبراهيم باشا إلى مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء، ليبلغه رغبة الأهالى، وكان رد النحاس باشا بالموافقة الفورية، وكلفه بالبحث عن شارع يليق بأن يحمل اسم «فخرى عبدالنور».

وفى تلك الأثناء كانت أسرة «فخرى عبدالنور» تسكن فى العباسية، وكان بيتها يحمل رقم 117 على شارع العباسية، عندّ شارع عظيم الدولة، فطرح «الوزير إطلاق اسم فخرى بك على شارع عظيم الدولة، وعرض الأمر على النحاس باشا الذى قال «أنا لا أعرف من هو عظيم الدولة، ولكن مادام هذا الرجل كان عظيمًا فى دولته، فلماذا نحرمه من الإبقاء على اسمه على هذا الشارع»، ثُم سأل عن أقرب شارع فى المنطقة، فقالوا له إنه «شارع جرانفيل»- وزير الخارجية البريطانى الذى كان يردد أن إنجلترا ستظل فى مصر للأبد- فأظهر النحاس اعتراضه على بقاء اسم هذا الرجل على شارع يمتِد طوله إلى 3 كيلومترات، وقال «فليكن هذا هو الشارع الذى يجب أن يحمل اسم فخرى بك عبدالنور».

وهكذا قرر النحاس باشا، رئيس الحكومة المصرية، إطلاق اسم فخرى عبدالنور على شارع «جرانفيل» وهو الشارع الذى يمتد من أمام كلية الشرطة حتى ميدان عبده باشا.

ومنذ عقود طويلة تولت إدارات متخصصة فى كل حى ومدينة ومحافظة، يطلق عليها إدارة تسمية الشوارع، اختيار أسماء للشوارع الجديدة التى تقع داخل نطاقها الجغرافى، أو تعديل أسماء الشوارع استجابة لرغبات المواطنين.

وكانت تلك الإدارات تطلق أسماء الشوارع، مراعية أسماء المشاهير المقيمين فيها، واسم أول من أقام منزلًا فى هذا الشارع، واسم الأحداث الشهيرة التى شهدها الشارع، ولهذا مثلًا أطلقوا اسم المطرب أحمد عدوية على ميدان فى المعادى لأن المطرب كان يقيم فى أحد العقارات المطلة عليه.

وحاليًا الاختيار الأول لأسماء الشوارع الجديدة يكون لأسماء الشهداء الذين يقدمون أرواحهم فداء للوطن.

 

سليم الأول.. بداية

وإذا كان حى الزيتون– أحد أحياء شرق القاهرة- قد قرر مؤخرًا استبدال اسم شارع سليم الأول باسم آخر استنادا إلى أن صاحب الاسم «سليم الأول»، كان أحد الغزاة الذين احتلوا مصر، وعاث فيها ظلمًا وقتلاً، فهناك قائمة أخرى من الغزاة الذين لا تزال شوارع مصر تحمل أسماءهم، قائمة هؤلاء الغزاة حددها الكاتب الصحفى الكبير عباس الطرابيلى فى مؤلفه شوارع لها تاريخ، وتضم القائمة شوارع دارا وقمبيز وقورش، فى القاهرة والإسكندرية وثلاثتهم من غزاة مصر، وقمبيز دمر منف عاصمة الفراعنة عام 525 قبل الميلاد، وقتل آلاف المصريين وانتهك حرمة الديانة المصرية.

وهناك شارع مراد بالجيزة الذى يحمل اسم مراد بك الجركسى أحد المماليك حاكم مصر على بك الكبير، والذى خان سيده وساند غريمه، إبراهيم بك أبوالدهب الذى حكم مصر بعد مقتل على بك الكبير، وعندما مات «أبوالدهب» فجأة خلفه فى حكم مصر إبراهيم بك، وشاركه مراد بك فى حكم مصر، وحين احتل الفرنسيون مصر، خان «مراد» المصريين وارتضى أن يكون حاكمًا للصعيد تحت إمارة الفرنسيين، ثم قاوم بعنف شديد ثورة المصريين المعروفة تاريخيًا باسم ثورة القاهرة الثانية.

و«خان الخليلى» تمت تسميته نسبة إلى «جهاركس الخليلى» رئيس الإسطبلات فى عهد السلطان الظاهر برقوق «السلطان الـ25 فى العصر المملوكى»، وكان فى هذا المكان مقابر أسرة الخلفاء الفاطميين- وعند إنشاء خان الخليلى استجلب الخليلى العشرات من العمال والعبيد، وبدأوا ضرب معاولهم فى مقابر الفاطميين

واستخرجوا رفاة عشرات الرجال والنساء، ووضعوها فى «قفف» على ظهر البغال التى سارت بها فى شوارع وحارات القاهرة، ثم ألقاها فى مقلب قمامة ضخم موضعه الحالى هو حديقة الأزهر.

يحكى المقريزى قصة نهاية «جهاركس» قائلاً: إن السلطان الظاهر برقوق، أمره بترؤس جيش ضم 500 مملوك، والتوجه بهم إلى دمشق لمواجهة بعض الأمراء الذين خرجوا على السلطان، إلا أن جنود السلطان هزموا بسبب خيانة بعض القواد للخليلى وفرار الباقين.. وقتل الخليلى وترك على الأرض عاريًا وسوءته مكشوفة، وقد انتفخ وكان طويلًا عريضًا إلى أن تمزق وبلى عقوبة من الله تعالى بما هتك من رمم الأئمة وأبنائهم».

شارع الأشرف خليل بن قلاوون.. يحمل اسم سفاح كبير، قتل جميع الأمراء، وأقام مذابح فى مصر والشام وقهر الناس قهرًا مذلاً.. يحكى لنا التاريخ نوادر عن مجونه وتهتكه وسخريته من الدين، حتى أنه كان يجاهر بشرب الخمر فى نهار رمضان، وهو ما دفع أحد رجاله لقتله، ولما أحيل للمحاكمة وقف بجرأة معلنًا أن السلطان كان يشرب الخمر فى رمضان ويفسق بالمردان ولا يصح أن يحكم المسلمين».

«عبدالعزيز جاويش» اسم يحمله أحد شوارع الجيزة، رغم أن صاحبه جاويش «عاش خلال الفترة من 1876 حتى 1929»، واحد من أبرز أبطال الفتنة الطائفية فى مصر، وهو مؤسس تيار التعصب الدينى الدموى ضد الأقباط المصريين، وهو واحد من مناصرى الخلافة العثمانية طوال حياته، وله مقولة فاضحة سجلها له التاريخ، يقول فيها «سنجعل من جلود القبط فى مصر نعالًا ومن شعورهم حبالًا»

هناك أيضًا شارع فى مصر الجديدة يحمل اسم بطرس باشا غالى، جد الوزير السابق يوسف بطرس غالى، الذى ترأس محاكمة الفلاحين المصريين فى حادث دنشواى فى مطلع القرن الماضى، وحكم بإعدامهم جميعًا، ثُم اغتاله الصيدلى المصرى الشاب إبراهيم الوردانى عام 1910 بسبب أحكامه الجائرة ضد فلاحى دنشواى.

فضلًا عن ذلك، هناك شوارع بأسماء ساسة ومسئولين لعبوا أدوارا ملتبسة ضد قضايا الحريات، والاستقلال الوطنى، والديمقراطية مثل محمد محمود، الذى يحمل اسمه الشارع الشهير الملاصق لميدان التحرير، ومصطفى باشا فهمى، نوبار باشا، عدلى باشا، وغيرهم.

والكارثة أن هناك شارعًا فى مدينة دمنهور عاصمة البحيرة لا يزال يحمل اسم سيد قطب، وفى البحيرة أيضًا شوارع لا تزال تحمل أسماء حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، أحدها اسمه «شارع الشهيد حسن البنا»!

والغريب أن محافظ البحيرة الأسبق مصطفى هدهد كان قد أصدر قرارًا فى عام 2014 بتغيير أسماء الشوارع التى تحمل أسماء سيد قطب وحسن البنا، ولكن حتى الآن لا تزال ذات الأسماء تطلق على شوارع فى دمنهور والمحمودية!

وهناك شوارع تتجاهل الأحياء تسميتها فيتطوع أحد سكانها بإطلاق ما يريد من أسماء على الشارع، وبعد فترة من الزمن يصبح هذا الاسم أمرًا واقعاً.. وهذا ما حدث مثلًا فى شارع بالجيزة لا يزال حتى الآن يحمل اسم «حبيبة الملايين سوزان مبارك»!.. وهو ما يعنى أن تسمية شوارع مصر لا تزال «سداح مداح».

 

ضد النسيان

ورغم أن الأديب العالمى نجيب محفوظ كان يردد بشكل دائم عبارته الشهيرة التى تقول «آفة حارتنا النسيان»، إلا أن عكس هذه المقولة هو ما يحدث فيما يتعلق بأسماء الشوارع، فرغم تغيير أسماء بعضها بأسماء جديدة، فإن الغالبية العظمى تصر على التمسك بالاسم القديم.

على سبيل المثال ميدان «عبدالسلام عارف» بمنطقة باب اللوق بالقاهرة لا يزال معروفًا عند المصريين باسمه القديم «ميدان البستان»، نفس الحال فى ميدان رابعة بمصر الجديدة، الذى تغير اسمه إلى ميدان هشام بركات- النائب العام السابق الذى اغتاله الإرهابيون فى يونيه 2015- ولكن لا يزال المصريون يطلقون عليه نفس اسمه القديم!

نفس الحال يتكرر فى ميدان سفنكس بالعجوزة- بمحافظة الجيزة- مازال يعرف بهذا الاسم رغم تغيير اسمه إلى ميدان نجيب محفوظ وشارع طلعت حرب بالتحرير مازال البعض يناديه باسم شارع سليمان باشا، نفس الأمر فى شارع «إبراهيم باشا» بوسط القاهرة الذى تغير اسمه منذ عام 1952 ليصبح شارع «الجمهورية»، وهو نفس ما يتكرر مع شارع فؤاد «26 يوليو حالياً» وفاروق «الجيش حاليا».

 

شوارع الرؤساء

هناك أسماء شوارع تحمل أسماء رؤساء مصر، ويعتبر الرئيس السادات هو صاحب أكبر عدد فى أسماء الشوارع، ففى مصر 9 شوارع تحمل اسمه، يليه الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذى تحمل اسمه 8 شوارع، ويأتى من بعده الرئيس جمال عبدالناصر الذى يحمل اسمه 7 شوارع، وأخيرًا يأتى محمد مرسى الذى يحمل اسمه شارع واحد.

أما أكثر الأدباء الذين تسمت بأسمائهم الشوارع فكان الأديب العالمى نجيب محفوظ الذى يطلق اسمه على 10 شوارع.