عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رحلة بحث عن «المغازية» فى «سوق العصر»

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق: إسلام أبوخطوة - تصوير: راجى ماجد - اشراف: نادية صبحى

 

الأهالى: المنطقة تغيرت.. وزمن «الشوم والنبوت» انتهى

الحاج زكى سيد المغازى: أنا عايش لوحدى.. وما أعرفش حاجة عن باقى العيلة

منزل «المغازى» الكبير لتحول لـ«مقلب قمامة»

كيف تحولت حالة الترابط العائلى إلى ذكرى مستحيلة التكرار فى 60 عاماً؟

 

لا يزال الصراع مستمراً فى «سوق العصر»، كما كان منذ 20 عاماً، ليس بين الخير والشر فحسب، كما جسده المسلسل الشهير، الذى حمل الاسم نفسه من بطولة النجم أحمد عبدالعزيز، وعرض المسلسل للصراع مع رموز الفساد فى الدولة خلال الستينات، بل أصبح بين الرغبة فى الحياة والعمل وبين الاستسلام للديون بعد الأزمات الاقتصادية الطاحنة التى اجتاحت الأسواق.

«لا يدخل الجنة قاطع رحم».. جملة مكتوبة على لافتة معلقة على مدخل شارع «سوق العصر» بمنطقة السبتية، قرب ميدان التحرير، الذى لا يبعد عن كورنيش النيل سوى أمتار قليلة.

الشارع كان يتكدس بمال صناعة الشوم والعصى والنبوت، ومبان عتيقة مقامة على الطراز القديم، يقطنها عشرات يتجمعون فى كل مناسبة وسط الشوارع على مائدة واحدة لتناول الطعام.

هذه المشاهد اندثرت مع مرور السنوات، وتبدلت لمحلات تجارة الحديد وورش الصنفرة ومساكن يقطنها أناس جدد، البعض منهم أتى من محافظات الصعيد بحثاً عن الرزق، وآخرون من مناطق أخرى بالقاهرة والجيزة.

عائلة المغازية، التى تعدد الأشهر فى «سوق العصر» كما جسدها المسلسل لم يتبق منها فى المنطقة سوى أسرة «سيد المغازى»، الذى كان يعمل فى قطاع أمن الدولة وأبنائه صلاح وزكى وإبراهيم، وتوفى سيد منذ 15 عاماً، ليترك أبناءه فى منزل بسيط مكون من 4 طوابق فى «درب الملاحين».

وعن منزل عائلة المغازية، الذى احتضن جانباً من قيادات ثورة 23 يوليو، منهم الرئيس جمال عبدالناصر، والرئيس أنور السادات وعدد من الضباط الأحرار، منهم حسين الشافعى، وعبداللطيف البغدادى، فتحول هذا المنزل إلى أرض فضاء تملأها تلال من القمامة ويحاصرها سور لا يتجاوز طوله 3 أمتار، وباب حديدى متهالك مغلق بالسلاسل.

وبحسب روايات الأهالى المقيمين فى المنطقة، فقد اندثرت عائلة المغازية، ولم يتبق فى المنطقة سوى أبناء سيد المغازى.

وحول معلوماتهم عن العائلة، تبين أنهم لا يعرفون شيئا كونهم حديثى العهد فى المنطقة، وهذا ما عانت منه «الوفد» أثناء محاولتها الوصول إلى أى من المنتمين للعائلة المتبقية فى المنطقة.

أما عن شارع السوق، فتحول من محلات لصناعة «النبوت» إلى ورش حديدية ومع العمال تظهر ملامح مشاق الحياة ومتاعبها التى غيبت عن قلوبهم مشاعر المودة لتتحول اللافتة المعلقة على مدخل السوق حول «صلة الأرحام» إلى «حبر على صاج».

على جابر، حداد، يقطن فى درب الملاحين بسوق العصر منذ 20 عاماً، قال: إن المنطقة كانت منذ 30 عاماً عبارة عن محلات صناعة العصى والنبوت وذلك فى عصر كان يتواجد فيه ما يسمى بـ«الفتوة» ولهذا كان نشاط بيع وتصنيع النبابيت مزدهراً ومع مرور الزمن واختفاء عصر الفتوات أغلقت هذه المحلات لتتحول إلى ورش لصناعة الحديد.

«لما كنت صغير، أبويا كان بيحكيلى عن الجو الأسرى».. يكمل على جابر حديثه موضحاً أن السوق فى زمن الفتوات كان يعمها الجو الأسرى بين الأهالى، ففى المناسبات كانوا يجتمعون ليتناولوا الطعام على «طبلية» واحدة ولا أحد يضع فى اعتباره أى خلافات شخصية.

وتابع: يا ريت الزمن القديم يرجع تانى.. الشارع كله كان أسرة واحدة، لما كنت صغير كنت بأحس أن أبناء الجيران إخواتى، ويشير صاحب الأربعين عاماً إلى أنه فى الوقت الحالى مع تغير الوجوه داخل المنطقة التى أصبحت ملاذاً لكل العاملين فى الحدادة، لا يتبقى سوى أفراد بأعينهم من أبناء السوق القدامى، ولهذا بات كل فرد الآن لا يهمه سوى نفسه.

وعادت «الوفد» لتكمل جولتها داخل حوارى السوق الأشبه بالمتعرجة، وتبحث جاهدة عن أقدم عائلة فى المنطقة، وهى «المغازية» لتسرد القصة الكاملة لسوق العصر.

«مفيش حد بالاسم ده هنا».. بهذه الكلمات أجاب رامى جلال، صاحب ورشة حدادة، على سؤال «الوفد» عن مكان وجود عائلة «المغازية»، ليلتقط منه الحديث سامى شريف، صاحب مقهى، وقال: آه عائلة المغازية موجودة بس متفرقة، وأشار إلى أنه لم يتبق من العائلة فى سوق العصر سوى أبناء سيد المغازى فى درب الملاحين، أما عن منزل العائلة، فموجود أمام مسجد العلايلى أول مدخل سوق العصر.

وفى درب الملاحين وأمام منزل مكون من 4 طوابق تصدعت جدرانه بفعل عامل الزمن يقطن أبناء سيد المغازى، وهم: طارق وزكى وإبراهيم، وقد أغلقوا الباب الحديدى بالسلاسل، وكأنهم يريدون العزلة عن العالم الخارجى.

والتقت «الوفد» مع «زكى»، الذى يعمل سائق نقل، وقال إنه ولد فى سوق العصر وسط حشد كبير من عائلة المغازية فى منزلهم الكائن أمام مسجد العلايلى.

وبعد وفاة المغازى الكبير، تفرقت العائلة وأصبح كل فرد يعيش فى مكان غير الآخر، فوالده سيد المغازى اتخذ من هذا المنزل مكاناً للاستقرار، وكان طابقاً واحداً وبعد أن أنجب الأب أبناءه الثلاثة، بنى 3 طوابق أخرى ليكونوا فى مكان واحد، ويحاولوا جاهدين الحفاظ على الروابط الأسرية كما كنا عليه زمان.

حالياً أعيش لوحدى.. يكمل زكى المغازى حديثه، وقال: إنه بات منعزلاً عن العائلة والذى أصبح لا يعلم عنها شيئاً مطلقاً.

وعن شارع سوق العصر، أشار إلى أنه تبدلت معالمه 180 درجة مقارنة بـ60 عاماً مضت حيث كان فى المناسبات المختلفة سواء رمضان أو الأعياد تجد صلة الأرحام هى المظهر الرئيسى بين الجيران، ولكن اليوم أصبحت المنازل تغلق بالسلاسل الحديدية خوفاً من السرقة والبلطجة وغيرهما من الحوادث التى تتكرر بين الوقت والآخر.

«يا ريت يرجع زمن الفتوات بدل العيشة دى».. كلمات بدأ بها إبراهيم على، صاحب ورشة حدادة حديثة، وقال إن والده كان يروى له كم كان سوق العصر يعيش فى رخاء، مشيراً إلى أن الأهالى قديماً كانوا يدفعون إتاوة للفتوة، ولكن رغم ذلك كانوا سعداء بحياة تعد أفضل بكثير من الأوضاع الحالية، التى يشوبها ارتفاع الأسعار والأزمات الاقتصادية الطاحنة.

وتابع: رغم كون نشاط تجارة الحديد يحقق مكاسب كثيرة فى الفترة الأخيرة، فإن حركة البيع والشراء ليست على ما يرام، نظراً لعجز كثير من المواطنين عن شراء الحديد فى الوقت الحالى.

ويشير صاحب الثلاثين عاماً إلى أن سوق العصر، الذى عرض فى المسلسل لا يختلف كثيراً عن حقيقة الماضى والحالى أيضاً.. فالماضى كان الصراع بين الفساد والأهالى، والوقت الحالى ساد الحقد والحسد والكره بين الناس.

راشد جمال، صاحب مقهى داخل سوق العصر، قال: إن يوم العاملين فى سوق العصر يبدأ من السابعة صباحاً، عندما يستهل أصحاب الورش باب الرزق ويجهزون العدة لبدء العمل وحينها تكون الساعة دقت التاسعة.

وهناك ورش أخرى تبدأ عملها بعد الساعة 3 عصراً، وهى التى تعمل ساعات متأخرة من الليل.

وعن ملامح تغير سوق العصر عبر الزمن، قال صاحب المقهى: إنه مقيم بالمنطقة منذ 30 عاماً، ووجد سوق العصر مكتظاً بمحال الحديد، وبحسب رواية والده له، فإن السوق كان مخصصاً لبيع الشوم والنبوت، فى زمن الفتوات، وكانت كل أسرة تشترى ما يكفيها من العصى والشوم للدفاع عن نفسها وقت اللزوم، بخلاف هذا الزمن الذى يتسلح فيه الأهالى بالبنادق الآلية والأسلحة البيضاء.