عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الباحثون عن الكنز يذبحون الأطفال قربانًا للجن

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق: أمانى زايد / إشراف: نادية صبحي

 

منازل تنهار فوق رؤوس أصحابها، وأطفال فى عمر الزهور تزهق أرواحهم بلا ذنب، وعشرات الواهمين يكون السجن مصيرهم بعد إنفاق تحويشة العمر، على أمل استخراج كنوز أجدادنا، وكثير من الشباب يحلمون بالقصور والفيلات والغنى السريع دون تمييز بين حلال أو حرام.. هذا هو حال الكثيرين ممن وقعوا ضحايا لأوهام ملأت رؤوسهم، فتحول حلم الثراء إلى هوس بالتنقيب على الآثار تحت المنازل، وفى الزراعات، وانساقوا بلا تفكير وراء المشعوذين والنصابين لاستخراج الكنوز الخبيئة والكنوز المدفونة منذ آلاف السنين، بإسالة دماء الصغار قرباناً للجن الحارس للمقابر المليئة بالذهب، تلك الخرافات والخزعبلات وجدت رواجاً فى مناطق عديدة اتخذتها عصابات التنقيب عن الآثار ملاذاً لتنصب شباكها، على الطامحين والطامعين، واستغلوا فقر وجهل البسطاء، وأقنعوا ضحاياهم بوجود كنز مدفون على بعد أمتار من سطح الأرض، واستنزفوا أموالهم، وعبثوا بحرمات الموتى ليسقطوا فى النهاية فى أيدى رجال الأمن دون أن تتحقق أحلامهم.

 

إنه الثراء السريع من أقصر الطرق، حتى لو كانت ملوثة بدماء الأبرياء.. أو سرقة كنوز الأجداد التى هى أساساً ملك للوطن.

تشير الإحصاءات إلى أن حجم تجارة وتهريب الآثار فى مصر يصل إلى 20 مليار دولار سنويًا، وأن أغلب الآثار التى يتم تهريبها تكون عن طريق التنقيب فى الخفاء من قبل العصابات اتخذت عصابات التنقيب عن الآثار قرى الصعيد والمناطق النائية وكراً لها لتمارس عمليات النصب بسهولة فوضعت تلك الأماكن نصب أعينها، واستغلت كافة الطرق للإقناع، وبعدها يبدأون فى إملاء طلباتهم من المواطنين الذين وقعوا ضحايا فى أيديهم، وتزداد طلباتهم من بخور باهظ الثمن، وأموال ولوازم لفتح المقبرة، وتعددت وسائل النصب التى تثير شهية الضحايا سعياً وراء المزيد من الأموال، والتى كان أشهرها أرسال رسائل من قبل المحتالين لأرقام عشوائية، فهناك رسالة شهيرة تكررت مؤخراً، يخاطب فيها النصاب شخصاً يدعى محمد، فيقول: انزل يا محمد أبوك أبوك لقى مقبرة مليانة بالتماثيل والدهب ومش عارفين نبيعها.. وهنا بلا شك يلعب الشيطان فى رأس ضعاف النفوس الذين يقعون فريسة لهؤلاء المحتالين الذين يستنزفون أموالهم على أمل استخراج تلك الكنوز الوهمية، هذا فضلاً عن الاتصالات التى يجريها هؤلاء اللصوص للمواطنين ليحتالوا عليهم بخدع وأكاذيب، وبإقناعهم بوجود آثار فى منازلهم، وحاجتهم لمشترٍ.

وافق مؤخراً مجلس الوزراء على تعديلات جديدة فى قانون الآثار، بتغليظ عقوبة الاتجار والحفر خلسة والتصدير للآثار، لتصل إلى السجن المؤبد، مع غرامة مالية مشددة، على أن تعرض هذه التعديلات على مجلس النواب لإقرارها، فالقانون رقم 117 لسنة 1983 ينص على عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات، والغرامة من 5 آلاف جنيه إلى 7 آلاف جنيه، للمتهمين بالتنقيب عن الآثار.

ونصت المادة 23 من القانون رقم 117 لسنة 1983، المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 1991 على أن: «كل شخص يعثر على أثر عقارى غير مسجل أن يبلغ هيئة الآثار به، ويعتبر الأثر ملكاً للدولة وعلى الهيئة أن تتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة عليه ولها خلال ثلاثة أشهر إما رفع الأثر الموجود فى ملك الأفراد، أو اتخاذ الإجراءات لنزع ملكية الأرض التى وجد فيها، أو بإبقائه فى مكانه مع تسجيله طبقاً لأحكام هذا القانون، ونصت المادة 42 على أن: «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه كل من: سرق أثراً أو جزءاً من أثر مملوك لدولة أو قام بإخفائه أو اشترك فى شىء من ذلك، بينما يرى الخبراء أن العقوبة لم تعد تتلاءم مع جرائم التنقيب عن الآثار، نظراً لانتشار عصابات متخصصة فى التنقيب عن الآثار.

أعلن الدكتور خالد عنانى، وزير الآثار، مؤخراً أن الأزمة فى سرقة الآثار ليست فى القطع الموجودة فى المخازن لأن لها سند ملكية، ولكن السرقة تتم فى عمليات التنقيب، وأكد العنانى فى تصريحه، على أن هناك هوساً لدى البعض بالبحث عن الآثار عن طريق التنقيب، لأن هذه القطع ليست مسجلة لدى الدولة ويمكن بيعها، موضحاً أن ما يتم تهريبه من آثار يتم عن طريق الحفر «خلسة» وليس مفقوداً من المخازن وهو جهد الدولة بأكملها للحفاظ على الآثار التى لم تكتشف.

 

خرافات المشعوذين تملأ القرى

مواطن يمزق جثة شقيقه.. وآخرون ماتوا خنقًا تحت الأرض

حليمة موسى، طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات، دفعت حياتها نتيجة الخزعبلات، التى تسيطر على عقول البعض فى الصعيد، سعياً وراء الثراء السريع، فقد شهدت قرية أبومناع غرب التابعة لمركز دشنا شمال محافظة قنا، جريمة قتل بشعة لطفلة صغيرة حيث قام أحد جيرانها باصطحابها إلى منطقة الزراعات، وذبحها وتقديمها قربانًا، بعد أن أوهمه أحد الدجالين بأنه سوف يحصل على كنز أثرى، مؤكداً أن الطفلة سوف تمنع لعنة الجان، والانتقام من والد الطفلة؛ بسبب خلافات مالية قديمة بينهما، فبلا تفكير اصطحب الرجل الطفلة وقاموا بذبحها لإرضاء الجن الحارس الرصد.

وقبلها شهد مشروع «ابنى بيتك» بمدينة السادس من أكتوبر، حادثاً آخر حيث دفع عامل حياته ثمناً للبحث عن الآثار بعد أن قام أحد المواطنين بالحفر على عمق 20 متراً، للتنقيب عن الآثار، وأدى انهيار العقار إلى وفاة العامل بعد أن سقط داخل حفرة عميقة، وحاولت قوات الحماية المدنية انتشال الجثة، لكنهم فشلوا فى استخراجها، وفى أغسطس الماضى لقى 5 أشخاص مصرعهم فى حادثين منفصلين للحفر والتنقيب عن الآثار بدائرة مركزى طهطا ودار السلام بمحافظة سوهاج وفى محافظة القليوبية، تجرد أخ من مشاعر الأخوة بعد أن أوهمه الدجال بوجود آثار قديمة أسفل منزله، وعليه أن ينقّب عنها للاتجار بها والحصول على ثروة.

وبعد أن تعددت المحاولات وفشلت، طلب المشعوذ من الشاب أن يقدم دم أحد أقاربه من الدرجة الأولى قربانًا لـلجن قبل البدء فى التنقيب، فدعا الرجل أخته لتناول الغداء معه فى منزله، ثم قام بقتلها ومزّق جثتها أشلاء، وبعثر الأشلاء حول المنزل وفى الترعة الموجودة أمام منزله؛ حتى يتمكن من استخراج الكنز إلا أن محاولته باءت بالفشل، وليلقى مصيره بالسجن.

وشهدت محافظة البحيرة العديد من الحوادث لضحايا التنقيب على الآثار، حيث لقى 7 أشخاص مصرعهم خلال شهر يوليو الماضى أثناء التنقيب على الآثار بدائرة مركزى بدر وحوش عيسى اختناقًا نتيجة ضعف الأكسجين وانهيار الرمال عليهم، وتم انتشال الجثث بمعرفة رجال الإنقاذ النهرى، بينهم 4 أفراد من أسرة واحدة. ومؤخراً تم ضبط عدد كبير من المنقبين عن الآثار، منهم مفتش آثار، و9 أشخاص آخرين أثناء تنقيبهم أسفل منزل أشخاص آخرين كانوا ينقبون عن الآثار داخل عقار قديم بمنشأة القناطر. وتبين أنهم أحدثوا حفرة عمقها 50 متراً، هذا فضلاً عن القبض على 6 أشخاص آخرين كانوا ينقبون عن الآثار داخل عقار قديم بمنشأة القناطر. تلك الوقائع لن تكون الأخيرة طالما أن العقوبات غير رادعة.

 خرافات وقصص أسطورية انتشرت فى القرى والنجوع منذ

سنوات طويلة تحكى عن الرصد والمقصود به حارس الكنوز المدفونة تحت الأرض وهذا الرصد عبارة عن جن مهمته هى حماية الآثار بتكليف من صاحبها، حتى لا تقع فى أيدى اللصوص، ولا يتم استخراجها بسهولة إلا بعد إرضاء الرصد أو مغافلته بعد قراءة بعض التعاويذ السحرية، وإطلاق البخور، وتعددت الروايات التى تحكى عن لعنة الرصد التى أصابت من قاموا بسرقة الكنوز من باطن الأرض وتنوعت أساليب البحث والتنقيب عن الآثار متعددة والتى تختلف من مكان لآخر، لكنها جميعاً يشترط أن يكون هناك بعض الأشياء التى من شأنها إتمام عملية التنقيب كضرورة وجود دجال أو أحد الشيوخ النصابين والدجالين والذين يدعون معرفتهم بالمناطق التى يوجد بها آثار، وتوافر البخور، لإجراء بعض الطقوس وقراءة بعض التعاويذ التى من شأنها فتح المقبرة على حد تفكيرهم، أو وجود الزئبق الأحمر، الذى يتم إيهام الأغنياء بقدرته على إطالة العمر والحفاظ على صحتهم، كما يستخدم فى تحضير الجن وحرق الشياطين وفتح المقابر الفرعونية وقتل الرصد كما يدعى المشعوذون، أو عن طريق تقديم القرابين والدماء البشرية للرصد بقتل الأطفال وإسالة دمائهم على المقبرة، ليتم فتحها بسهولة، وقد انتشرت أقاويل مختلفة منذ الثمانينات تفيد بأن الزئبق الأحمر له قدرة على الشفاء من الأمراض واستخراج الآثار المدفونة، فانتشرت عمليات النصب باسم الزئبق الأحمر إلى يومنا هذا، وأصبح حديث الباحثين عن الثراء وهناك بعض النصابين الذين يطلبون بخوراً يسمى بـ«الطقش المغربى»، الذى يصل سعر الجرام منه إلى آلاف الجنيهات، وهنا يطلبون من ضحاياهم عده جرامات من هذا البخور لفتح المقبرة، وهناك طرق أخرى ابتكرها المحتالون للإيقاع بضحاياهم واستنزاف أموالهم عن طريق طلب مبلغ من المال لشراء جهاز للكشف عما بداخل المكان الموجود به الآثار وفى النهاية يتم النصب على هؤلاء الطامحين دون إخراج الكنز الوهمى، ليلوذ المحتالون فى النهاية بالفرار.

 

 

خبراء يطالبون بتغليظ عقوبة التنقيب عن الآثار للإعدام

أكد خبراء أن عصابات التنقيب عن الآثار تتفنن فى نصب شباكها على البسطاء، الذين ليس لديهم وعى بأهمية تلك الآثار التى يتهافت عليها الغرب، بل وينشرون الخرافات التى تجذب المواطنين، الحالمين بالثراء، مطالبين بضرورة تغليظ عقوبة التنقيب عن الآثار لتصل للإعدام ليكون هؤلاء المنقبون عبرة لغيرهم.

ومن جانبه، يرى الدكتور مختار الكسبانى، خبير الآثار الإسلامية، استشارى أثرى بمشروع تطوير القاهرة التاريخية، يرى أن هوس البحث عن الآثار حلم يراود الكثيرين من الباحثين عن الثراء السريع، فعصابات التنقيب انتشرت بصورة ملحوظة، فى ظل ضعف القوانين ولا شك أن تلك العصابات لديها فكر متطرف، كما أن التنقيب يتم فى المناطق النائية والصعيد، وقد ازدادت تلك العمليات بعد الثورة، فتحولت العصابات إلى شبكة كبيرة، لكن الخطير فى الأمر هو انتشار الخرافات كوجود ما يسمى بالرصد، أى حارس المقبرة، والبحث عن الزئبق الأحمر، وهى مجرد خرافات يلجأ إليها الدجالون والمشايخ، لجذب الضعفاء وأغلبهم من الفقراء، وهناك آخرون ميسورو الحال، ونفى الدكتور مختار أن يكون هناك ما يسمى بالرصد الذى يقوم بعض المحتالين بإيهام الأهالى بضرورة ذبح أطفال صغار على المقبرة لفتحها، وهذا الأمر يسيطر على عقول عدد كبير من الناس، وأغلبهم يقومون بأعمال نصب واحتيال على المواطنين، لذا انتشرت فى الآونة الأخيرة عمليات خطف الأطفال لاستخدامهم فى إخراج الكنوز ويرى أن هناك ضرورة لتعديل القانون الذى أصبح ضعيفاً ولا يتلاءم مع تلك الظاهرة.

وتؤكد الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن الإعلام هو السبب الرئيسى وراء انتشار ظاهرة التنقيب عن الآثار، لأنه لا يظهر للناس قيمة وعظمة الآثار المصرية، فعدم معرفة الناس بأهمية تلك الآثار الموجودة لدينا، هو الذى يدفعهم لارتكاب تلك الأفعال، وهذا الأمر ليس بجديد على مجتمعنا، كما لم يعد مقصوراً على الطبقات الفقيرة فقط، وتقول: مع الأسف وصل جهل الناس بقيمة تلك الآثار إلى إطلاق لفظ المساخيط على التماثيل وهذا يعد تهاوناً فى حق تلك الآثار الهامة، فنحن نعانى من غياب الوعى المجتمعى والتاريخى، وترى أنه لا بد من قانون رادع يجرم التنقيب والاتجار فى الآثار.

ومن ناحية أخرى، أكد الشيخ على أبوالحسن، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر أن ما يحدث من إراقة دماء وأمور أخرى يقوم بها بعض المواطنين لاستخراج الكنوز الأثرية، ما هى إلا خرافات يحب محاربتها بشتى الطرق، فمن المستفز أن تراق دماء إنسان برىء، سواء كان صغيراً أو كبيراً، فهدم الكعبة أهون على الله من سفك دم إنسان، ويرى أنه إذا اعتبرت الدولة أن الآثار مال عام، فإن هذا يكون من حق الدولة ويحرم التنقيب عنه والاتجار فيه.