رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

انهيار «إمبراطورية الأسطوات»

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق: حسام أبو المكارم - اشراف: نادية صبحى

 

أصحاب المهن يعانون من «ضيق الحال» بسبب غلاء المعيشة والتطورات الحديثة

النقاشون: الديكورات الحديثة أوقفت أحوالنا

النجارون: قعدنا فى بيوتنا بسبب الأبواب الجاهزة

عازفو الأفراح: الـ «دى چى» دمر مهنتنا

 

زمان كان المصريون يقدرون قيمة العمل، وبرع منهم «صنايعية» و«أسطوات» استعانت بهم «الآستانة» لبناء نهضتها، كان هناك إمبراطورية من «الأسطوات» أتقن كل منهم مهنته وأصبح له زبائنه وتلامذته فى كل صنعة، وكان المصريون عبر تاريخهم يحترمون مواهب «الصنايعية والأسطوات»، فصارت يد الصنايعى الشاطر والمتميز تتلف فى حرير مما يعنى أنها  كنز ثمين وجب الحفاظ عليه وحمايته.. لكن مرت السنوات وتغير الحال فما الذى حدث وما أسباب انهيار هذه «الإمبراطورية» المتميزة؟!

 

شهدت فترة السبعينات انفتاحاً كبيراً بعد حرب أكتوبر، نجح من خلاله أصحاب المهن من إثبات وجودهم فى المجتمع وارتفاع مستوى معيشتهم وقدرتهم على اختراق كافة الطبقات والزواج من فتيات حاصلات على مؤهلات عالية نظراً لارتفاع مستوى معيشتهم.

وبمرور السنوات لم يستطع أصحاب مهن: «النقاش - الكهرباء - السباك - الميكانيكى» وغيرها من مقاومة صواعق التطور والحالة الاقتصادية السيئة التى ضربت المجتمع فى الفترة الراهنة مما سلب الكثير من رزقهم ليلقى بهم فى عرض الشارع دون عمل حتى وصل الأمر إلى ذروته ليتجه العديد منهم إلى الحصول على قوت يومه من خلال مهن أخرى تفشت فى المجتمع، فمنهم من لجأ إلى شراء «التوك توك» لتربية أبنائه وتوفير احتياجاتهم ومنهم من لجأ إلى العمل فى أكثر من مهنة حتى يتمكن من مواصلة الحياة التى امتلأت بالألم والأوجاع بسبب المعاناة التى يعيشونها بعد تدهور مهنهم.

 

السباك                                

بوجه يحمل كافة معانى الاستياء والغضب يقول محمد فتحى «سيكا»، سباك: إن التطور الذى يشهده المجتمع كل يوم يؤدى إلى تدهور مهنة السباك فى الفترة الراهنة، من خلال صناعة بعض الأدوات وأنابيب المياه التى تسهل على المواطن العادى عمل وتصليح صيانة خطوط المياه داخل المنازل، وتعتبر مواسير البروبلين أول تطور حدث منذ سنوات فى مهنة السباكة لاعتمادها على اللحام عن طريق ميكنة كهربية بعيداً عن النار التى كانت تستخدم من قبل قائلا: الناس مش بتحتاج لسباك فى الوقت الحالى إلا فى حالة تأسيس خطوط المياه والصرف وتركيب بعد المعدات فى العقارات الجديدة ويلجأ المواطنون إلى عمل الصيانة بأنفسهم بسبب الظروف الحياتية السيئة التى اجتاحت المجتمع.

وأضاف: مواد لحام خطوط المياه الحديثة جعلت المواطنين يبتعدون عن الصنايعية «السباكين» فى عمل الإصلاحات اللازمة لصيانة أو تركيب الخطوط للعقارات، أنا منذ شهرين عاطل علشان مفيش شغل، الناس زهقت من كثرة ما بتدفع كل يوم.. الحياة مش مستحملة والناس ميتة ومعندهاش استعداد تستمر فى نزيف المرتبات علشان كده بيعملوا الحاجة بنفسهم.. الشقة اللى كانت بتصرف 1500 جنيه بضاعة وصلت إلى 6000 جنيه والزبون مش عارف يشطب بيته علشان كده الدنيا وقفت.

ملامح وجهه تظهر الكثير من الألم والوجع وقسوة الحياة التى يعيشها ليضيف: زمان كنت باشتغل اليومية بـ7 جنيهات وكنت باكل واشرب وأوفر منها فلوس وفى الوقت الحالى لو فيه شغلانة بنتفق فيها حسب العمل المطلوب وبعض الأحيان بتبقى مبالغ ومش بتكفى مصاريف البيت، عندى 3 أولاد بعافر مع الحياة علشان أقدر أربيهم تربية سليمة وأقدر أوفر لهم حياة كريمة بقدر المستطاع.

 

النقاش

بنبرة غضب وعلامات من الحزن تطفو على وجهه لا تعرف سببها إلا من خلال الحديث معه، يؤكد الأسطى رمضان مرسى «نقاش» أن الحياة الاقتصادية السيئة التى يمر بها المجتمع المصرى أدت إلى انهيار المثل القائل: «ادي العيش لخبازه حتى لو أكل نصفه»، الأمر الذى قابله عزوف المواطن المصرى عن صنايعى النقاشة لتشطيب المنازل، لتوفير الأموال والوقت والقضاء على مشكلات اختيار الألوان ما جعل أصحاب مهنة الفن فى انهيار دائم بسبب قلة العمل.

لم يقتصر الأمر فقط على الحالة الاقتصادية للبلاد فى تحطم سوق الصنايعية والعمال ولكن يعتبر التطور فى المواد والأدوات المستخدمة فى طلاء الحوائط أهم الأسباب فى انعدام مهنة النقاشة، من خلال سهولة عمل الديكورات الخاصة من قبل المواطنين دون اللجوء للنقاشين.

يقول الأسطى رمضان: كنا زمان بناكل الشهد من شغلنا ودلوقتى مش لاقيين نربى عيالنا بسبب التطور الذى حدث فى مواد البناء والألوان.. الصنايعى كان يمتلك قدرة على الإبداع والتركيز فى خلط المواد وتركيبها لتحقيق الألوان التى كان يطلبها الزبون.. الناس بتعتمد على الألوان الكمبيوتر فى طلاء حوائطها بنفسها لتوفير أجرة الصنايعى.. وده خلانا نشتغل أى حاجة تانية بجانب الصنعة التى فقدت فنها وأهميتها فى البيوت المصرية «كلمات لخصت حال صنايعية النقاشة».

 

النجار

بعيداً عن زخرفة البيوت وتركيب خطوط المياه سقطت أهم مهنة فى حماية البيوت من السرقة وحفظ أسرارها فى فخ التطوير والحالة الاقتصادية لتواجه مهنة النجارة معركة شرسة أمام محاولة البقاء ضد كل ما هو جديد وعصرى فى تصميم الأبواب والشبابيك.

حامد عزيز «نجار باب وشباك» يؤكد أن مهنة النجارة مهنة تحتاج إليها كافة البيوت المصرية لضمان حمايتهم، لافتا إلى أن الأمر تحول فى السنوات الماضية لأسباب عدة منها عدم قدرة المواطنين على الاعتماد على النجار بسبب الأجر المكلف، والأمر الثانى الأبواب والشبابيك التى يتم صنعها وتباع جاهزة بدلاً من الانتظار لأوقات طويلة تكلف المزيد من الأموال.

واستكمل: الزبون بيعمل الحاجة بنفسه فى الوقت الحالى دون الحاجة لنجار حتى لو نفذها بشكل عادى الأهم لديه توفير أجر الصنايعى مما أدى شعور النجارين بكابوس بسبب حالة الركود وعدم القدرة على إيجاد زبائن.

 

الكهربائى

بالرغم من أنها أخطر المهن فى المجتمع المصرى لما تشكله من الخطورة على حياة العاملين بها، إلا أنها كانت تفيض على أصحابها بكل خير من دخل كبير يوفر لهم حياة كريمة ولكنها لم تعد كذلك فى السنوات الأخيرة.

الحديث عن مهنة الكهرباء يحتاج إلى متخصص لذلك تواصلت «الوفد» مع الأسطى جمعة رمضان، الذى أكد أن الأدوات المستخدمة فى تركيب أسلاك الكهرباء ومفاتح الإنارة أتاحت الفرصة لإصلاح الأعطال بكل سهولة، موضحاً

أن هناك أدوات تكنولوجية حديثة مثل المفك الذى يمكن الزبائن من تحديد مكان العطل والعمل على إصلاحه دون اللجوء لكهربائى، مما أدى إلى ركود فى الاعتماد على الكهربائية، الناس معندهاش استعداد تدفع فوق طاقتها.

 

الميكانيكى

يجد الميكانيكى صعوبة كبيرة فى الحياة والاستمرار فى العمل دون زبائن بسبب الطفرة الكبيرة التى حدثت فى توافر قطع غيار سهلت على أصحاب السيارات تركيبها دون ميكانيكى، فضلاً عن ارتفاع أسعار قطع الغيار التى قلصت كثيراً من الإقبال على شراء أو صيانة السيارة بسبب النزيف الذى يتكبده المواطن، مما وضع حاجزاً كبيراً بينه وبين الميكانيكى ليحاول الجميع إيجاد ومحاولة إصلاح سيارته بعيداً عن تركها للميكانيكى لتشخيص وإصلاح الأعطال لعدم قدرته على دفع أجره الذى يوفره للاحتياجات التى يحتاجها المنزل.

انهار كل ذلك بسبب مراكز الصيانة الكبرى والتى توفر قطع الغيار، هذا ما أكده الأسطى حمدى الميكانيكى، مشيراً إلى أن صعوبة فى الفترة الحالية لها العديد من العوامل المتراكمة منها انعدام الضمير لدى الكثيرين فى المهنة والارتفاع المبالغ فيه للأسعار لعدم وجود رقابة قوية تسيطر على الأسواق التى تستهلك كل ما يملكه المواطن، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بعدم الصيانة المستمرة للسيارات نظراً لتكلفتها العالية.

وأضاف الأسطى حمدى: بنفتح الورشة كل يوم الشغل مش زى الأول، زمان كنا ثلاثة صنايعية فى الورشة الوحدة ومش بنلاحق على الشغل وكانت الحياة ماشية كويس جداً دلوقتى صنايعى واحد ومفيش شغل وبنييجى نقعد.. بفكر أقفل الورشة واشتغل أى صنعة تانية علشان أقدر أعيش فى الظروف الصعبة التى تعيشها البلاد.

فى السنوات الماضية كان الميكانيكى يطبق المثل القائل: «البحث عن إبرة فى كوم قش» لمعرفة عطل السيارة والعمل على إصلاحه وهو مرتاح البال لأنه سيحصل على مقابل مادى محترم يمكنه من العيش بكرامة ولكن تبدلت حياته إلى جحيم بسبب التطور وحالة الغليان التى يشهدها المجتمع بسبب ارتفاع الأسعار.

 

المقرئون

مهنة سماع آيات القرآن الكريم أثناء زيارة أحد الأقارب لتلاوة الآيات على روحه، لم تسلم هى الأخرى من الفناء ليتجه الجميع إلى قراءة القرآن من قبل زائر القبور بدلاً من الاستعانة بمقرئ المقابر، الذى كان يعتمد بشكل كلى فى الحصول على قوت يومه من خلال تلاوة آيات الذكر الحكيم.. بل وصل الأمر إلى عزوف العديد من المواطنين عن الاستعانة بمقرئى القرآن فى العزاء، مما دفع أصحاب هذه المهنة لمحاولة البحث عن مهنة أخرى يستطيعون العيش منها.

الشيخ رجب عبدالفتاح «مقرئ قرآن»، يؤكد أن الحياة الاقتصادية السيئة أطاحت بالعديد من المهن التى كانت تشكل عادات وتقاليد أساسية فى المجتمع المصرى على مدار السنوات الماضية مما أدى إلى عزوف الجميع عن الاستعانة بالمقرئين إلا فى حالات الضرورة القصوى.

 

عازفو الأفراح

بصوت هادئ يتحدث «عبدالتواب»، قائد إحدى فرق الموسيقى الشعبية قائلاً: العمل فى الأفراح كان له طعم مختلف.. زمان الزفة كانت مليئة بالسعادة والود من الجميع، لما كان بيبقى فيه فرح فى منطقة معينة، المنطقة كلها كانت بتبقى سعيدة وبتشارك فى الفرح، مضيفاً: أول ما نوصل الفرح الناس بترحب بينا والزغاريد كانت تملأ المكان، وصاحب الفرح يأخذنا ناكل قبل ما نشتغل، وكنا بنعمل أفراح فعلاً محترمة حتى الأغانى كانت تفرح.

وأضاف: الناس كانت بتفهم وكان بالى بيبقى رايق.. وفى الوقت الحالى مفيش حد عنده طولة بال علشان الفرح يقعد أسبوع قبل الزفة، مشيراً إلى أن الفرق الموسيقية انتهت من ساعة ظهور الـ«دى چى» لأنه سيطر على عقول الشباب، الأفراح تحولت لفوضى بسبب شباب هذه الأيام اللى ميعرفوش غير سماع أغانى ليس لها معنى فى المجتمع سوى فساد الأخلاق والانحلال، الأفراح كانت مصدر بهجة ورزق بالنسبة لنا كل حياتنا، الناس بتحجز الفرقة قبل الفرح بشهر ومن كتر الشغل كنا بنرفض أفراح.

واختتم كلامه قائلاً: إحنا خلاص راحت علينا.. بس إحنا حضرنا الفترة الحلوة فى الحياة وحافظنا على عادات وتقاليد المجتمع التى كانت تجبرك على احترام الذوق.

 

اقرا ايضاً

 

مهن جديدة.. فى «الدليل الوظيفى»