رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تدمير نصف مليون فدان منذ يناير 2011

بوابة الوفد الإلكترونية

 

تحقيق - نادية مطاوع

 

دفعت مصر وما زالت تدفع فاتورة الفساد من قوت يومها.

فطوال الأعوام الماضية كان الفساد مثل الجراد الذى يأتى على الأخضر واليابس، حيث قضى على مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية فى مصر، تارة تحت راية الرشاوى الانتخابية، وتارة أخرى تحت راية الانفلات الأمنى، وفى النهاية خسرت مصر مساحات شاسعة من أجود أراضيها الزراعية، لتتحول إلى غابات أسمنتية، فى حين تزداد معاناة المصريين بسبب قلة المعروض من الطعام وارتفاع أسعاره.

الغريب أن صيحات التحذير من خطورة التعدى على الأراضى الزراعية وتآكل المساحات المزروعة انطلقت منذ سنوات عديدة، إلا أن التعديات ظلت مستمرة ولم تتوقف.

ويكفى أن نذكر أن حجم التعديات على الأراضى الزراعية منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن بلغ مليوناً و750 ألف حالة.

ورغم كل ما يقال عن حماية الأراضى الزراعية، إلا أن الفساد ما زال هو المسيطر على الموقف، وفى النهاية بدأ بعض نواب البرلمان يتحدثون عن قانون لتقنين وضع هذه المخالفات، ولا عزاء لطعام المصريين.

منذ سنوات طويلة تعانى الأراضى الزراعية فى مصر من التعديات التى جعلت مساحتها تتقلص بشكل كبير، حتى إن الدراسات العلمية التى أجراها مركز الاستشعار عن بعد أكدت أن استمرار معدل التعديات على ما هو عليه يعنى القضاء على المساحات الخضراء فى الدلتا خلال 60 عاماً على الأكثر.

ومع ذلك لم تتوقف التعديات بل زادت أكثر وأكثر حتى وصلت لأعلى معدلاتها خلال سنوات ما بعد الثورة، إذ أكد تقرير لوزارة الزراعة أن التعديات على الأراضى الزراعية بلغت مليوناً و750 ألف حالة بعد ثورة 25 يناير، ورغم عودة الأمن بعد ثورة 30 يونيو، إلا أن التعديات لم تتوقف.

ورغم عودة الدولة القوية وتهديدها بإزالة هذه التعديات استمرت الكارثة، حتى فقدت مصر ما يقرب من نصف مليون فدان من أجود الأراضى الخصبة التى كونها النهر الخالد عبر آلاف السنين، لتتحول إلى مبانٍ خرسانية صماء تفتقد الروح والتنظيم.

 هذه الكارثة الكبرى التى تعيشها البلاد كان سببها الأول الفساد، إذ ظهرت كارثة البناء على الأراضى الزراعية بشكل واسع خلال الثمانينات خاصة بعد سفر العديد من أبناء القرى للعمل فى الخليج، والعودة محملين بمبالغ مالية جعلت كلاً منهم يفكر فى إنشاء منزل خاص به، ومع انعدام وجود كردون محدد للقرى تدخل الفساد، ليمنح كل من تسول له نفسه فكرة البناء على الأراضى الزراعية الفرصة ليفعل ما يشاء، وبالفعل بدأت الكارثة تنتشر، حتى إن مصر كانت تفقد حوالى 180 ألف فدان سنوياً من أراضيها الزراعية بسبب البناء عليها، وحينما تدخلت الدولة فى التسعينات وأوائل الألفية الجديدة بإصدار أوامر عسكرية تمنع البناء عليها، تدخل الفساد المتمثل فى السماح بإدخال المرافق لهذه المبانى المخالفة كرشوة انتخابية، وفى النهاية تنتهى القضايا بالتصالح، ومن ثم أصبح التعدى على الأراضى الزراعية أمراً متعارفاً عليه فى كل قرى الوادى والدلتا، وساهم تقاعس مسئولى الإدارات المحلية عن القيام بواجبهم فى انتشار الظاهرة، بالإضافة لفكرة «البيت الملك» التى سيطرت على رأس أبناء القرى، حتى أصبح الشغل الشاغل لكل منهم بناء بيت له ولأبنائه على حساب الرقعة الخضراء، وكل واحد من الأبناء يفعل مثلما فعل الآباء ودفعت مصر كلها الثمن من نقص الغذاء وارتفاع أسعاره.

أما المرحلة الثانية من هذه الكارثة فوقعت بعد ثورة 25 يناير عندما ساعد الانفلات الأمنى على وقوع مزيد من التعديات على الأراضى الزراعية وفقاً لتقارير وزارة الزراعة، وانتشرت المبانى وسط المساحات المزروعة، ليحل الأسمنت والطوب الأحمر مكان اللون الأخضر، وتضيع الأراضى الذى جد النهر سنوات طويلة ليصنعها على جانبيه وفى دلتاه، ورغم عودة الأمن

واستقرار الأوضاع بعد ثورة 30 يونية، إلا أن التعديات ما زالت مستمرة، وأن كانت حدتها قد قلت كثيراً، خصوصاً بعد القانون الذى أصدرته حكومة المهندس إبراهيم محلب عام 2014 بمنع التعدى على الأراضى الزراعية واعتبارها جريمة مخلة بالشرف تمنع صاحبها من ممارسة حقوقه السياسية، والترشح لمجالس إدارة الجمعيات الزراعية والمجالس المحلية والبرلمان، بالإضافة إلى تشديد العقوبة للسجن لمدة 5 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه عن كل فدان يتم تبويره للبناء عليه.

لكن المهندس عصام فايد وزير الزراعة أصدر قراراً فى شهر ديسمبر الماضى يحمل رقم 1919 لسنة 2016 بالحالات التى يجوز لها إقامة مبانٍ على الأراضى الزراعية فى الوادى والدلتا والأراضى الجديدة والمستصلحة، وهى من يمتلك حيازة زراعية مساحتها 5 أفدنة على الأقل فيجوز له بناء مسكن خاص أو ما يخدم الأرض الزراعية، أو فى حالة إقامة المشروعات التى تخدم الإنتاج الحيوانى والداجنى والزراعى بالأراضى الجديدة، أما الحالة الثالثة فهى إقامة أسواق للماشية بشرط ألا تقل المساحة عن 5 أفدنة، وأن تكون على طريق عام.

والرابعة هى الترخيص لمن يريد إقامة محطات تموين للآلات الزراعية من بنزين وسولار بشرط ألا تقل المساحة عن 1000 متر، وأن تكون على طريق عام وألا تقل المسافة بينها وبين أقرب محطة عن 20 كيلو متراً، وهو القرار الذى اعتبره محمد فرج رئيس اتحاد الفلاحين كارثة ستقضى على ما تبقى من أراضٍ فى الدلتا والوجه البحرى، مشيراً إلى أن هذه المناطق بها مشروعات مماثلة لتلك المشروعات، والسماح بإنشاء المزيد منها يعد إهداراً للأراضى الزراعية.

وأشار إلى أن هذا القرار يمكن العمل به فى الأراضى الجديدة، أما الأراضى القديمة فيجب منع البناء عليها بجميع الأشكال خاصة أن هذه الأراضى تآكلت مساحات كبيرة منها خلال الفترة الماضية بسبب التصالح والقوانين التى أضاعت على مصر آلاف الأفدنى الخصبة التى لا يمكن تعويضها.

يذكر أن التعدى على الأراضى الزراعية كان يعد جريمة عقوبتها السجن والغرامة، إلا أن التحايل جعلها مجرد مخالفة تنتهى بالتصالح بين الشخص المخالف وجهة الإدارة، ويقوم بإدخال المرافق للمبنى بعد دفع غرامة مالية، وهو ما أغرى الملايين بالتعدى على الأراضى الزراعية حتى أصبحت مصر تفقد آلاف الأفدنة سنويا، بالإضافة إلى التهديدات الطبيعية بغرق مساحات كبيرة من الدلتا بحلول عام 2050 بسبب التغيرات المناخية، وهو ما يهدد مصر بمجاعة إذا لم ينتبه الجميع.