رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الوفد» تكشف أسرار رحلات الموت إلى أوروبا.. أطفال البحر فى قبضة عزرائيل

بوابة الوفد الإلكترونية

كتبت - دينا توفيق /إشراف: سامي صبري

شباب اتخذ قبلته، إما للشمال أو للغرب هربًا من واقع مرير صار يراودهم، ليلقوا مصيرهم المحتوم الذى ينتهى إما بالموت المحقق، أو طريق مظلم لا بقعة ضوء شباب ناقم على الظروف المعيشية التى جعلتهم فريسة لميليشيات ومافيا الهجرة غير الشرعية، صاروا فى طريق الموت بحثاً عن الحياة.

المأساة تتكرر ويروح ضحيتها مئات من المواطنين الذين يحلمون بالهجرة والسفر.

ونحن هنا نفتح الملف الحزين للهجرة غير الشرعية التى باتت هدفًا للمصريين فى الفترة الأخيرة، ليصبحوا أمام خيارات العودة مكبلين بالقيود، أو الغرق فى عرض البحر، مثلما هو الحال فى حادث رشيد الأخير.

ومع كل فاجعة، يطرح السؤال القديم نفسه من جديد: «كيف يمكن تجنيب الشباب هذا المسلسل الدامى؟»، ألم يكن من باب أولى أن يقوم أهالى هؤلاء الشباب الذين يدفعون مبالغ طائلة لتسفيرهم، بتمويل مشروع لهم فى مصر بدلًا من تعريض حياة أبنائهم للخطر؟!

فى البداية، يجب أن نشير إلى ما أكدته السلطات الإيطالية من وجود 2500 طفل مصرى هاجروا بطريقة غير شرعية فى الفترة الأخيرة.. كما نشير إلى تصريحات قائد الشرطة الإيطالية، التى قال فيها إن مصر وليبيا وتركيا هى المحور الرئيسى للهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى إيطاليا.

الهجرة غير الشرعية ظاهرة مصرية قديمة ولكن تكررت مخاطرها بسبب بطالة الشباب والظروف الاقتصادية الصعبة وكما يقول القبطان أحمد إنه على علم ببعض الشباب الذين يتم تهريبهم فى عربات بضائع «كونتينر» والبعض يدخلون الميناء ويختبئون فى المراكب لحين وصولهم إيطاليا.. حيث تحتاج إيطاليا إلى الأيدى العاملة، للعمل فى حِرف معينة مقابل مبالغ ضئيلة لا تقبل بها العمالة الإيطالية لكى يقبل بها الشباب المصرى.

وتشترط إيطاليا أن تكون الفئة العمرية صغيرة حتى يتسنى لها تعليمهم بعض الحرف وفى الوقت نفسه إعطاؤهم رواتب قليلة.

ولا شك أن هناك تقصيراً من خفر السواحل والموانئ لأن مثل هذه المراكب عليها أن تأخذ تصريحاً عند مغادرتها.

وأضاف نصر أن المهاجرين غير الشرعيين قد لا يصلون للشواطئ الأوروبية فى حالات كثيرة ويتعرضون للغرق فى عرض البحر، نتيجة أن مراكب الصيد غير مؤهلة لحمل أعداد كبيرة من البشر ومعظمها يكون خرج من الخدمة.. وفى حالات أخرى يصل هؤلاء الأشخاص إلى شواطئ ليبيا التى هى محل نزاع ويقال لهم إن هذه إيطاليا، فيقفز المهاجرون ويسبحون من أجل الوصول للشواطئ فيتم إطلاق النار عليهم أو يتم أخذهم أسرى.. وفى بعض الحالات يتم تسليمهم من السماسرة لعصابات الاتجار بالأعضاء.. وقد حدث هذا بالفعل فى حالات كثيرة ويتم ابتزز أسرهم لتحويل مبالغ مالية لهم أو يتم بيع أولادهم.

 

هجرة الأطفال

وعن سر التركيز على الأطفال فى عملية الهجرة غير الشرعية فيفسرها لنا نور خليل الذى تطوع للعمل فى مشروع «بلدنا أولى بولادنا» ما بين عام 2012 وحتى 2014 للحد من الهجرة غير الشرعية وكان ذلك يتعلق بالهجرة غير الشرعية للأطفال وبالتعاون بين Sav the children-Egypt co هيئة إنقاذ الطفولة، وبرنامج مصر، وYAPD Alexandria Branch وبدعم مالى من الاتحاد الأوروبى.

ويؤكد أنه كان هناك أطفال تحت 18 سنة يسافرون فى رحلة الموت التى تظل أياماً فى البحر وقد تصل أو لا تصل، وعندما ذهب إلى قرى ريفية فى أكثر من مكان، لاحظت أن هناك قرى بالكامل معظم شبابها مسافرون هجرة غير شرعية علمًا بأنه فى البداية لم يكن الأطفال يسافرون.. وكان الشباب الكبار فى السن فقط هم من يسافرون ويظلون هاربين هناك يعملون فى أية مهنة ويرسلون لأهلهم الأموال، أو يحالفهم الحظ ويتزوجون، ثم يحصلون على الإقامة.

ومع الوقت بدأ الموضوع يزداد صعوبة نظراً لأن الدول الأوروبية بدأت تشدد الإجراءات بشكل كبير.. فبدأت تظهر منذ أكثر من 10 سنوات مسألة قيام بعض الأهالى بتسفير أطفالهم.

ويرجع ذلك إلى أن دول الاتحاد الأوروبى مجبرة على استقبال الأطفال وعدم ترحيلهم لأن الاتحاد يعتبرهم «أطفالاً معرضين للخطر» فى بلدانهم نظرًا لسفرهم فى هذه السن عن طريق البحر ويأخذونهم بعد التأكد من سنهم ويضعونهم فى دور رعاية يتعلمون فيها اللغة والسلوك والأعمال التى يستطيعون القيام بها.. ويصبح لهم سوق عمل وكذلك مصروف يومى وإجازة أسبوعية كما يمكنهم الخروج والفسحة.

وقد عرف الأهالى تلك المعلومة عن طريق الشباب الذين سافروا من نفس القرى إلى أوروبا منذ فترات طويلة أو عن طريق السماسرة والوسطاء فى العملية وظلت تنتشر حتى أصبحت معلومة عامة بين أهالى الأرياف أو المناطق المشهور فيها الهجرة.

 

السماسرة

أما عن عملية السفر فهى باهظة التكاليف حيث تبلغ تكلفة سفر الطفل الواحد من 25 لـ 50 ألف جنيه وفى البداية كان يتم دفعهم بالكامل.. لكن بعد انتشار عمليات النصب على الأهالى أصبح يتم الاتفاق على دفع الأموال بعد وصول الطفل لأوروبا ويوقع والده على إيصالات أمانة لحين الدفع.. علمًا بأن الاتفاق يتم بين الأهالى وبين الوسيط الذى غالبًا ما يكون من القرية نفسها التى يوجد فيها الأطفال.

ويضيف نور خليل أنها اكتشف خلال عمله أن بعض الحالات يكون الوسيط إما مدير المدرسة أو مدرس أو عمدة البلد، ويجمع شباباً ويوصلهم إلى السمسار الذى يكون المنظم للرحلة وهو يجمع من قرى كثيرة على مستوى الجمهورية مجموعات، وبعد أن يصبح لديه مجموعة كبيرة «ما بين 100 لـ300 فرد» يتم تجميعهم كلهم فى مكان قريب من البحر ويطلقون عليه اسم «التخزين أو المخزن» وفى الوقت نفسه يكون السمسار قد رتب أموره مع صاحب المركب التى ستنتظرهم فى عرض البحر.. وعندما تحين اللحظة التى تم الترتيب لها يأخذون المجموعات لإنزالهم إلى البحر بعد أن يأخذوا منهم متعلقاتهم الشخصية كلها وإذا كانت المسافة بعيدة بين المخزن وبين البحر يركبون عربات نقل وتتم تغطيتهم من أعلى.. ثم يركبون الزوارق البلاستيك ويسيرون بها حتى منتصف البحر حتى لا يتم التقاطهم من الرادار.

وفى عرض البحر يكون هناك مركب صيد مسموح لها بالتحرك فى المياه الدولية تأخذهم ثم يختبئون على المركب فى ثلاجات السمك وفى هذا الوقت يبلغ صاحب المركب عن سرقة المركب تحسبًا للإمساك بهم أو غرقهم، حتى لا يتم اتهامه بتسيير مركب مهجرين غير شرعيين أو اتهامه بالاتجار فى الأطفال.

 

رحلة الموت

وعندما تقترب المركب من المياه الإقليمية الأوروبية وغالبًا تكون الشواطئ الإيطالية يصبح أمام المسافر أكثر من اختيار.. الأول إذا كان باستطاعة المركب أن تعود إلى مصر يقوم بإنزالهم على الزوارق المطاطية مجددًا ويوجههم ناحية الشواطئ ويعطيهم «مسدس إشارة» للتنبيه إذا بدأ يغرق، عندئذ يتحرك خفر السواحل حتى ينتشلوهم، الخيار الثانى.. إذا كان المركب غير قادر على العودة إلى مصر إما أن يظل يسير بهم حتى يصل للشواطئ ويكسر الشاطئ بالمركب أو يطلق إشارة استغاثة ويتم انتشالهم كلهم عن طريق هيئات الإغاثة أو خفر السواحل.

وبعد وصولهم يتم استقبالهم ومن له حق اللجوء الإنسانى، مثل السوريين يتم فصلهم لوحدهم وتتسلمهم المفوضية السامية لشئون اللاجئين مع المنظمات العاملة فى هذا المجال.

أما من ليس له حق اللجوء سيتم تصنيفهم بين أطفال وكبار سن وشباب يتم هذا بعد كشف العظام الذى يحدد أعمار كل واحد منهم وتقوم المؤسسات الإغاثية بتسلم الأطفال ويتم تجهيز ملفات لهم.

أما الباقون فيتم حبسهم فى مقرات احتجاز مخصصة لهم لحين ترحيلهم لبلدانهم.

وتستمر الرحلة تقريبًا حوالى أسبوع.. وطول هذه المدة يكون لكل مجموعة قطعة خبز وزجاجة مياه، مع عدم وجود أغطية لهم حتى لو فى فصل الشتاء لدرجة أن بعض الأطفال كانوا يحكون أن

كل أربعة يحتضنون بعضهم بعضاً من أجل الشعور بالدفء.. فضلًا عن أنه يتم معاملتهم أسوأ معاملة من المسئولين عن المركب وإذا اعترض أحد على التعليمات يتعرض للضرب والتهديد بإلقائه فى عرض البحر.. وإذا مات أحد اثناء الرحلة يتم إلقاؤه فى البحر دون أى تفكير.

 

مصير الأطفال

أما الأطفال الذين يدخلون دور ومؤسسات الإصلاح فهناك جزء منهم يلتزم بالتعليمات والبرنامج الذى تم وضعه لهم ويستطيعون الحصول على إقامة قصيرة بعد سنة أو سنتين.. لكن الجزء الأكبر منهم يهرب من هذه المؤسسات بسبب الديون التى وقع فيها أهلهم لتسفيرهم ويصبح أمامهم أن يعملوا فى عمل شرعى مثل تحميل العربات أو تنظيف المحلات أو العمل فى مطابخ المطاعم وجزء كبير منهم يتم استغلالهم من الناحية المادية ويتم تهديدهم من صاحب العمل.. وحال عدم موافقتهم يهددهم بالإبلاغ عنهم، وبالتالى لا يستطيعون تحقيق المبالغ والأرباح التى كانوا يتخيلونها من السفر.. ومن هنا يتجه الشاب إلى الأعمال غير المشروعة مثل الدعارة والمخدرات ونقل الممنوعات وهذه تحقق مكاسب عالية جدًا بالنسبة له وأكثر مما كان سيحصل عليه من عمله العادى.

 

أسباب الهجرة

أما عن الأسباب التى تدفع الأهالى إلى تسفير أولادهم بتكاليف كبيرة، رغم الخطورة، فترجع كما يؤكد الدكتور سعيد صادق - أستاذ الاجتماع السياسى - إلى أن معظمم الذين يسافرون يكونون من مناطق ريفية مستوى الوعى والتعليم فيها ضعيف جداً، غالبًا ما يعمل جزء كبير من الأطفال حرفة يدوية «نجار أو حداد أو سباك»، فيكون مستقبل التعليم بالنسبة له دون قيمة ويوفر له عمله بالكاد الطعام والملبس.. إضافة إلى أنه فى المناطق الريفية معظم أهلها عندما يرون ابن جيرانهم ومعارفهم يسافر ثم يعود بعد سنة وقد تغير حاله إلى الأحسن يفكرون فى القيام بالمثل، فضلًا عن أن سوق العمل هنا أصبح صعباً جدًا مع ضآلة الرواتب وانعدام الأمل فى حياة كريمة.. فيصبح الأمل هناك.

وإذا لم يتحقق فالموت سيصبح أهون من الذل فى مصر (وكان هذا تعبيراً من أحد المهاجرين الناجين).

والمثير أنه أصبح تقريبًا فى كل بيت بالقرية مسافر أو اثنان.

أما أشهر المحافظات التى يسافر منها أطفال الهجرة غير الشرعية فهى الغربية والبحيرة وأسيوط والفيوم وهناك أماكن أخرى كثيرة توجد فيها هجرة غير شرعية.

 

تجارة رابحة

أما عن مصير السمسار أو سائق المركب إذا تم القبض عليهم فى مصر ففى معظم الأحيان يكون المهاجرون مهددين بالامتناع عن الإفصاح عن هويته حتى إذا تم القبض عليه معهم حتى يعامل كأنه واحد منهم ويخرج.

وحتى إذا ما اعترفوا عليه تكون له علاقات واسعة ويتم غلق الموضوع مقابل مبلغ معين من المال.

أما إذا تم توجيه التهمة له، فان آخر ما أقرته الحكومة إزاء تلك المسألة هو قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية وتعد أقصى عقوبة فيه هى السجن المشدد أو الغرامة من 200 لـ 500 ألف جنيه.

ويغامر السمسار أو أصحاب المراكب بأنفسهم فى هذه المسألة، لأن عمليات الصيد وتجارة الأسماك ربحها ضعيف جداً.. وحتى إن كانت مزدهرة، فيستحيل أن تحقق الربح الذى تحققه عملية تهريب المهاجرين.

فعلى سبيل المثال، إذا نظرنا إلى حادثة رشيد.. فحسب التقديرات يبلغ عدد المسافرين 600 مهاجر وعلى أضعف التقديرات كل واحد فيهم سيدفع 25 ألف جنيه.. يعنى مجموع ما سيحصل عليه صاحب المركب والسمسار والوسطاء من رحلة واحدة كهذه 15 مليون جنيه.. فما بالك إذا قام بأكثر من رحلة فى السنة؟!

 

كيفية المواجهة

أما عن كيفية مواجهة الحكومة أو منظمات المجتمع المدنى لتلك الظاهرة، فيقول جورج إسحق، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن الأمر يتطلب تكثيف الجهود وتنظيمها بين المجتمع المدنى الذى يمكن العمل على الوعى فى الأماكن الطاردة لمهاجرين غير شرعيين وعمل مشاريع تنموية دائمة فيها خاصة للأطفال الذين تحت سن الـ18 سنة.

مع العمل على مراكز التعليم والمدارس وتطويرها وتنمية العملية التعليمية لأن لها دوراً كبيراً فى منع هذه الظاهرة وخاصة التعليم الفنى «صناعى وتجارى».

ويمكن أيضًا للمجتمع المدنى العمل على التدريبات المكثفة المتعلقة بتطوير الموارد واستخدامها وكيف يمكن للأسرة أن تستخدم الـ25 ألف جنيه كأقل تقدير لتكلفة تذكرة الموت فى عمل مشروع أو استثمار صغير لابنهم بجانب تعليمه. أو كيف يمكن كقرية مصدرة للمهاجرين أن يتعاونوا ويجمعوا الأموال للقيام بمشروعات صغيرة.

وأضاف إسحق أنه يجب أن نعترف بأن الحكومة والبرلمان شركاء فى هذه الجريمة سواء لعدم وجود تشريعات قوية متعلقة بالقضية وتفصيلاتها وتطويرها كل يوم أو عن طريق الفشل الاقتصادى الذريع الذى أحبط المواطنين وأوصلهم لتلك المرحلة.
 

حقائق وأرقام

50 ألف جنيه أقصى كلفة لسفر الطفل الواحد.

300 فرد أكبر عدد للرحلة الواحدة.

500 ألف جنيه غرامة سائق المركب وسمسار الهجرة غير الشرعية.

15 مليون جنيه أقل مكسب لسفر 600 مهاجر.

18 سنة فأقل العمر الفعلى لأطفال رحلات الموت.

 

 

إقرأ ايضاَ...

 

عودة النعوش الطائرة لصحراء مصر

«نشوة» و«تلبانة».. قريتان في الشرقية بنكهة إيطالية

قانون الهجرة الشرعية «خيال مآتة» المهربين

بريطانيا.. الدولة المفضلة لأبناء البحيرة

شباب الدقهلية يركب الموت

معدمون يقدمون فلذات الأكباد «قرباناً» للثراء