رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فتوات النصب العقاري حيتان يبتلعون 100 مليار جنيه كل عام

بوابة الوفد الإلكترونية

شركات ومقاولون وسماسرة يتلاعبون بالعقود.. والضحايا 200 ألف سنويًا.. وقانون لعلاج الأزمة فى أدراج البرلمان

رئيس غرفة المطور العقارى: قدمنا للبرلمان عام 2016 مشروع قانون يقضى على الأزمة

عضو اتحاد المقاولين: على الدولة أن تكون طرفًا ثالثًا فى عقود بيع الوحدات العقارية

 

فى مصر عمليات نصب بمليارات الجنيهات، وضحاياها بالآلاف وربما بالملايين، وحلها عبارة أو جملة، ولكن الجهات المسئولة تستكثر هذه الجملة، وتترك النصابين يواصلون امتصاص دم الضحايا!

كلمة الإنقاذ يمكن أن تقولها الحكومة مجتمعة، ويمكن أن تقولها وزارة الإسكان وحدها، ويمكن أن يقولها البرلمان وحده، وعندها سينتهى للأبد هذا النوع من النصب.. ولكن الجهات الثلاث، تفضل الصمت حتى الآن!.. وهذا الصمت الرهيب يثير التعجب مع تواصل مآسى المنصوب عليهم، التى تقترن دومًا بضياع تحويشة العمر، وتنتهى -أحيانًا- بالانتحار، أو بانفجار المخ أو بجلطة تحكم على من تصيبه بقضاء ما تبقى له من عمر، قعيداً شليلاً ذليلاً.

هكذا حال النصب العقارى فى مصر، الذى يشهد حالة أشبه ما تكون بطبعة جديدة من زمن فتوات الثلاثينات، حيث لا حكومة ولا رقيب ولا حسيب، والحاكم بأمره الوحيد هو نبوت الفتوة!

 ونبوت الفتوة فى النصب العقارى هو قوة وجبروت وسطوة بائعى الشقق والعقارات، وهى قوة جبارة، لا يحدها حد، ولا يصدها حاجز، وفى مقابلها يقف المشترى، وكل قوته، تتركز فى ورقة عقد الشراء، والذى لا يضمن له تسلم شقته فى مواعيدها، ولا يكفل له تسلمها بالمواصفات المتفق عليها، ولا يجعله قادراً حتى على توصيل المرافق إليها، وأمام هذا الحال ليس عليه، بعد أن يدفع تحويشة عمره، إلا الصبر والتضرع إلى الله أن يحنن قلب البائع عليه، ويلتزم بالعقد.. فإذا لم يصبر المشترى، وإذا لم يحن عليه قلب البائع، فليس أمامه سوى اللجوء للقضاء المدنى الذى تحتاج فيه الدعوى القضائية لسنوات وعقود حتى يتم البت النهائى فيها!

والنصب العقارى أو عالم الفتوات الجدد، كبير لدرجة لا يتخيلها الكثيرون، فمبيعاته تصل حتى 400 ألف شقة سنوياً، وحجم الأموال المتداولة خلاله، بلغت 160 مليار جنيه عام 2015، قفزت إلى 180 مليار جنيه عام 2016، ومتوقع لها أن تصل إلى 300 مليار جنيه فى العام الجارى.

دفتر مآسى النصب العقارى فى مصر، تزيد عدد صفحاته على أوراق كل الروايات التراجيدية التى كتبها كل أدباء العالم.. وكل مأساة منها تمثل رواية شديدة المرارة..

«يوسف على» أحد أبطال هذه المآسى.. كان موظفاً حكومياً فى هيئة التليفونات مع بداية الثمانينات، ومنذ بدايات حياته الزوجية، حدد هدفه فى الحياة، هو تعليم ابنه «سيد» وابنته «هدى» تعليماً يكفل لهما حياة أفضل، وبالفعل أنفق كل راتبه، إلا قليلاً، على تعليمهما وتربيتهما على أحسن ما تكون التربية.

ولم يخيب ابناه ظنه، فحصل «سيد» على بكالوريوس الهندسة، والتحقت هدى بكلية التربية، وتخرجت لتعمل مدرسة علوم بإحدى المدارس الخاصة بالقاهرة، ولم تلبث أن تزوجت، وبعد زواجها نذر «يوسف» حياته وكل ما يملك لزواج ابنه المهندس الشاب، وبالفعل خطب له الفتاة التى اختارها قلب الابن، ثم جمع الأب كل ما يملك من حطام الدنيا، وتعاقد على شراء شقة بمدينة 6 أكتوبر.

وبحسب العقد الذى حرره مع البائع، كان مقرراً أن يتسلم الشقة مع مطلع الألفية الحالية، وعلى هذا الأساس حدد موعد زفاف ابنه، مع بداية ربيع عام 2000، وكانت المفاجأة أن بائع الشقة طلب مهلة 6 شهور أخرى حتى يتم تسليم الشقة، وبدوره تأخر موعد زفاف الباشمهندس لـ6 شهور.

ولما مرت المهلة طلب بائع الشقة 6 شهور أخرى، لأنه لم يتمكن من الانتهاء من البناء، وهكذا مر عام كامل دون أن يتسلم «يوسف» شقة ابنه، ولم تنته المأساة عند هذا الحد، فبسبب تأخر تسلم الشقة الجديدة، فشلت خطبة الابن، بعدما رفضت أسرة الفتاة، تأجيل الزواج أكثر من ذلك، فقررت إما الزواج فوراً أو الانفصال نهائياً، وطبعاً تم الانفصال، بعدما رفضت الفتاة وأسرتها أن يقيم العروسان فى شقة والد العريس لحين تسلم الشقة.

 وعلى أثر ذلك، قرر الابن الهجرة للخارج، وترك مصر مسافراً لأستراليا، وانقطعت أخباره عن أسرته فى مصر، فماتت أمه حزناً عليه، فيما فقد الأب نور عينيه بعدما بكى شهراً على فراق نجله الوحيد.. حدث كل هذا بسبب تأخر تسلم الشقة.

 وإذا كنت تتخيل أن مآسى الشقق تقتصر على البسطاء، وأبناء الطبقة الوسطى وحدهم، فظنك غير صحيح.. والدليل مسئول كبير بإحدى الجهات ذات العلاقة بالبناء والمبانى والمعمار (أحتفظ باسمه بناء على طلبه).. هذا المسئول تعاقد فى عام 2009 على شراء شقة بمبلغ 300 ألف جنيه، وكان موعد الاستلام هو عام 2010.

ولما جاءت العام الموعود كان قد سدد 270 ألف جنيه من ثمن الشقة، ولكن البائع طلب مهلة لإتمام البناء والتشطيب.. ومهلة خلف مهلة، جرى الزمن، ولم يتسلم المسئول شقته الجديدة حتى الآن، رغم مرور 7 سنوات على موعد استلامها، وسداده ثمن الشقة بالكامل.

< ولما="" سألته:="" وكيف="" تقبل="" تأخر="" تسليم="" الشقة="" لمدة="" 7="" سنوات="">

< أجاب="" بنبرة="" حزينة:="" ليس="" أمامى="" سوى="" الصبر="" والصمت="" أو="" ضرب="" رأسى="" فى="" الحيط..="" فاخترت="">

«إسلام السعيد»، حكاية ثالثة من دفتر مآسى النصب العقارى.. إسلام تعاقد على شراء شقة فى العاشر من رمضان، سدد ثمنها بالكامل، وتسلمها بالفعل، ولكنه وجدها بلا مرافق، تواصل مع جهاز المدينة، لمعرفة كيفية توصيل المرافق، فاكتشف أن توصيل المرافق لجميع شقق العمارة، التى بها شقته، لن تتم بدون تشطيب واجهة العمارة، وسلالمها الخارجية بالشكل لذى صدرت به الرخصة، لم يكذب « إسلام» الخبر، واتصل بصاحب العمارة، طالباً منه سرعة استكمال واجهة العمارة، فجاءه الرد صاعقاً.. قال صاحب العمارة: عمارة إيه يا ابنى.. أنا بعت كل الشقق ومليش علاقة بالعمارة خلاص، لموا فلوس من بعض وكملوا الواجهة إذا كنتوا عاوزين تدخلوا المرافق، أنا خلاص».. وهكذا وجد إسلام نفسه أمام كارثة جديدة، فإما أن يدفع عشرات الآلاف من الجنيهات لاستكمال واجهة العمارة أو ترك شقته بلا مرافق للأبد!

حكاية يوسف وسيد وإسلام والمسئول العقارى، ليست سوى نقطة فى بحر آلام النصب العقارى، وحسب المهندس الاستشارى حسين جمعة –رئيس جمعية حماية التراث المعمارى- فإن 50% على الأقل من المتعاقدين على شراء الشقق الجديدة، لا يتسلمونها فى مواعيدها، و15% ممن يتعاقدون على شراء شقق فى المدن الجديدة، يعانون من توصيل المرافق بسبب عدم تشطيب المالك لواجهات العمارات، حيث يشترط قانون المجتمعات العمرانية تشطيب واجهات العقارات وسلالمها وأسوارها الخارجية قبل توصيل المرافق إليها.

 ومعنى النسب التى يحددها رئيس جمعية حكاية التراث المعمارى فإن ما لا يقل عن 200 ألف مصرى يعانون كل عام من تأخر مواعيد تسلم الشقق، رغم أنهم يدفعون دم قلبهم – كما يقولون– لشراء 4 حيطان، خاصة أن أسعار

الشقق تجاوزت فى أغلبها 500 ألف جنيه للشقة وهو أمر طبيعى مع الارتفاع الجنونى فى أسعار الأراضى، فسعر متر الأرض فى المناطق الشعبية وصل إلى 9 آلاف جنيه، فيما يتجاوز 50 ألف جنيه فى المناطق الراقية، وفى المناطق التجارية يتراوح سعر المتر بين 30 ألفاً و150 ألف جنيه للمتر، وهو ما جعل سعر أقل شقة فى مصر يتجاوز 300 ألف جنيه.

وبسبب تأخير تشطيبات الواجهات لا تزال 30% من الشق فى المناطق العمرانية الجديدة غير مستغلة وخالية رغم أن آلاف الشباب سددوا نسبة كبيرة من أقساطها.

والسؤال: هل لهذا الواقع المرير من حل؟.. السؤال طرحته على خبراء إسكان ونواب فى البرلمان، ورجال قانون فكانت إجابتهم جميعاً بالإيجاب.. المهندس طارق شكرى، رئيس غرفة المطورين العقارين باتحاد الغرف، يرى نهاية هذه الأزمة رهناً بإصدار قانون المطورين العقاريين، الذى قدمت مشروعه الغرفة للبرلمان فى يناير 2016، متضمناً 3 محاور رئيسية، وهى إعلان تشكيل اتحاد المطورين، يكون له شخصية اعتبارية والمحور الثانى هو وضع قواعد محددة لمنع الإعلانات الوهمية للشقق والعقارات، والمحور الثالث هو صياغة عقد متوازن بين المطورين العقاريين (الذين يتولون إقامة المنشآت وعمل المنشآت والتشطيبات اللازمة للمبانى سواء إدارية أو صناعية أو تجارية أو خدمية) وبين مشترى الشقق والعقارات، وستكون الحكومة طرفاً ثالثاً فى تلك العقود لضمان التزام الطرفين الآخرين بما أقراه فى العقد».

 ويعول «شكرى» كثيراً على أن ذات مشروع القانون فور صدوره سيحقق حماية كاملة لكل مشترى العقارات من خلال ضبط سوق العقارات ووضع ضوابط على الشركات العقارية تؤدى إلى تطهير السوق العقارى من الشركة غير جادة ويقر الفصل بطريق التحكيم فى المنازعات التى تنشأ بين أعضاء الاتحاد، وبين مشترى العقارات والشقق، وغيرهم من المتعاملين مع المطورين.

وفى ذات الاتجاه يراهن النائب البرلمانى د.م محمد عبدالغنى، رئيس شعبة الهندسة المدنية بنقابة المهندسين السابق، على أن قانون المطورين العقاريين سيكفل حماية حقوق مشترى الوحدات العقارية، خاصة أنه يتضمن إنشاء صندوق يتم تمويله باستقطاع جزء من قيمة كل تعاقد ومن أموال هذا الصندوق يتم تعويض مشترى الوحدة العقارية المتضرر من عدم استلام وحدته.

 وأكد «عبدالغنى» أن لجنة الإسكان بالبرلمان بدأت فى مناقشة مشروع القانون على مدى عدة أسابيع ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منه فى مطلع العام القادم.

ثغرة

 وربما تكون الثغرة الوحيدة فى مشروع القانون هو تعريف «المطورين العقاريين» وهو التعريف الذى شهد جدلاً كبيراً داخل البرلمان -كما يقول النائب عادل بدوى- وكيل لجنة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة بمجلس النواب، وهو الجدل الذى لم يتم حسمه حتى الآن، فهناك من يطالب بأن يندرج تحت قائمة المطورين العقاريين كل من يقوم ببناء وتشييد أكثر من 10 آلاف متر، وهناك من يطالب بخفض المساحة إلى ألف متر فقط، ولكن الاتجاه العام يسير فى اتجاه أن يكون المطور العقارى هو كل من يبنى 2000 متر مربع فأكثر.

معنى هذا أن من يبنى عقارات أقل من 2000 متر مربع لن يدخل فى مظلة قانون المطورين العقاريين، وبالتالى فإن من يشترون وحدات عقارية منهم سيكونون خارج حماية القانون، وهذه الثغرة بحسب تأكيدات النائب عادل بدوى سيتم سدها من خلال مشروع قانون سيقدمه النائب «بدوى» نفسه متضمنة معاقبة كل مقاول أو شركة أو فرد يبيع وحدات عقارية، ويخل بأى بند من بنود التعاقد مع المشترى، وهذه العقوبات تصل إلى السجن المشدد للمخالف مع تغريمه مبلغاً مالياً كبيراً وإلغاء ترخيص عمل المقاول أو الشركة التى تخل بتعاقداتها، مع تخصيص لجان قضائية خاصة تصدر أحكاماً سريعة، فى مثل تلك القضايا».

وحتى صدور تلك التشريعات الجديدة لا يبقى أمام مشترى الوحدات العقارية، بحسب الدكتورة أميمة صلاح الدين، رئيس مركز بحوث الإسكان سابقاً، سوى الحرص على وضع بند واضح فى عقد الشراء بتغريم البائع فى حالة إخلاله فى أى بند من بنود عقد البيع، سواء تأخير موعد التسليم أو عدم تشطيب الواجهات فى العقارات التى يتم تشييدها داخل المجتمعات العمرانية الجديدة».

 ويشدد المهندس محمد عبدالرءوف، عضو اتحاد مقاولى البناء والتشييد، على ضرورة أن تكون الحكومة هى الطرف الثالث فى عقود بيع الوحدات العقارية.. ويقول: «توقيع جهة حكومية، على عقود بيع الوحدات العقارية، كطرف ثالث يجعل هذه العقود تحت رعاية الحكومة، فتكون ضامنة للمشترين بأن بائعى تلك الوحدات سيلتزمون بنود العقد، وفى حالة حدوث أية مخالفة لبنود عقد البيع، تتدخل الحكومة لمعاقبة المخالف، وتعويض الطرف الآخر».