رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

غرق مبارك في رمال الثورة. تحليل


في يوليه 2010 الماضي نشرت مجلة «إيكونوميست» البريطانية العريقة والمحترمة دولياً، دراسة مهمة بعنوان (The long wait ) أو (الانتظار الطويل) كانت تتنبأ فيها ضمنا بما سيحدث في مصر من ثورة، عبر سرد معلوماتي للتدهور الاقتصادي والفساد المحيط بالرئيس مبارك وعدم مبادرته بوضع نهاية له، وصل لحد وضع صورة مركبة علي غلاف العدد للرئيس مبارك بالزي الفرعوني كتمثال يغرق في رمال الصحراء .
وكأن المجلة كانت تستلهم مقولة شهيرة لحكمدار مصر (الانجليزي) وحاكمها لمدة 30 سنة (جون راسل باشا) قبل ثورة 23 يوليه 1952، تقول : "إن المصريين مثل رمال الصحراء الناعمة، تستطيع أن تمشى فوقها مسافة طويلة، ولكنك لا تعرف متى تفاجئك وتتحرك وتبتلعك" ! .
وقتها – قبل ستة أشهر - اعتبرت المجلّة أن التغيير قادم إلى مصر لا محالة، مشيرة في الدراسة التي نشرت بعنوان آخر هو : «الرمال المتحرّكة: التغيير قادم إلى حلفاء الغرب العرب» إلى أن كل المؤشّرات تؤكّد أن هناك تغييراً وشيكاً على الساحة في مصر.
بيد أن تحليل (ماكس رودنبك) الذي استعانت به المجلة العريقة لرصد مؤشرات هذا التغيير والثورة، لم تكن موفقة بصورة كاملة، حيث رصدت المجلّة العديد من مؤشّرات التغيير، يأتي في صدارتها تغيّر الدين من قوّة دافعة نحو الثوريّة إلى مجرد قرآن يتلى في كل مكان، ونغمات أذان على الموبايل وتزايد في أعداد المترهبنين ( أي تدين شكلي وفق المجلة ) وأضافت أن هدف حاجات المصريين أصبح واحداً وهو النقود، وأن يأس المصريين من نظام مبارك يعكسه استخدامهم عبارة زعيم ثورة 1919 في مصر سعد زغلول الأثيرة «ما فيش فايدة» التي أطلقها تعبيراً عن يأسه من علاج المرض الذي أصاب مصر .
فالمجلة نفسها قالت إن وجود شبكة واسعة من أعمال الخير والتبرّعات بين المصريين، يساهم في استقرار الأوضاع فيها،وتساهم بوضوح في انخفاض معدّلات الجريمة، حيث يشعر الفقراء بأنه في وسعهم أن يبقوا في منازلهم ويحصلوا على الحد الأدنى الذي يسمح لهم بالبقاء.
أما ما لم ترصده المجلة بعد ثورة 25 يناير فهو أن أحد شعارات ثورة الشباب المصري كانت صيحات (الله أكبر)، وكانت ثورتهم أول ثورة تشهد متظاهرون يصلون في الشارع أمام قوات الأمن فروضهم، وهي تطلق عليهم في ركوعهم وسجودهم، خراطيم المياه والرصاص والغازات المسيلة للدموع (!)، بل كان يقودها العشرات من علماء الأزهر، فيما انخرط المسيحيون في صلوات متتالية في ميدان التحرير ورفعوا صلبانهم قبل أن يرفع الجميع مطالب متعلقة بالطعام أو الشراب أو الفلوس فقط، وكل هذا بدون تطرف أو قيادة تيار بعينه لهم .

انهيار الدور الإقليمي المصري
أما أخطر ما لمسه تحليل (الأيكونوميست) حينئذ، فكان الحديث عن الوضع الإقليمي لمصر، الذي شهد تدهوراً واضحاً، بعدما أصبحت القاهرة عاجزة عن القيام بدورها وتابعاً للولايات المتحدة الأمريكية، ودورها الإقليمي أصبح أقلّ، سواء في ظلّ إدارة الرئيس الأمريكي الحالي أوباما أو السابق بوش.
هذا الضعف للوزن الإقليمي لمصر يرجع إلى مساعدة الرئيس مبارك إسرائيل في معاقبة «حماس» بالحفاظ على قطاع غزّة محاصرًا، ومساعدة أمريكا علي احتلال العراق مما مثّل مكسبا كبيرا لإسرائيل بإزاحة أكبر قوة عسكرية عربية تواجهها حينئذ، مما أثار استنكار الكثير من الشعب، والأخطر انضوائه تحت لواء ما سمي (معسكر المعتدلين العرب) الذي ضم الدول التي تعتبرها أمريكا معتدلة بمفهومها أي التي تحافظ علي المصالح الأمريكية في المنطقة .
فمنذ ذلك الحين شعر غالبية المصريين بأن مصر فقدت مكانتها كدولة لها نفوذ، وأن النظام في مصر حظي بمكافآته من الولايات المتحدة مقابل تقلّص دور (الدولة المصرية) الإقليمي، نتج عنه اختفاء الدور المصري الإقليمي مقابل المزيد من الثقل السياسي والطموح الإقليمي لتركيا وإيران، وعلو الدور الصهيوني في المنطقة للبطش بلبنان وغزة وحتي قصف سوريا دون أن تتحرك القاهرة .
سقوط محور الاعتدال
ولهذا استبشر مراقبون بسقوط حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي باعتباره أحد دول محور الاعتدال ، وسقوط مبارك ونظامه، بخلاف المشكلات التي تواجه باقي النظم المحسوبة علي من يسمون (المعتدلين العرب) في اليمن والجزائر ولبنان والأردن، وكان الاهتمام الأكبر بمصر باعتبارها زعمية العالم العربي، وقيام ثورة شعبية فيها يعتبر مؤشرا قويا علي سقوط مرحلة بكاملها، وسقوط ما يسمى بمحور الاعتدال، وسقوط اتفاقات كامب ديفيد وكل ملحقاتها المذلة للعرب والمسلمين، وربما انتهاء مرحلة التغول الإسرائيلي التي جعلت الأنظمة العربية تركع أمام المسئولين الإسرائيليين وتستجدي السلام معهم، في ضوء تنامي آخر إيجابي للمقاومة في لبنان وفي غزة ، وصعود أسهم إيران في المنطقة، بما غطي علي النفوذ المصري .
وبات السؤال بعد انتصار الثورة المصرية الشعبية في 25 يناير 2011، هو : هل تكرر هذه الثورة ما فعلته ثورة 23 يوليه 1952 من بعث جديد في الدور الإقليمي المصري قاد المنطقة العربية وأفريقيا نحو التحرر من الاستعمار القديم، بما يحرر المنطقة هذه المرة من الاستعمار الجديد والإملاءات الغربية والإسرائيلية، ويعيد الكرامة العربية للدول العربية بعدما أهلت عليها (الأنظمة) الخانعة التراب ؟!.
المؤشرات تؤكد هذا المعني وأن هذه الثورة الشعبية التي أعادت مصر إلى نفسها يوم 25 يناير 2011، ستعيد مصر أيضا للعرب كدولة رائدة محورية تلعب دورا أساسيا في صياغة معادلات القوة في المنطقة، وتؤسس لمرحلة جديدة، وأنها ستتبني مشروعا عربيا جديدا قائما علي عزة وكرامة المواطن المصري والعربي والاعتماد علي الذات، بما يعيد للأمة كلها كرامتها ومكانتها بين الأمم، مثلما فعلت ثورة تموز (يوليو) 1952 في سنواتها الأولي .
فالذين خرجوا في العواصم العربية وحتي الجاليات العربية في الخارج للاحتفال بالثورة المصرية ربما لم يقل عددهم عن المصريين الذين خرجوا للشارع للاحتفال بنجاح الثورة وتنحي الرئيس مبارك، مما يؤكد أن محاولات دول أخري لاستلام الدور القيادي لمصر لم تؤت ثمارها من جهة، كما أن هناك شوقا عربيا لعودة الدور المصري لقيادة المنطقة العربية وإعادة تشكيل الشرق الأوسط .
ولهذا توقعت صحف غربية مثل "ديلي تليجراف" أن يؤدي سقوط رئيس مصر كأقوى وأكبر دولة عربية لـ (هز عروش الممالك والدول في كل أرجاء المنطقة)، و(تنامي الذعر في عواصم المنطقة ومنها إسرائيل) ، فرحيل مبارك – علي حد قول أحد المسئولين الإمريكين – جعل إسرائيل في مأزق حقيقي لأنه كان هو الوحيد الذي كان يتعامل معها ومع حكومة نتنياهو .
وقالت إن تنحي مبارك وقبله زين العابدين بن علي سيجبر دول المنطقة على إطلاق موجة إصلاحات غير مسبوقة، ونقلت عن جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي قوله:" إن التطورات ورياح التغيير لا تهب على مصر فقط بل ستشمل دول
المنطقة أيضا".
قلق استخباري أمريكي
أيضا أثارت النتائج المترتبة المتوقعة علي هذه الثورة من حيث انتقال آثارها للعالم العربي من جهة، وعودة مصر لقيادة المنطقة العربية عبر حكومة منتخبة تعبر عن إرادة الشعب حسبما هو مأمول، قلقا لدي أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي اعتادت التعامل مع حكومة ديكتاتورية تضمن ولاءها وحفاظها علي مصالحها برغم دعاوي تبنيها للديمقراطية .
وقال مدراء أجهزة الاستخبارات الأمريكية إن الاضطرابات في مصر ستكون لها تأثيرات "طويلة الأمد" في الشرق الأوسط ، وحذروا من أن حكومات عربية أخرى يمكن أن تواجه احتجاجات شعبية مماثلة.
فقد وصف مدير الاستخبارات القومية ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية "سى آى إيه" ليون بانيتا ما يحدث من احتجاجات شعبية في مصر بالزلزال السياسي، وقال إن الاحباطات المكبوتة التي أثارت موجة احتجاجات الشوارع في مصر موجودة في دول عربية أخرى .
وقال في جلسة استماع أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب: "أعتقد أنه يكفي القول إن هناك عددا من الدول في العالم العربي تواجه نفس المشاكل ومن بينها غياب الحريات وغياب الإصلاح السياسي وعدم وجود انتخابات حرة ونزيهة، والركود الاقتصادي وتأثيرات ذلك على البطالة خاصة بين الشباب".
وفي رد على سؤال حول تأثيرات ذلك على دول عربية أخرى، قال (بانيتا) : "كل ذلك يعني أن علينا أن نولي اهتماما كبيرا للأمر لأنني أعتقد أن العوامل التي تسببت فيما يحدث في مصر يمكن أن يكون لها تأثير على مناطق أخرى".
وفي نفس جلسة الاستماع أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب قال مدير الاستخبارات القومية (جيمس كلابر) إن الاضطرابات في مصر "ستكون لها تأثيرات طويلة الأمد في شمال إفريقيا والشرق الأوسط".
وقال (كلابر) إن الانتفاضة الشعبية التي تشهدها مصر يمكن أن تقوض الدعاية المتشددة التي تبثها القاعدة وتظهر قوة التغيير السلمي الديمقراطي، وقلل من المخاوف بشأن دور الإخوان المسلمين في مصر، وقال إنها جماعة لم تناد بالعنف كما أنها دانت تنظيم القاعدة.
إلا أن مدير مكتب التحقيقات الفدرالية "إف بى آى" روبرت مولر لم يوافق على ذلك، وقال إن "عناصر الإخوان المسلمين هنا وفي الخارج دعموا الإرهاب" .
وظهر الانزعاج الأمريكي أكثر عندما ذكرهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد - في تعليقه علي ما جري في مصر– بقوله : (إن الشرق الأوسط "سيتخلص قريبا من الولايات المتحدة وإسرائيل .. وسنرى شرقا أوسطا جديدا بدون الأمريكيين وبدون النظام الصهيوني ولا مكان لقوى الاستكبار فيه".
إسرائيل .. فشل ثان للاستخبارات !
ومثلما حدث عقب حرب أكتوبر 1973 من مشادات بين مسئوليها عن فشل الاستخبارات في توقع الضربة الجوية والعبور المصري، تكرر الأمر نفسه مع اندلاع الثورة المصرية الشعبية والإطاحة بالرئيس مبارك ، وكتب (يحزقئيل درور) مستشار سابق في وزارة الدفاع، وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية يقول في صحيفة "هاأرتس 4/2/2011 تحت عنوان (الشرق الأوسط في مواجهة الإعصار) يقول إن هذا (الفشل الاستخباراتي في تقويم الوضع في مصر والإخفاقات الأخرى) يفرض علينا، إصلاحاً داخلياً وجذرياً للأجهزة الاستخباراتية، مع التشديد على تطوير القدرة على فهم الأحداث في العمق، وما تحمله من أعاصير مرتقبة !.
فما حدث في مصر – بحسب درور- تشير إلى أن الشرق الأوسط يتوجه نحو أعاصير، سيكون لها انعكاساتها المهمة على السياسة الإسرائيلية، وأن مغزى هذا الدرس القاسي أن التأييد الأمريكي لإسرائيل في المدى البعيد ليس أمراً بديهياً، مما يفرض على إسرائيل أن تعمل جاهدة للحفاظ على وجودها وتعزيز قوتها.
وقد دفع هذا خبراء إسرائيليين عديدين لنصح الدولة الصهيونية وقيادتها بالتحسب لقوة الشارع العربي ومواجهة الوضع الجديد بالعمل علي (التخفيف من عداء الجماهيرالعربية لها، عبر التوجه إلى الشباب في الدول العربية من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي وقنوات أخرى، مع التأكيد على تطلع إسرائيل إلى السلام، وقدرتها على المساهمة في تحقيق تقدم المنطقة اجتماعياً واقتصادياً) !.
كما أن من شأن جمع إسرائيل بين الديمقراطية وقوة المؤسسة الدينية، أن يقدم صورة إيجابية لها في الدول الإسلامية.
أما أهم ما بدأ الصهاينة التفكير فيه – بعد ذهاب صديقهم مبارك ونظامه - فهو المسارعة (بإبرام "كتلة حرجة" من اتفاقات السلام تقلص توجيه الطاقة الكامنة في الأعاصير ضد إسرائيل، والإقدام نحو اتفاق شرق أوسطي شامل، يشمل دولة فلسطينية، وانسحابات إسرائيلية، وتسوية موضوع اللاجئين، وإعطاء الأطراف الإسلامية مكانة خاصة في الحوض المقدس، والسعي إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع أغلبية الدول العربية والإسلامية) بحسب يحزقئيل درور .