عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الانقلاب.. لصالح أم ضد الثورة؟ (تحليل)


مع دخول الثورة الشعبية المصرية التي اندلعت في 25 يناير 2011 أسبوعها الثالث ، واستمرار شباب الثورة وأصحاب المظالم في كافة القطاعات في التمسك بمطلبهم الرئيسي وهو (رحيل الرئيس) أو (رحيل النظام) ،

وبالمقابل رفض الرئيس مبارك التنحي قبل انتهاء ولايته في غضون الـ 200 يوم القادمين ، وتضرر أوضاع مصر السياسية والاقتصادية وانتشار أشكال أخري من العصيان المدني بين الموظفين والعمال الناقمين علي أحوالهم المادية ، أصبح خيار تدخل طرف ثالث لحل هذه المعضلة امرا محتما .

هذا الطرف الثالث هو بلا جدال الجيش الذي يسيطر بدبابته ومدرعاته علي العديد من المدن المصرية ، ولكن تأخره في التحرك كما كان يأمل الثوار الشباب ، وقيام بعض وحداته باعتقالات واحتجاز بعضهم ومهاجمة مقر جماعة حقوقية ومحاولته تضييق مساحة الاحتجاج في ميدان التحرير ، أثار تكهنات بين السياسيين والشباب حول قوة ولاء الجيش للرئيس ونائبه (وهما عسكريين) ومن ثم استبعاد احتمالات انقلابه علي النظام ، بحسب ما يري بعض المحللين .

ومع هذا يستدعي هذا الخيار طرح تساؤلات حول كيفية تدخل الجيش، وهل تتدخل قيادته لصالح النظام ضد المتظاهرين باعتباره القوة الأمنية الحقيقية في ظل ضعف الشرطة وانهيارها (1.5 مليون جندي أمن مركزي) أم يتدخل الجيش نفسه كمؤسسة عسكرية لصالح الثورة الشعبية ويتوج انتصارها ويؤرخ للشرعية الثورية الثالثة في مصر بعد شرعيتي ثورة 23 يوليه 1952 وشرعية حرب أكتوبر 1973 ؟.

حديث الانقلاب..تهديد أم تنبيه ؟

ومع أن الحديث عن مسألة الانقلاب العسكري ضمن هذا الخيار تبدو حديثا جديدا كان مستترا في الماضي وغير محبب في الأوساط السياسية ، فقد كانت مفاجأة كبيرة أن يهدد به عمر سليمان نائب الرئيس صراحة خلال لقاؤه مع رؤساء تحرير الصحف 8 فبراير 2011 ، وكذا أحمد أبو الغيط وزير الخارجية 9 فبراير في حواره مع قناة العربية ، ما يعيد طرح تساؤلات بديلة .

بعبارة أخري هل جاء حديث اركان النظام عن الانقلاب العسكري – كبديل للحوار الذي باتت ترفضه القوي السياسية والشباب بعد الجلسة الافتتاحية له بسبب عدم الثقة في النظام – من قبيل التخويف فقط ، وتأكيد أنهم يقفون علي أرض صلبة ويضمنون ولاء الجيش وعدم انقلابه عليهم ومن ثم قد يستخدمون سلاح الانقلاب لتخويف المتظاهرين وتهديد الإخوان والقوي السياسية بالسجن في حالة الانقلاب وفرض الأحكام العرفية الكاملة ؟!

أم أن تهديد قادة النظام بالانقلاب العسكري يأتي في سياق تخوف حقيقي وربما نتيجة معلومات أو توقعات بأن الجيش لن يقف دون حراك مشاهدا لهذه الأوضاع دون تحرك بما يضر بمكانة مصر ويفتح الباب للمتربصين بها وخاصة إسرائيل ، وبالتالي التحذير أنه من صالح النظام والثورة معا الوصول إلي اتفاق حول الحوار والتعديلات الدستورية والانتخابات بدلا من حكم عسكري يؤدي لاضطرابات وحالة جمود قد تستمر شهورا أو أعواما وتعطل ركب مصر في المنطقة ودورها الإقليمي وتجعل جيشها متورطا في أحداث الداخل بدلا من دوره في حماية الجبهة الخارجية ؟

المتابع بدقة لتصريحات أركان النظام ربما يتصور أن الهدف الأرجح لصدور هذه التصريحات الخطيرة هو تهديد القائمين بالثورة الشعبية بالحكام العرفية وربما اعتقالات وتوقف كافة مناحي الحياة السياسية والحريات وما يواكب هذا من محاكمات عسكرية محتملة ، بدليل أن تصريحات بعض قادة أركان النظام تنطلق من أرضية ثابتة تشير لأنهم يضمنون ولاء الجيش من جهة .

كما أن بعض التصريحات – مثل تصريح أبو الغيط – تؤكد أن تحرك الجيش سيكون ضد من أسماهم (المغامرون) لصالح (الدفاع عن الدستور والأمن القومي المصري)، كما قال ، من جهة ثانية ، والأهم أن تصرفات النظام تشير لإتباع خطة لتطبيع الحياة في الشارع المصري بما يظهر أنه لا توجد ثورة ، وإثارة عداء باقي الشعب وغضبه علي هؤلاء المتظاهرين وتصويرهم أنهم عملاء وأصحاب أجندات (مصالح) خاصة وسبب الإضرار بالاقتصاد وتعطيل المرور والمشاكل الحاصلة .

فعمر سليمان نائب رئيس الجمهورية عندما قال أن الحوار والتفاهم هو الطريقة الأولى لتحقيق الاستقرار في البلاد والخروج من الأزمة الحالية بسلام وبخطوات متصلة ببرنامج عمل لحل جميع المشكلات ، قال عن الطريق الثاني البديل - وهو حدوث انقلاب – "نحن نريد أن نتجنب الوصول إلى هذا الانقلاب الذي يعنى خطوات غير محسوبة ومتعجلة وبها المزيد من اللاعقلانية وهو ما لا نريد أن نصل إليه حفاظا على مصر وما تحقق من مكتسبات وإنجازات" ، وكان يلمح بذلك لما سيفعله النظام في ظل هذا الانقلاب العسكري مع المعارضين وأصحاب الثورة ، واحتمالات خروج الأوضاع عن السيطرة ما يهدد مصر كلها بالفوضى   .

أيضا عندما لاحظ (سليمان) انزعاج رؤساء تحرير الصحف من حديثه عن الانقلاب العسكري بكل بساطة برغم أنه خيار يجري الحديث عنه ولكن سرا في الأوساط الشعبية ، عاد ليؤكد لهم أنه (لا إنهاء للنظام ولا انقلاب لأن ذلك يعنى الفوضى التي يمكن أن تصل بالبلد إلى المجهول الذي لا نريده) .

ولأن البديل الذي يطرحه معارضون ضمن مسلسل التصعيد ويخشاه النظام - وبدأت تظهر بوادره الأربعاء 9 فبراير بحالات عصيان وانفلات لموظفي مختلف القطاعات والوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة فى مختلف أنحاء مصر – هو العصيان المدني ، فقد أزعج هذا عمر سليمان بالفعل ، ورد علي ما يردده البعض عن العصيان المدني بقوله : (إن هذه الدعوة خطيرة جدا على المجتمع ، ونحن لا نتحمل ذلك على الإطلاق ولا نريد أن نتعامل مع المجتمع المصري بالأداة الشرطية وإنما يتم التعامل بالحوار والموضوعية والواقعية وطبقا للقدرات المتاحة) ، وكان واضحا التهديد هنا باستعمال الجهاز الأمني سواء الشرطة أو الجيش أو كلاهما معا ضد الداعين للعصيان المدني أو المشاركين فيه  .

معضلة الإخوان

ويبدو أن السبب الرئيسي لرفض سليمان – وربما قيادة الجيش - التحرك لصالح تنفيذ مطلب المتظاهرين المتعلق برحيل الرئيس عن السلطة والاعتراف أن هناك شرعية ثورية جديدة يرجع للتخوف الداخلي (والغربي والإسرائيلي أيضا) من لعب جماعة الإخوان المسلمين دورا مستقبليا في الحياة السياسية ، ولهذا كان حديثه عن التعديلات الدستورية المتعلقة بانتخابات الرئاسة مشروطا بمن "يقود المسيرة فى المرحلة القادمة ؟ وشخص الرئيس المقبل وهى مواصفاته وتوجهاته ؟ وأن تكون هناك شروط لمن يترشح لهذا المنصب الرفيع ، ولم يشفع له نفي الإخوان رسميا ترشيح أحد منهم للرئاسة ، وظل يؤكد أن الشباب "هناك من

يحرضهم " !.

أيضا كان الحديث عن التعديلات الدستورية قاصرا علي انتخابات الرئاسة ولم يتطرق لانتخابات البرلمان أو السماح بحرية تشكيل الأحزاب السياسية وإلغاء القيود علي الأحزاب والجمعيات السياسية، بل وحرص علي ترحيل أي حديث عن حزب للإخوان "للرئيس القادم" .


ولهذا رد الإخوان علي تهديد سليمان بأن البديل هو الانقلاب العسكري بتأكيد أن "الجماهير لن ترهبها تلك التصريحات التي تهدد بالانقلاب العسكري، وتثق فى أن الجيش هو جيش الشعب ورجاله هم أبناء الشعب وهم حماة الوطن والشعب معا ولا يمكن أن ينقلبوا على الشعب وآماله ومطالبه" .

ماذا تعني الأحكام العرفية ؟

والحقيقة أن التلويح بالانقلاب العسكري والإشارات الأولية التي تشير لأنه لو حدث سيكون لصالح النظام الحالي ، ليس له سوي معني متعلق بفرض الأحكام العرفية ، التي قد تعني صدام الجيش بالثورة الشعبية وسعيه لإيقافها بالقوة وفق سيناريو أكثر تشددا في حفظ الأمن وحظر التجول من قانون الطوارئ الحالي.

فقد استمرت قوانين الطوارئ في مصر لما يقرب من ثلاثين عاماً، ولكن مشكلة المصريين مع الأحكام العُرفية وقوانين الطوارئ لم تتوقف عند الثلاثين عاماً الماضية بل امتدت إلى ما يقرب من سبعين عاماً سابقاً.

فقد بدأ فرض الأحكام العُرفية في مصر ـ في العصر الحديث ـ في 1939 عند قيام الحرب العالمية الثانية، واستمرت بعد نهاية الحرب، لم ترفع إلا في 1950 لإجراء انتخابات جديدة ، وفي 26 يناير 1952 وقع حريق القاهرة، وفرضت الأحكام العرفية من جديد، وبعدها بستة أشهر قامت الثورة في يوليو من نفس العام واستمرت هذه الأوضاع بطبيعة الأحوال. ولم ترفع هذه الحالة الاستثنائية إلا لفترة قصيرة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ثم أُعيدت بعد حادث اغتياله، وهي تجدد من يومها وحتى الآن .

وخلال السبعين عاماً الماضية لم تنعم مصر بالخضوع للقوانين العادية إلا لفترة لا تتجاوز الأربعة سنوات ، وطوال هذه المدة كانت مصر ـ وما تزال ـ خاضعة للأحكام الاستثنائية تحت سلطة الحاكم العسكري وحيث تتوقف الضمانات الدستورية لحماية حقوق المواطن وحرياته الأساسية.

وهو وضع يري الخبير الدكتور حازم الببلاوي أنه فريد وغريب بين الأُمم، فاستمرار الأحكام الاستثنائية لحوالي سبعين عاماً، أمر لا سابقة له في التاريخ الحديث بين الدول ويحتاج إلى تفسير وتوضيح.

ومع هذا فاستمرار فرض هذه الطوارئ وما واكبها من تعدي علي الحريات العامة أصبح أمرا معتادا في مصر ، بل هو أحد أسباب الثورة وأحد مطالبها الأساسية هو الغاء الطوارئ ، يعني أنه ربما لو لجأ النظام لإعلان الإحكام العرفية بموجب انقلاب عسكري وحكم عسكري كامل ، فلن يرهب هذا كثيرا شباب الثورة لأنهم اعتادوا علي هذه الأجواء الاستثنائية الشاذة طوال 30 عاما الماضية وما قبلها لمن هم أكبر سنا ولم يقدر لهم عيش حياة طبيعية بلا استثناءات !.

المتوقع بالتالي أن يكون التهديد بالخيار الثاني (الانقلاب ) من قبل أركان النظام هو من قبيل محاولات حصار هذه الثورة الشعبية وإنهاءها، وصرف الشباب من ميدان التحرير ، خصوصا أن الجمعة الثالثة للثورة الشعبية التي ستبدأ 11 فبراير – بعد جمعة الغضب وجمعة الرحيل – ستكون هي (جمعة الزحف) الي قصور الرئاسة ومبني الإذاعة والتلفزيون.

وهو تطور خطير في ضوء اتساع رقعة ما يمكن تسميته (جمهورية التحرير) التي يقيمها الشباب وأصحاب المظالم في الميدان ، والتي بدأت تمتد إلي شارع القصر العيني ومقر الحكومة والبرلمان والإحاطة بهما ، بخلاف الدعوة لنقل الإضراب والعصيان المدني إلي ميادين القاهرة الكبري والمحافظات لشل الحياة في البلاد وإجبار السلطة علي الرحيل .

وهو ما يثير التساؤل حول الخطوة المقبلة، ومن سيأتي بها ، وهل تكون هي الانقلاب العسكري؟ ولصالح من سيأتي ؟ للسلطة أم الثورة ، في ضوء هذا المأزق الذي تعيشه السلطة ، فالجيش في نهاية المطاف لا يمكن أن يصطدم بالكامل مع الشعب ، ولم يحدث هذا يوما في تاريخ مصر ، ولهذا يعول المتظاهرون علي أن يضطر الجيش للتحرك والانقلاب ولكن لصالح الثورة الشعبية طالما أن الشعب سيستمر في النزول للشارع والسيطرة عليه ، في حين تعول السلطة علي ولاء الجيش وعدم رغبته في الدخول في لعبة غير مضمونة العواقب قد تضر بالاستقرار في مصر لفترة طويلة .