رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«لا تبيع أرضك».. مبادرة وطنية ضد الفقر

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

فى الوقت الذى تواجه فيه الحكومة مشاكل متراكمة لتحقيق الأمن الغذائى والتنمية الزراعية والريفية، ومحاربة عمليات التصحير والتبوير التى يلجأ اليها الفلاحون هرباً من الفقر، الأمر الذى قلص الرقعة الزراعية بصورة خطيرة، انطلقت فى قلب العتمة مبادرة وطنية بمثابة معركة ضد فقر الفلاحين لإنقاذ رقعة الأراضى الزراعية بالعمل على رفع إنتاجيتها وجودة منتجاتها بما يعود بالنفع والربح على أصحابها ويجعلها مقبولة فى الأسواق العالمية لتطابقها مع اشتراطات الجودة الدولية، المبادرة تحمل شعار «لا تبيع أرضك» أطلقها الاتحاد العام لمنتجى ومصدرى الحاصلات البستانية فى قرى المنيا بالتعاون مع وزارة الزراعة، عبر النزول للأراضى الزراعية ودعوة الفلاحين للتمسك بأرضهم وعدم بيعها للبناء أو هجرها وتبويرها، وإمداد المزارعين بالتقاوى عالية الجودة بأسعار مناسبة وعلى رأسها تقاوى البطاطس مما رفع نسبة الانتاج هذا الموسم لأكثر من 50% عن المعدلات العادية، إلى جانب إرسال وفود من المرشدين والخبراء الزراعيين إلى الفلاحين فى أراضيهم لتبصيرهم بالثقافة الزراعية التى ترشدهم لأفضل طرق الحصول أعلى انتاجية وحماية محاصيلهم من الأمراض والآفات والتلف، وعمل ندوات إرشادية متواصلة فى هذا الإطار تحت إشراف وزارة الزراعة، إضافة الى تنفيذ أول وأكبر مشروع بدعم أوروبى فى قلب صحراء المنيا بالجانب الغربى لتخليق الشتلات المطعمة للفاكهة والخضراوات، وذلك وفقاً لمطالب السوق العالمية، الأمر الذى سيضع مصر عامة والمنيا خاصة فى مصاف الدول المصدرة للشتلات «العضوية المطعمة» بصورة طبيعية بعيداً عن مخاطر الهندسة الوراثية المسببة للأمراض.

«الرحلة من القاهرة إلى قلب صحراء المنيا وقراها لم تكن سهلة أو مريحة، لكن هدف معايشة التجربة من أرض الواقع هون الأمر، خاصة ومصر تحتاج الى كل يد وطنية لإنقاذها، وفى مقدمتها إنقاذ الثروة الزراعية المهددة بصورة كارثية نتيجة فقر الفلاحين بعد أن أصبحت محاصيلهم «غير مجدية» ولا تحقق العائد المطلوب فهجروا أراضيهم أو باعوها، وزاد التعدى على الأراضى الزراعية مؤخرا بصورة خطيرة منذ 25 يناير وحتى الآن بلغت التعديات 194 ألف حالة على  مساحة أكثر من 8618 فدانًا، وتراجعت معدلات الإنتاج الزراعى بصورة جعلتنا نعتمد على المستورد فى معظمها.

كانت الانطلاقة الأولى مع فريق المهندسين الزراعيين والخبراء والمرشدين من الاتحاد العام لمنتجى ومصدرى الحاصلات الزراعية إلى أطراف المنيا من الجانب الغربى، فى عمق يبعد خمسة كيلو مترات بقلب الصحراء، مكان لا يمكن تصور حياة آدمية به، لكن ما أن تدخل خلف السور المبنى فى تلك البقعة حتى يفاجئك اللون الأخضر وهو يتحدى الرمال الصفراء، وعلى مقربة من المزروعات تقبع الصوبات التى تمتد كل منها على مساحة بإجمالى 8 أفدنة، شباب وفتيات يعملون فى نشاط وحرفية لتخليق «شتلات» مطعمة لأنواع من الفاكهة والخضراوات، بطيخ، قرع عسل، كانتلوب، فراولة، باذنجان وغيرها بجانب العديد من الخضراوات الورقية فى مقدمتها الملوخية، ونباتات عطرية، انه اول مشروع فى مصر لتخليق الشتلات المطعمة بصورة عضوية طبيعية، عن طريق «ايصال  شتلة أى نوع من المزروعات مع شتلة نوع آخر وضم الشتلتين بحلقة من البلاستيك»، والكلام هنا على لسان المهندس ياسر الخيال المدير التنفيذى للمشروع، والذى يفخر بأن المشروع انطلق بجهود ذاتية فى بداية الأمر تحت رعاية الاتحاد والآن يلقى دعماً من الاتحاد الأوروبي بتمويل سيبلغ 10 ملايين يورو، ويعمل به 300 شاب وفتاة، يأتون من المنيا أو من القرى المجاورة، وينقلهم إلى المكان اتوبيس تابع للمشروع، وقد تم تدريبهم على تطعيم الشتلات بكفاءة عالية وتبلغ انتاجيتهم من 120 إلى 300 شتله فى الساعة، ويتعاون معنا عدة جهات منها: مؤسسة الرؤية الجديدة، والهيئة القبطية للخدمات الاجتماعية، وكلية الزراعة، ومؤسسة كوسبى الايطالية.

ويلتقط الحديث المهندس اسحاق ويلسن ويقول هناك 300 مزارع استخدموا الشتلات المطعمة، النتائج مذهلة، زادت الإنتاجية من 30 إلى 40%، إلى جانب سرعة نمو المحصول وعدم التزامه بالدورة الزراعية، مما يتيح للمزارع بيع المنتج بسرعه، وفى موسم مختلف عن المواسم التقليدية لنوع الزراعة وسعر الشتلة من 2-3 جنيهات.

وتقول المهندسة سحر إبراهيم إن الموقع لا يقتصر على الصوبات وتخليق الشتلات المطعمة بل هناك مجفف للخضراوات التى تنتجها الصوبات لتجفيف الورقيات والعطريات وتغليفها، أي اننا نعمل بسياسة «من الأرض إلى المائدة»، وبهذا نسعى للتكامل الزراعى.

وكانت الجولة الثانية فى قرية «البرجاية» و«الزهرة»، حيث يتبنى الاتحاد عدداً من المزارعين بتلك القرى، وتم إمدادهم بتقاوى البطاطس المستوردة بجانب الخبرة، والإرشادات النموذجية للرى والتسميد واستخدام المبيدات، كان هناك زحام وصخب وكأننا فى احتفالية، انه يوم الحصاد لمحصول البطاطس، الوجوه السمراء مبتسمة وراضية بسبب الإنتاج الوفير وجودة النوع مما سيحقق لهم مكسب لم يحلموا بها من قبل ويقول أحدهم إنهم يبيعون كيلو البطاطس من الأنواع الممتازة للتاجر بـ180 قرشاً، غير أن جشع التجار والوسطاء السبب وراء رفع الأسعار بصورة كبيرة أثقلت عاتق المستهلكين.

ويجيب الدكتور حسين الحناوى رئيس اتحاد منتجى ومصدرى الحاصلات البستانية على سؤالى حول إمكانية الاستغناء عن تقاوى البطاطس المستوردة، فيقول إن تقاوى البطاطس لابد أن يتوافر لها المناخ البارد، وهو ما يتناسب مع أوروبا لذا لا يمكن عملها فى مصر، وبالتالى تعتمد مصر على التقاوى المستوردة، ولكن من المهم أن نركز على جودة التقاوى لضمان أفضل وأعلى إنتاج، ويتابع أن المشكلة التى تعانى منها مصر هى تفتيت الرقعة الزراعية، ودورنا كاتحاد الذى نعمل عليه هو تجميع هذه الاراضى فى مساحات زراعية موحدة، لتتم زراعة كل منها بمحصول موحد، مما يوفر الجهد والتكلفة على المزارعين، ويوفر لهم الاتحاد الحصول على التقاوى الجديدة المضمونة بأسعار مناسبة، بجانب توفير الإرشادات الزراعية عبر المرشدين والخبراء الذين ينزلون إلى الفلاحين ويقدمون لهم النصائح لتلافى أى خسارة فى محاصيلهم، هذا إلى جانب اتباعنا معهم سياسة زراعة ما يحتاجه السوق بالدرجة الاولى، وليس فقط تسويق ما نزرعه.

ويقول اللواء أشرف محمد على الشرقاوى مدير الاتحاد، إن الاتحاد بدأ يتوسع بصورة كبيرة فى أعضائه وينزل إلى القرى فى

جميع المحافظات للتواصل المباشر مع الفلاحين وإمدادهم بكل ما يحتاجون اليه، مهمتنا الأساسية أن يبقى الفلاح فى أرضه ولا يتنازل عنها بالبيع للبناء عليها أو بهجرها، وحتى يتم ذلك، علينا أن نوفر له كل الإمكانيات التى تجعل أرضه منتجة وتدر عليه مكاسب مرضية لمواجهة الفقر والتبوير، فزيادة المنتجات الزراعية بجودة عالية الى جانب فتح الأسواق أمامها هو المحصلة التى يجب أن يحققها الفلاح، ومن هنا نتعاون مع وزارة الزراعة، ونذهب الى الفلاحين لمساعدتهم، ومعروف ان المنيا اكبر محافظات مصر انتاجاً للبطاطس، لذا ركزنا على تقاوى البطاطس الجديدة من انواع «باناميرا»، «سيفرا» «فريدة»، «ايفورا»، «سيلفانا» بجانب «السيجاتا» ونستوردها غالباً من هولندا، ونساعد المزارع فى اختيار نوع التقاوى وكيفية تطوير زراعته، ونرسل له مسئولاً ليقدم له التقاوى الجيدة الخالية من الفيروسات والامرات والمنديات، ويتابع المرشد معه المحصول حتى وقت الحصاد، ولدينا شبكة من معلومات الكترونية يتم من خلالها عرض فرص التصدير للمزارعين.

وتقول الدكتورة علية جودة وكيلة الوزارة ورئيسة وحدة الصوتيات والمرئيات بوزارة الزراعة، إن من أهم المشاكل التى تؤدى إلى فقر الفلاحين وسوء انتاجية أراضيهم هو افتقارهم للمعلومات الارشادية التى تؤهلهم لزراعة الأفضل ومعرفة الخلفيات العلمية للبذور والتقاوى للحصول على أعلى وأفضل انتاج يجد الفرص الواسعة للتسويق، لذا تعمل وزارة الزراعة الآن ويتعاون معها الاتحاد فى تبصير المزارعين بالإرشادات الزراعية، فالثقافة الزراعية تعد جزءاً هاماً من رأس مال الفلاح لتحقيق الربح المطلوب وحتى تؤتى الارض عوائدها ولا يهرب منها الفلاح بسبب خسارته وفقره.

وعلى الرغم من فرحة الحصاد المثمر وتثمين الفلاحين لجهود الاتحاد إلا أن حياتهم ليست وردية، فهناك مشاكل اخرى يسعى الاتحاد لتذليلها، ولكن العبء بالدرجة الأولى يقع على عاتق الدولة ووزارة الزراعة، فيقول المزارع ميشيل باهى إن أسعار الكيماوى اشتعلت والمبيدات لا تحقق النتائج، وأصبحت الشيكارة زنة 50 كيلو بـ 260 جنيهاً وكانت من 3 شهور بنصف الثمن، ويطالب بعودة الجمعيات التعاونية لدورها القديم.

فيما يطالب المزارع محمد رمضان الدولة بأن ترحمهم فى أسعار السماد والبذور الأخرى، وأن اصحاب الاراضى يعطون يومية قليلة للمزارعين تصل الى 35 جنيهاً نتيجة أن أراضيهم التى لا يتعاون معها الاتحاد لا تنتج بالكفاءة العالية ولا تحق لهم المكاسب المطلوبة، ويطرح محمد مشكلة اخرى تعانى منها قريته المعروفة باسم «الجوهرة» بأنه ليس بها صرف صحى وأن البيوت والمحلات «طفحت» منها المخلفات، وكذلك الحال فى قرى ابوحنس وزهرة.

ويقول المزارع مخلف يوسف ادريس ان المستشفى الوحيدة التى تخدم تلك القرى خرابه وترتع بها القطط والكلاب وتحولت الى وحدة لتنظيم الاسرة واى مريض يتم نقله لمستشفى فى محافظة المنيا مما يعرض حياة المواطنين للخطر.

ويقول أحمد عبدالعزيز جندية أن والده أول من زرع البطاطس العضوية فى كفر الزيات، وأن الاتحاد العام لمنتجى ومصدرى المحاصيل البستانية يحمل على عاتقه دورا مهما فى تنوير المزارعين ودفع التنمية الزراعية فى القرى التى يعانى فيها المزارعين من الفقر ويواجهون مشاكل فى تنمية محاصيلهم او تسويقها.

وتم اختتام الجولة بلقاء موسع بين الاتحاد العام لمنتجى ومصدرى الحاصلات البستانية مع مئات الفلاحين حضره محافظ المنيا اللواء عصام البديوى لتقييم منتج البطاطس الذى قام الاتحاد بتبنى انتاجه فى تلك القرى وعلى رأسها البرجاية، حيث أكد محافظ المنيا ان الزراعة فى المحافظة تتم الآن على اعلى مستوى، ويتم تقديم خدمات مميزة للمزارعين لرفع انتاجية البطاطس التى تشتهر بها المنيا وأيضا النباتات العطرية، وما يتم الحرص عليه تنفيذ استراتيجية الربط بين المنتجين والمستوردين، فالثروة الزراعية تعول عليها مصر لتحقيق الأمن الغذائى وتنمية الريف بصورة مستدامة، وأشار إلى أن المحافظة طلبت من الحكومة إقامة مطار فى المنيا، لنقل الصادرات من مراكز الإنتاج إلى الدول الأوروبية والدول العربية للتيسير على المزارعين والمصدرين، وأن هناك دراسة جادة لتنفيذ ذلك خلال عامين، وطالب المزارعون المحافظ بإقامة ثلاجات ضخمة لحفظ منتجاتهم لحين نقلها وتصديرها.