عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الحقيقة وراء 25 يناير

بوابة الوفد الإلكترونية

هل صحيح أن الأوضاع الاقتصادية هى سبب ماحدث فى 25 يناير 2011؟

تحطيم الأصنام ... و تبديد الأوهام

* أجمعت  كل وسائل الإعلام والمحللون والنخب تقريبا على أن السبب الرئيسي في خروج الشباب في 25 يناير في احتجاجات واسعة انتهت بتنحي الرئيس السابق حسني مبارك هو "تردي الأوضاع الاقتصادية"، ولخصوا ذلك في:
•        انهيار الاقتصاد
•        ارتفاع مستوى الديون
•        الفساد
•        البطالة
•        غياب العدالة الاجتماعية
•        الفقر

وهو ما يتفق مع الشعار الذي رفعه المتظاهرون: عيش - حرية - عدالة اجتماعية.
ولكن هل هذا التحليل صحيح بالفعل؟

مثل هذا الإجماع والقبول بهذا التفسير السهل دفعني للبحث والتحقق من مصادر عدة إلى أي مدى تعكس هذه الأسباب الواقع المصري، والنظر في ديناميكية المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة في السنوات السابقة.

هذه التدوينة نظرة على الأوضاع الاقتصادية في مصر قبل 25 يناير بناء على تقارير البنك الدولي وتقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية واقتباسا وترجمة من بحث بعنوان: "ثورة مصر، تحليل ديموجرافي هيكلي"

EGYPTIAN REVOLUTION: A DEMOGRAPHIC STRUCTURAL ANALYSIS , by Andrey V. Korotayev and Julia V. Zinkina
REVOLUCIÓN EN EGIPTO: UN ANÁLISIS DEMOGRÁFICO ESTRUCTURAL
ملاحظة: تعمدت عدم اللجوء لأي مصادر بيانات مصرية أو محلية أو حكومية، واعتمدت على المصادر الدولية فقط مثل بيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة العمل الدولية ومنظمة الفاو وتقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية وتقارير التنافسية العالمية.

أولا: هل كان انهيار الاقتصاد سببًا في 25 يناير؟

في البداية، نظرة على أكثر المؤشرات الاقتصادية انتشارا وتعبيرا عن الحالة الاقتصادية لأي بلد: نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العقود الثلاثة الماضية والذي وصل الى 500 مليار دولار بحساب معامل القوة الشرائية، كما في الشكل 1:

شكل رقم 1: الناتج المحلي الاجمالي في أكبر اقتصاديات افريقيا في العقود الثلاثة الماضية

من الواضح أن الاقتصاد طوال الـــ 30 عاما الماضية كان ينمو بشكل مضطرد وسريع وبمتوسط 4.5% وهو من أفضل معدلات النمو في بلدان العالم الثالث حسب البنك الدولي. كما ان النمو الاقتصادي تسارع بشكل أكبر بعد يوليو 2004 عندما نجحت حكومة نظيف في استقطاب مجموعة من الاقتصاديين المتميزين الذين وضعوا خطة طموحة للإصلاح الاقتصادي، وهو الإصلاح الذي يعزى له الفضل في النمو المضطرد في الاقتصاد، كما في تقرير البنك الدولي:

Boubacar S., Herrera S., Yamouri N., Devictor X. Egypt Country Brief. Washington, DC: World Bank,2010.
URL: http://siteresources.worldbank.org/INTEGYPT/Resources/EGYPTWeb_brief2010AM.pdf

وبالنظر إلى الشكل رقم 1 سنجد حقيقة واضحة وهي أن الاقتصاد المصري استمر في الصعود في فترة الأزمة المالية العالمية في 2008 ولم ينكمش كما حدث في أغلب اقتصاديات العالم. معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي تراوح بين 4.6% و 7.2% سنويا، بينما تحلم دول كثيرة بمجرد الوصول إلى 4% كنمو سنوي في غير سنوات أزمة مالية ! استطاعت الحكومة المصرية بالفعل أن تتفادى انهيارا اقتصاديا كان بالفعل متوقعا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية، كما حدث في دول أخرى فيما بعد كاليونان.

من المهم هنا الإشارة إلى أن معدل نمو السكان تمت السيطرة عليه بشكل معقول في السنوات الأخيرة كما يظهر من الشكل 2 أدناه، وهو ما يعني ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كما هو مبين في الشكل 3

شكل رقم 2: انخفاض معدل نمو السكان في مصر في العقد الأخير

شكل رقم 3: تطور نمو الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد منه في العقود الثلاثة الماضية

وهكذا فإن الادعاء بأن النظام المصري طوال الـــ 30 عاما قد فشل في تحقيق أي نمو اقتصادي أو تنمية مستدامة أدى الى دخول الدولة في فترات من الركود الاقتصادي وانهيار الدخل، هو ادعاء يبدو أنه غير صحيح ولا توجد أرقام تدعمه. بل أن العكس أقرب للصحة، وأرقام البنك الدولي تثبت عكس ذلك وبالمقارنة مع الدول النامية الأخرى. فقبل سقوط نظام مبارك، كانت مصر بشهادة تقارير عديدة تعتبر من أفضل البلدان نموا في العالم الثالث.

ومن الملاحظ أن الحكومة المصرية التي تلت سقوط النظام قالت إنها: "لن تغير التوجه الاقتصادي لمصر ولن تتراجع عن خطوات الإصلاح التي تم اتباعها بداية من 2004 وحتى اليوم"، وهو ما يعني الاعتراف بأن السياسات الاقتصادية التي اتبعها نظام مبارك كانت سليمة بشكل عام.


هل بعد كل هذه البيانات يستقيم الادعاء بانهيار الاقتصاد؟

إذًا، القول بأن انهيار الاقتصاد سبب في 25 يناير هو قول غير صحيح.

******************************************************************

ثانيا: هل ديون مصر كانت سببًا في 25 يناير؟
بلغ الدين الخارجي المصري قبل 25 يناير حوالي 30 مليار دولار فقط وهي من أقل المديونيات في العالم !! (ارتفعت قيمة الدين مؤخرا بسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية بعد يناير).

وهو مايتضح من الرسم البياني رقم 4 في مقارنة مع تركيا، والرسم البياني 5 في مقارنة مع البرازيل، والرسم رقم 6 موقع ديون مصر الخارجية بين الدول المختلفة:

شكل رقم 4: الدين الخارجي التركي يبلغ 10 أضعاف الدين الخارجي لمصر

شكل رقم 5: مستوى الدين الخارجي للبرازيل يقترب من 10 أضعاف مستوى الدين الخارجي لمصر

شكل رقم 6: مستوى الدين الخارجي في مصر مقارنة بدول العالم المختلفة

يقابل ذلك احتياطي بالبنك المركزي المصري بلغ في يناير هذا العام 36 مليار دولار، أي أعلى من قيمة الدين الخارجي ، (وقد انخفض الاحتياطي بسبب الاضطرابات السياسية إلى 24 مليار دولار حالي).
الرسم البياني رقم 7 يوضح ارتفاع احتياطيات البنك المركزي من الذهب والعملات الأجنبية على مدى العقود الماضية:

شكل رقم 7: ارتفاع احتياطيات البنك المركزي المصري في العقود الماضية حتى وصل إلى الرقم القياسي 36 مليار دولار بنهاية عام 2010

فمن غير المفهوم كيف تكون هذه حكومة الفساد الكبير في حين أن هذه الحكومة بالذات نجحت في رفع مستوى الاحتياطي بالبنك المركزي إلى رقم الـــ  36 مليار دولار؟

وهناك مؤشر آخر ملفت وهو مستوى خدمة الدين المصري (أي تسديد فوائد الديون) والذي يبلغ 6 % فقط من قيمة صادرات السلع والخدمات – مصدر العملات الأجنبية، وهي من أقل النسب في العالم حيث إن المتوسط العالمي 20 %.

الرسم البياني رقم 8 يوضح مقارنة مصر مع تركيا:

شكل رقم 8: الدين الخارجي في تركيا 7 أضعاف مثيلتها في مصر

إذًا، الحديث عن أن فساد الإدارة السابقة أدى إلى وقوع مصر تحت طائلة الديون الخارجية، وبالتالي أوصلتنا إلى 25 يناير، هو حديث عار عن أي منطق اقتصادي سليم.
وإلا، فإن أغلب شعوب دول العالم الواقعة تحت ديون خارجية كبيرة قد تأخرت كثيرا في الثورة على حكوماتها.

******************************************************************

ثالثا: هل كان الفساد سببًا في 25 يناير؟

برجاء مراجعة تدوينة: للفساد في مصر أسئلة عديدة ومحاولات مبسطة للإجابة للمزيد عن موضوع الفساد الموجود في مصر، لا شك في ذلك لكن السؤال هو ما حجم الفساد؟ وما هي نسبة الفساد في الدول المشابهة لمصر؟

من أجل فهم سليم لمستوى الفساد في مصر، لابد من الرجوع إلى مؤشر الشعور بالفساد كما يظهر في خريطة منظمة الشفافية العالمية لعام 2010 كما تبدو في الشكل 9

شكل رقم 9: خريطة منظمة الشفافية العالمية وموقع مصر على مؤشر الشعور بالفساد

على هذه الخريطة، فإن اللون الأغمق يدل على مستوى أقل من الشفافية أو شعور أكبر بالفساد، واللون الأفتح يدل على شعور أقل بالفساد.
من الواضح أن المؤشر يصف الوضع في مصر بأنه ليس جيدا أو مثاليا. فبالمقارنة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن مستوى الشعور بالفساد في مصر بالفعل مرتفع.
ولكن الحقيقة أن هذا هو الأمر الواقع في كل دول الجنوب والعالم الثالث والثاني أيضا. بمقارنة مستوى الشعور بالفساد في مصر مع هذه الدول، فإنه يبدو عاديا.

في تقرير منظمة الشفافية لعام 2010، نجد أن:
مصر في نفس الفئة مع إيطاليا والبرازيل والصين والهند وتايلاند و جورجيا ..
وأفضل من الأرجنتين وإندونيسيا وفيتنام وكل دول الاتحاد السوفيتي السابقة بما فيها روسيا..

وليست أسوأ كثيرا من إسبانيا والبرتغال وتركيا.

وفي الشكل 10 نرى أين تقع مصر بين الدول المشابهة:

شكل رقم 10: موقع مصر بين دول العالم الثالث من حيث مؤشر الشعور بالفساد

لقد قيل الكثير عن بيع مصر وأن الخصخصة كانت وبالا على المصريين وأنها ترقى إلى الخيانة العظمى وأنها أبو الفساد وأمه. والحقيقة أنه لا يوجد تقرير دولي واحد يعتبر مصر من بين الدول التي حولت اقتصادها من الاقتصاد العام - الذي تسيطر عليه الحكومة - إلى اقتصاد السوق الذي تسيطر عليه الملكية الخاصة. فالدولة بعد 20 عاما من بدء برامج الخصخصة لاتزال تسيطر على كل مفاتيح الاقتصاد من أرض وطاقة وموانئ ومطارات وأموال وإعلام وصحافة ومواصلات وتأمين ... إلخ.

وعلى مدى 30 عاما لم تتحدث الخصخصة سوى عن طرح 314 شركة عامة فقط لهذا البرنامج لا يزيد نصيبها من الاقتصاد القومي عن 18% . و بعد كل هذه السنوات، كان كل ما تم خصخصته (أي دخول مستثمر من القطاع الخاص جزئيا أو كليا) أقل من نصف هذه الشركات!! و قبل عامين طرحت فكرة بيع ما تبقى وهي 147 شركة للمصريين عن طريق برنامج للصكوك، وهو ما سخر منه الإعلام ورفضه الرأي العام ورفضته الحكومة نفسها. واليوم تمتلك الدولة 167 شركة قطاع عام، أي أن 20 شركة قد عادت إلى حضن الحكومة الدافئ !!! هل هذا هو الفساد الذي زكم الأنوف؟؟؟

القضية هنا: هل قطاع الأعمال العام -المحبوب- مهمته أن يقدم للدولة عائدا ؟ أم أنه مخزن للعمالة تقدم الدولة له الدعم (الأفضل نسميه إعانة بطالة) وتسدد قروضه ثم تدعو الله أن يكون نزيف خسائره بنفس القدر الذي تتحمله الخزانة العامة ؟!

لسنا أبدا أكثر الشعوب ممارسة للفساد، فقد رأيت في سفرياتي الكثيرة أشكالا مذهلة من الفساد.. ولكننا بالتأكيد أكثر شعب يحب يتكلم عن الفساد لدرجة الهوس: إعلام، أفلام، قصص وروايات، ....إلخ.

يتحدث المصري عن الفساد بصورة تجعله الشماعة الجاهزة لأي فشل يواجهه في حياته. ويهرب المصري من واقعه ولا يكاشف نفسه بتقصيره وعدم كفاءته وضعف إمكاناته وكسله عن تطويرها من أجل أن يحمل فساد المجتمع من حوله أسباب هذا العجز وذلك الفشل... يجلس على المقهى ينفخ دخان الشيشة ويلعن تلك القوى الخفية الفوقية الخارجة عن إرادته، وذلك الفساد المستشري المكبل لحركته ...
ارتضى المصريون العيش في "فساد" لأنهم جميعا يستفيدون منه .. كلنا نمارسه، وكلنا نستفيد منه .. ولا نهاجمه سوى من منطلق: اشمعنى غيري، أنا كمان عايز نصيبي من هذا الشخص الفاسد.


إذا وبكل وضوح، اذا كان الفساد في مصر سببا في الحراك الاجتماعي الذي أدى الى "ثورة" يناير، فإنه بكل تأكيد من الأولى أن تخرج الثورات في أمريكا اللاتينية وأغلب دول آسيا وأفريقيا والتي تعاني من مستويات فساد أكبر بكثير من مصر.

وإلا، فإن كل شعوب العالم الثالث أو

الدول النامية قد تأخرت كثيرا في الثورة على حكوماتها.

بل متى تبدأ الثورة في الأرجنتين وروسيا والهند مثلا - وهي في وضع أسوأ من مصر على مؤشر الفساد؟
وهل إيطاليا وإسبانيا وتركيا في طريق الثورة على الفساد ؟


برجاء مراجعة تدوينة : الفساد في مصر أسئلة عديدة و محاولات مبسطة للاجابة للمزيد عن موضوع الفساد

******************************************************************

رابعا: هل كان ارتفاع البطالة سببًا في 25 يناير؟

هل ارتفعت البطالة بشكل كبير قبل 25 يناير عن معدلاتها السابقة لدرجة تدفع لقيام "ثورة" ؟
سنلتزم هنا بالتعريف العالمي للبطالة وسنتعامل مع معدلات البطالة في الاقتصاد الرسمي وليس الاقتصاد غير الرسمي أو غير النظامي والذي تقدره بعض الدراسات بنسبة كبيرة من حجم الاقتصاد ككل، مما يجعل معدل البطالة "الحقيقي" أقل كثيرا عن الأرقام "الرسمية" المبنية على أساس بيانات القوى العاملة والتأمينات الاجتماعية (عدد من استخرجوا استمارة 1 واستمارة 6).

تطور مؤشرات البطالة في مصر طوال الــ 20 سنة الماضية كما في الشكل التالي رقم 11 من بيانات البنك الدولي:

شكل رقم 11: البطالة في مصر في العقدين الأخيرين تراوحت بين 8 و 12 في المائة،
وهي نسبة عادية مقارنة بدول العالم المختلفة وبالأخص الدول النامية

من الرسم البياني نلاحظ أن معدلات البطالة في مصر تراوحت خلال العقدين الماضيين بين 8 و 12 في المائة، حيث كانت الزيادة السكانية تأكل الزيادة في فرص العمل في السوق المصري.

ولكن مع بداية الاصلاح الاقتصادي في 2000، انخفضت البطالة بشكل ما نتيجة خلق المزيد من فرص العمل مع النجاح في رفع الاستثمارات الأجنبية إلى مستوى غير مسبوق ومع الأزمة المالية العالمية في 2008 بالفعل ارتفعت البطالة إلى 9.4 في المائة ثم انخفضت ثانية في 2010 مع بدء تعافي الاقتصاد المصري واستئنافه للنمو السريع.
وفي نهاية عام 2010 – أي قبل 25 يناير مباشرة، كان مستوى البطالة في مصر بالمقارنة مع دول أخرى مشابهة، كما يظهر في الشكل رقم 12 من واقع بيانات البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية:

شكل رقم 12: موقع مصر بين دول العالم من حيث مستوى البطالة

من الواضح أن مستوى البطالة في مصر فيما قبل  25 يناير لا يمكن وصفه بالمستوى المرتفع والخطير إلى درجة التسبب في ثورة.

بل أن معدل البطالة في مصر كان في 2010 أقل من مستوى البطالة في الولايات المتحدة وفرنسا وبولندا وأيرلندا وتركيا ومن متوسط البطالة في الاتحاد الأوروبي.

بل أن معدل البطالة في إسبانيا ولاتفيا كان ضعف معدل البطالة في مصر !!

متى تبدأ ثورة العاطلين في هذه البلاد من أجل العيش والعدالة الاجتماعية ؟


******************************************************************

خامسا: هل كان تدهور مستوى العدالة الاجتماعية سببًا في 25 يناير؟
بشكل علمي، ماذا تعني العدالة الاجتماعية؟ وهل يمكن قياسها؟

حتى نعرف الإجابة لابد أولا نقارن مصر اليوم بماضيها ونقارنها بالدول حولها . المقارنة لا تكون فقط بطريقة مطلقة بل أيضا بطريقة نسبية لأنه عندما تنسب الأشياء إلى غيرها يعرف حجمها الحقيقي.
ولابد ثانيا من تحديد مقياس معين ومحدد لتحديد معنى العدالة الاجتماعية، مقياس علمي، بدلا من استخدام مصطلحات اللغة العربية الفخيمة مثل انهيار الطبقة الوسطى واحتكار الثروة وغيرها من الجمل التي لا تعطي معنى واضحا لما تخفيه خلفها.

ولابد ثالثا أن نتفق أننا لن نخترع العجلة أو نؤلف مقياسا خاصا بنا كأن مصر قد كتب عليها أن تظل متفردة عن كل العالم.. الأوزان بالكلج أو الرطل وليس بالمكيال والصاع والصاعين.. المسافات بالكلم أو الميل مش بالفرسخ مثلا.

هناك بالفعل مقياس عالمي لقياس العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الدخل. مؤشر جيني للعدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الدخل.
مؤشر جيني هو المؤشر المعتمد والأكثر صدقا وتعبيرا عن قياس مستوى العدالة الاجتماعية في العالم ومستوى توزيع الدخل.

برجاء مراجعة التدوينة الخاصة بمؤشر جيني هنا.
The Gini Coefficient

على مدار الـــ 20 سنة الماضية، كان مؤشر جيني لمصر يتراوح بين 30 و 34 نقطة.
الشكل التالي رقم 13 يوضح موقع مصر بين دول العالم من حيث مستوى تحقق العدالة الاجتماعية مابين عامي 2000 و 2010، وهو يظهر أن مصر في وضع أفضل كثيرا من دول عديدة في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية:

شكل رقم 13: مؤشر العدالة الاجتماعية في مصر أفضل من أغلب دول العالم

 وهذه خريطة مؤشر جيني في العالم في الشكل رقم 14 حسب بيانات 2009 حيث تقع مصر في موضع جيد للغاية مقارنة بدول العالم الأخرى:

شكل رقم 14: خريطة مؤشر العدالة الاجتماعية وموقع مصر بين دول العالم

ففي هذه الخريطة نجد أن أكثر من 80% من سكان الكرة الأرضية يعيشون في بلدان ذات مستوى من العدالة الاجتماعية أقل من مثيله في مصر، وبالتالي فإن الثورة بسبب غياب العدالة لابد أن تقوم في أغلب دول العالم !!!

وبالمقارنة مع تركيا مثلا، نجد أن حصة شريحة الـــ 20% الأفقر من السكان في تركيا من إجمالي الدخل تبلغ 5.5% من إجمالى الدخل، بينما تبلغ في مصر 9%.
أي أن الفئات الأفقر في مصر تحصل على نصيب من الدخل القومي أكثر مما تحصل الفئات المماثلة في تركيا من عوائد النمو الاقتصادي التركي الكبير. (انظر الرسم البياني رقم 15  أدناه)

شكل رقم 15 أ : نصيب الفقراء من الدخل القومي بين مصر و تركيا

شكل رقم 15 ب : نصيب الفقراء من الدخل القومي بين مصر والبرازيل

من الواضح من الرسم البياني أعلاه أن الفقراء مازالوا يحصلون على نصيب أقل من عوائد النمو الاقتصادي في كل من تركيا والبرازيل
الشكل التالي يظهر ترتيب دول العالم من حيث نصيب الفئات الأكثر فقرا من عوائد النمو الاقتصادي (الشريحة الـــ 20% الأقل دخلا)

شكل رقم 15 ج: ترتيب دول العالم في بيانات البنك الدولي من حيث نصيب الدخل القومي في الشريحة الـ 20% الأقل دخلا

مقارنة بالبرازيل، لو أنني برازيلي فربما يكون دخلي أعلى من دخلي في مصر بنسبة 70%، ولكن سأعاني من تباعد الطبقات وغياب العدالة الاجتماعية بنسبة 65% أكثر من مصر، وسأضطر لزيادة استهلاكي من الكهرباء بنسبة 55% وسأستهلك وقودا بنسبة تزيد على 3 أضعاف، وسأنفق 3 مرات أعلى على الرعاية الصحية، وسأكون معرضا للإصابة بالإيدز بنسبة تتجاوز 6 مرات أعلى، وسيكون هناك احتمال وقوعي بين من يعانون البطالة أعلى من مصر بنسبة 30% .. إلخ ..


متى تبدأ الثورة في البرازيل احتجاجا على الوضع المخزي للعدالة الاجتماعية هناك؟

متى تبدأ في جنوب أفريقيا؟ تركيا ؟

وغيرها من الدول التي تقع في مستوى متأخر على مؤشر جيني للعدالة الاجتماعية مقارنة بمصر .

عموما، هذا يفسر أن الشباب الذين خرجوا في 25 يناير وما بعدها كانوا من أبناء الطبقة الوسطى وليس الفقراء. الطبقة الوسطى المصرية التي نمت وتوسعت وارتفع معها سقف طموحاتها - المشروعة - إلى مستويات لم تكن آليات النظام السابق وتوازناته تسمح به، وعجز خطابه السياسي عن تسويق ما تحقق على أرض مصر واستفادت منه الطبقة الوسطى

ولذلك، فإن كل الادعاءات بانهيار الطبقة الوسطى وانكماشها، كلها ادعاءات لا أساس لها من الصحة ولا يوجد رقم إحصائي اقتصادي واحد يدعم هذه الادعاءات التي تثير ضحك كل الخبراء الدوليين المراقبين لتطور الاقتصاد المصري طوال العقود الماضية.