رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

رحلات حج الأقباط إلى بيت المقدس ازدهرت أثناء الحكم الإسلامى وانحسرت مع الاحتلال الصهيونى

بوابة الوفد الإلكترونية

لأجلك يا مدينة الصلاة اصلي.. لأجلك يا بهية المساكن.. يا زهرة المدائن.. يا قدس يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي... عيوننا إليك ترحل كل يوم.. تدور في أروقة المعابد.. تعانق الكنائس القديمة.. وتمسح الحزن عن المساجد

.  هى القدس درة المدائن، تهفو إليها القلوب ويسعى إليها مختلف الأجناس والديانات بحثا عن ظلال السكينة التى تلقيها المآذن وترسلها الكنائس وترسمها الصوامع، يحج إليها الأقباط من كل صوب، حيث تبدأ الرحلة بالصوم والصلاة ثم زيارة القبر ثم زيارة جبل صهيون وجبل الزيتون ووادى يهوشافاط وبيت لحم وجبل تابور وغيرها من الأماكن المقدسة التى شهدت معجزات السيد المسيح ثم يستحم الحاج فى نهر الأردن ويأخذ غصن نخل من أريحا ليقدمه عند رجوعه إلى الخورى ليضعه على المذبح كعلامة على استكمال زيارته ولذلك يسمى زوار فلسطين بالنخليين ويسمى الحاج عند المسيحيين بالمقدس نسبة إلى بيت المقدس. ولم يقتصر المسيحيون فى حجهم على زيارة الأماكن المقدسة فى فلسطين بل يذهب بعضهم إلى مصر لزيارة الصوامع التى أقام فيها القديس أنطونيوس الكبير والقديس بولس الطيوى أول ناسك هناك ويقصد آخرون مدينة روما ثانى الأراضى المقدسة حيث يزورون ضريحى القديسين بطرس وبولس وحضور اليوبيل المبارك الذى كان يقام آخر سنة من كل قرن ثم اصبح آخر كل 33 سنة ثم كل 25 سنة.
وتشير الروايات إلى أن أول حج للقدس كان فى أوائل القرن الثانى الميلادى ثم تتابعت منذ القرن الرابع الميلادى عندما اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية عام 337 م وجعلها الديانة الرسمية للدولة الرومانية، ثم بدأ الكشف عن معالم القبر ومكان المهد والجلجلة وقامت الإمبراطورة  «هيلينا» والدة قسطنطين بزيارة فلسطين وأنشأت 3 كنائس أشهرها كنيسة القبر المقدس ولم يبق منها سوى كنيسة المهد التى شيدت فوق مغارة بيت لحم، ثم توالى البناء بجهود الأباطرة ورجال الدين والأثرياء فأنشئت الكنائس والأديرة والمستشفيات وفنادق الحجيج ورافق ذلك حركة حج عظيمة استمرت بعد الفتح الإسلامى وشهدت ازدهارا ملحوظا حتى احتل الصليبيون القدس عام م ولم تتوقف بعد استعادة المسلمين القدس وتواصل  قدوم الحجاج والكهنة المسيحيين إلى فلسطين طوال القرنين الرابع  والخامس عشر. ومع  قيام الكيان الصهيونى عام 1948م واحتلال معظم الأراضى الفلسطينية عام 1967 تراجعت حركة الحج وبدأت تنحسر بسبب الإرهاب والقمع وتشويه الأماكن المقدسة.

المبدعون وسحر الشرق
ترجمات قصص ألف ليلة وليلة والقصص والأشعار الخيالية التى كتبها أدباء وحجاج وقناصل الغرب عن الشرق الهبت جوارح الملايين واصابهم سحر الشرق بالهوس حتى أصبحت زيارة الشرق حلماً راود كثيراً من الأوروبيين عند مطلع القرن التاسع عشر الميلادي واندفع بعض الأدباء والشعراء الأوروبيين إلى زيارة بلدان الشرق مثل مصر وسورية ولبنان والأماكن المقدسة في فلسطين وزيارة مدينة القدس بشكل خاص لأنها تحمل بعداً دينياً وسجلوا مشاهداتهم وانطباعاتهم فى أعمال إبداعية كان لها رواج كبير.
يقف في طليعة المفتونين الكاتب الفرنسي فرانسوا رينيه دي شاتوبريان (1768- 1848) أحد زعماء الحركة الرومانتيكية في الأدب الفرنسي، وهو ً من الكتاب المؤثرين على الفكر الغربي من ناحية الاستشراق، قام شاتروبريان برحلة إلى الشرق خلال عامي 1806-1807 وأبحر من إسبانيا إلى اليونان ومنها سافر إلى تركيا من أجل الحصول على إذن للسفر إلى فلسطين لسببين أولهما أداء فريضة الحج وزيارة الأماكن المقدسة وثانيهما البحث عن صور شهداء المسيحيين الأوائل كما ذكر في مقدمة كتاب رحلته قائلاً: (إنما جئت الشرق لأفتش عن صور الشهداء)، والشهداء الذي يقصدهم شاتوبريان هم أبطال روايته الشهيرة التي سماها (الشهداء) وقص في تلك الرواية حياة النصارى الذين كابدوا في أول عهدهم الاضطهاد والعذاب في سبيل دينهم من قبل الرومان، أما انطباعاته عن القدس خاصة والشرق عامة فقد دونها في كتاب شوَّق به الفرنسيين إلى زيارة القدس مهبط الأنبياء وكان تحت عنوان (رحلة الطريق من باريس إلى القدس) ونشر في باريس عام 1811، وقد اتسمت كتابات شاتوبريان بمعاداته للعرب والمسلمين وحث في مقدمة الطبعة الثانية لرحلته التي صدرت عام 1826 فرنسا على احتلال الشرق.
أما الأديب والمؤرخ والدبلوماسي والسياسي الفرنسي الفونس دي لامارتين (1790- 1869) الذي أحب الشرق، وعشق الحرية، ونادى بتحرير الشعوب المغلوبة على أمرها.  فقد سار على  درب مخالف لشاتوبريان وبدأ رحلته من ميناء مرسيليا في 1832 ومر بمالطا وأثينا حتى وصل إلى ميناء بيروت في ومنها توجه براً لزيارة دمشق وبعدها توجه إلى الأراضي الفلسطينية، وقد رافقه في رحلته تلك زوجته وابنته جوليا وحاشية كبيرة، وصل لامارتين وصحبه إلى القدس وكان وباء الطاعون متفشياً في المدينة، وقد بعث لامارتين رسالة إلى صديقه (فيرو) حدثه فيها عن الوباء المنتشر في القدس جاء فيها: (لقد طفت مدة خمسة وأربعين يوماً، فزرت الخليل وفلسطين.. وكان الطاعون متفشياً في القدس، لكن هذا لم يمنع من دخولي إليها، وعدت  سليماً معافى مع حاشيتي الكبيرة

بفضل الاحتياطات التي اتخذتها علي يد إبراهيم باشا)، وبعد تجوال لامارتين في القدس بهرته معالمها الدينية والتاريخية التي  دفعته إلى التأمل والتساؤل عن سر عظمة المكان فيقول: (لو عشت في القدس، لاخترت، أنا الشاعر البسيط زمن الانحدار والصمت، لاخترت مكان إقامتي وحجر راحتي تماماً ما اختاره داوود، في صهيون إنه أجمل منظر في المنطقة.. )، هذه النزعة الدينية القوية لدى لامارتين دعته إلى الإيمان بالتآخي ما بين الأديان على خلاف ما روج له مواطنه الشاعر شاتوبريان، وبعد أن تحقق حلم لامارتين وزار الشرق وصف مشاعره قائلاًَ: (عبر كل حياتي كان الشرق هو حلمي الذي يبدو ظلمات العيش في موطن رأسي) وقد دون لامارتين ذكرياته وانطباعاته عن رحلته في كتاب بعنوان (رحلة إلى الشرق) ويذكر في مقدمة الرحلة: (هذا ليس بكتاب أو رحلة، إنه كتاب، أو بالأحرى قصيدة عن الشرق)، ويؤكد لامارتين كونه شاعراً أو فيلسوفاً وليس بحاج إلى الأماكن المقدسة، ولقد أثارت رحلة لامارتين إلى الشرق شجون الكتاب والشعراء والأدباء الغربيين وقال أحدهم: (إن لامارتين أكبر شاعر خيالي شهدته العصور)، أما جول ليمتر فيقول عن الشاعر لامارتين: (ليس هو شاعراً، إنما هو الشعر ذاته). وخلال الأعوام 1849-1852 قام الأديب والروائي الفرنسي غوستاف فلوبير (1821- 1880) برحلة إلى الشرق وزار مصر وفلسطين وسورية وقبرص، وذكر بأن الدافع إلى القيام برحلته هو جمع مواد ملحمة القرطاجية (سلامبو) نشيد المدنية والعبقرية الفينيقية، وصل فلوبير إلى القدس فى 1850 قادماً من بيروت، ودهش بجمالها وطبيعتها، وعبر عن ذلك في الرسالة التي بعثها إلى أمه قائلاً: (تبدو لي البلاد رائعة، على عكس ما تعرف به)، وأثناء تجوال فلوبير في المدينة تخيل السيد المسيح عليه السلام وهو يصعد (جبل الزيتون) في القدس، ثم استوقفه مسجد عمر رضي الله عنه ووصفه بالجميل، وقد دون انطباعاته وذكرياته عن رحلته المشرقية في كتاب جاء تحت عنوان (رحلة إلى مصر)، وتجد أيضا َ آثار رحلته ضمن أعماله الأدبية كمجموعته القصصية (هيروديا) أوفي روايته (تأملات سانت أنطوان وسلامبو).
ومن الأدباء والشعراء الأجانب الذين زاروا الشرق الأديب القاص والروائي والكاتب المسرحي الروسي نيقولاي غوغول (1809- 1852) صاحب قصة المعطف ورواية الأرواح الميتة، فبعد زيارته لإيطاليا أبحر غوغول سنة 1848 من ميناء نابولي، على متن الباخرة المتوجهة إلى بيروت واستقبله صديق دراسته قسطنطين بازيلي وقد استضافه بازيلي في منزله في بيروت بضعة أيام، وبعدها اصطحب غوغول صديقه بازيلي لزيارة الأماكن المقدسة في فلسطين وأداء فريضة الحج، ليحقق غوغول حلمه بزيارة القدس في فترة أزمته الروحية والفكرية، وتجول غوغول في أحياء القدس وأسواقها وزار المعالم الدينية والتاريخية،
ولكنه لم يحصل على ما كان يحلم به من طمأنينة روحية، وهذا ما دفعه إلى مغادرتها بعد بضعة أيام من وصوله إليها، وذكر غوغول في نصوص رحلته التي دونها ونشرت ضمن مجموعة أعماله الكاملة الصادرة في موسكو عام 1952 عن الفائدة التي جناها من رحلاته وأسفاره التي قام بها إلى ألمانيا وسويسرا وباريس وروما وروسيا وبلاد الشرق ويصف نفسه على أنه أصبح مرهف الإحساس في كل شيء يجيد الاستمتاع بالأشياء الصغيرة من تدرج الألوان في الطبيعة، وأبرزت الكلمة الشعرية الحية مراميه البعيدة.