رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"فيسك" يكشف تاريخ كراهية الإيرانيين للندن

رغم أن إيران سارعت بتقديم اعتذار لبريطانيا عن أحداث اقتحام سفارتها في طهران، إلا أن رد فعل حكومة ديفيد كاميرون وما تزامن معه من عاصفة إدانة أوروبية وأمريكية يرجح أن الأمر لن يمر مرور الكرام  فقد أعلن وزير الخارجية البريطاني، وليام هيج طرد، القائم بالأعمال الإيرانية من لندن تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع طهران.


وأدان هيج في كلمة له أمام البرلمان البريطاني الاعتداء الذي وقع على مقر السفارة البريطانية في طهران في 29 نوفمبر، واصفاً الهجوم بأنه يعتبر اختراقاً لاتفاقية "فيينا" التي تحث على حماية الدبلوماسيين ومقار عملهم تحت كل الظروف.

وقال هيج: "لقد قررنا إخراج جميع الدبلوماسيين من إيران، وننصح جميع رعايانا بعدم السفر إلى طهران تحت أي ظروف".

وتابع وزير الخارجية البريطانى "إذا ظنت الحكومة الإيرانية أنها سوف تثنينا عن موقفنا ومسئولياتنا إزاء البرنامج النووى الإيرانى بمثل هذه الأفعال في حق موظفي سفارتنا فستكون بذلك وقعت في خطأ خطير".
ومن جانبه، وصف رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الهجوم على سفارة بلاده في طهران بأنه "مشين ولا يمكن الدفاع عنه"، قائلاً "لقد كان تقاعس الحكومة الإيرانية عن الدفاع عن العاملين البريطانيين والممتلكات البريطانية مخزيا".
وأنذر كاميرون - الذي عقد اجتماعاً مع لجنة إدارة الطوارئ في حكومته -إيران "بعواقب وخيمة" بحسب قوله، مضيفاً أن بريطانيا ستبحث في الأيام القادمة ما ستتخذه من إجراءات.

واللافت للانتباه أن الإدانات للحادث لم تقتصر على الاتحاد الأوروبي وأمريكا وإنما امتدت أيضاً لحلفاء إيران، حيث أعلنت الصين وروسيا أن اقتحام السفارة البريطانية في طهران غير مقبول وينتهك معايير القانون الدولي.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أدان "بشدة" الهجوم ووصفه بالمشين، وقالت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية فاليري بيكرس إن الرئيس ساركوزي حدد عقوبات جديدة من بينها تجميد أرصدة البنك المركزي الإيراني والحظر الشامل على صادرات النفط الإيرانية.

وأدان مجلس الأمن الدولي في بيان له الهجوم، مذكراً بـ"مبدأ عدم التعدي على المقرات الدبلوماسية والقنصلية وواجب الحكومات المضيفة في اتخاذ كل الإجراءات الملائمة لحمايتها".

وبدوره ، اعتبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما الهجوم على السفارة البريطانية في إيران سلوكاً غير مسئول، مؤكداً أن طهران تتحمل مسئولية حماية البعثات الدبلوماسية.

وكان مئات من الطلبة الإيرانيين تظاهروا في 29 نوفمبر للمطالبة بقطع العلاقات مع بريطانيا، احتجاجاً على العقوبات التي فرضتها الأخيرة مؤخراً على البنك المركزي الإيراني، واقتحموا مقر سفارتها في طهران، وأنزلوا العلم البريطاني وأحرقوه, ورفعوا العلم الإيراني مكانه، وحطموا النوافذ واستولوا على وثائق من مكاتب السفارة وأحرقوا بعضها.

وحمل المتظاهرون صوراً للعالم النووي الإيراني ماجد شهرياري بمناسبة مرور عام على اغتياله، ورددوا شعارات مناوئة لبريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل مثل "الإرهاب الثلاثي أمريكا وإسرائيل وبريطانيا" و"الموت لأمريكا" و"الموت لبريطانيا" و"الموت لإسرائيل" و"الطلبة يقظون ويكرهون بريطانيا".

وقالت وكالة فارس شبه الرسمية إن الشرطة الإيرانية اشتبكت مع المحتجين عند السفارة البريطانية، وأطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، وجرح العديد من الأشخاص من الجانبين.

وأضافت الوكالة أن الشرطة اعتقلت عدداً من المتظاهرين، وبالرغم من جهودها لتفريقهم فإنهم اشترطوا الإفراج عن جميع زملائهم، وأطلقوا على احتجاجهم اسم "احتلوا السفارة"، وشددوا على أنهم يتصرفون من تلقاء أنفسهم وليس بأمر من الحكومة، معلنين البدء فى اعتصاماً، لحين قطع العلاقات.

وفي أعقاب الحادث، قالت وزارة الخارجية الإيرانية إنها تأسف للاحتجاجات التي أدت إلى "بعض التصرفات غير المقبولة، مؤكدة أن طهران تحترم وتلتزم بـ"اللوائح الدولية بشأن حصانة وسلامة الدبلوماسيين والأماكن الدبلوماسية".

وشددت الخارجية الإيرانية على أن الحكومة لم تخطط للاقتحام الذي حدث لمجمع السفارة البريطانية الرئيسي ومبنى آخر تابع لها في طهران.

تاريخ من العداء

ورغم أن الظاهر على السطح  أن الاقتحام جاء على إثر قيام بريطانيا بقطع العلاقات المالية مع المصارف الإيرانية ومطالبة مجلس الشوري الإيراني في أعقاب ذلك بتخفيض العلاقات الدبلوماسية معها، إلا أن كثيرين يرون أن الأمر يرتبط بالأساس بتاريخ من العداء بينهما.

ففي تقرير لها، تطرقت صحيفة "رسالت" الإيرانية إلى الأسباب التي أوصلت التوتر بين لندن وطهران إلى هذا الحد، موضحة أن العداء بينهما ليس حديث العهد، وإنما تاريخي ويعود إلى السياسة التي انتهجتها بريطانيا وتواطؤها مع الولايات المتحدة في محاولات عديدة لإجهاض الثورة الإسلامية، ثم التمادي بعد ذلك للضغط على إيران وعزلها دولياً.

وفي السياق ذاته ، فجر الكاتب البريطاني الكبير روبرت فيسك مفاجأة مفادها أن العقوبات التي يفرضها الغرب على طهران ليست سوى جزء من التاريخ الذي يدفع الإيرانيين إلى كره البريطانيين.

وأشار فيسك في مقال له بصحيفة "الإندبندنت" في 30 نوفمبر إلى قصة هارفي موريس مراسل وكالة رويترز في طهران بعد الثورة، إذ طلبت منه وزارة الإرشاد الإسلامي مادة عن تاريخ الوكالة، فحول موريس الطلب إلى مكتب لندن للحصول على معلومات عن البارون فون رويترز، ليفاجأ بأن مؤسس أكبر وكالة أنباء عالمية بنى شبكة السكة الحديدية في إيران وحصل على أرباح فاحشة، وقال "كيف

يمكن أن أقدم هذا للوزارة؟ لقد اتضح أن البارون كان أسوأ من الشاه اللعين".

وتابع فيسك "طبعاً، كانت الوزارة الإيرانية على دراية بالموضوع" ، مشيراً إلى أن بريطانيا اشتركت مع الاتحاد السوفيتي في غزو إيران عندما تقارب والد الشاه محمد رضا بهلوي مع النازيين في الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1953 ساعد البريطانيون الأمريكيين على إسقاط حكومة محمد مصدق المنتخبة ديمقراطيا بعدما أمم الحصة النفطية البريطانية في إيران.

واستطرد " وكالة المخابرات الأمريكية أطلقت حينها على العملية اسم (أجاكس) ، وكان عميل جهاز المخابرات الخارجية البريطانية أم آي 6 في طهران هو العقيد مونتي وودهاوس الذي أدخل الأسلحة لإيران بغرض إعطائها لمقاومين وهميين، كما أنه ساعد مشروع سي آي ايه لتمويل أصحاب البازار في طهران من أجل إطلاق مظاهرات ضد الحكومة، وسقط في تلك المظاهرات المئات وربما الآلاف".

وأضاف فيسك " العملية نجحت، فتم اعتقال مصدق، وعاد الشاه الشاب إلى عرشه ليفرض قوانينه مدعوماً بجهاز السافاك الذي يثق فيه كثيراً، وأصبح تصوير تعذيب النساء المعارضات لنظام الشاه أمرا منهجياً".

وتابع "وفقاً للصحفي المصري الكبير محمد حسنين هيكل فإن ضباط المخابرات المركزية الأمريكية كانوا يوزعون هذه الأفلام باعتبارها مادة إرشادية لحلفاء واشنطن في العالم، فكيف ينسى الإيرانيون كل هذا؟".

وأوضح فيسك أن الوثائق التي عثر عليها الإيرانيون في السفارة الأمريكية بعد الثورة الإسلامية أثبتت لهم أن واشنطن لم تكن تحاول إسقاط نظام الخميني فقط ولكن تسعى لاستمرار التعاون الاستخباري مع بريطانيا في إيران أيضاً.
وأشار إلى أن السفير البريطاني ظل مقتنعاً حتى النهاية أن الشاه ورغم فساده يجب أن يستمر، كما أن الحكومة البريطانية ظلت قلقة بشأن المستقبل الإرهابي المفترض للحكومة الإيرانية الجديدة، قائلاً "رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير - في التحقيق الرسمي الخاص بغزو العراق- كان يهذي أيضاً بضرورة الوقوف في وجه التهديد الإيراني".

واختتم فيسك، قائلاً "على أي حال، لقد وضعنا الإيرانيون في 29 نوفمبر في الحضيض، وكما قيل لنا فقد أخذوا مجموعة من وثائق السفارة البريطانية، ولن أنتظر كثيرا لقراءة محتوياتها، فمن المؤكد أنهم سينشرونها".

ورغم أن كثيرين يتوقعون استغلال بريطانيا وأمريكا لحادث الاقتحام لفرض عقوبات أحادية وأممية جديدة على إيران، إلا أن صحيفة "الجارديان" حذرت من مغبة التسرع في هذا الصدد، موضحة أن المسار الذي اتبعته بريطانيا في تعاملها مع برنامج طهران النووي عبر تسريع فرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة لن يؤثر في دولة مثل الجمهورية الإسلامية بحدودها التي يسهل اختراقها وبوجود الصين مشتريا جاهزاً لنفطها، كما أن مثل هذه العقوبات لن تعمل في ظل عدم وجود حافز إيجابي للحوار.
ودعت الصحيفة في افتتاحيتها إلى عدم تفويت الفرصة لتحويل إيران من مصدر لعدم الاستقرار الإقليمي إلى نقيض ذلك، مشيرة إلى أنه رغم الغموض الذي يلف ملفها النووي ثمة نافذة للحوار معها.

وبصفة عامة , وإلى حين اتضاح كيفية تطور الأمور بين إيران وبريطانيا في الأيام المقبلة, فإن هناك من يحذر من احتمال انقلاب الوضع لصالح طهران في النهاية في حال أثبتت الوثائق التي استولى عليها الأشخاص الذين اقتحموا السفارة، تجسس لندن على الجمهورية الإسلامية، بل لم يستبعد البعض أن يكون الأمر مدبراً من أجل هذا الهدف تحديداً.