رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحليل.الانتخابات.. ضوء أخضر لانتقال ديمقراطي حقيقي

في أول اختبار حقيقي لأول مسيرة جادة نحو انتقال ديمقراطي في مصر، أثبت المصريون على اختلاف أطيافهم تعطشهم لتنفس هواء الديمقراطية والتعبير عن آرائهم واختيار مستقبلهم مهما كانت التحديات ليتحول يومي 28 و29 نوفمبر 2011 إلى يومين تاريخيين بكل المقاييس يؤكدان من جديد تحضر وتمدن شعب مصر تماما كما أكدها سابقا خلال ثورة 25 يناير.

وعلى نقيض ما كان يقوله مسئولون مصريون سابقون خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك من أن شعب مصر غير مؤهل أو غير ناضج للديمقراطية، فقد أثبت المصريون جدارتهم بأن يقدموا نموذجا ديمقراطيا وليدا من صنع أيديهم وليس فرضا من قوى داخلية أو خارجية، ذلك أن عموم المصريين تحدوا الذات قبل أن يتحدوا ما أشيع حول تأثير الانفلات الأمني والأحداث الأخيرة على سير الانتخابات وإشاعة البعض مخاوف بإمكانية حدوث أعمال عنف خلال الانتخابات التي مرت في سلاسة وهدوء ونزاهة شهدت بها كافة منظمات المجتمع المدني المصرية ومنظمات دولية التي راقبت هذه المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية.
ومما لا شك فيه أن ثمة إيجابيات عديدة تحققت خلال اليومين الماضيين، أولها أن شعب مصر أعطى لكافة قواه السياسية وللقائمين الآن على مسئولية مصر وللخارج أيضا، الضوء الأخضر بأنه يستطيع صنع مستقبله بنفسه وأنه لا يقبل بأي أوصياء عليه، فناصية قراره بيده وحده.. وثانيها أن شعب مصر قد قام فيما يشبه باستفتاء شعبى من صناعته الخاصة يؤكد خلاله أنه يؤيد مطالب الشرعية الشعبية التي تنقل السلطة وفق مراحل زمنية محددة إلى سلطة مدنية، مع حفظ الأمن والاستقرار خلال الأشهر القليلة الباقية على استكمال هذا الإجراء الذي سوف يشكل بداية جديدة لتأسيس نظام ديمقراطي حديث.
وعلى أرض الواقع، أبرز العديد من المراقبين نقاطا إيجابية كثيرة نتجت عن كثافة تصويت المصريين في تلك الانتخابات، حيث يعد إصرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إجراء الانتخابات وفق جداولها الزمنية المحددة سلفا وتأمين القوات المسلحة مع الشرطة للعملية الانتخابية، بمثابة تأكيد على أمرين مهمين، أولهما: أن المجلس
يثبت لشرائح المجتمع المختلفة أنه يسير نحو تسليم السلطة لا التمسك بها، حيث توازى مع عملية الانتخابات بدء تشكيل حكومة الجنزوري الجديدة التي ستعطى تفويضا بصلاحيات واسعة، إضافة إلى تشكيل مجلس استشاري.
وثانيهما، أن المجلس العسكري وعموم الشعب المصري قد أكدوا على عودة الاستقرار الأمني والهدوء النسبي إلى الشارع المصري بعد أن طمأنت هذه الانتخابات مصر والخارج بشكل كبير، لأنها أول انتخابات منذ سنوات طويلة لا تشهد تزويرا ممنهجا كما كان يحدث في الانتخابات السابقة أو وقوف جهة حكومية ما إلى جانب الحزب الحاكم بشكل أو آخر لإنجاحه دون سواه في الانتخابات.
ومن الطبيعي أن تشهد انتخابات مصر بعض التجاوزات والشكاوى، لكنها لم تمس صلب العملية الانتخابية، فمن بين أكثر من ألف شكوى قدمت إلى اللجنة العليا للانتخابات تم حل أغلبها، واقتصرت هذه الشكاوى على عدد من الأمور منها: استمرار الدعاية الانتخابية وخاصة من القوى الإسلامية أثناء سير العملية الانتخابية، والتأخر في فتح بعض اللجان الانتخابية، وعدم وجود بطاقات اقتراع أو عدم ختم البطاقات في أماكن قليلة، واستخدام الشعارات الدينية في الانتخابات، وحالات رشاوى انتخابية محدودة.. لكن هذه المخالفات لم تمس جوهر الانتخابات، إذ غاب التزوير الممنهج وغاب التسويد المألوف للصناديق الانتخابية وغابت إلى حد بعيد أعمال العنف والبلطجة أثناء سير الانتخابات.
ولعل هذا الأمر يفتح الطريق أمام القوى والأحزاب السياسية إلى أهمية تأكيد الطابع التنافسى الحقيقي بينها وترك الحكم للمواطن المصري العادي، هذه دعوة موجهة إليها خلال المرحلتين القادمتين من هذه الانتخابات.
وبالنظر إلى نسبة المشاركة الكبيرة للشعب المصرى فى المرحلة الأولى من الانتخابات، فإنها تترك دلالات إيجابية مختلفة، أبرزها أن هذه

الانتخابات شهدت خروج ما عرف بالكتلة الصامتة ربما للمرة الأولى لاختيار نوابها بعد عزوف واستنكاف طويل عن ممارسة الحق التصويتي الذي كان يذهب سدى قبل ذلك، وأن هذه النسبة تفوق نظيرتها في أي انتخابات سابقة بثلاثة أضعاف؛ ما يعني تعطش المصريين لممارسة حقوقهم وواجباتهم الدستورية.
ومن جانب آخر، فإن نسبة المشاركة تبدو مؤشراتها أعلى من المشاركة في استفتاء التعديلات الدستورية الذي أجري في مارس الماضي، وهو الأمر الذي يراه بعض المراقبين مؤشرا على عودة جزء كبير من الثقة الشعبية فى تطور الأوضاع نحو تسليم السلطة إلى المدنيين.
أما بالنسبة للقوى السياسية المختلفة وطبيعة تشكيل البرلمان الجديد، فيبدو أن القوى الإسلامية في طريقها إلى الفوز بنصيب كبير من المقاعد النيابية، ورغم ذلك لا يتوقع المحللون أن يحصد التيار الإسلامي الأغلبية المطلقة، وذلك يعود في جانب كبير إلى طبيعة النظام الانتخابي الجديد الذي تجري على أساسه الانتخابات، والذي يسمح بتمثيل العديد من القوى السياسية ومنع احتكار السلطة من تحالف واحد.
أما الأحزاب الجديدة، فإنها ستستفيد جديا من هذه التجرية الانتخابية الأولى، خاصة وأنها لم تأخذ الوقت الكافي لتنظيم نفسها والنزول من الحالة النخبوية إلى القاعدة الشعبية، حيث تساعد هذه التجرية تلك القوى الوليدة على تنظيم نفسها والاستعداد بشكل أكبر لكسب تأييد شعبي بمرور الوقت.
كما أن القوى الشبابية الثورية شاركت بكثافة في عملية التصويت، وسوف يكون لها مشاركة، ولو محدودة، في البرلمان المقبل، وسوف تندمج أكثر في الحياة السياسية إذا ما وازنت بين الفعل الثوري والعمل السياسي على الأرض.
ومن أبرز الإيجابيات التي يشهدها أول برلمان بعد ثورة 25 يناير هو التأكيد على قدرة القضاء المصري على إدارة العملية الانتخابية برمتها، من خلال الإشراف الكامل على الانتخابات، بعد أن تشكلت اللجنة العليا للاتنتخابات من 16 قاضيا مصريا في أعلى السلم القضائي للدولة.
ولعل نجاح القضاة بمشاركة القوى الأمنية والجيش في تأمين إجراء الانتخابات على
مدار يومين لهو دليل إضافي على القدرة الإدارية والتنظيمية لقضاة مصر.
وأخيرا، برزت أجواء التأييد الخارجي لما تشهده مصر من حراك سياسي وديمقراطي، ويدل على ذلك التقارير الواردة من المنظمات الدولية التي تؤكد على عدم وجود مخالفات جسيمة تشوب الانتخابات، وتأكيد الأمريكيين والأوروبيين وغيرهم على أن مصر تسير بخطى صحيحة نحو التحول الديمقراطي الذي يبغيه المصريون من تلقاء أنفسهم قبل أية قوى خارجية، فالمصري الآن أصبح صانع مستقبله ولن يقبل مجددا الاستبدادية أو التمسك بكراسي السلطة لأمد غير معلوم.