رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

«الوفد» تقتحم إمبراطورية «السايس»

بوابة الوفد الإلكترونية

«هناك فساد فى المحليات.. طب هنعمل إيه يعنى».. جزء من كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى المنتدى الأول لنماذج تأهيل الشباب للقيادة، بالفعل هناك فساد من بعض المسئولين فى الأحياء، هو سبب أساسى لإهدار المال العام، حتى تفشى الفساد بصورة رهيبة، وأصبح يرتع داخل المحليات، التى تدار فيها المصالح الخاصة على حساب مصالح المواطنين، ومن ضمن عمليات الفساد فى المحليات انتشار بلطجية تحت مسمى «سايس» بعلمهم.

فلا يخفى على أحد أن الفساد قد نخر واستشرى، ومد جذوره فى المجتمع، تأثير سلبى على أبناء الوطن، فالشعب يتساءل دائماً ما إذا كان رؤساء الحي، والمحافظون، ووزير المحليات أنفسهم غير قادرين على حل أزمة الفساد، والوقوف جنباً إلى جنب الشعب والرئيس، كيف يريدون أن يقضى المواطنون على الفساد وينهضون بالوطن الكبير، فبعد كل هذا ما زال الشعب يتساءل إلى متى يجب علينا الانتظار؟

«أنا واقف فى أرض السايس»

«أنا واقف فى أرض الحكومة».. مصطلح ابتذل فى الأفلام الكوميدية، وأحياناً يستخدمه الأطفال بمبدأ المكايدة للآخرين، وذلك باعتبار أن بالفعل الأراضى هى تابعة للحكومة المصرية، ولكن فى الآونة الأخيرة تغير كل شيء، وتحولت ملكية الأراضى من الحكومة إلى الفتوات، منهم من يقوم بالسرقة بالإكراه، ومنهم من يفرض إتاوات على المارة، ومنهم يسرق السيارات، ويحطم المحلات، وأصبحنا نعيش فى غابة لا كبير لها، الدستور هو السلاح الأبيض أو النارى بأنواعه، والرصاص هو القانون، ويبقى الشعب هو الضحية فى جميع الأحوال.

اختصنا فى هذا التقرير مهنة نعانى منها كل يوم، ولدت من رحم الزحام اليومى فى شوارع المحروسة، كحل عشوائى لأزمة انتظار السيارات، هى مهنة المنادى المعروفة باسم السايس، وفى الحقيقة هى مهنة من ليس له مهنة، فالعمل بها لا يتطلب سوى أن تكون بذىء اللسان، وقحاً أثناء التعامل مع أصحاب السيارات، يمسك بيده اليمنى «فوطة زفرة»، واليد اليسرى صافرة، يتوقف فى أى شارع، معلناً أن هذا المكان من اليوم ملكه، وبعض الأحيان يقوم الحى بتسهيل ذلك دون عناء وتعب، وعلى جميع من أصحاب السيارات الطامعين «بركنة» الخضوع لطلباته.

خلف ستار البحث عن لقمة العيش الحلال، يسمع كل من يقود سيارته العديد من العبارات المستفزة، منها: «هتتأخر يا باشا، حضن شوية، كل سنة وانت طيب يا باشا، اركن هنا».. من شخص أسرع من لاعبى كرة القدم فى الجري، إذا شاهد سيارة تركن، وقبل ما تترك السيارة، يصرخ الركين بجملة تتغير على حسب نوع السيارة: «الساعة بـ5 جنيه يا باشا»، ليعلن قانوناً يطبق أكثر من قانون الدولة، حتى بات مدخلاً للكسب السريع للبلطجية الذين يغلب عضلاتهم على كلامهم أثناء الحديث مع قائدى السيارات، وليزيد العبء بميزانية جديدة على المواطنين.

مغامرة الوفد.. فى نصف ساعة 40 جنيهاً.

وفى السياق نفسه، قررنا القيام بمغامرة صحفية، لنتعرف على ما يخفى حول مهنة السايس، وما يقوم به أعضاء هذه المهنة للاستيلاء على أكبر ميادين وشوارع المحروسة، وما يحققونه من أرباح طائلة، بعيداً عن أعين المحافظة، بل حكومة المهندس شريف إسماعيل، وإذا جاز التعبير عن الدولة كاملة بجميع مؤسساتها.

بعد أن أعددنا الملابس المناسبة، والأدوات اللازمة كالصافرة، خرجنا من مقر الجريدة، واتفاقنا على استخدام «حسام جراج» كاسم حركى فيما بيننا، اتجاهنا فى البداية إلى أحد أهم ميادين محافظة الجيزة، بما يميزه بالعديد من الشركات الخاصة والبنوك، ميدان الدقى، وبالتحديد أسفل كوبرى الدقى، ومع بداية وصولنا المنطقة أعين من حولنا من السياس لم تفارقنا، حتى تأكدوا من نيتنا فى السطو على مهنتهم، لم ينتظره بلوغ دقائق معدودة حتى أتانا أحدهم.

بلغة يصعب فهمه، وصوت يفوق صوت أول قطار عرف فى التاريخ، وعلامات الغضب تسيطر على وجهه، ينظر إلينا بعين حادة وثاقبة، وعينه كأنها تتوهج بالاحمرار، وتفتحت فتحتا الأنف قليلاً، وضم الشفتين فمه لبعضهما البعض، بدأ حديثه معانا بجملة: «أنت بتعمل ايه هنا أنت وهو.. مين وقفك هنا، الأرض دى ليها ناسها»، حاولنا أن نتدارك الموقف بالحديث عن معاناة الحياة، بالرد عليه قائلين: «إحنا جايين ناكل عيش هنا»، لم ينتظر حتى ننتهى من الحديث، وقال: «هتدفع 35 جنيه أرضية للمكان.. وهتوقف على يمة مركز البحوث الزراعية بشارع التحرير».

لم نلتفت كثيراً إلى حديثه، واتجاهنا إلى نهاية كوبرى الدقى بجوار وزارة الزراعة، لحسن حظانا لم يكن سايس المنطقة متواجداً خلال توجدنا، أو على طريقة حديث السايس «الملعب فاضى لينا»، فى البداية أخلينا منطقة عملنا من الحجارة المتوجدة فى عجالة من أمرنا، ثم بدأنا فى تحريك أيدينا بإشارات لركن السيارات المارة بالطريق، استجاب لنا البعض بالوقف، وكالعادة استخدمنا بعض التعبيرات التى يستخدمها أبناء المهنة منها: «حضن على جنب يا باشا»، وكأن من يركن سيارته منتظر مساعدة الركين، ولكنها فى حقيقة الأمر حُلى تجمل عمله.

تعلمنا من تجربتنا الأولى مع سايس الدقى طريقة الحديث، واستخدمناها بالفعل مع أصحاب السيارات، لا نعطى فرصة لقائد السيارة للحديث، طريقة الكلام بكل جدية، حددنا

تسعيرة خمسة جنيهات فى الوقفة، والدفع مقدم بدون قبول أى أعذار من «الزبون صاحب السيارة»، والغريب فى الموضوع أننا لم نجد أى مشقة أو إرهاقاً أثناء التفاوض على السعر، بل اتضح لنا أن ملاك السيارات بدأوا يتعودون على هذا المشهد دون ملل من المشاهدة.

الدقائق تمر بنا ونحن مستمرون فى العمل، تعاملنا فى الغالب مع عدد من طبقات المجتمع المختلفة، بجميع الشرائح، منهم الموظف فى وزارة الزراعة، ومنهم من يعمل فى شركات القطاع الخاص، ومنهم من يريد إنهاء بعض أوراقه، العديد والعديد، الرجال منهم والنساء، يختلفون فى أسباب ترك سياراتهم لدينا، ويجتمعون على جعل ميزانية خاصة لـ«بيه السايس».

مع مرور عشرين دقيقة، وقفت سيارة يرجع عمرها إلى جيل سيارات الثمانينيات، صاحب السيارة خالف القانون الذى حددناه، واكتفى بدفع ثلاثة جنيهات، لم يعجبنا الأمر فنحن ملتزمون فى العدل بين جميع السيارات منذ بداية المغامرة، لم يفرق معنا نوع السيارة إذا كانت موديل العام أو عفا عليها الزمان، تحدثنا مع صاحب هذه السيارة قائلين: «يا حاج الوقفة بخمسة جنيه»، لم يعط لنا فى البداية اهتماماً، ولكن مع تكررنا الحديث، أجاب لنا وهو داخل سيارته: «مش عجبك دول رجعهم»، ولم يكتف واستمر فى الدعاء علينا: «الله يخرب بيتكم هى ناقصاكم أنتم كمان»، ثم غادر المكان، حاولنا إيقافه ولكن دون فائدة.

السياس: «إحنا بتوع الحكومة»

بين كل الاتهامات التى توجه دائماً أفراد مهنة السايس، كالبلطجة والسرقة والتحرش بالفتيات، حاولنا أن ننقل صوتهم ليدفعوا عن أنفسهم.

يحكى عماد الألفي، سايس بمنطقة الدقى، فى عقده الثانى من العمر، أنه حصل على مؤهل جامعى من جامعة القاهرة كلية تجارة، ولكنه خاب أمله على الحصول على وظيفة، وفقاً لدراسته، ولذلك قرر أن يعمل فى أى مجال حتى يستطيع أن يكفى مصاريفه، قائلاً: «أنا أعمل إية يعنى.. مكانش فى قدامى غير شغل الشارع أركن عربيات، مش أحسن من إنى أقعد على القهوة وأشرب مخدرات.. أنا شغال شغل شريف».

عصمت النبوى، سايس بشارع التحرير بمنطقة الدقي، فى بداية عقده الثالث من العمر، مات والده، ولم يترك له سوى ثلاث فتيات هو أكبرهم، أجبر على العمل فى مهنة السايس، حتى يتمكن من توفير طعام لهن، ودفع إيجار شقة مكونة من غرفة واحدة ، ودورة مياه مشتركة للعقار كاملًا، بمنطقة بولاق.

أكد اللواء حسين عماد خبير أمنى - ومساعد وزير الداخلية سابقًا، أن مهنة السايس من المفترض خضوعها إلى المحليات، تحت إشراف مباحث إدارة المرور، كما يتم الكشف عنهم من خلال البحث الجنائى بشكل دائم، ولكن إهمال المحليات هو المتسبب فى انتشار المواقف العشوائية، وسيطرة البلطجية على ميادين وشوارع مصر.

ولفت عماد، فى تصريحات خاصة لـ«الوفد»، إلى أنه على وزارة الداخلية التنسيق مع وزارة التنمية والمحليات، لوضع حد لانتشار المواقف العشوائية، وتطبيق القانون على كل من يخالفه.

فيما قال مصدر أمنى بإدارة مرور محافظة الجيزة، إن بعض رؤساء المباحث هم المسئولون عن انتشار مهنة السايس فى المناطق التابعة للقسم، وذلك لتوفير المعلومات عن المخالفين للقانون، ويكون له عين متواجدة فى الشارع دائماً يبلغه عند حدوث شيء، لافتاً إلى أن قسمى الدقى والمهندسين من أكثر الأقسام التى تتبع هذا المنهج، بنشر بعض من لهم سوابق جنائية فى الشوارع.