رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صفعة قوية لأوباما ونتنياهو في جنيف

بوابة الوفد الإلكترونية

فيما اعتبر صفعة قوية لأوباما ونتنياهو، فشلت محاولات الدقيقة الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة في جنيف لوضع ضوابط فقط على صنع واستخدام القنابل العنقودية دون المصادقة على اتفاقية جديدة تسعى لحظرها نهائيا .

وكان دبلوماسيون من 114 بلداً أمضوا أسبوعين من المفاوضات بجنيف في مسعى للمصادقة على اتفاقية أوسلو بشأن حظر القنابل العنقودية التي تشكل خطرا كبيرا حتى بعد فترة طويلة من انتهاء الصراعات.

ودافعت الولايات المتحدة بشدة خلال المؤتمر الذي اختتم أعماله في 26 نوفمبر عن وجهة نظرها حول تقنين استخدام القنابل العنقودية دون حظرها تماما ، مدعومة من قبل المستخدمين والمنتجين الرئيسيين لتلك القنابل ومن أبرزهم الصين والهند وإسرائيل وروسيا.

وفي المقابل، أعلنت مجموعة من خمسين بلدا من إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية ومن بينها عدة دول وقعت على اتفاقية أوسلو لعام 2008 التي تفرض حظرا شاملا على استخدام وتخزين وإنتاج وبيع الذخائر العنقودية، رفضها المسعى الأمريكي، مشددة على أن أي شيء أقل من الحظر الكامل لهذا النوع من القنابل سيكون ردة غير مسبوقة على قوانين حقوق الإنسان.

ولعل ما يضاعف من حجم الصدمة التي تلقتها واشنطن وتل أبيب أن الولايات المتحدة قدمت خلال مؤتمر جنيف إغراءات كثيرة ، إلا أن هذا لم يجد نفعا .

وكانت واشنطن زعمت في البداية أن الاكتفاء فقط بحظر الذخائر العنقودية المنتجة قبل عام 1980 يقدم فرصة لتنظيم أبرز المستخدمين والمنتجين للأسلحة والذين يمتلكون نحو 85% من المخزونات العالمية ، لكنهم لم ينضموا لاتفاقية أوسلو.
بل وأعلنت واشنطن أيضا أنها ستتخلى عن مليوني قنبلة عنقودية ونحو مائة مليون من القنابل الصغيرة، وهو ما يفوق حجم الأسلحة الذي تخلت عنها الدول الـ111 مجتمعة التي وقعت اتفاقية أوسلو  .

ورغم الإغراءات السابقة ، إلا أن الدول المعارضة لم تتراجع عن موقفها وحذرت من أن الاكتفاء بوضع ضوابط على صنع القنابل العنقودية واستخدامها أمر من شأنه أن يضفي الشرعية على هذا النوع من الذخائر ، مما يمثل تراجعا عن اتفاقية أوسلو التي تهدف لحظرها نهائيا.

بل وفوجئت واشنطن بمعارضة شديدة لمسعاها أيضا من أهم حلفائها وتحديدا بريطانيا ، حيث كشفت صحيفة "الجارديان" أن بريطانيا تحالفت مع دول صغيرة لإحباط محاولة  من جانب الولايات المتحدة وروسيا والصين وإسرائيل للحصول على اتفاق دولي يصادق على الاستمرار في استخدام القنابل العنقودية.

وأضافت الصحيفة " تم استخدام قنابل عنقودية صغيرة في العراق وأفغانستان ولبنان ، مما أدى لإلحاق أضرار كبيرة وقتل مدنيين وأطفال بعد فترة طويلة من إسقاطها " ، موضحة أنها محرمة بموجب اتفاقية  عام 2008 التي تم تبنيها من قبل بريطانيا وأكثر من مائة دولة.

وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة رفضت التوقيع مجددا وقامت بالتفاوض في جنيف على مدار أسبوعين من أجل إضافة بروتوكول لاتفاقية الأمم المتحدة الموقعة في أوسلو من أجل توفير غطاء قانوني للاستخدام المتواصل للذخيرة العنقودية، إلا أن بريطانيا ودولا أصغر مدعومة من جانب وكالات من بينها منظمة العفو الدولية ومنظمة أوكسفام رفضت التنازل.

وانتهت "الجارديان" إلى القول :" لو تمت الموافقة على المسعى الأمريكي، لتم توفير غطاء دولي لمثل هذه الأسلحة مثل قنابل (بي إل يو-97)  ذات التأثيرات المشتركة التي تحتوي على قنابل صغيرة تتجزأ - أثناء سقوطها - ويمكن أن تتحول إلى سلاح حارق".

ورغم أن البعض وصف الفشل في التوصل إلى اتفاق في جنيف حول المصادقة على اتفاقية أوسلو بعد سنوات من المفاوضات يمثل ضربة لمصداقية الأمم المتحدة كمنتدى لتطوير القانون الدولي بشأن قضايا نزع السلاح ، إلا أن منع المخطط الأمريكي الإسرائيلي يعتبر إنجازا كبيرا في حد ذاته ، ليس فقط لأنه أبقى على الأمل بشأن حظر القنابل العنقودية في يوم من الأيام وإنما لأنه أنقذ أيضا العرب والمسلمين الذي كانوا حقل تجارب تلك القنابل من كارثة جديدة .

ولعل إلقاء نبذة على تلك القنابل يدعم صحة ما سبق ، فمعروف أن القنبلة العنقودية تتكون من عبوة تحتوي على جهاز توجيه نحو الهدف وتضم في داخلها مجموعة كبيرة من القنابل الصغيرة التي قد يصل عددها إلى أكثر من 200 قنبلة ، ويكون الهدف من استخدامها إلحاق أكبر ضرر ممكن في المناطق المستهدفة وشل حركة المدرعات والأشخاص وإضرام الحرائق ونشر الدمار والقتل.

وبالإضافة إلى أن قنبلة عنقودية واحدة قادرة على تغطية مساحة من الأرض تصل مساحتها إلى ثمانية ملاعب كرة قدم وإحداث دمار واسع بها ، فإن الأمر الكارثي أيضا أن أكثر القنابل الصغيرة لا تنفجر لحظة إطلاقها ولكن تستقر في الأرض كألغام قاتلة قد تنفجر ولو بعد مضي سنوات ، هذا بجانب أن مظهر وحجم القنابل العنقودية يجعل منها مصيدة تجتذب الأشخاص بمكر لأنها تشبه لعب الأطفال ، ولذا يقدر أن 60 بالمائة من ضحايا الإصابات التي تقع في صفوف المدنيين هم من الأطفال.

وهناك أمر آخر خطير وهو أن القنابل العنقودية تعوق عمليات إعادة البناء وإعادة التأهيل بعد توقف الأعمال القتالية، كما يستنزف تطهير المناطق الملوثة من القنابل غير المنفجرة الكثير من الأموال التي يمكن أن تنفق لسد الاحتياجات الإنسانية العاجلة.

ورغم أن استخدام القنابل العنقودية أدى لأكثر من 40 سنة إلى قتل الناس الأبرياء وتقطيع أوصالهم وسبب آلاماً لا تطاق وخسائر وصعوبات جمة لآلاف البشر

في أكثر من 20 بلداً ، إلا أن بعض الدول وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل استخدمت هذه القنابل بكثافة ضد الدول العربية والإسلامية تحديدا ولم تستجب لمطالب المجتمع الدولي بضرورة التوقف التام عن استخدامها كسلاح في الحروب .

ففي حرب تموز 2006 ، ألقت إسرائيل أطنان من القنابل العنقودية على لبنان لم ينفجر منها أعداد كبيرة وما زالت تشكل خطرا داهما على حياة المدنيين ، بل وحددت الأمم المتحدة أكثر من 770 موقعا في لبنان موبوء بهذه القنابل ، موضحة أن معظم هذه القنابل تم إلقاؤها خلال الساعات 72 الأخيرة من الحرب وأن الحكومة الإسرائيلية رفضت تزويدها بالخرائط التفصيلية للمناطق التي استهدفتها قواتها بالقنابل العنقودية.

كما كشفت المنظمة الدولية أن عدد الإصابات في صفوف العسكريين اللبنانيين وبعض العاملين الدوليين في جنوب لبنان بلغ 51 إصابة ، في حين بلغت حصيلة الضحايا في صفوف المدنيين منذ انتهاء الحرب في أغسطس/آب 2006 أكثر من 250 بين قتيل وجريح ، محذرة من أن عمليات نزع الألغام لم تحقق سوى تنظيف نحو 43% من المساحة التي تغطيها.

وبجانب لبنان ، فقد تسبب هذا السلاح بإصابات كبيرة جدا في صفوف المدنيين في العراق وكوسوفو وأفغانستان يفوق عددها الإصابات التي تسببت بها أية منظومة أسلحة أخرى.

وكانت وزارة البيئة العراقية تحدثت مؤخرا عن أكثر من 55 مليون قنبلة عنقودية ألقيت على بلاد الرافدين بين عامي 1991 و2003، علما بأن عدد سكان العراق في حدود 30 مليون نسمة هاجر منهم نحو 4 ملايين منذ 2003، وهو ما يعني وجود قنابل بضعف عدد المواطنين العراقيين.

بل وكشفت وزارة البيئة العراقية في بيان لها أن الإجراءات المتخذة من قبل السلطات المختصة لمعالجة أخطار ملايين القنابل التي سقطت على العراق خلال العقدين الماضيين غير كافية ولا ترقى إلى مستوى الأخطار البيئية الناجمة عن سقوط ما يزيد عن 55 مليون قنبلة منذ حرب عام 1991 وحتى الآن ، موضحة أن انبعاثاتها لا تزال موجودة وتؤدي إلى تلويث الهواء وبالتالي الإضرار بالإنسان ، فضلا عن كل الكائنات الحية بالعراق.

ورغم أن الجرائم السابقة التي تشقعر لها الأبدان تتطلب الضغط على أمريكا وإسرائيل لوقف استخدام تلك الأسلحة المدمرة ومحاكمة مجرمي الحرب فيهما ، إلا أن مئات المنظمات غير الحكومية، ومن ضمنها منظمة العفو الدولية، وناجين من الانفجارات العشوائية للقنابل العنقودية ، هم الذين تحركوا لوقف تلك المجزرة البشرية وتجمعوا تحت مظلة "ائتلاف القنابل العنقودية"، الذي تشكل في بداية  2003 ، من أجل توقيع معاهدة لحظر القنابل العنقودية . 

وبدأت المفاوضات بشأن المعاهدة في دبلن في مايو/أيار 2008، وانتهت بتوقيع اتفاقية الذخائر العنقودية، التي تحظر إنتاج وتخزين واستخدام وتصدير القنابل العنقودية، خلال حفل نظم في أوسلو بالنرويج في ديسمبر من العام ذاته ، ورغم توقيع 111 دولة عليها حتى الآن ، إلا أنه ينبغي التصديق عليها من جانب 30 دولة حتى تدخل حيز النفاذ ، وهو ما لم يتحقق في مؤتمر جنيف ، حيث سعت الولايات المتحدة وروسيا والصين وإسرائيل التي مازالت ترفض التوقيع على الاتفاقية لعرقلة إتمام هذا الأمر بكل ما أوتيت من قوة .

ويجمع كثيرون أن اصرار المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان على خروج الاتفاقية للنور سيسفر عاجلا أم آجلا عن نتائج إيجابية حول حظر تلك الأسلحة التي تسبب الموت والإصابة للمدنيين أثناء الحرب ولسنوات بعد انتهاء الأعمال القتالية بسبب التلوث القاتل الذي تخلفه عندما لا تنفجر محتوياتها لدى ارتطامها بالأرض.