عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وثيقة ذبح الإعلام بين السلمي والإخوان المسلمين

لماذا يحاول البعض تقييد حرية الصحافة والإعلام؟، لماذا صاغت التيارات الإسلامية مواد تقضى على المساحة المتاحة للصحفيين والكتاب؟، لماذا اتفقت الحكومة وجماعة الإخوان على وضع بنود بالدستور تعيد الصحافة إلى عصر الديكتاتوريات؟، هل قامت الثورة لكي نحقق مكاسب في حرية الرأي أم لنعود لعصر الصوت الواحد؟،

هل تقوم الشعوب بثورة على الأنظمة الحاكمة لكي تتحرر أم لكي يولوا من يقيدهم ويدخلهم السجون؟، هل ثرنا على مبارك وعزلناه لكى يحكم من هو أسوأ منه؟، ما هو الهدف من إصدار وثيقة تتضمن مبادئ دستورية تقيد الحريات؟، لماذا تفكر الحكومة والأحزاب الدينية في فرض الرقابة على الصحف؟، لماذا يخططون لمصادرتها وتعطيلها؟.
يقال إن حرية التعبير هي أم الديمقراطية، وعنها تتفرع العديد من الحريات، ويقال إنها المدخل الحقيقي لممارسة الحقوق الفكرية والثقافية، مثل النقد وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي، وحرية الإبداع الفكري والأدبي والفني.
وقيل إن حرية الصحافة والإعلام هي أهم مظهر لحرية التعبير، وإن الديمقراطيات تقاس في الدول بمساحة الحريات المتاحة للصحفيين والإعلاميين، وأن البلدان التي تغرق في الديكتاتورية لا تعرف الصحافة والإعلام الحر، وأمام خطورة وأهمية هذه النوع من الحريات على مسار الحكم، حاول أغلب الحكام فى العالم الثالث تحديد سقف يتناسب مع رؤيتهم في إدارة شئون البلاد، منهم من قيدها بقوانين تزج من تجاوزها إلى السجون، ومنهم من أطلقها لدرجات لا تمسه هو كحاكم، وفى مصر كثائر البلدان العربية حرص الحكام على الإمساك بزمام الحريات بقبضة من حديد، خاصة حرية الصحافة والإعلام، حيث قاموا بتقييدها بالعديد من القيود، تارة بالدساتير وأخرى في قوانين العقوبات وثالثة بتحديد ملكيتها، إذ رفض أغلب الحكام العرب نقل ملكيتها إلى الأفراد، وظلت لسنوات رهينة في تركة الحكومة، تستخدم كبوق وأداة للترويج والتبرير والتزييف، حتى عندما سمح منذ سنوات بتمليكها للأفراد وضعوا العشرات من العوائق في التأسيس والتحرير، وبات على المشتغلين بالصحافة والإعلام أن يجاهدوا من أجل تخفيف هذه القيود، خاصة التي تفرض بقوانين مثل المصادرة والإغلاق وعقوبات الحبس والغرامات المرتفعة في قضايا الرأي.
رقابة وتعطيل وإيقاف
لم يكن غريبا أبدا أن تفاجئنا حكومة الحاج شرف بورقة السلمي المسماة بوثيقة المبادئ الدستورية، ولم يكن غريبا أيضا أن تتضمن هذه الوثيقة قيدا جديدا لهذه الحرية، لكن المؤسف في هذه الورقة أن تفكر حكومة الحاج شرف في العودة بهذا الحريات إلى سنوات ما قبل التاريخ، وكأننا لم نقم بثورة ضد الفساد والقهر والديكتاتورية، حيث فرضت في الوثيقة المشئومة قيودا كنا قد جاهدنا سنوات لكي نلغيها، وهى الرقابة والمصادرة والتعطيل للصحف وللفضائيات، إذ جاءت المادة في صياغتها الأولى مفخخة بقنابل قد تنسف حلم الدولة المدنية والديمقراطية الذي نسعى إليه.
حيث نصت على التالي: "حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام مكفولة، بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة وحقوق الغير، والمقومات الأساسية للمجتمع المصري، ويحظر فرض الرقابة على وسائل الإعلام أو مصادرتها أو تعطيلها إلا بموجب حكم قضائي مسبب ولمدة محددة".
قبل أن نحلل نص المادة ونوضح خطورته على حرية الصحافة والإعلام وعلى المجتمع ككل، علينا أن نلقى الضوء على حرية التعبير فى الدساتير المصرية، ما الذي سمحت به؟، وكيف تناولت هذه الحريات؟.
أول قانون للمطبوعات
قبل 130سنة تحالف الخديوي وبعض النخبة مع الجيش البريطاني، ولقى جيش الزعيم أحمد عرابى هزيمة منكرة، ووقعت البلاد فى قبضة الاحتلال، أيامها كان لابد أن يفرض الخديوي قبضته على البلاد، خاصة على الصحف والمجلات التي كانت تساند زعيم الفلاحين أحمد عرابي، فصدر أول قانون للمطبوعات في 26 نوفمبر 1881، منح الخديوي سلطة تصفية وإغلاق هذه الصحف، وفى ٢٣ سبتمبر1882 تم إلغاء جريدتي الزمان والسفير وعطلت جريدتا المفيد والنجاح، وألقت سلطات الاحتلال القبض على صاحبهما حسن الشمسي، وقامت بنفي الشيح محمد عبده إلى باريس، واشترطت لعودته عدم العمل بالصحافة مرة أخرى.
دستور 1923
بعد 42 سنة من هذه الواقعة ولد أول دستور للبلاد، وتضمنت نصوصه بندا يمنح قوات الاحتلال البريطاني سلطة التعطيل والمصادرة للصحف، حيث أكدت المادة  15 أن: "الصحافة حرة في حدود القانون، والرقابة على الصحف محظورة، وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور كذلك، إلا إذا كان ذلك ضرورياً لوقاية النظام الاجتماعي".. وقد سبق ووضعت اللجنة المعدة بندا (المادة 14) تعريفيا لحرية الرأي لكنه لم يكن مطلقا حيث قيدت الحرية فيه بالقانون:" حرية الرأي مكفولة. ولكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو الكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون"، وهذه المادة وسابقتها تم تكرارهما في دستور عام 1936، وفى نفس العام أصدرت الحكومة قانونا جديدا للمطبوعات، وهو القانون رقم 20 لسنة 1936، والذي تتضمن العديد من القيود على تأسيس الصحف، كما منح الحكومة ووزير الداخلية حق مصادرة الصحف الأجنبية ومصادرة الصحف المحلية في حالة انتهاكها للقانون.
دستور الثورة
عندما قامت ثورة يوليو 1952، قام مجلس قيادة الثورة بتعطيل الأحزاب وإغلاق الصحف وتأميمها، وعمدت إلى نقل ملكية الصحف من الأفراد إلى الحكومة، وأصبحت وسائل الإعلام تخضع لسياسة وأجندة ورقابة الحاكم، يتم تعيين رئيس تحريرها من بين أحد رجالهم، صحيح عندما أصدروا أول دستور اهتموا بحرية الرأي(المادة44) وأكدوا أن:" حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك في حدود القانون"، كما اهتموا كذلك بالصحافة وحريتها في حدود القانون(المادة45):"حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً لمصالح الشعب وفى حدود القانون"، (وأنظر نفس المواد في دستور 1964، المواد رقم 35 و36)، وكما هو واضح فقد ألغت ثورة يوليو من النصوص الرقابة والإنذار والإيقاف وإلغاء الصحف بالقرار الادارى التي كانت من أدوات الاحتلال البريطاني لفرض سلطته على حرية الرأي، وهذه الخطوة المتقدمة ليست بالطبع لإيمان قيادات الثورة بحرية الرأي والصحافة، بل لأن هذه الصحف أصبحت من ممتلكات الحكومة وتحت مراقبتها المباشرة، فما الداعي لإصدار قرارات أو أحكام بالمصادرة والإنذار والإلغاء، حيث أصدرت أول قانون للصحافة، (رقم 156 لسنة 1960 )، وصدر في 24 مايو 1960 بهدف "تحرير الصحافة من سيطرة الرأسمالية"، وفقا للمادة 3، حيث نقلت ملكية الصحف إلى الحكومة، تحت إشراف الاتحاد الوطني، أو الاتحاد الاشتراكي كما عرف بعد، والذي منح حق منع ومنح ترخيص للعمل بالصحافة.
دستور السادات ومبارك
في الدستور الدائم خصص ثمانية مواد(47 و 48 و 206 : 211) للحديث عن حرية الرأي والتعبير، أهمها المادة 47 :"حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني"، والمادة 48:"حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور، ويجوز استثناء في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي، وذلك كله وفقًا للقانون"، وكما هو واضح  جعل من القانون حدا وسقفا لحرية الصحافة، كما منح السلطة التنفيذية حق إصدار قرار بالإنذار أو بالرقابة أو الوقف أو الإلغاء في حالة الحرب أو الطوارئ.
وثيقة السلمي
المؤسف أن مادة السلمي اللقيطة ليس لها أصل

في دستور الرئيس مبارك الذي قامت الثورة ضده، كما أنها تخالف الفقرة الأولى من المادة 48 والتي جاء فيها بالنص:«.. الرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الادارى محظور»، وهذا الحظر تم تكراره فى المادة 208 من الدستور، حيث نقلت الفقرة بنصها، وذلك لأن الصحافة حسب المادة 206: «سلطة شعبية مستقلة»، وهذه السلطة (المادة207):«تمارس الصحافة رسالتها بحرية وفى استقلال في خدمة المجتمع بمختلف وسائل التعبير، تعبيرا عن اتجاهات الرأي العام وإسهاما في تكوينه وتوجيهه، في إطار المقومات الأساسية للمجتمع، والحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وذلك كله طبقا للدستور والقانون».
المؤسف في الأمر أن الدكتور السلمي بعد أن قامت الدنيا على وثيقته اللقيطة في إصدارها الأول، أسرع وأدخل بعض التعديلات عليها، انحصرت التعديلات بالإيجاب على المادة التاسعة، لكن في المادة الثالثة عشرة أدخل تعديلات في غاية السوء، يؤكد سوء النوايا ويقطع بأن هذه الوثيقة اللقيطة صدرت في الأساس لضرب حرية الرأي والتعبير، من أجل تكميم الأفواه وتقييد حرية الصحفيين والإعلاميين، حيث قام السلمي ومن معه بحذف آخر جملة من الفقرة الثانية، وهى: «مسبب ولمدة محددة»، وهو ما يعنى تعطيل ومصادرة وإيقاف وسائل الإعلام بحكم قضائي لأي فترة، وليس لفترة تحدد في القوانين.
وهذه الفقرة سيئة السمعة تعيدنا إلى المادة 200 من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، التي كانت تقضى بتعطيل الصحف لمدة تبدأ من شهر وتنتهي بعام، حيث نصت المادة على التالي: «إذا حكم على رئيس تحرير جريدة أو المحرر المسئول أو الناشر أو صاحب الجريدة في جناية ارتكبت بواسطة الجريدة المذكورة أو في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادتين 179(يعاقب بالحبس كل من أهان رئيس الجمهورية) و308 (إذا تضمن العيب أو الإهانة أو القذف أو السب طعنا في عرض الأفراد أو خدشا لسمعة العائلات)، قضى الحكم بتعطيل الجريدة لمدة شهر بالنسبة للجرائد الأسبوعية، ولمدة سنة في الأحوال الأخرى.
فإذا حكم على أحد الأشخاص المذكورين في جريمة ارتكبت بواسطة الجريدة غير الجرائم المذكورة في الفقرة السابقة جاز الأمر بتعطيل الجريدة لمدة لا تتجاوز نصف المدة المقررة بها.
وإذا حكم بالعقوبة مرة ثانية في جريمة مما ذكر بالفقرة الثانية وقعت في أثناء السنتين التاليتين لصدور حكم سابق جاز الأمر بتعطيل الجريدة مدة تساوى مدة العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى .
وإذا حكم بالعقوبة مرة ثالثة في جريمة مما ذكر بالفقرة الثانية وقعت في أثناء السنتين التاليتين لصدور الحكم الثاني وجب تعطيل الجريدة مدة تساوى المدة المنصوص عليها في الفقرة الأولى».
وقد ألغى الرئيس مبارك هذه المادة بعد مطالبات من الصحفيين، وقد تم الإلغاء مع تعديل بعض مواد قانون العقوبات، وجاء في القانون رقم 147 لسنة 2006، ومنذ هذا العام لم يتبق أمام الصحفيين وأصحاب الرأي سوى مواد الحبس التي سبق ووعد الرئيس مبارك قبل عزله بسنوات بسيطة بإلغائها.
د.على السلمي ومن معه في وزارة الحاج شرف، لم يكتفوا بحذف التخصيص من فترات التعطيل والمصادرة والإيقاف في الإحكام، بل قاموا بإضافة الفكر والآداب إلى جانب الصحافة ووسائل الإعلام، حيث تتم معاقبة الشعراء والروائيين والنقاد والزجالين وشعراء الأغاني وكتاب القصة وكتاب المقالات الفكرية، بمعنى آخر السلمي وأعوانه قرروا في الإصدار الجديد من الوثيقة اللقيطة أن يحاصروا كل العقول، ويقصفوا جميع الأقلام، ويكمموا كل الأفواه.
الإخوان ونص الصحافة
المفاجأة في هذه القضية أن أغلب الأحزاب والتيارات الإسلامية، أو أغلب من رفضوا الوثيقة، سبق ووقعوا بالموافقة عليها، والمؤلم أن جماعة الإخوان هي التي قامت بوضع بنود وثيقة السلمي بالمشاركة مع بعض الأحزاب، وقد جاءت وثيقتهم فى 21 بندا، بينها البند رقم 13 الذي يتضمن فرض الرقابة والمصادرة والتعطيل للصحف بحكم قضائي، وقد حررت الوثيقة في مقر حزب الحرية والعدالة بحى المنيل، وتم التوقيع عليها هناك من قبل 34 حزبا سياسيا، منها العديد من الأحزاب ذات المرجعية الدينية، وقد قامت الحكومة ممثلة في نائب رئيس وزرائها الدكتور على السلمي، بإضافة الفقرة الخاصة بالمجلس العسكري إلى المادة التاسعة، ودفعت بالوثيقة إلى الساحة السياسية، والطريف أن أول من هاجم هذه الوثيقة وأعلنوا رفضهم لها كانت الأحزاب ذات المرجعية الدينية، الحرية والعدالة وحزب النور ..
وهذا بالطبع ما يثير دهشتنا، إذا كانت الوثيقة من صنيعة الإخوان المسلمين والأحزاب ذات المرجعية الدينية وبموافقة بعض الأحزاب السياسية، لماذا يرفضونها اليوم؟، هل فقط للبند الخاص بالمجلس العسكري الذي أضافه السلمي؟، ولماذا اتفقتم على ذبح الصحافة ووسائل الإعلام؟، لماذا اخترتم تطبيق مبدأ السيئة تعم والحسنة تخص؟، وما هو مصير الصحافة والفضائيات عند توليكم الحكم؟،
وهل الثورات تقام للحصول على مكاسب أم لكي تنتكس وتتقهقر بالشعب إلى الوراء؟، هل كنتم والحكومة تمهدون للعسكريين الحكم أم تفسحون المجال لأنفسكم؟، لماذا تحاولون ذبح الصحافة والفضائيات؟.