رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مسمار أخير في نعش الثورة

أرى بعين الخيال نعشا وقد بدأ يتزين بشعار طالما حلمت به مصر ..

خبز .. حرية .. عدالة اجتماعية ..

أرى قوى "وطنية" وقد أخذت على عاتقها مهمة إنهاء ثورة شعبية أذهلت العالم لمصالح شخصية قحة. ولا أتكلم هاهنا عن فلول النظام السابق فقط, بل قوى كانت تحمل لقب قوى ثورية مساهمة في ثورة الشعب.

أتكلم عن أناس سيشهد عليهم التاريخ ..

أتكلم عن شخصيات وسياسات وقرارات ستتهم يوما بالخيانة ..

فماذا حدث ؟!

كنا قد تكلمنا في السابق عن أنفجارات قد تحدث لو تمسك العسكر بمكتسبات إنقلاب يوليو 1952, لكني لم أتوقع في أسوأ كوابيسي أن تذهب تصرفات العسكر إلى كل هذا العنف سواء في الأداء أو في الإدارة أو حتى في التصريحات. لم أتوقع إنشقاق القوى الإسلامية عن الثورة بهذه السرعة, كما لم أتوقع أن يتخلى الإسلاميون عن حيادهم أو مناصرتهم للثورة لدرجة محاربة مبادئها.

وهنا يبرز سؤال في غاية الأهمية ؟

هل العسكر فلول ؟! أم أن الفلول تتحكم في قراراتهم ؟!

رغم قسوة التسائل, إلا أنه في موضعه. فعندما قرر الثوار التصعيد السلمي, قرر العسكر التصعيد اللاسلمي. وبدأت حملتهم تلك بشكل رسمي بإصدار قانوني إنتخابات مجلسي الشعب والشورى, وهو ما سيؤدي إلى إنهاء الحالة الثورية بالكامل لأسباب عديدة نذكر منها إعطاء فرصة تاريخية لفلول الحزب الوطني لمعاودة نشاطهم السياسي -والذي ربما يأخذ طابعا انتقاميا أيضا- الذي أثبتت التجربة العملية أنه كارثة حقيقية. خمسون بالمائة من طاقة المجلس سيتم اقتناصها بالمال والبلطجة, وربما يظهر أحمد عز جديد أيضا. أما القوائم فربما يفاجأ العسكر أن معظمها لن يمس بل ربما تكون نتائجها غير منطقية بالمرة, لأنه ببساطة جانب عظيم من الشعب المصري لا يستطيع فهمها على الإطلاق. قوانين الإنتخاب ربما تكون رائعة, لكنها ستؤدي إلى كارثة حقيقية, وكان من المفترض أن يتم منع أعضاء الحزب الوطني من ممارسة النشاط السياسي لدورتين كاملتين حتى لا ننتقد تلك القوانين ونخافها. وحتى لو حدث ذلك, فنظام القائمة النسبية سيحتاج فترة أطول حتى يستوعبه الشعب المصري الذي من المفترض أنه يمارس الإنتخاب الحر لأول مرة منذ عقود. ولا ننسى أن هذا المجلس سيسطر دستور البلاد بعد الثورة, وعندها قد نفاجأ بدستور 71 معدل, لا أكثر ولا أقل.

هل اكتفى العسكر ؟!

بالطبع لا, فقد أخذت تصرفاتهم منحى في منتهى الخطورة, وراح يتبع خطوات جهاز أمن الدولة الغير منحل في حرفية عالية تليق بالعسكر. فهذا الجهاز حاول احباط الثورة بالفتنة الطائفية, وفشل تماما. أما العسكر فيحاولون احباط الثورة بالفتنة الفكرية, وهو ما يستحق الإعجاب, فمسلم ومسيحي اختفت وظهر بدل منها "مع الاستقرار" و"ضد الاستقرار" ثم تطورت إلى "مع الجيش" و"ضد الجيش". فانقسم المصريون وبشكل حاد وعنيف, وانشقت قوى ثورية عن الثورة وأصبحت "مع الاستقرار" و"مع الجيش".

المجلس العسكري حمى الثوار بالفعل, وكنا في أولى أيامها نبرر ذلك بخوفه على الوطن والمواطنين. أما الأن فتصرفاتهم تثير الخيال الذي ربما يصل لحد ايجاد مبررات غير التي يحاولون اقناعنا بها, ربما تصل تصوراتنا الى أن خطر إنهاء حكم العسكر كان محركا أساسيا, أو ربما خوفا من فتح ملفات سرية كتلك التي يتم فتحها بشكل يومي فتدين رمز من رموز نظام مبارك. الإحتمالات لا حصر لها, ومنطق التفكير وإعمال العقل له ما يبرره من

تصرفات العسكر.

الحقيقة أن المجلس يحاول دق مسمار أخير في نعش الثورة المصرية, أقول يحاول لأن هذا المسمار هو أخير في نعش فترة حكمه, وليس في نعش الثورة. فحملة التخوين الفجة في شباب الثورة ستحولها إلى ثورة شباب من جديد, وسنعود إلى يوم 25 يناير, إلى البداية, وربما عدنا بالفعل يوم 23 يوليو 2011. ولا نستبعد جمعة غضب أخرى وموقعة جمل أخرى. الشباب رفض الحكم البوليسي في عيد الشرطة, ورفض حكم العسكر في عيد الجيش. والتاريخ يعيد نفسه بقسوة. ولمن سيرى بعين الطائر سيدرك أنها ثورة شبابية تحولت إلى ثورة شعبية وعادت شبابية من جديد.

المجلس العسكري يضع الشعب بين خيارين لا ثالث لهما, إما شرعية يوليو, وإما شرعية يناير. لكنه يقوم بضغط معنوي حتى يحرك المشاعر ناحيته, فيستخدم مصطلحات مثل قوله أن ثورة يناير هى امتداد لثورة يوليو, أو أن الثورتان نادتا بنفس المبادئ, كما إنه يقوم بتخوين من يحاول حتى التفكير في شرعية يوليو المنتهية أو المشرفة على الإنتهاء.

فماذا سيختار الشعب ؟!

شرعية العسكر ؟ أم شرعيته هو ؟!

سؤال بسيط واجابته أبسط, نظريا بالطبع. فعمليا العسكر ينجحون بشكل ساحق في إقتناص فرصة ذهبية ليعيدون شرعيتهم التي أنهاها -أو حاول- الرئيس الراحل أنور السادات في منتصف السبعينيات. والدليل مجموعة الضربات المتلاحقة في الأونة الأخيرة, بدءا بتظاهرات ميدان روكسي مرورا بجمعة القوى الإسلامية وبيان تخوين شباب الثورة انتهاءا بحصار مسيرة العباسية وتحريض الأهالي على وأدها بعنف. كل ذلك متوج بستار إعلامي مهول بوقه من ماسبيرو.

العسكر إذن ليسوا فلول لنظام سابق, بل هم نظام منفصل قائم بذاته ينجح بشكل استراتيجي في إنهاء الحالة الثورية الشعبية ويؤكد على عودة الروح الإنقلابية العسكرية, هذا من ناحية.

ومن الناحية الأخرى نجد شباب ثائر لا يسعى لحكم البلاد, بل يسعون لأقامة دولة حرة عادلة ..

وغالبية الشعب عليها أن تقرر ..

إما "الإستقرار" الذي يعود بنا إلى نظام حكم بائد ..

وإما "عدم الإستقرار" الذي سيشهد التاريخ أنه حاول بإخلاص بناء دولة العدل ..

وتبقى شهادة حق ..

شباب مصر الذي عانى التهميش والإضطهاد لعقود عاد بقوة لبينى مصره ..

جاء ليعيد كتابة تاريخ بلاده ..

نجح فيما فشل فيه آخرون ..

جاء ليبقى ..