عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد قدوة تقتدى (3)

بوابة الوفد الإلكترونية

لقد شملت رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيوان الأعجم، فنبه من يرعاه بألا يتركه يُجوع أو يُحمَّل عليه ما يكون فوق طاقته.. فقال في رحمة بالغة حين مَرَّ على بعير قد لحقه الهزال: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ ‏فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً».

عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من النَّاس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفًا أو حائش نخل، قال: فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النَّبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه، فسكت، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؟ فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه  .

وعن رحمته بالطير والحشرات، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمرةُ فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار.

بل ويطالب بأن يرحم الحيوان في حالة ذبحه، فإن كان لابد وأن يُذبَح فلتكن عملية الذبح رحيمة، فيقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَة،َ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».

بل إنه صلى الله عليه وسلم يتجاوز البهائم إلى الطيور الصغيرة التي لا ينتفع بها الإنسان كنفعه بالبهائم، وانظر إلى رحمته بعصفور!!

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا‏ عَجَّ‏ ‏إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ».

ونحن هنا لا نقدم حصرا لما يرحم من حيوان أو طير، فلقد شملت رحمته حتى ما لا روح فيه أصلاً، فإنما هي رحمة بكل الخلق.

فها هو صلى الله عليه وسلم يتعاطف مع جبل أُحُد، رغم كونه صخرا أصم، فهو لا يريد للناس أن تتشاءم منه لحدوث مصيبة للمسلمين

عنده، ولا يريد لهم أن يكرهوه دون جريرة ولا جريمة.فقال صلى الله عليه وسلم، وهو يشير إلى جبل أُحد: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ».

أية رحمة.. وأي رفق.. وأي عطف.. وأي حنان هذا؟!

إنه يرحم الحياة كاملة..

يرحم من يعرف ومن لا يعرف..

إنه يُطَبِّق ما أراده الله عز وجل مِنْ خلقه ولخلقه..

 فالله سبحانه وتعالى أراد من مخلوقاته الرحمة، وأراد لهم الرحمة..

وهذه هي رسالة الإسلام في حقيقتها، وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقيقته..

فالناس لا تفهم الإسلام حق الفهم.. إنهم قصروه على بعض العبادات والحدود.. ولكن الاسلام ليس هذا فقط..

فلا يدخل الجنة من أدى العبادات وأقام الحدود، ثم هو يعيث في الأرض مفسدًا لها، ظالمًا لأهلها، قاسيًا على من يعيشون فيها..

إن أهل الجنة هم الرحماء أصحاب القلوب الرقيقة والمشاعر المرهفة، أما أهل النار فهم الغلاظ الجفاة الذين تحجَّرت قلوبهم، واستكبرت نفوسهم، فلم يرحموا خلق الله، ولم يرأفوا بحالهم..

إن الفارق بين الطائفتين شاسع، والمسافة هائلة، كما بين السماء والأرض، أو أبعد من ذلك!!

إنه الفارق بين من فَهِم الإسلام ومن لم يفهمه!!

وصدق الله العظيم إذ يقول مخاطبًا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».

وعلينا أن ندرك أن السبب الذي جمع الناس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أبدًا قوة السلطان، ولا سطوة السلاح.. إنما الذي جمعهم حقيقةً - كما ذكر ربنا - هو رحمة الله التي ألانت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء على هذه الصورة الرحيمة متناهية الرحمة.

 

... وللتدبر مواصلة